لبنان : المخرج صعب... بل مستحيل

بلال خبيز من بيروت: تروج أخبار في بيروت عن حصول تقدم في المشاورات الجلسة الرابعة يوم غد السبت ستشهد بعض الخروقات في الجدار الأصم الذي وجد اللبنانيون انفسهم امامه، والذي بعضه من صنع ايديهم وبعضه الآخر لا ناقة لهم فيه ولا جمل.حتى الآن لا يمكن الحديث بثقة عن اختراق ما، فالتقدم الذي تحدث عنه الرئيس نبيه بري لم يتجاوز محاولة إعادة بناء الثقة بين الفرقاء المتقابلين. لكن القضايا المختلف عليها لا تبدو قابلة للحل بالتشاور او بالحوار او حتى بتشكيل حكومة الثلث الضامن، وايضاً ليس ثمة امل في تجاوز لبنان محنته إذا ما وافق المجتمعون على اقالة رئيس الجمهورية اميل لحود. القضايا المختلف عليها اعمق كثيراً من الشكليات الدستورية والقانونية والشرعية التي يعلن المتشاورون الخلاف عليها. وإذ يطالب حزب الله بالثلث الضامن او المعطل في الحكومة فإنه بذلك يلبس الازمة العميقة التي تعصف بالبلد كياناً وهوية ودوراً ونمط حياة، لبوساً دستورياً لا يملأ وليس مقدراً له ان يملأ هذه الخانات الفارغة في الحياة السياسية في لبنان. ليس في ما تقدم جديداً بالنسبة للمطلعين على الأزمة اللبنانية جيداً.

فالقضايا المختلف عليها ليست ميسورة الحلول لمجرد اتفاق اللبنانيين على بعض المسلمات الضرورية في الحياة السياسية. ولا يخفي المحللون وكتاب الرأي في الصحف وعلى شاشات التلفزيونات ارتباط هذه القضايا بطبيعة المشروع الاميركي في المنطقة وتزايد النفوذ الإيراني في العراق على ما يشير اكثر من مصدر موثوق. مما يعني ان الطرفان المختلفان والمتشاوران يقعان تحت ضغط احوال المنطقة وما يمكن ان تؤول إليه الخطة الاميركية في المقبل من الشهور.

من نافل القول ان الخطة الأميركية تعاني في العراق وافغانستان صعوبات جمة، وبعض المحللين يعتبر الخسارة الاميركية اكثر من واقعة، لكن المدقق في فصول وطبيعة الخطة الاميركية منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي وحتى اليوم لا بد وان يكتشف ان المسألة ليست بهذه البساطة التي يتقرر فيها الربح من الخسارة.

فالولايات المتحدة الاميركية دخلت حربها الأولى في العراق حين كان العراق دولة لها هيبتها ونفوذها الاقليميين، لكنها اليوم قد تغادره وهو ساحة لكافة انواع الصراعات الاقليمية والمحلية، والحال نفسها تنطبق بطريقة اقل وضوحاً على سورية التي دخلت عاصفة الصحراء لاعباً اقليمياً اساسياً، واليوم يجاهد نظامها بكل ما اوتي من وسائل لتجنب المحاكمات التي قد تعصف به وتضع مصير سورية في مهب الريح. والحق انه بالنسبة لسورية فإن الحديث المتكرر عن ضعفها المتمادي واندراجها منفذاً لسياسات المشروع الإيراني في المنطقة لا يجانب الدقة في اي حال من الاحوال.

لا شك ان تتبع فصول ووقائع الخطة الأميركية في المنطقة منذ عاصفة الصحراء يكشف ان الولايات المتحدة ما ان قررت التدخل المباشر في المنطقة حتى بدأت تقطع الأصابع الاقليمية واحداً تلو الآخر: عطلت العراق كدولة مؤثرة في المنطقة وحاصرت ايران وهددتها تهديداً مباشراً، مثلما انها اجبرت اسرائيل على تقنين تدخلها في جوارها، من الاردن إلى لبنان وفلسطين في بعض اللحظات، وعلى النحو نفسه لم يتسن لمصر ان تلعب دوراً اقليمياً فاعلاً في جوارها الذي الف تدخلها، من ليبيا إلى السودان ففلسطين فالأردن، والحال نفسه ينطبق على منطقة الخليج العربي حيث يظهر ان بعض الإمارات الصغرة تتطاول في سياساتها وتدخلاتها على الدولة الأرسخ والاكبر وصاحبة الدور الأرجح وهي المملكة العربية السعودية، وكان ان ختمت هذه السياسة انجازاتها بإخراج الجيش السوري من لبنان بوصف هذا الإنجاز آخر حلقات السلسلة في تقليم الأظافر الاقليمية للدول الكبيرة في المنطقة.
لا شك ان هذه الخطة واجهت صعوبات جمة، انما يجدر بنا ان نسجل نتيجتين حاسمتين في هذا السياق، واحدة عراقية واخرى سورية.

في العراق لم يعد البحث وارداً في ان يلعب العراق دوراً يتجاوز حدوده، وما ان تقرر الإدارة الاميركية الخروج من مستنقعه حتى يصبح العراق نهباً لكل التدخلات الاقليمية، من ايران التي يزداد نفوذها وتدخلها في العراق يوماً بعد يوم، إلى تركيا التي ستجد نفسها قوة اقليمية عظمى تجاور دولة ضعيفة ومهددة وغنية بالثروات الطبيعية، وصولاً إلى المملكة العربية السعودية التي ستجد نفسها مضطرة للدفاع عن حدودها من داخل العراق وليس من داخل حدودها.

والحق ان الانسحاب الاميركي من العراق كما يأمل اهل الحلف الإيراني السوري اللبناني الفلسطيني سيجعل من الاعتراف بدور اقليمي لإيران امراً مفروغاً منه. لكن هذا الاعتراف سيفتح ابواب الادوار الاقليمية على مصراعيها امام الدول الكبيرة في المنطقة، من مصر التي بدأت مشروعها للطاقة النووية التي تبدأ سلمية وتنتهي عسكرية على ما هي الحال دائماً، إلى تركيا وباكستان والمملكة العربية السعودية وصولاً إلى اسرائيل.

وحيث ان لبنان يقع تماماً في المجال الحيوي الإسرائيلي، ولطالما كان عرضة لتدخلات اسرائيلية لا حصر لها ولا عد، وامام واقعة الضعف السوري المتمادي وصعوبة انتشال النظام السوري من الوهدة التي يغرق فيها، فإن الانخراط الذي يعلنه حزب الله في الحلف الإيراني - السوري قد يضع لبنان امام خيار من اثنين: اما ان يتحول بلد مقاومة على غرار افغانستان في عهد طالبان وما سبقها، واما ان يخضع لمتطلبات الهيمنة الإسرائيلية على نحو لا فكاك منه.

والحق ان حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في الحرب الاخيرة التي شنتها اسرائيل على لبنان وجدت نفسها امام هذا المأزق الخطير فلم تجد بداً من اجتراح تسوية موقتة تفترض ان تضطلع اوروبا والدول العربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية بدور حاسم في ضمان حياد البلد عن كلا المحورين اللذين ينذران البلد بشر مستطير. لكن حزب الله الذي يتهم هذه الحكومة باسوأ الاتهامات اطاح بالفرصة الوحيدة التي لاحت بعد تلك الحرب ولم يعد ثمة مجال إلا لتبني خيار من اثنين: اما تحويل البلد بلداً مقاوماً برمته، واما الانخراط في المشروع الاميركي وكلا الخياران يملكان كل اسباب القوة في البلد وهذا ما ينذر بأسوأ العواقب.