أسامة العيسة من الخليل: تل الرميدة هو أحد المواقع الهامة في مدينة الخليل القديمة، اعتبر موقعا اثريا منذ الحكم العثماني لفلسطين وتمتع بالحماية منذ لك الوقت، مرورا بالانتداب البريطاني والحكم الأردني ولكن الاحتلال الإسرائيلي كان له موقفا آخر، فحول الموقع إلى مستوطنة ومعسكر للجيش.
اثار وحفريات
يقع التل على جبل الرميدة، وهو مرتفع مطل على البلدة القديمة في الخليل، والتي تأسست بالقرب من عين الجديدة وبجوار الأراضي الخصبة في وادي الخليل.
ومعظم القرى والبلدات الفلسطينية، أنشئت حول عيون الماء ثم تمددت مع التطور العمراني.
في عام 1920 وصل إلى موقع تل الرميدة عالمان أميركيان هما وليم اولبرايت ومادر وايل، وأنجزا مسحا علميا للموقع.
ونقب علماء أثريون طوال سنوات وفي فترات متقطعة وتم اكتشاف آثار تعود لفترات سحيقة في التاريخ كالعصر البرونزي والحديدي وحتى الوجود العربي المبكر في فلسطين.
وما بين عامي 1964-1966 نفذت بعثة أميركية بموافقة الحكومة الأردنية، تنقيبات أثرية بإشراف العالم الأثرى فيليب هاموند.
وبعد الاحتلال عام 1967، تعرضت الجهود الأثرية ليست في الخليل فقط ولكن في جميع الأراضي الفلسطينية إلى ضربة قاصمة، فالاحتلال الإسرائيلي ألغي تصاريح التنقيب السابقة لبعثات الآثار العالمية، وسيطر على المتحف الفلسطيني بالقدس المعروف باسم (متحف روكفلر) ونقل كثير من المقتنيات إلى متحف الكتاب الإسرائيلي بالقدس الغربية، ومن بين ما تم نهبه من المتحف الفلسطيني لفائف قمران المعروفة باسم (مخطوطات البحر الميت).
وبالنسبة لإسرائيل فان المهم بالنسبة لها هو تطويع علم الآثار لخدمة أغراض توراتية وسياسية، فبدأت لوحدها حملة تنقيبات واسعة خصوصا في مدينة القدس ومنطقة المسجد الأقصى، في اكبر عملية في التاريخ يستهدي بها علم الآثار بالنصوص المقدسة لأهداف سياسية.
أما في الخليل فكان حظ تل الرميدة مأساويا.


استيطان
عملية الاستيطان في الخليل بدأت منذ الاحتلال عام 1967، وبدأت بإنشاء المدينة الاستيطانية (كريات أربع) ثم وصل الاستيطان إلى البلدة القديمة، وأنشئت عدة بؤر استيطانية، وفي شهر آب (أغسطس) 1984 بدأ الاستيطان على تل الرميدة.
ومثل معظم البؤر الاستيطانية بدا الاستيطان، كنقطة عسكرية للجيش الاسرائيلي، وبعد ثلاثة أعوام وضعت بيوت متنقلة (كرفانات) وسكنتها عائلات من المستوطنين ثم أضيفت بيوت أخرى وضعت فوق أسطح البيوت الأولى.
وبالقرب من تل الرميدة وفي موقع يسمى مشهد الأربعين الذي يفصله شارع صغير عن التل، أنشي معسكر للجيش الإسرائيلي لحماية المستوطنين الذين بدأوا ببناء بيوت دائمة.
ومن هذا الموقع نفذ جنود الاحتلال عمليات اغتيالات عدة طالت عددا من المطلوبين، وأيضا قتل كثير من المدنيين في حوادث متفرقة.
وبعد عام 1993، ووفق اتفاق أوسلو، والاتفاق الذي عرف باسم اتفاق الخليل، تم تقسيم هذه المدينة إلى أقسام تحمل أرقام واحرف ولكل قسم نظامه الأمني الخاص.
وبقي تل الرميدة تحت سيطرة الجيش والمستوطنين، ورغم أن هناك بنودا في الاتفاقات الفلسطينية-الإسرائيلية تنص على حماية الآثار إلا أنها بقيت نصوصا.
وبالنسبة لتل الرميدة، وقبل البدء بالبناء الثابت في الموقع، نظمت دائرة الآثار الإسرائيلية مع جامعة تل أبيب تنقيبات في الموقع منذ أيار (مايو) 1999، وسط اتهامات فلسطينية بان هذه التنقيبات هي لأغراض استيطانية وليست أثرية هدفها تسهيل البناء الثابت للمستوطنين.
وقال متري أبو عيطة وزير السياحة الفلسطيني لمراسلنا بان التنقيبات الأثرية الإسرائيلية ومنها التنقيبات في تل الرميدة تشكل خرقا للاتفاقات الدولية.
وأضاف "ما يجري هو خرق لاتفاقيات لاهاي لعام 1951 والتي تنص على حماية الممتلكات الثقافية في أثناء الحرب واتفاقيات جنيف الرابعة وتوصية المؤتمر التاسع في نيودلهي لعام 1956 واتفاقيات اليونسكو لعامي 1970 و1972 بالإضافة إلى سلسلة من القرارات الصادرة عن المنظمات الدولية والتي تنص على عدم التنقيب في الأراضي المحتلة".


مكتشفات جديدة
وأسفرت التنقيبات الإسرائيلية إلى الكشف عن جزء من سور مدينة تعود للعصر البرونزي الوسيط ويصل ارتفاع السور إلى ثلاثة أمتار، وفي الجهة الغربية للموقع تم الكشف عن بناية كبيرة تعود للفترة الهلنستية.
وكشفت التنقيبات حول وفي الموقع عن دلائل أثرية عديدة تعود للعصر البرونزي الوسيط والعصر الحديدي الأول والثاني والهلنستي والروماني والفترة العربية المبكرة.
ولكن كل هذه الاكتشافات درست فقط من قبل العلماء الإسرائيليين ونقلت بعض القطع الأثرية إلى المتاحف الإسرائيلية، ولم تشفع هذه الاكتشافات للموقع لوقف الاستيطان فيه، وما حدث العكس، فاستمر الاستيطان وكل يوم يترسخ اكثر فاكثر على أنقاض من عاشوا في الموقع من الحضارات السابقة.
واصبح تل الرميدة نقطة استيطانية من اخطر البؤر في البلدة القديمة في الخليل، وهي بلدة أثرية يجري فيها تدمير منهجي ومنظم، كما تقول المصادر الفلسطينية.
ووجه وزير السياحة الفلسطيني نداءا للمنظمات الدولية واليونسكو وعلماء الآثار لاتخاذ موقف مما يصفه بإجراءات غير شرعية تستمر إسرائيل باتخاذها لتدمير الآثار الفلسطينية.