إذا صدقت النوايا وتمكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ( ابو مازن ) من التوصل مع حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» الى وقف لإطلاق النار يكون مدخلاً لتخلي هاتين المنظمتين عن برامجهما المتعارضة مع برامج منظمة التحرير والسلطة الوطنية فإنه بالإمكان التحدث وبثقة عن مرحلة فلسطينية جديدة يجب ان تشهد وبالضرورة قيام «الدولة المستقلة» التي ألزم الرئيس الأميركي نفسه مجدداً بقيامها بعد فوزه بالإنتخابات الرئاسية لولاية ثانية.

وحُسْن النوايا يجب ان يدفع المراقبين، عن بعد وعن قرب، الى عدم النظر الى إصرار الحركتين المذكورتين والفصائل الفلسطينية المعارضة الاخرى على تحديد فترة الهدنة ووقف إطلاق النار بشهر واحد على انه من قبيل المناورة ومن أجل مجرد إلتقاط الانفاس بل على أنه من أجل إختبار جدية الاسرائيليين الذين واصلوا التأكيد على رغبتهم في التخلي عن العنف والعودة لعملية السلام.

والمفترض ان يكون هناك إتفاق غير معلن بين الرئيس الفلسطيني وبين الفصائل الفلسطينية المشار إليها على ان هدنة الشهر الواحد قابلة للتمديد التلقائي وبحيث ان تقود خطوة الاختبار هذه الى خطوة أخرى في عمق عملية السلام وعلى أساس «خارطة الطريق» إذا ثبت ان الاسرائيليين جادون فعلاً ولا يطرحون ما يطرحونه من أجل مجرد العلاقات العامة ومماشاة التوجهات الأميركية إزاء أزمة الشرق الاوسط.

إن ما يجب ان يُفهم من هدنة الشهر التي توصل إليها محمود عباس (أبو مازن) مع إخوته في حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» من جهة ومع حكومة شارون وشمعون بيريز من جهة أخرى هو ان الطرفين المعنيين بهذه الهدنة، أي إسرائيل والفصيلين المذكورين، قد وصلا الى نهاية طريق مغلق وقد ثبت لهما ان مسلسل العنف والعنف المضاد لا نهاية له وإن من الأجدى والأفضل إعطاء السلام فرصة جديدة وبكل قناعة ونوايا صادقة هذه المرة.

لقد تعب الاسرائيليون وتعب الفلسطينيون والمفترض ان شارون إقتنع بإستحالة المضي بالسير على الطــريق الذي سار فيه منذ ان أصبح رئيساً للوزراء والمفتــرض أيضاً ان حركة «حماس» إقتنعت بدورها ان نتائج «عسكرة» الانتفاضة، التي بدأت حركة شعبية سلمية على طريقة غاندي،لم تكن لمصلحة الشعب الفلسطيني وإن الدمار الذي لحق بهذا الشعب كان أكثر بكثير من الإنجازات التي توختها حركة المقاومة الفلسطينية.

إنها خطوة مباركة ان يتوصل الفلسطينيون الى ما توصلوا إليه رغم إستقطابات المنطقة وتمحوراتها ولكن ما يجب ان يجري التأكيد عليه هو ان لا يكون هذا الاتفاق عابراً ولا مؤقتاً وهو أنه على منظمة التحـــرير والسلطة الوطنية ان تجدا طريقاً حقيقياً الى قلبي حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» كما انه على هاتين الحركتين بعد كل هذه المعاناة الطويلة وبعد هذه التجربة المكلفة ان تدخلا بيت الشرعية من أوسع الأبواب فالمرحلة صعبة والشعب الفلسطيني الجريح بحاجة الى الوحدة وبحاجة الى وضع جهود كل قواه في إتجاه واحد.

يجب أن لا يكون هذا الاتفاق مجرد إستراحة بين شوطين.. وحتى إذا لم يصدق الإسرائيليون واستمر شارون في مناوراته وألاعيبه وسياساته الخرقاء الدموية فإن تمسك الفلسطينيين بوحدتهم وتفاهمهم وبهذا الموقف الذي إتخذوه سوف يكسبهم إحترام العالم كله، بما في ذلك الولايات المتحدة، وبهذا فإنهم سيضعون خصمهم في الزاوية الحرجة وسوف يفقدونه كل أسلحته السابقة التي إستخدمها ضدهم وأولها وأهمها سلاح الرأي العام العالمي.