العلاقة بسورية ومعركة رئاسة الجمهورية في لبنان: بلال خبيز من بيروت: فاجأ لقاء ميشال عون وحسن نصرالله الجميع في لبنان. كان اللقاء متوقعاً ويجري التحضير له منذ أشهر، لكنه جاء مفاجئاً لأنه ارسى بعض النتائج التي لم تكن متوقعة في المشهد السياسي اللبناني. والأرجح، على ما تشير معلومات متقاطعة، ان الزعيمين قررا ان يستعجلا اللقاء ليأتي توقيته مناسباً لحشر الخصوم في زاوية سياسية خانقة. حيث جرى اللقاء في اليوم الذي تلى احداث الشغب في منطقة الاشرفية في بيروت، وما تلاه من مضاعفات وبلبلة سياسية في صفوف quot;قوى 14 آذار/ مارسquot; المناهضة لسورية . النتيجة بادية لكل عين ناظرة: quot;قوى 14 آذارquot; تفشل في امتحان التعايش، وتلقي بتبعات فشلها على أطراف خارجية، لكن ذلك لا يعصمها من البلبلة والقسمة والشعور بالخطر. فيما القوة الناشئة عن تحالف quot;حزب اللهquot; وquot;التيار الوطني الحرquot;، تجتمع على تذليل بعض الخلافات المستحكمة، وأقل ما يقال فيها من ايجابيات انها تسير على الطريق المؤدية إلى استنباط نوع من التعايش المشترك بين قوى مختلفة سياسياً على مواضيع لا تحصى. هذان السلوكان يختلفان اختلافاً بيناً في نقطتين على الأقل: في الباب الاول لم يعمد جنرالا quot;6 شباط/ فبرايرquot; في اجتماعهما في كنيسة مار مخايل على خطوط التماس القديمة إلى تغطية السموات بالقبوات واعتبار ان لا مشكلة اصلية بين اللبنانيين وان التدخلات الخارجية هي فقط ما يفرق بينهم. بل ذهبا إلى التأكيد ان معالجة اعطاب البنية اللبنانية لا تتم برد اسبابها إلى الخارج. فيما بدت quot;قوى 14 آذارquot; محشورة في زاوية هذا الاعتبار الأحادي النظرة الذي ينفي او يحاول ان ينفي أي خلاف بين اللبنانيين. وهذا ما جعل الدعوة إلى تحميل اطراف خارجية مسؤولية ما جرى ملحاحة في صفوفهم، ما ادى إلى ارباكات مضاعفة، خصوصاً ان المعلومات التي افاد بها بعض قادة وسياسييquot; 14 آذارquot; نفاها حلفاء لهم في هذا التحالف. وهذا ما أظهر ان الإصرار على صون الوحدة الوطنية بتحميل الخارج مسؤولية كل انقسام داخلي غير منطقي وغير مقنع لعموم اللبنانيين. من جهة أخرى يكتسب تأكيد مصادر، قريبة من دوائر القرار في quot;حزب اللهquot;، ان الوثيقة السياسية التي تم توقيعها والإعلان عنها في مار مخايل، انما جاءت ثمرة جهود طويلة واعقبت اتصالات كثيرة بين الطرفين وبعض دوائر القرار في العالم العربي. وتشير هذه المصادر إلى ان وجهة نظر quot;حزب اللهquot; في ما يخص العلاقات اللبنانية ndash; السورية خصوصاً، لاقت تفهماً عربياً لافتاً عبرت عنه الزيارة الأخيرة التي قام بها الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى بيروت، وكان أثرها واضحاً لجهة تفهم منطلقاتها في الدواوين السياسية المصرية وفي ما رشح من اتصالات مع المملكة العربية السعودية. مما يجعل هذه الورقة ndash; الوثيقة بمثابة كرة ثلج ستترك آثارها على المعطيات السياسية في لبنان وعلى طبيعة التحالفات القائمة فيه، وموازين القوى التي ارستها الانتخابات الاخيرة. من ناحية ثانية بدأت دوائر الكي دورسيه في فرنسا تحضر لزيارة رسمية يقوم بها الجنرال ميشال عون إلى باريس، ومن المقرر ان يلتقي فيها وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي، وقد يلتقي الرئيس شيراك نفسه إذا سمح وقت هذا الأخير بذلك، (كانت quot;إيلافquot; قد نشرت خبر الزيارة المتوقعة في وقت سابق). يجمع المحللون في لبنان على التأكيد ان التحالف الناشئ كسب جولة مهمة في مواجهة خصومه. لكن ما يبدو ثابتاً في هذا السياق ان هذا التحالف لم يقطع كل اواصر صلاته مع خصومه. فمن ناحية اولى لا يزال quot;حزب اللهquot; يحافظ على حبل الود مع تيار quot;المستقبلquot; بزعامة النائب سعد الحريري، ويطالبه بالقيام بدور الوساطة وينتظر منه اطلاق مبادرة حوارية تجمع القوى السياسية إلى طاولة حوار. لكن المفاجئ ان من تلقف هذه الدعوة لم يكن quot;قوى 14 آذارquot; الممسكة بأعنة السلطة الهزيلة في لبنان، بل عمد إلى الدعوة إلى هذا الحوار رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري، وهو الذي يؤخذ عليه انحيازه إلى صف quot;حزب اللهquot; والقوى السياسية التي تستقوي بسورية وتريد العودة بالبلاد إلى ما قبل 14 شباط(فبراير) 2004 ما يجعله غير قادر وغير مخول ادارة دفة الحوار. لكن ذلك لم يحل دون الدعوة للحوار وتحديد موعد مبدئي له في مجلس النواب اللبناني في نهاية شهر شباط(فبراير) الجاري او في بداية شهر آذار(مارس) المقبل. هذه الحشرة التي وجدت quot;قوى 14 آذارquot; نفسها وسط تفاعلاتها، ربما كانت السبب الذي دعا البعض إلى دعوة النائب سعد الحريري إلى العودة إلى لبنان، من حيث يقيم في فرنسا بسبب الأخطار التي تتهدد حياته إذا ما عاد إلى لبنان، إذ لا يمكن إدارة معضلات البلد الكبرى والملحة من المنفى الذي يعيش فيه زعيم اكبر كتلة برلمانية في البرلمان اللبناني. يمكن القول ان الأيام الأخيرة الحامية التي شهدها لبنان قلبت بعض موازين الرأي في لبنان، ويجدر بالجميع النظر إلى هذه التحولات والتغيرات بدقة شديدة لئلا يخطئوا التصويب والاهداف. فquot;حزب اللهquot; عقد تحالفاً سياسياً مع أبرز زعماء الموارنة وأوزنهم ثقلاً على الأرض، واكتسب بذلك وزناً يضاف إلى وزنه الاصلي، يمده بشرعية لبنانية عامة هو في امس الحاجة إليها. لكن نقطة قوته الأبرز والتي حاول جاهداً إبرازها إلى الواجهة تكمن في امساكه الفعلي بمفاتيح العلاقة بسورية وقدرته على التأثير الفعلي في هذا السياق. وهذه جبهة حامية وبالغة الأهمية والخطورة من الجبهات التي تواجه لبنان عموماً وتهدد استقراره. من ناحية ثانية لم يقطع الجنرال ميشال عون اواصر صلاته مع الدول الغربية عموماً، ويراهن على استعادة علاقة مثمرة تضيف إلى وزنه المحلي وزناً خارجياً يجعله مرة أخرى لاعباً وازناً في السياسة اللبنانية، لكنه ايضاً وخلال الأشهر الاخيرة استطاع ان يحصر مفاتيح معركة رئاسة الجمهورية واستقالة الرئيس لحود كلها في يده وحده، خصوصاً بعدما اعلن الرئيس لحود استعداده للاستقالة إذا كان الجنرال عون هو من سيخلفه في كرسي بعبدا. وليس خافياً ان هذين المفتاحين: تسوية العلاقة مع سورية، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، يقعان في مقدمة الأهداف التي يضعها تحالف 14 آذار نصب سياسته العامة. مما يجعل امر مواجهة هذا التحالف المستجد عسيراً وغير مضمون النتائج. يبقى ان كل هذه الاوراق التي يملكها طرفا مار مخايل لا تشكل لهما ضماناً فعلياً لتحقيق الانتصار على خصومهما, فموضوع العلاقة مع سورية له بابان، باب لبناني لا يستقيم الحديث فيه إلا بمعاقبة المسؤولين عن جرائم الاغتيال السياسية التي كان لبنان واللبنانيون ضحاياها، حتى لا يبقى التعامل مع لبنان خاضعاً لهذه المعادلة الجائرة، التي تقضي بأن يتم ترهيب قادته واغتيالهم من دون ان يعاقب المسؤولون عن هذه الجرائم، وهذه الضرورة بالضبط هي ما يعيد المفاتيح إلى تيار quot;المستقبلquot; اولاً ووليد جنبلاط الزعيم الدرزي من ناحية ثانية. وباب سوري ndash; عربي ndash; دولي يقيم للمصالح الكبرى وزناً حاسماً، لكنه ليس بالضرورة متعارضاً مع فتح الباب اللبناني على مصراعيه. اما امر استواء العلاقة مع الغرب على سمت ثابت يحفظ استقلال لبنان فمرهون أيضاً، باجماع القوى اللبنانية كافة على الدعوة الحثيثة إليه والحرص على تحقيقه. إذ ان الاطراف الخارجية تستطيع دائماً ان تدخل من نوافذ الطوائف التي تجد حقها مهدوراً ودورها قليل التأثير. |
- آخر تحديث :
التعليقات