حوار علي الصالح: كما في تل ابيب، في لندن.. بعدت المسافات وتطابقت الاجراءات. والفارق بين تل ابيب ولندن، ان الاجراءات الامنية في تل ابيب، تبدأ عند وقوع الحدث ولكنها في لندن بدأت قبل يوم من الحدث وهو الحديث الصحافي الذي أجريته مع وزير الحرب الاسرائيلي شاؤول موفاز خلال زيارته للعاصمة البريطانية، وهو حديث كنت متوجسا منه لكونه اول حديث اجريه مع مسؤول اسرائيلي، ناهيك من وزير الحرب المسؤول الاول عن كل المجازر والمعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. لكني قررت ان أخوض غمار هذه التجربة بدافع الفضول الصحافي.
الساعة العاشرة ليلا، جرس هاتفي النقال يرن.. صوت المتصل يأتي متسائلا.. مستر ايل صالح. ـ نعم.
* انا من الشعبة الخاصة من اسكوتلنديارد (الشعبة الخاصة بمكافحة الارهاب في شرطة لندن).. ـ نعم.. كيف لي ان اساعدك؟.
* بلغنا انك تنوي مقابلة وزير الدفاع الاسرائيلي.
ـ نعم.. صباح غد.
* هل لك ان تجيب على بعض الاسئلة؟
ـ تفضل اسأل.
* في أي بلد ولدت؟.
ـ في الضفة الغربية.
* وفي أي مدينة؟.
ـ في بلدة...
* ما اسم والدك وجدك (اسئلة اسرائيلية لا يعرفها الا من خضع لاستجواباتهم).
ـ اعطيته كامل التفاصيل.
* هل لك ان تخبرنا عن كيفية معرفتك بزيارة مستر موفاز. ـ عبر رسالة الكترونية.
* شكرا لك.. ونأسف للازعاج ونراك غدا.
وكان اللقاء حقا في الغد فكانت اجراءاته الامنية التي لم تكن بريطانية بل اسرائيلية، اشد وطأة. في الطابق الثامن، كانت المفاجأة. عدد من رجال ونساء الامن الاسرائيليين هم الذين كانوا يستقبلون من يخرج من باب المصعد، ورجلا امن بريطانيان وقفا جانبا بوجهيهما الحياديين الخاليين من أي علامة سوى البرود الرسمي. وحتى لا يتهموا بالتمييز، اخضع مسؤولو الامن مواطنتهم المسؤولة الاعلامية بالسفارة الاسرائيلية التي نزلت للتو من عندهم لاستقبالي، لعملية تفتيش مصطنعة لم تدم طويلا.
وبعدها تسلمني احدهم بعدما قادني الى مكان منزو، واخضعني لعملية تفتيش جسدي حقيقي اعتدت عليها بسبب رحلاتي المتواصلة الى فلسطين. بينما كانت امرأة تفتش الحقيبية على نحو غير مسبوق. ولم يسلم من التفتيش حتى الحزام والحذاء ومحفظة النقود.
انتهت الاجراءات الامنية واقتادوني الى غرفة كان موفاز يتصدر طاولة فيها وظهره للنافذة. رحب بنبرة جدية عندما ولجت الغرفة، معتذراً بتردد عن طول الاجراءات الامنية، ونهض ببزته السوداء، للمصافحة. واعرب عن جاهزيته للمقابلة.
يرى موفاز ان عام 2005 نافذة فرص لخلق مناخ افضل للسلام حالياً وفي المستقبل، ويعتقد بامكانية قيام دولة فلسطينية كما جاء في خريطة الطريق، لكن ذلك سيستغرق وقتاً، وليست مسألة شهرين او ثلاثة كما يقول.
لكن موفاز رغم تكرار السؤال اكثر من مرة لم يحدد شروط اسرائيل للسلام سواء مع الفلسطينيين او سورية غير انه حدد شروط بدء الحوار مع سورية وهي تفكيك حزب الله والانسحاب من لبنان ووقف دعمها للارهاب في العراق ايضا.
ويعتقد موفاز ان الفلسطينيين الان سيكونون سعداء بالحصول على ما عرض عليهم في طابا عام 2001 .
وواصل موفاز اتهام الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالوقوف وراء العمليات الفدائية الفلسطينية كاشفا حسب قوله عن اجتماع (يحتفظون بتسجيل له كما يقول) بين عرفات وقادة حماس والجهاد الاسلامي وقادة الاجهزة الامنية وسألهم عن سبب انخفاض عدد القتلى الاسرائيليين مما يعني انه اعطاهم الضوء الاخضر لمزيد من العمليات التفجيرية.
وعن ابو مازن يقول موفاز «نحن نعرف اتجاه ابو مازن وهو لن يستعمل الارهاب».
* هل حقا تريدون السلامً؟
ـ حسناً، أعتقد اننا دولة تؤمن بالسلام وتصلي للسلام. وفي تقديري الشخصي فإننا سنحقق السلام مع جيراننا في المستقبل بدءاً بالسلطة الفلسطينية، وآمل لاحقاً مع الدول التي لم نعقد معها اتفاقيات سلام. ويمكنني القول ان اتفاقاتنا مع الاردن ومصر هي بمثابة حجر الاساس لاستقرار المنطقة. وانا شخصياً أؤمن بالسلام ويجب ان تعرف ان العسكريين أو من لهم خلفية عسكرية يعرفون ثمن الحرب وثمن عدم عقد اتفاقات سلام. ليس انا فحسب بل ايضاً حكومة اسرائيل تريد تحقيق السلام لاجيال قادمة ولمستقبل بلادنا.
* وما هي شروط هذا السلام الذي تقول انكم تسعون اليه مع الفلسطينيين؟ بعد 14 سنة من المفاوضات لم تفصحوا عن شروطكم؟
ـ اولاً لدينا اولويات. واعتقد اننا نتحدث عن اتفاقيات سلام مع السلطة ومع دول لم نعقد معها اتفاقيات سلام. والاولوية اليوم ان نتوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين لانهم قريبون منا جداً، من ناحية الاراضي، والنشاط الارهابي الذي تمارسه المنظمات الفلسطينية ضد اسرائيل. وبعد اربع سنوات من الصراع المسلح الذي بدأته قيادة عرفات مستعملة نشاطات ارهابية كأداة رئيسية لتحقيق اهدافهاً السياسية، اعتقد ان الوقت حان للحوار مع الفلسطينيين خصوصاً انهم انتخبوا قيادة جديدة. ونحن نعرف اتجاه ابو مازن وهو لن يستعمل الارهاب، والقيادة الفلسطينية تقدر ان النشاط الارهابي ليس فقط ضد اسرائيل مع اننا دفعنا ثمناً باهظاً من خلال فقدان اكثر من ألف شخص فهم يفهمون ان النشاط الارهابي والسياسة التي اتبعها عرفات دفعتهم نحو نفق مظلم.
* ألم يكن عرفات هو الرجل الذي وقع معكم اتفاق اوسلو، وكما قال ابو مازن لم يكن بالامكان تحقيق شيء على صعيد السلام من دون عرفات؟
ـ ساهمت في المفاوضات في الـ 15 سنة الماضية، واستطيع ان اقول انه خلال مفاوضات أوسلو ولاحقا في كامب ديفيد وصولا الى اقتراحات بيل كلينتون وبعدها طابا، اننا توصلنا الى اتفاق بين اسرائيل والولايات المتحدة. انا اتحدث عن اقتراحات كلينتون. رئيس الوزراء الاسرائيلي قال نعم لهذه الاقتراحات وعرفات قال لا.
* كانت هناك مسألتان، القدس واللاجئون، واعتقد انهما مهمتان بالنسبة للفلسطينيين الامر الذي جعل عرفات غير قادر على التنازل بخصوصهما؟
ـ اعتقد انه عثر على حلول لهما في مفاوضات طابا، وكانت افضل اقتراحات نالها الفلسطينيون حتى الآن، وعرفات قال لا. انا متأكد انهم سيكونون سعداء بالحصول على مثلها الان، لم يفهموا انها كانت مقترحات جيدة بالنسبة للشعب الفلسطيني وللمستقبل. لكن عرفات لم يرغب بالتوصل لاتفاق اعتقادا منه انه كان بوسعه بلوغ أهدافه السياسية بالنشاطات الارهابية والعنف.
* عرفات كان مقبولا لديكم منذ 1994 وحتى 2000. كنتم تتعاملون معه واستقبله الاميركيون اكثر من أي زعيم عربي اخر، لكن حين قال لا لموضوع القدس بات شخصاً سيئاً وارهابيا وغير ذي جدوى... أليست هذه هي الحقيقة؟
ـ لا. عرفات في البداية لم يرغب بالسلام خلال المفاوضات. واستطيع ان ابلغك بمعلومات من جانبنا بانه بعد خمسة اشهر من بداية النزاع المسلح الذي حضر له عرفات جيداً، في سبتمبر (ايلول)، في 11 فبراير (شباط) 2001 اجتمع عرفات مع قادة المنظمات الارهابية...
* اي منظمات؟
ـ حماس والجهاد والمنظمات الاخرى بحضور قادة الاجهزة الامنية وسألهم: لماذا لا يتكبد الاسرائيليون الكثير من الضحايا.
* هل لديكم تسجيل صوتي لكلماته المفترضة هذه؟
ـ حصلنا على معلومات لا يمكن لاحد ان يقول انها غير دقيقة او غير صحيحة. وقال انتم تعرفون ما يجب عمله. وهذا يعني انه في تلك اللحظة اعطى الذين كانوا في الغرفة، الضوء الاخضر لبدء الهجمات الانتحارية.
* لكن ألم تبدأ الهجمات التفجيرية في 1994 وحتى قبل وصول عرفات السلطة؟
ـ في تلك اللحظة بدأت تتزايد والرقم ( للضحايا) اخذ يرتفع من 10 الى العشرين فالثلاثين والهجمات الانتحارية...
* ألا تذكر انه عندما اغتلتم يحيى عياش في غزة في 1996 نفذت ثلاث عمليات في يوم واحد الامر الذي قضى على فرص شيمعون بيريس بالفوز في الانتخابات.
ـ نعم، كانت هناك هجمات انتحارية لسنتين او ثلاث استهدفت الباصات، لكن موجة الهجمات الانتحارية بدأت في فبراير 2001 بعد اعطاء عرفات الضوء الاخضر لمنظمات الارهاب الفلسطينية ثم بدأ علاقاته الاستراتيجية مع ايران وحزب الله، وقضية كارين ايه (سفينة السلاح المزعومة). إذن لا يمكنك ان تتحدث عن عرفات كزعيم أراد تحقيق السلام فهو اراد بلوغ اهدافه السياسية عن طريق النشاطات الارهابية.
* مواصلة الاغتيالات كانت استفزازا لمزيد من العمليات التفجيرية، فمثلا عندما توصل ابو مازن الى اتفاق وقف اطلاق نار في 2003 نسفت سياسة الاغتيالات، جهوده للتهدئة. كيف تفسر ذلك؟
ـ ان الوضع بالغ التعقيد. وعندما تبرم اتفاقاً مع الجانب الآخر، فانك تأمل بأن يوقفوا النشاط الارهابي. لا تستطيع ان تجازف بأمن اسرائيل والاسرائيليين والقول إن لدينا اتفاقا مع منظمات الارهاب الفلسطينية وسننتظر حتى يقوموا بأعمالهم ( التزاماتهم) وفي هذه الاثناء بعض الاسرائيليين سيسقطون ضحايا لجرائم قتل ومنهم من سيقتل من قبل منظمات الارهاب الفلسطينية...
* لكنكم في الحقيقة لم تنفذوا أيا من الالتزامات المترتبة عليكم في الاتفاقات، سواء خريطة الطريق او غيرها.
ـ دعني اقول لك ان حكومة اسرائيل اتخذت قراراً تاريخياً بازالة المستوطنات و(ترحيل) المستوطنين عن غزة...
* وهل تعتبر التخلي عن غزة امراُ بالغ الاهمية؟ انتم لا تريدون غزة على اية حال! هذه هي الحقيقة أليس كذلك؟
ـ خلال العشرين او الخمسة والعشرين عاماً سمحت حكومة اسرائيل للمستوطنين ان يأتوا للعيش في غزة وان يبنوا بيوتهم فيها، ولدينا ثلاثة اجيال تعيش في غزة حالياً، وصدقني ان القرار صعب جداً وسيكون تطبيقه من الصعب جداً في اطار فك الاشتباك..
* لديكم 7500 مستوطن في غزة. لا أعتقد ان الامر بهذه الخطورة.
ـ هناك في غزة حوالي 8 آلاف شخص وبالنسبة لهم فإن بيوتهم هناك...
* بيوتهم التي شيدوها على اراضي الغير؟ كيف يمكن القول ان تلك بيوتهم طالما ان الارض ليست لهم؟
ـ حسناً خلال الفترة التي سمحت لهم فيها الحكومة الاسرائيلية (بالعيش هناك)، آمن المستوطنون ان تلك هي ارض اسرائيل وآمنوا ان ذلك هو وطنهم الى الابد. هذه هي القضية الاساسية.
* دعنا نكون صريحين، مستوطنو غزة ليسوا من المتشددين دينياً وهم يذهبون الى غزة لتحقيق مكاسب مادية..
ـ مادية؟
* نعم يحصلون على مساعدات مالية من الحكومة...
ـ هذا ليس هو السبب. السبب ايديولوجي...
* ايديولوجي؟ في غزة؟ ـ هو اولاً ايديولوجي. فهم يضحون بحياتهم ويجازفون بأرواحهم كل يوم لمجرد العيش في غزة...
* ليسوا مضطرين للمجازفة بشيء، فبوسعهم العودة الى مناطق اخرى في اسرائيل...
ـ لكنهم يؤمنون ايديولوجياً ان ذلك هو وطنهم ولا يمكنك ان تناقش الناس الذين يؤمنون ان ذلك هو وطنهم..
* اذا آمنت بذلك... والدي كان يملك 200 دونم في قاقون، وانا اؤمن بأن فلسطين وطني ولي الحق ان اعود اليه؟ وخمسة ملايين لاجئ فلسطيني يؤمنون بأن فلسطين هي وطنهم الاصلي، فهل تسمحون لهم بالتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها المستوطنون؟ ـ هناك فرق كبير بين اسرائيل والاراضي الفلسطينية. اسرائيل هي دولة ديمقراطية...
* (ضاحكاً) وفلسطين ديمقراطية ايضاً...
ـ حسناً لا يمكنك...
* لا شك انك اطلعت عن كثب على سير الانتخابات في 1996، ولا بد انك تابعت عن كثب ايضاً انتخابات ابو مازن الاخيرة التي تميزت عن اي انتخابات رئاسية عربية. لنكن صريحين، الامر اذن لا يتعلق بالديمقراطية. ـ كما قلت ان حكومة اسرائيل اتخذت قراراً شجاعاً وتاريخياً لاننا نؤمن ان امن بلادنا ومستقبل شعبنا يقتضي منا ان نغادر غزة. المستوطنون لا يؤمنون بذلك. وسيكون من الصعب تنفيذه لكن (ضاحكاً) لا تستطيع مقارنة رغبة الفلسطينيين للقدوم والعيش في قاقون بحقيقة ان حكومة اسرائيل سمحت للمستوطنين بالعيش في مستوطنات معينة في غزة...
* ما هو الحق الذي يتمتع به المستوطنون ولا يتمتع به اللاجئون الفلسطينيون، انا احاول ان افهم المنطق الذي تتحدث به؟
ـ هذا المنطق يتمثل في ان اسرائيل هي الدولة اليهودية الوحيدة في العالم. ونحن نريد ان نرى اغلبية يهودية في دولة اسرائيل، ولن نقبل بمجيء لاجئين فلسطينيين لاسرائيل. بوسعهم ان يأتوا الى الدولة الفلسطينية المستقبلية، لكن ليس الى أرض دولة اسرائيل لاننا الدولة اليهودية الوحيدة في العالم وهدفنا حالياً وفي المستقبل هو ان يكون لدينا اغلبية يهودية.
* ما الذي يجعل المستوطنين جديرين بحق الذهاب الى غزة والاقامة فيها بينما الفلسطينيون الذين أخرجوا من بلادهم عاجزون عن العودة الى ديارهم؟ لقد اعطيت المستوطنين الحق بالاقامة في جنين ووادي الاردن لكنك تحرم الفلسطينيين الحق نفسه! ـ لاننا عندما جلسنا الى طاولة المفاوضات بدأ الفلسطينيون باستخدام السلطة للقيام بالعنف وفي حالة كهذه لا يمكننا ان نتحاور معها. والاكثر من ذلك هو انك عندما ترى ان قيادة الفلسطينيين هي قيادة ارهابية لا يمكننا ان نتحاور معها. كان عرفات زعيماً ارهابياً ويجب ان يفهم الفلسطينيون ان عرفات اعادهم الى الوراء لسنوات عدة...
* اغتلتم الشيخ احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، بزعم انهما من قادة ما يسمى بالارهاب.. فلماذا لم تقتلوا عرفات لو انه كان زعيماً ارهابياً كما تزعم؟
ـ انا اقترحت نفيه...
* لكنه كان وراء حملة الارهاب التي تتعرضون لها كما تقول...
ـ كنا في حكومة ائتلافية مما جعل الامر غير ممكن..
* حكومة ائتلاف يميني...
ـ لا. كان تحالفا ائتلافيا، وكقائد للاركان اقترحت ان علينا ان ننفي عرفات لان هذا سيكون جزءاً من حل المشكلة للفلسطينيين لانه قام بكل النشاطات الخاطئة بالنسبة للفلسطينيين والاسرائيليين ايضاً.
* هل تقصد انك قلق على مصالح الفلسطينيين؟
ـ نعم وانا اعتقد...
* إذن انت تقصفهم بطائرات الهليكوبتر من نوع آباتشي وبطائرات الـ إف.16 حفاظاً على مصالحهم ( ضاحكاً)؟
ـ سياستنا كانت واضحة للغاية، فنحن ميزنا بين المنظمات الارهابية والفلسطينيين المدنيين، واستهدفنا فقط هؤلاء الذين ينتسبون الى منظمات الارهاب....
* لكن الارقام تقول شيئاً آخر. اكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني قتلوا ليس بسبب ما تسميه الارهاب ولكن...
ـ هذا حصل بسبب النشاطات الارهابية التي استعملوا خلالها الفلسطينيين (الذين يعيشون) في مناطق آهلة بالسكان، كدرع لهم...
* لكن امس قتلت طفلة عمرها خمس سنوات في خان يونس وشاب قتل في جنين. لم يكن لهما علاقة بأي نشاطات، ولم يكن هناك اي نشاطات في الاساس؟
ـ علينا التأكد من هذه الاحداث، لكن عموماً القوات الاسرائيلية لا تهاجم المدنيين الفلسطينيين ونحن نستهدف فقط الارهابيين. ولا اعتقد ان هناك جيشاً في العالم يحرص الى هذه الدرجة في استهدافه ارهابيين وبذل كل جهده لعدم الحاق الاذى بالفلسطينيين.
* سأعود مرة اخرى الى شروط اسرائيل للسلام مع الفلسطينيين وانهاء الاحتلال. هل انتم مستعدون للعودة الى ما وراء حدود 1967 وما هي شروطكم للقيام بذلك؟
ـ اولاً يجب ان نضع المسؤولية عن الاراضي الفلسطينية في ايدي الفلسطينيين. وثانياً يجب ان ندعم البنك الدولي والجهات المانحة الاجنبية لتقديم المزيد من المال وجعل الوضع الاقتصادي الفلسطيني افضل وخلق مزيد من فرص العمل للفلسطينيين. اعتقد انه من خلال اعطاء المسؤولية للفلسطينيين الذين سيقومون بإيقاف النشاطات الارهابية، وهذا هو مطلبنا من السلطة الفلسطينية. واعتقد ان الخطوة التالية تتمثل في البدء بأسرع ما يمكن بالحوار بيننا وبين الفلسطينيين.
* هل سترضون بأقل من حرب اهلية بين الفلسطينيين؟
ـ مسألة الحرب الاهلية تخص الفلسطينيين وليس اسرائيل. لكني اعتقد ان الخطة الوحيدة المطروحة حالياً للتطبيق مع الفلسطينيين في المستقبل، هي خريطة الطريق. والمرحلة الاولى من خريطة الطريق هي تفكيك النشاط الارهابي وبنيته التحتية في الاراضي.
* ابو مازن ينفذ حالياً الالتزامات الفلسطينية، مثل وقف اطلاق النار وتوحيد الاجهزة الامنية. هل انتم مستعدون للرد بالمثل؟.
ـ ابو مازن بدأ بنشر اجزاء من المجموعات الامنية الفلسطينية وبتطبيق نوع من وقف اطلاق النار. وقد قلنا لابو مازن لن نبدأ بالحوار حتى يوقفوا النشاطات الارهابية في غزة واطلاق قذائف الهاون ضد بلدة سديروت. هناك ضغوط كبيرة من الدول الاجنبية، خصوصاً الولايات المتحدة، وهؤلاء يقولون لابو مازن عليك ان تبدأ باتخاذ الاجراءات الفعلية ولا يمكنك ان تنتظر حتى تطبق الاصلاحات لجهازك الامني. لقد بدأ ونعتقد ان خطواته الاولى ايجابية جداً. فقد حقق وقفاً لاطلاق النار مع مجموعات الارهاب الفلسطينية، ونحن بانتظار ان نفهم طبيعة هذا الانجاز عندما نجتمع مع القيادة الفلسطينية. والخطوة الثانية التي نراها ايجابية هي حقيقة انهم نشروا (قوات شرطة) في الجزء الشمالي من غزة.
* ولماذا لا تقابلون اجراءات ابو مازن بالمثل؟.
ـ بالتأكيد. يمكننا ان نتخذ بعض الخطوات التي ستعزز موقع ابو مازن. وكما قلت إن اعطاءهم المسؤولية في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) ودعمهم اقتصاديا وخلق المزيد من فرص العمل... كل هذا سيساعد ابو مازن وسيرى الفلسطينيون ان هناك فرقاً في الاوضاع وان المناخ صار افضل والاقتصاد تحسن.
* سؤالي كان عن شروطكم للسلام. هل اسرائيل مستعدة للتخلي عن الاراضي التي احتلتها عام 1967، وابرام صفقة حول القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات... ماذا تريدون مقابل ذلك؟
ـ (ضاحكاً) لا يمكنني ان اتحدث الآن لصحيفتكم عن هذه المسائل قبل ان نجري حواراً مع الفلسطينيين الاسبوع المقبل لانهم سيقرأون في الصحيفة ما ننوي القيام به. لكن يمكنني ان اقول لك ان هناك نية حسنة وارى ان عام 2005 كنافذة لفرصة خلق مناخ افضل حاليا وفي المستقبل.
* هل ترون الانسحاب من غزة ومن شمال الضفة كجزء من خريطة الطريق ام انه انسحاب اخير؟
ـ هذه مبادرة اسرائيلية. لم يطلب منا احد ان ننسحب من غزة او شمال السامرة (الضفة الغربية). لكن الوقت سيأتي للحديث عن خريطة الطريق وستكون جزءاً من الاتفاق الكلي.
* هل تتوقع قيام دولة فلسطينية في المستقبل؟
ـ خريطة الطريق تقول انه سيكون هناك دولة فلسطينية في المستقبل، فالمرحلة الثالثة تنص على الاتفاق الدائم حول الدولة الفلسطينية. لكن ذلك سيستغرق وقتاً، وليست المسألة مسألة شهرين او ثلاثة.
* لماذ غيرتم قوانين اللعبة مباشرة بعد موت الرئيس السوري حافظ الاسد. كان هناك نوع من التفاهم المضمر بينكم وبين سورية حول لبنان، لكنكم ألقيتم به من النافذة.. لماذا؟.
ـ نحن نريد تحقيق سلام مع سورية، ولم نغير سياستنا. ان ما تغير هو السياسة السورية فأصبحت تؤوي الارهاب. ربما تعرف ان سورية متورطة بقوة في اعمال الارهاب ضد القوات الاميركية وقوات التحالف في العراق. انهم في سورية يسمحون لحزب الله ان يستخدم التراب اللبناني لشن هجمات ارهابية ضد اسرائيل.
* هذه المزاعم ليست جديدة. والسوريون متهمون بذلك منذ سنوات، لكنكم فجأة غيرتم موقفكم منهم وبدأتم تستهدفون دمشق نفسها.
ـ كلا.. انهم يرسلون جماعات حزب الله الارهابية لدعم منظمات الارهاب الفلسطينية بشكل لم يحدث في الماضي. وهذا تطور جديد في السنوات الاخيرة. واكثر من ذلك انهم يسمحون للايرانيين لدعم حزب الله، بارسال صواريخ بعيدة المدى كل شهر عبر دمشق. ان بشار الاسد يمثل دور الشخص المحب للسلام لكنه في الحقيقة العكس.
* ماذا تعني بذلك؟
ـ السوريون يرسلون المجموعات الارهابية الى العراق ضد القوات الاميركية.
* وما لكم وما يجري بين واشنطن ودمشق في العراق.. هل انتم شرطي اميركا في المنطقة؟
ـ لا. لكن في الوقت نفسه فإنهم يدفعون حزب الله من اجل تقديم الدعم والتعليمات والمال للمنظمات الارهابية الفلسطينية. بامكاني القول انه خلال السنة الاخيرة تضاعفت نشاطات حزب الله في الاراضي (الفلسطينية) بنسبة 75%. وربما تتذكر «كارين ايه» التي كانت تحمل اسلحة ايرانية عبر حزب الله. تخيل لو ان 50 طنا من السلاح وصلت الى ايدي الفلسطينيين.
* ألا تثق ببشار الاسد عندما يمد اليكم يد السلام..
ـ لا اعتقد ان ما ردده في الاشهر الاخيرة ينسجم مع ما كان يفعله. بشار الاسد يعرف جيدا ما يجب ان يفعل من اجل بدء الحوار مع دولة اسرائيل. سورية يجب ان تنسحب من لبنان وتفكك حزب الله. سورية لا تستطيع ان تلعب دورا مزدوجا.
* هل هناك لقاءات سرية مع سورية؟
ـ لا اعرف شيئا عن أي اتصالات رسمية.
* ماذا عن الوساطة التركية هل اصبحت في عداد الموتى ام ان هناك امكانية لاحيائها؟.
ـ لا استطيع التحدث عن السياسة التركية. لكني اقول ان أي جهد يبذل لاقناع بشار الاسد بان يعمل ما يجب عمله قبل البدء بالحوار مع اسرائيل سيجد الترحيب لدينا.
* لديكم دوما مطالب من الاخرين بينما لا تفعلون شيئا من جانبكم؟.
ـ رحلنا عن لبنان. والخط الازرق واضح الان جدا ونحن لا نهاجم الطرف الاخر بينما يقوم حزب الله بمهاجمة قواتنا. واكثر من ذلك فانه في يوم الانتخابات الفلسطينية هاجموا رتلا اسرائيليا في شمال اسرائيل، لارسال رسالة واضحة لاسرائيل والفلسطينيين انهم سيواصلون الارهاب وسيجهضون الحوار بيينا وبين الفلسطينيين.
* لكن العملية كانت في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة..
ـ لا لم تكن في مزارع شبعا بل في الجانب الغربي من الحدود. انهم يستخدمون مزارع شبعا كذريعة، لان الامم المتحدة قبلت بالخط الازرق وحركنا السياج وفق هذا الخط وفي حينها كنت رئيس الاركان، 5 مرات، كنا نعمل من اجل ان نضمن ترك لبنان وان لا يكون لدينا سيطرة على أي جزء من التراب اللبناني.
* لماذا انت قلق من حصول سورية على صواريخ روسية، وانتم الدول العظمى (عسكريا) في المنطقة التي تمتلك السلاح النووي.
ـ نخاف ان تجد هذه الصواريخ البعيدة المدى طريقها الى ايدي الارهابيين، الذين قد يستخدمونها ضد اسرائيل.
* لكن اسرائيل غير معنية بالسلام مع سورية، خاصة ان التوازن العسكري يميل بقوة نحوها.. لهذا فانتم لا تريدون صنع السلام مع سورية.. ولا تقدمون أي تنازلات وانتم الطرف القوي؟.
ـ كما قلت لك.. نحن بلد نريد السلام مع سورية ايضا.
* ولكنكم لا تقرنون القول بالفعل...
ـ بشار الاسد يجب ان يدرك انه لا يستطيع ان يستخدم حزب الله ولا يستطيع استخدام التراب اللبناني... انه يعرف ما يجب ان يفعله لبدء الحوار مع اسرائيل.
* لننتقل الى الموضوع البريطاني، خلال السنوات الـ 15 الماضية لم تكن علاقتكم مع وزراء الخارجية البريطانيين، على ما يرام بمن فيهم مالكولم ريفكيند اليهودي. كانوا كلهم واجهوا مشاكل في التعامل مع اسرائيل، كيف تفسر ذلك؟
ـ اولا، لا بد ان توجه السؤال اليهم. وانا شخصيا تربطني علاقة جيدة مع جيفري هون، وتجمعنا قضايا وقيم مشتركة. ونرى الاشياء في منطقتنا بنفس العين. وقال لي هون ان بريطانيا تصر على تطبيق سورية لقرار مجلس الأمن 1559 القاضي بانسحابها من لبنان كما تطالب بوقف دعم حزب الله. اعتقد ان العلاقة بين اسرائيل وبريطانيا جيدة جدا. فالبريطانيون يدعمون خطة الفصل وخريطة الطريق.
* في ندوة اخيرة نظمتها صحيفة «ايفنينغ ستاندارد» اكد مثقفون اسرائيليون منهم اميرة هاس وافي شليم، ان الصهيونية الخطر الاكبر على اليهود في اسرائيل وخارجها؟.
ـ اميرة هاس (كاتبة في صحيفة هآرتس).. انا اعرفها.
* انت تعتقد انها على خطأ، لكن ما الذي يجعلك ما الذي يجعلك يهوديا افضل منها.. وهل انت تحتكر القيم اليهودية. ـ اولا، لا احتكر اليهودية.. ولكني اقول انني خدمت في العسكرية الاسرائيلية 36 عاما وعامين كوزير دفاع. لا تستطيع مقارنة ما قدمته اميرة لاسرائيل بما قدمته.
* انتم لا تستطيعون الحديث عن الارهاب خاصة انكم اول من استعملتوه (عصابات شتيرن وارغون) ضد البريطانيين ومبعوث السلام الاممي (برنادوت).
ـ لا تستطيع المقارنة. فالاسرائيلون يعرفون ان اسرائيل هي الدولة الوحيدة لليهود في العالم. ويجب ان نبقي عليها الى الابد كدولة يهودية او ذات اغلبية يهودية في المستقبل. واعتقد ان ثمة خلافا بين ما حدث خلال حرب استقلالنا وما يحصل الان. اليهود جاءوا من مئة دولة يؤمنون باسرائيل وفي حقهم التاريخي.
* انتم تتدخلون في العراق وتتدخلون في ايران.
ـ نحن لا نتدخل لا في العراق ولا في ايران.
* لديكم قدرات نووية، لكنكم لا تريدون بلدانا اخرى في المنطقة مثل ايران ان تمتلكها.. وتهددون بضربها، فبأي حق؟. ـ أؤكد اننا لا نتدخل لا في العراق ولا في ايران. وثانيا البرنامج النووي الايراني خطر ليس على اسرائيل فحسب بل ضد الدول الغربية والعالم الحر. واعتقد ان الامم المتحدة والعالم الغربي واسرائيل يرون بنفس العين الخطر القادم من ايران. هذه ليست مشكلتنا وحدنا.
* هل ستضربون المفاعل النووي الايراني كما فعلتم مع المفاعل العراقي؟.
ـ اعتقد ان القناة الافضل (في التعامل مع هذه المسألة) هي القناة الدبلوماسية. اعتقد ان على الولايات المتحدة ان تقود الدول الغربية لوقف تطوير البرنامج النووي الايراني.
* لكن ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي قال ان باستطاعتكم ان تفعلوها لوحدكم.
ـ انا اقول ان الطريق الصحيح هي القناة الدبلوماسية وعبر الامم المتحدة. واذا كان هناك ضرورة لاستخدام المقاطعة، فلا بد من ذلك.
* هل تشعر بأنك ايراني من حيث الثقافة والخلفية.
ـ ولدت في ايران (هاجر لاسرائيل وعمره 9 سنوات). ليس هناك مشكلة في حب الاكل الايراني وان تكون مواطن اسرائيلي. ونحن نحتفظ بتراثنا اليهودي الايراني.
* هناك من يقول ان الايرانيين كغيرهم من اليهود الشرقيين يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية وربما الثالثة في اسرائيل.
ـ لا اشعر بذلك. خدمت في الجيش ووجدت هناك الفرص متساوية بين الجميع، سواء جاءوا من ايران او العراق او المغرب او غيرها. (الرئيس الاسرائيلي موشيه قصاب ايراني الاصل).
* هل تتحدث الفارسية.
ـ افهم لكنني لا اتحدث بطلاقة.