الحديث عن حكومة حيادية لادارة الانتخابات النيابية المقبلة ليس كافياً. فالمهم ان تكون الحكومة لبنانية، من صنع الارادة اللبنانية أولاً وقبل أي شيء آخر. واذا كان قانون الانتخاب المتداول راهناً على أساس القضاء يلبي رغبات الكثيرين، فاننا لا نعتبر اقراره منة من الحكومة، ولا من رئيس الجمهورية، ولا حتى من سوريا. فقوة المعارضة، وصلابتها، واتساعها المضطرد على قاعدة رفض الامر الواقع والتبعية العمياء، والاستعباد، هذه العوامل هي التي تفرض نفسها بقوة على المسرح اللبناني، وتحمل السلطة اللبنانية المستتبعة، والاوصياء عليها، على النظر ملياً في عواقب عدم احترام رغبات اللبنانيين وتوقهم الى الحرية والسيادة الوطنية والاستقلال. ان المعارضة العاملة على المصالحة الشاملة هي التي تفرض اجندتها على بقايا عصر التبعية العمياء، وهي تحديداً الجهة التي ستضرب موعداً مع الشعب في صناديق الاقتراع بعد تسعين يوماً.
لا بد من هامش للحديث عن الأمن، فنحن نعرف ان جريمة محاولة اغتيال مروان حماده المعروفة المصدر كان يمكن ان تكون فاتحة مسلسل اغتيالات في البلد في محاولة يائسة لايقاف عجلة التاريخ. ونعرف ان المجتمع الدولي وجه الرسائل المناسبة الى من يلزم لتحمل المسؤولية عن كل شعرة تسقط من رأس شخصية معارضة أو مستقلة في لبنان. وفي هذا الاطار نعتقد ان تجميد مسلسل الاغتيالات عند هذا الحد لا يدل على حس تصالحي وانما لان وجهة الاتهام، شأن جريمة مروان حماده، ستكون واحدة لا تحتمل الاجتهاد. فحذار اي تلاعب بالأمن تحت وهم ان هز الاستقرار يؤخر الاستحقاقات المحتومة، فالتغيير آت مهما فعلوا.
وبالعودة الى قانون الانتخاب العتيد، يعرف القاصي والداني ان الاخوة في سوريا هم الذين أوحوا به لاكثر من سبب أهمها الايحاء للمجتمع الدولي ان سوريا لا تتدخل، بدليل ان حلفاءها هم المعترضون على القانون، في حين ان المعارضة هي الجهة الراضية عنه. طبعاً، لا يسعنا ان نرفض القانون الموحى به، ولكننا نقول ان الانتخابات لا تقتصر على مسألة القانون، فالتدخلات لم تتوقف، وانما باتت أقل انكشافاً، والحكومة اللبنانية لا تزال مأمورة من الخارج بالكامل، ومثلها الاجهزة الامنية، والنيابات العامة، وبعض القضاء الجالس الذي يقاوم معظمه استباحة استقلاله بأبشع الوسائل. من هنا، فان اقرار المجلس النيابي القانون الذي أوحوا به، اذا حصل، يتطلب اسقاط هذه الحكومة الفاقدة الاهلية والشرعية السياسية، والاحترام، واستبدالها بحكومة اخرى تنبثق من الارادة النيابية اللبنانية بعيداً عن أي ضغوط خارجية. كما ان اي انتخابات مقبلة، في ظل عدم حسم مسألة التدخلات في الشؤون اللبنانية، لا بد من ان تحصل تحت رقابة دولية واسعة لمنع أي تزوير للارادة اللبنانية. والمراقبة الدولية نوعان: مراقبة رسمية (من دول) قد لا تكون ممكنة باستثناء احتمال دعوة منظمة الأمن والتعاون الاوروبي التي تضم اكثر من اربعين دولة، او الأمم المتحدة، أو حتى الاتحاد الأوروبي. والنوع الآخر غير حكومي عبر منظمات عالمية واقليمية من المجتمع المدني يمكن دعوتها للمجيء ومنحها حق المراقبة الكامل. وفي هذا المجال لا بد من البحث جدياً في الخطوات الواجبة من اجل فرض المراقبة الدولية، وعلى الحكومة اي حكومة ان ترضخ لهذا المطلب البديهي ما دامت لا تتمتع بصدقية في حدودها الدنيا.
ثمة العديد من المسائل التي تحتاج الى متابعة دقيقة لمنع سلطة التبعية من التزوير، مثل البحث في موضوع المجنسين (قسم منهم وليس كلهم) الذين يتم استقدامهم بالآلاف من خارج الحدود اللبنانية للتصويت في بعض المناطق (البقاع الغربي وعكار والمتن)، وهم عنها غرباء كغربتهم عن لبنان بأسره! فحذار الاتيان بهؤلاء لاستخدامهم في عمليات التزوير التي عهدناها في الانتخابات الماضية، لان ما كان يصح ماضياً لم يعد يصح اليوم، تماماً مثل نمط السيطرة على لبنان الذي يلفظ اليوم أنفاسه! من هنا ضرورة ان يكون شعار المعارضة في الانتخابات المقبلة الحرية والسيادة والاستقلال الناجز... والبرتقالي هل تذكرون؟