أموال وطموح ودعم استخباراتي غير محدود
رنا وطه قليلات... الشقيقان الشقيان
بلال خبيز- بيروت: لم يكن اسم رنا وطه قليلات وشريكهما سابقاً سليم الدادا غريب الوقع على اسماع اللبنانيين في الزمن الذي كانت فيه المخابرات السورية تتحكم بالبلد. كان اللبنانيون يتناقلون في ما بينهم اخبار الفضائح وشائعات لا تحصى عن نشاطات مشبوهة يقوم بها الأخوين قليلات. فضلاً عن احاديث ملأت دنيا البلد عن علاقات الثنائي المميزة وصديقهما الحميم سليم الدادا بضباط الاستخبارات السورية من ناحية اولى وبضباط لبنانيين ونافذين سياسيين في الحقبة السورية التي حكمت لبنان.
ويروي السيد حسن صبرا ان اللواء المنتحر وزير الداخلية السوري السابق كان على علاقة وثيقة برنا قليلات وشقيقها طه. وبإيعاز منه اجتهد اللواء جميل السيد، الذي كان يومها احد المتنفذين في السياسية اللبنانية وواحداً من كبار المؤثرين في اتجاهاتها، في محاولة جعل اسم طه قليلات متداولاً في نادي رؤساء الحكومة المحتملين في لبنان، بغية منافسة وتهديد الرئيس رفيق الحريري. وهو لهذه الغاية حاول تأهيل الشاب الهائج وإبراز اسمه ودوره المحتمل والواعد في الحياة العامة اللبنانية.
|
طه قليلات |
على أي حال لم يلبث السيد طه قليلات ان اخذ يعمل كما لو أنه يحضر نفسه لخلافة الرئيس الحريري، فسرعان ما فتح الباب نفسه الذي كان الحريري قد سبق وفتحه في أولى محاولات دخول هذا الأخير على الحياة العامة في لبنان. فعمد، على غرار ما كان الحريري قد دأب منذ زمن طويل، إلى توزيع المساعدات على المحتاجين والمعوزين في بيروت، وبعض هباته امتدت إلى صيدا واقليم الخروب، وسهل امور الحجاج ودفع تكاليف حجهم إلى بيت الله الحرام، حتى وصل بالسائلين الحال إلى الوقوف عند بابه اياماً طمعاً بلفتة كريمة من الزعيم. ومن هذا الباب اراد السيد قليلات المدعوم من رجال المخابرات السورية واللبنانية على حد سواء الدخول في عالم السياسة من بابه الواسع. والحق انه كان طائشاً ومستعجلاً إلى حد انه ابتاع سيارة مرسيدس من الطراز نفسه الذي يملكه الحريري وأخذ ينتقل في مواكب سيارة برفقة مرافقين كانوا يعمدون إلى فتح الطريق وتسهيل مروره عبر اتصالهم بالرتباء الذين يشرفون على تنظيم السير في بيروت العاصمة.
كان الشاب الذي يتحدر من اسرة متواضعة يسمي نفسه الزعيم ويجبر المحيطين به على مناداته بهذا الأسم. ولم يلبث هذا الزعيم ان اسسس نادياً رياضياً واشترى بعض اهم لاعبي كرة القدم في لبنان في محاولة منه لجعل ناديه سلماً لصعود اسمه في عالم الرياضة اللبنانية ومنها إلى السياسة في طبيعة الحال. لكن الشاب الهائج على ما يروى لم يكن يملك الصبر اللازم لبناء امبراطوريته المالية والاجتماعية على النحو الذي يخوله الوصول إلى هدفه مثلما وصل آخرون وصوليون مثله إلى أهدافهم في ظل رعاية سورية لا تخفى على أحد. ويروى انه بنى ملعباً لكرة القدم في قطعة أرض كان يملكها على شاطئ بيروت على مقربة من احد الفنادق الفخمة وكان يتمرن مع الفريق الذي اسسه واشترى لاعبيه، ويرشي بعضهم حتى يسهلوا له تسجيل الأهداف في مباريات يقيمها في ملعبه الخاص.
كان طه قليلات نجم العائلة الاجتماعي والسياسي. لكنه نجم شره، سرعان ما أخذت اخبار فضائحه الاخلاقية تننشر بين الناس وتعم وتتكاثر. على هذا لم يجد معه، على ذمة الرواة، التأهيل الذي حاول بعض الضباط المتنفذين تقديمه له ليصبح واحداً من رجال الشأن العام في لبنان المحكوم من الاستخبارات السورية.
|
رنا قليلات في قبضة الأمن البرازيلي تختبئ من عدسات التصوير |
يحكى كثيراً وقليلاً عن علاقات طه قليلات بأهل السلطة في سورية، وعن الهدايا التي كان يقدمها لهم في كل المناسبات، خصوصاً إبان الزمن الذي ناصب فيه سليم الدادا العداءن حيث تنافس الشابان على تقديم الهدايا لضباط المتنفذين وحاولا كل من جهته استمالة جهة من الجهات المتنفذة في البلد لحمايته. لكن المعركة انتهت في صالح طه قليلات الذي كان يملك من يحميه في ذلك الزمن، ذلك ان دور حاميه وحاضنه الحقيقي لم يكن قد انتهى بعد. خرج سليم الدادا من المعركة خاسراً. لكن الجروح التي خلفتها هذه المعركة قضت على كل امل لخصمه الشاب في جعله شخصية عامة في لبنان. والحال تحول الرجل إلى اللهو واللعب في بلد سائب لا يستطيع القانون ان يطاوله فيه. واستمر الرجل محمياً ومحصناً من كل اعتداء رغم الأخبار الكثيرة والفضائح التي لا تحصى التي كانت تدور حول سيرته في البلد. ويوم تعرض لأول مساءلة قانونية، اخذت بعض العارضات وملكات الجمال السابقات في لبنان يتنصلن من كل علاقة لهن به، وبعضهن اعلن في الصحف ان السيارات التي اهداهن اياها السيد قليلات قد تم ردها مع الشكر. لكن هذه الحادثة لم تؤثر على الرجل وخرج من معركة القضاء سالماً ليعاود سيرته القديمة التي أوصلته في نهاية المطاف إلى الحد الذي لم يعد يمكن معه التغطية عليه. انطفأ نجم طه قليلات وخبا نوره، ذلك ان حماته ما عادوا يستطيعون تبرير طيشه الذي بلغ ابعد الحدود. ومن الامثلة على مبلغ طيشه انه، كما يروى، اشترى لضابط لبناني من ضباط جهاز التنصت شقة فخمة في ارقى احياء بيروت، وطلب منه ان يزوده بتسجيلات لمكالمات بين السياسيين، وكان طه بعد ان يحصل على هذه التسجيلات ويسمعها لمتعته الشخصية يتصل بالسياسيين شامتاً وعابثاً. ويقال انه حين وجد هذه اللعبة غير مسلية سرعان ما طلب من الضابط المذكور ان يتنصت له على اتصالات الفنانات مزجياً وقته بكشف اسرارهن.
الروايات التي يحفل بها المجتمع اللبناني عن طه قليلات لا تحصى، بعضها مبالغ فيه، وبعضها دقيق كل الدقة. لكن الثابت الأبرز في سيرة هذا الرجل انه ما كان ليستطيع ان يستمر في عبثه لولا علاقته ببعض كبار المتنفذين في جهاز الاستخبارات السوري وعلى رأسهم اللواء المنتحر غازي كنعان. وفي حادثة معبرة ايام خلافه مع سليم الدادا دبر له قليلات مكيدة حيث تمت مداهمة مقره واعتقاله ولم تنفع كل محاولات الدادا في الاتصال بحماته من المتنفذين في قمة هرم السلطة في سورية في تجنب هذه الفضيحة.
|
مقر الشرطة حيث تحتجز قليلات في البرازيل |
طه قليلات اشترى فندق كورال بيتش ndash; شيراتون في بيروت وتملك عدداً كبيراً من المؤسسات التجارية وكان مهووساً باقتناء السيارات الفخمة حتى انه كان يشتري سيارات المرسيدس من المانيا مباشرة قبل ان تصل موديلاتها إلى وكيلها في بيروت. لكن سيرة هذا الفتى اللاهي والباذخ انهت فصولها منذ ما قبل انتهاء السيطرة السورية على مقاليد الأمن والسياسة والمال في لبنان. فلم يعد الرجل يذكر في الأحاديث والشائعات، والأرجح ان بعض اخباره ستعود لتطفو على السطح في المقبل من الأيام. لكن هذه السيرة في معظم فصولها التي تعصى على التخيل، لم ترتبط ارتباطاً مباشراً بقضايا بالغة الخطورة على النحو الذي ارتبطت به شقيقته رنا. ويرجح بعض العارفين بخفايا الأمور في لبنان، ان الولد المدلل كان مجرد ولداً مدللاً لشقيقته المتنفذة، وانها هي صاحبة الدور الفعلي في فصول حياة هذه العائلة صعوداً وهبوطاً وصولاً إلى اعتقالها مؤخراً في البرازيل.
التعليقات