•أربعة آلاف سائح ذهبوا فى السادسة صباحا إلى معبد رمسيس الثانى ليشاهدوا ظاهرة سقوط الشمس على وجه الملك والتى تحدث مرتين فقط فى العام.
•د. مسلم شلتوت يفجر قنبلة و يؤكد أن عيد ميلاد الملك وعيد جلوسه غير معروفين.
•العالم المصرى الكبير يقدم تفسيرا علميا للظاهرة و يقول : كفى كذبا من أجل السياحة.
زينب عبد المنعم من القاهرة: معبد أبو سمبل هو أكبر معبد منحوت فى الصخر فى العالم،ويعتبر آية فى العمارة والهندسة القديمة، فقد نحت فى قطعة صخرية على الضفة الغربية للنيل فى موضع غاية فى الجمال، ومن الصعب أن نتصور لماذا توجد مثل هذه العمائر الضخمة فى منطقة بعيدة فى البلاد ولذلك تعليلان : إما أن يكون تل أبو سمبل له قدسية ما، أو أن الفرعون أراد أن يبهر جيرانه فى منطقة قريبة من الجندل الثانى للنيل فيريهم قوته وثراءه، وهناك أدلة على أن أصل الفكرة فى تشييد معبد فى أبى سمبل كانت لسيتى الأول ولا شك أن جزءاً كبيراً من الداخل كان قد نحت قبل أن يعتلى رمسيس الثانى العرش سنة 13.1ق.م ولكن إلى مدى كان سيتى مسئولاً عن الشكل الأخير وخاصة الواجهة؟ هذا ما لا نعرفه، وكالعادة لا يرجع رمسيس أى فضل لمن سبقوه، هكذا يبدأ الدكتور مسلم شلتوت حديثه معنا، فهو من البداية يقول أن تعامد الشمس فى هذا التوقيت ليس له علاقة أساسا برمسيس الثانى، المعبد بنى أساسا لملك آخر، ويستمر قائلا : قدتم بناء بناء المعبد قبل سنة 1259 ق.م، و قد ذكرنا أن رمسيس الثانى اعتلى العرش 13.1 ق .م، وقبل أن يسترسل فى عرض دراسته لموضوع سقوط الشمس على وجه تمثال رمسيس وهو العالم المتخصص فى علوم الشمس يحكى لنا أولا حكاية هذا المعبد، يقول : كرس هذا المعبد لعبادة “ رع حر ما خيس “ مثل معابد عديدة فى النوبة، هذا الآله قد اندمج مع الشمس ويصور عادة على هيئة بشرية ورأس صقر مرتدياً قرص الشمس،والغرض من المعبد هو عبادة الشمس.
وأهم ملامح واجهة المعبد وجود التماثيل الأربعة الضخمة للملك التى نحتت فى صخر التل، وهذه التماثيل الجالسة، اثنان منها على كل جانب من جوانب المدخل ترتفع أكثر من 65 قدماً وتمثل الملك رمسيس مرتدياً التاج المزدوج لمصر، وعلى كل تمثال وبين الأرجل نجد تماثيل للملكة نفرتارى زوجته “ جميلة الجميلات “، وبعض الأطفال الملكيين، ومع أنهم مثلوا بحجم كبير إلا أن شكلهم يبدو صغيرا بالنسبة للتماثيل الضخمة، وكل من المجموعات الأربعة تقف على قاعدة عالية نقش عليها خرطوش رمسيس ومجموعة من الأسرى الآسيويين والزنوج، أما العروش التى على شكل صندوق والتى تجلس عليها التماثيل فقد نقشت بالمجموعات التقليدية التى تمثل اتحاد الأرضين، والواجهة التى تكون المنظر الخلفى للتماثيل الأربعة نحتت على شكل صرح ذى كورنيش نقش عليه صف من القرود مرفوعة الأذرع إلى أعلى على هيئة تعبد لشروق الشمس، حيث أنه من عادات قرود البابون هو الصياح عند شروق الشمس، وفوق المدخل نجد تمثالاً لآله الشمس “ رع حور ماخيس “ له رأس الصقر الذى خصص له المعبد.
ويوصل المدخل إلى بهو كبير به صفان من أربعة أعمدة مربعة تتكئ عليها تماثيل ضخمة للملك واقفاً مرتدياً التاج المزدوج وحاملاً العصا والمذبة ولقد كسيت الأعمدة وجدران البهو الذى يصل ارتفاعه إلى 3. قدماً بمناظر ونصوص دينية وأعمال الملك الحربية فى نضاله ضد الحيثيين فى سوريا والكوشيين فى السودان أما السقف فزين بمناظر تقليدية وهى الخرطوش والعقاب ذو الجناحين الممدوين .
ونجد فى الجدارين الشمالى والغربى مداخل تؤدى إلى مجموعة من الحجرات كانت تستعمل غالباً كمخازن للكهنة فمناظر الجدران كلها دينية .
أما الباب الأوسط فى الجدار الغربى فيوصل إلى بهو صغير تحمل أسقفه أربعة أعمدة مربعة والمناظر كلها فى هذا البهو ذات طابع دينى، وقد تصل بعد ذلك إلى غرفة صغيرة توصل إلى قدس الأقداس الذى يحوى ثلاثة أبواب فى الجدار الغربى اثنان على جانبى الدار توصلان إلى حجرات غير منقوشة، وأما الوسطى والتى تستند إلى محور المعبد المستقيم فتوصل إلى قدس الأقداس، وفى الجدار الغربى لقدس الأقداس نجد أربعة تماثيل جالسة نحتت فى الصخر، وهى تماثيل حور - أختى اله منف وبتاح اله طيبة ورمسيس الثانى نفسه مع الآله آمون رع اله الشمس،وفى وسط الحجرة نجد أمامهم مائدة قرابين غير منقوشة وكانت الضحايا والقرابين تقدم عليها عندما كان نور الشمس المشرقة يدخل بعد الفجر.
الآنسة إميليا و ألف ميل فوق النيل
ومن أهم المظاهر التى تميز هذا المعبد عن غيره من معابد المصريين القدماء دخول أشعة الشمس فى الصباح المبكر إلى قدس الأقداس ووصولها إلى التماثيل الأربعة، فتضئ هذا المكان العميق فى الصخر والذى يبعد عن المدخل بحوالى ستين متراً، و أول من رصد هذه الظاهرة عام 1874م المستكشفة الآنسة اميليا ادوارز والفريق المرافق لها حيث قامت بتسجيلها فى كتابها المنشور عام 1899م ( ألف ميل فوق النيل ) و الذى قالت فيه : تصبح تماثيل قدس الأقداس ذات تأثير كبير وتحاط بهالة جميلة من الهيبة والوقار عند شروق الشمس وسقوط أشعتها عليها،فإن أى مشاهد إذا لم يراقب سقوط أشعة الشمس هذه يساوره شك فى أثرها القوى المحسوب بدقة حسب علم الفلك والحساب عند قدماء المصريين حيث حسب بدقة ووجه نحو زاوية معينة حتى يتسنى سقوط هذه الأشعة على وجوه التماثيل الأربعة، ففى الساعة السادسة وخمس وعشرين دقيقة فى يوم 21 فبراير،أو الساعة الخامسة وخمس وخمسون دقيقة فى يوم 21 أكتوبر بالضبط من كل عام يتسلل شعاع الشمس فى نعومة ورقة كأنه الوحى يهبط فوق وجه الملك رمسيس ويعانقه ويقبله، فيض من نور يملأ قسمات وجه الفرعون داخل حجرته فى قدس الأقداس فى قلب المعبد المهيب، إحساس بالرهبة والخوف، رعشة خفيفة تهز القلب، كأن الشعاع قد أمسك بك وهزك من أعماقك بقوة سحرية غامرة،أى سحر وأى غموض يهز كيانك وأنت تعيش لحظات حدوث المعجزة، ثم يتكاثر شعاع الشمس بسرعة مكونا اًحزمة من الضوء تضئ وجوه التماثيل الأربعة داخل قدس الأقداس.
هنا يتوقف مسلم شلتمت و يتساءل : أليس غريباً حقاً ألا تتغير حسابات الكهان والمهندسين والفنانين ورجال الفلك المصريين عبر مشوار من الزمن طوله أكثر من ثلاثة آلاف وثلاثمائة سنة؟؟
وفى دراسة علمية شاملة تتناول كل الجوانب الفلكية والجيوفيزيائية والطبوغرافية والتاريخية لإزالة غموض هذه المعجزة قضى الدكتور / مسلم شلتوت - أستاذ فيزياء الطاقة الشمسية ونائب رئيس شعبة بحوث الشمس والفضاء - بالمعهد القومى للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بحلوان أربع سنوات لتحليل تلك الظاهرة و تحديد علاقتها برمسيس الثانى، و الدكتور مسلم شلتوت الفائز بجائزة الدولة فى العلوم الفيزيائية لعام 1986م هو من عشاق التاريخ الفرعونى والإسلامى وقد لفت نظره هذه الظاهرة بشكل مختلف بحكم تخصصه العلمى كواحد من المهتمين ببحوث الشمس، ماذا وجد الدكتور مسلم شلتوت بعد أربع سنوات من دراسة الظاهرة؟
من المعلوم أنه نتيجة للحركة الحقيقية لدوران الأرض فى مدار شبه دائرى حول الشمس على ما يسمى بدائرة البروج السماوية وهى دائرة تميل بمقدار 23.5 درجة على ما يسميه الفلكيون دائرة الاستواء السماوى، لذلك فإن للشمس حركة يومية للمكان التى تشرق منه على الأفق، فهى تشرق من اتجاه الشرق الحقيقى يومى 21 مارس و23 سبتمبر من كل عام وهما بداية الربيع والخريف.
أما فى فصلى الربيع والصيف فإنها تشرق من ناحية الشرق مع انحرافها لبضع درجات ناحية الشمال حيث تبلغ قيمة هذا الانحراف أقصى ما يمكن يوم 21 يونيو ومقداره 23.5 درجة ناحية الشمال،أما فصلى الخريف والشتاء فإنها تشرق من ناحية الشرق مع انحرافها لبضع درجات ناحية الجنوب حيث تبلغ قيمة هذا الانحراف أقصى ما يمكن يوم 21 ديسمبر ومقداره 23.5 درجة ناحية الجنوب ...وبالتالى فإذا كان هناك ممر طويل على الأفق ومغلق من ناحية الغرب فإن أشعة الشمس سوف تتعامد على جداره المغلق مرتين كل عام إذا كان محور هذا الممر فى اتجاه الشرق أو منحرفاً عن ناحية الشمال أو الجنوب بزاوية مقدارها 23.5 درجة كحد أقصى.
لذلك فدخول أشعة الشمس إلى معبد أبو سمبل مرتين فى العام وتعامدها على التماثيل الأربع فى قدس الأقداس هذا أمر طبيعى لأن درجة إنحرافه الحقيقى هو عشر درجات ونصف ناحية الجنوب .
دعاية سياحية
لكن تبقى المعجزة والتى تتمثل فى تعامد الشمس فى موعدين مختارين محددين عمداً قبل عملية النحت ...لأن ذلك يستلزم معرفة تامة بأصول علم الفلك... وحسابات كثيرة لتحديد زاوية الانحراف لمحور المعبد عن الشرق ...بجانب المعجزة فى المعمار بأن يكون المحور مستقيم لمسافة أكثر من ستين متراً ولا سيما أن المعبد منحوت فى الصخر؟!!.
قيل أن يومى 21 فبراير، و21 أكتوبر هما عيد ميلاد وجلوس رمسيس الثانى على العرش مع أنه ليس هناك أى مرجع تاريخى يؤكد أو حتى يشير إلى هذا القول!! بل أن عام ميلاد وعام ممات وعام جلوس رمسيس الثانى على العرش هناك تضارب فى تواريخها فى المراجع المختلفة!! فكيف تم تحديد يوم ميلاده ويوم جلوسه على العرش؟!
يؤكد تساؤلنا هذا ما ذكرته بعض المراجع بأن هناك أدلة على أن أصل الفكرة فى تشييد معبد أبو سمبل كانت لسيتى الأول، وأن جزءاً كبيراً من الداخل كان قد نحت قبل أن يعتلى رمسيس الثانى العرش.
وفى أعتقادى فإن هذين اليومين هما بداية موسم الزراعة عند قدماء المصريين ( 21 أكتوبر ) بعد أنحسار مياه الفيضان والتى كانت تغرق كل الأراضى القابلة للزراعة وبداية موسم الحصاد ( 21 فبراير ) لبعض المحاصيل التى يمكن أن تؤكل وهى خضراء كالبصل والفول الأخضر وهما بلا شك يومان مهمان فى حياه الأنسان المصرى القديم عندما كانت تزرع الأرض لمدة واحدة فى العام على نظام الرى بالحياض.
أرجو أن تسمو الدعاية السياحية ..فلا تكون الدعاية على حساب الحقائق التاريخية والأمانة العلمية، ولا سيما أن سائح الآثار هو سائح مثقف ليس بالسذاجة التى يتصورها البعض بل أن هذه الدعاية إذا لم تكن قائمة على أسس علمية وتاريخية صحيحة فقد تؤدى إلى نتيجة عكسية..لأنها تعنى الكذب!!
تقرير المكتب الاستشارى الفرنسى
والآن ننتقل إلى التقرير الجيولوجى عن المعبد والذى أعده مكتب استشارى فرنسى بناء على طلب اليونسكو والحكومة المصرية ونشر بباريس فى أكتوبر 196.م،يقول التقرير فى الفصل الثالث - الجزء الثانى عشر ما نصه : هناك احتمال قوى بأن محور المعبد الكبير بأبو سمبل لم يتم اختياره عمداً بواسطة المعماريين والمهندسين المصريين القدماء بل أنه فرض عليهم نتيجة لتركيبات جيولوجية تتعلق بعروق الصخر.
لقد كانت الشمس هى المعبود الأول عند قدماء المصريين وكان قرص الشمس “ رع “ هو أكبر آلهتهم،وقد أقاموا له المعابد وقرنوا اسمه بأسمائهم واتخذوا من مدينة عين شمس مركزا لعبادته،وكان الغرض من نحت معبد أبو سمبل فى جبل صخرى وفى مكان نائى مقدس لهم،هو عبادة الشمس عند شروقها .لذلك ومنذ عصر ما قبل بناة الأهرامات أهتم المصريون القدماء بتتبع حركة الشمس بين النجوم ورصدها رصداً دقيقاً منتظماً.
ومن الأدلة البارزة على دقة أرصادهم وسبق غيرهم فى رصد ودراسة حركات الأجرام السماوية دراسة عميقة مؤسسة على أرصاد دقيقة منتظمة،ومعرفة بأصول الرياضيات :-
أولاً : أنهم استخدموا تقويماً فلكياً محكماً من أقدم العصور اتخذوا فيه السنة النجمية وحدة أساسية فى قياس الزمن،وقاسوا أطوالها 365.25 يوم بظاهرة الأحتراق الشروقى للشعرى اليمانية وكان ذلك يحدث وقت فيضان النيل،وتدل نقوشهم على أنهم عرفوا ذلك قبل بناء الأهرامات،وابتكروا السنة المدنية وقسموها إلى اثنتى عشر شهراً كل منها ثلاثين يوماً يضاف إليها خمسة فى نهاية العام نسئ تقام فيها أعيادهم، أما معاصريهم من الرومانيين واليونانيين والآشوريين فكانوا يتخبطون فى محاولات لربط أوائل الشهور المدنية ويدلنا هذا على أنهم عنوا بدراسة حركة الشمس الظاهرية وسط النجوم الثابتة منذ أقدم عصور التاريخ واستنبطوا من ذلك طول السنة النجمية وليس فى هذا ما يدعو إلى الغرابة فقد كانت الشمس أهم معبوداتهم.
ثانياً : بناء الأهرام كمقابر للملوك نظراً لإيمانهم بالبعث فيلاحظ فى بناء الأهرام أنه أقيمت عند خطى عرض 3. درجة شمالاً على حافة المستوى الصخرى وليس فى وسطه،وأضلاع قواعدها تنطبق مع الأتجاهات الأصلية لأقرب خمس دقائق قوسية بآلاتنا الحديثة، وتتساوى أضلاعه إلى أقرب عشرين سنتيمتراً وكذلك فإن ممراتها المائلة تنطبق على المستوى الزوالى، وتضئ الشمس خلال سبعة أشهر نصفها قبل ونصفها بعد الانقلاب الصيفى الأوجه الأربعة عندما يكون على خط الزوال، وقد أستنتج بعض الفلكيين حاليا ان الممرات الداخلية كانت تستعمل كآلات زوالية لرصد النجوم وأن ضوء الشعرى اليمانية كان عمودياً على الوجه الجنوبى للهرم الأكبر عام 23.. قبل الميلاد.
وتدلنا الدقة فى تعيين الأتجاهات وتحديد المواقع إذا ما قيست بصعوبتها فى الوقت الحاضر باستعمال الأجهزة الحديثة على أن الكهنة المصريين الذين كانوا يشرفون على بناء الأهرام لابد وأنهم استعانوا بالارصاد الفلكية فى تعيينها.
ومن آثارهم التى تدل على عنايتهم بدراسة الأجرام السماوية صور البروج النجومية التى يحلى بها سقف معبد دندرة والموجودة الآن فى متحف اللوفر بباريس والنقوش على جدرانه التى تبين ساعات النهار والليل وأوجه القمر ومسار الشمس بين النجوم.
برنامج خاص على الكمبيوتر لحساب زوايا الشمس على أبو سمبل
وقد قام - الأستاذ الدكتور / مسلم شلتوت - بتصميم برنامج للحاسب الآلى وتغذيته بمعطيات وبيانات فلكية وجغرافية وطبوغرافية وذلك لحساب زوايا ارتفاع الشمس فوق الأفق وزوايا سمت السموات ( الأفقية ) لمعبد أبو سمبل لكل يوم على مدار العام،وكذلك حساب الزوايا الأفقية للشمس المشرقة عند خطوط العرض المختلفة لمصر القديمة بداية من خط عرض 2. درجة حتى 35 درجة، واتضح من الحسابات بأن فروق الزوايا الأفقية للشمس المشرقة فى أيام التماثل يومى 21 فبراير و21 أكتوبر تضيق كلما أتجهنا جنوباً فهى لمنف 9.2 دقيقة قوسية ولطيبة 7.5 دقيقة قوسية لأبو سمبل 6.3 دقيقة قوسية، مما قد يشير بأن اختيار المعبد فى الجنوب قد يكون راجع لأسباب فلكية ومعمارية بجانب قدسية المكان،والزاوية الأفقية هى زاوية انحراف الشمس عن الشمال الجغرافى مقاسة فى اتجاه الشرق وهى الزاوية التى يجب أن ينطبق عليها تماماً اتجاه محور المعبد يومى 21 فبراير و21 أكتوبر لكى تتم ظاهرة تعامد الأشعة على قدس الأقداس عند شروق الشمس، حيث أن زاوية انحراف محور المعبد عن الشمال الجغرافى هى مائة درجة وثلاثة وثلاثون دقيقة قوسية وثلاثة وثلاثون ثانية قوسية مقاسة فى اتجاه الشرق قبل نقل المعبد لأعلى الهضبة خلال الستينات من هذا القرن لإنقاذه من الغرق تحت مياه بحيرة السد العالى،كما يجب التنويه بأن عملية نقل المعبد ثم إعادة تركيبه تمت بدقة متناهية لتعتبر عملاً هندسياً معمارياً لم يسبق لها مثيل .
كما أتضح من الحسابات بأن الشمس من المفروض أن تشرق على معبد أبو سمبل يوم 21 فبراير الساعة السادسة واثنين وعشرين دقيقة لو لم يكن هناك حاجب طبوغرافى لها على الأفق الشرقى
لكن من الثابت أن الظاهرة تحدث عند الساعة السادسة وست وعشرين دقيقة وعندها تتطابق الزاوية الأفقية للشمس مع زاوية اتجاه محور المعبد تماماً،حيث أنه خلال هذه الدقائق الأربعة الزائدة تكون الشمس ارتفعت فوق الأفق بمقدار 34 دقيقة قوسية وأصبحت التلال التى فى الجهة الشرقية للنيل لا تحجب وصول أشعتها للمعبد ولقدس الأقداس، فهناك إذن علاقة ما بين ارتفاع التلال الشرقية وزاوية اتجاه محور المعبد.
وهذا الأستنتاج الأخير يؤكد بأن اتجاه محور المعبد كان مختارا بدقة متناهية ومحدد مسبقاً قبل عملية النحت لتحقيق ظاهرة تعامد أشعة الشمس على قدس الأقداس يومى 21 فبراير و21 أكتوبر من كل عام وأن الحسابات أجريت على أسس وأصول فلكية وجغرافية وطبوغرافية ورياضية سليمة منذ حوالى ثلاثة آلاف وثلثمائة عام.
أيام أخرى متماثلة
نعود الآن إلى يومى 21 فبراير و21 أكتوبر وعدم اليقين فى دلالة كل منهما وهما يومان متماثلان فى الزوايا الأفقية للشمس المشرقة عند أبو سمبل، ونود القول بأن هناك أيام متماثلة أخرى مثل يومى 2. فبراير و22 أكتوبر، كذلك هناك تماثل بين يومى 22 فبراير و2. أكتوبر، و فروق الزوايا الأفقية للشمس المشرقة بين هذه الأيام الأربع الأخيرة لا تتعدى عشرين دقيقة قوسية ومن المحتمل أن تكون هذه الأيام الأربع الأخيرة لها دلالة فى التاريخ المصرى القديم بجانب احتمال اليومين الأساسيين وهما 21 فبراير و21 أكتوبر.
كما نود القول بأن محور المعبد قبل نقله لأعلى الهضبة ليس بالضرورة تماماً هو نفس الاتجاه فى سنوات تشييد المعبد منذ ثلاثة آلف وثلثمائة سنة حيث يمكن أن يكون هذا الاتجاه قد تغير بمقدار لا يزيد عن عشرين دقيقة قوسية وذلك لأسباب فلكية وهى تغير الشمال الجغرافى نتيجة لدورة النجم القطبى الشمالى فى دائرة صغيرة جداً حول القطب الشمالى الحقيقى للأرض دورة كل أثنين وعشرين ألف سنة ولا سيما أن أرصاد الفلكيين المصريين القدماء كانت معتمدة على رصد النجم القطبى الشمالى، وليس هذا بيت القصيد الأساسى، حيث أثبتت الدراسات أن هذا التأثير صغير، لكن التأثير الأقوى هو تحرك القشرة الأرضية فى مصر نتيجة لتزحزح القارات وهذا ما أثبتته الدراسات الجيوفيزيائية الحديثة بقياس التثاقلية الأرضية حول بحيرة السد العالى، كذلك الدراسات الفضائية الحديثة باستعمال أجهزة الليزر فى رصد الأقمار الصناعية للاستفادة منها فى مجال الجيوديسيا، كما أن المنطقة حول بحيرة السد العالى يوجد بها نشاط زلزالى منذ قديم الزمن نتيجة لفالق كلابشة الطبيعى فقد حدث زلزال عام 121. قبل الميلاد أدى إلى تحطيم أحد التماثيل الأربع الموجودة فى واجهة المعبد أثناء حكم سيتى الثانى حيث قام هذا الملك بترميم أول التمثالين الواقعين على شمال البوابة والذى بدأت تظهر عليه بعض علامات التلف.
كما نود أن نشير أيضاً أن قواعد الأهرامات تنطبق مع الاتجاهات الأصلية لأقرب خمس دقائق قوسية بآلاتنا الحديثة كما أسلفنا الذكر، إلا أن هناك بحوث حديثة تشير إلى أن هذا الفرق الصغير جدا والذى لا يزيد عن خمس دقائق قوسية ليس نتيجة عيب فى البناء أو خطأ من المعماريين القدماء ولكنه نتيجة لتحركات القشرة الأرضية، وأن هذه التحركات أكبر فى قشرة أرض مصر العليا.
التعليقات