الخرطوم من زمن اللاءات إلى قمة الحد الأدنى
قمة عربية مختزلة في غياب أبرز اللاعبين


نبيل شرف الدين من الخرطوم : ثمة مياه غزيرة جرت في المحيطات والبحار والأنهار بين قمة الخرطوم قبل 39 عاما التي استضافتها العاصمة السودانية في آب (أغسطس) عام 1967، بعد هزيمة حزيران (يونيو) وقد تبنت تلك القمة اللاءت الثلاثة الشهيرة، وصولاً إلى القمة الراهنة التي بدا واضحاً أنها تقنع بالحد الأدنى سواء في حجم مشاركة القادة العرب، أو في ما تتبناه وتطمح إليه من قرارات وفعاليات، فضلاً عما تجابهه هذه القمة من تحديات وقضايا شائكة، ليس أبسطها أزمة إقليم دارفور في البلد المضيف للقمة . وسط هذا المناخ انطلقت صباح اليوم الثلاثاء بقاعة الصداقة في العاصمة السودانية اجتماعات القمة العربية الثامنة عشرة بحضور ملوك وامراء ورؤساء الدول العربية او من يمثلهم، وتبحث القمة جدول اعمال حافلا بالموضوعات التي تغطي حزمة من القضايا الشائكة المطروحة في عدة بلدان عربية، ولا تلوح لأي منها حلول ممكنة في المدى المنظور على الأقل . وافتتحت القمة بكلمة للرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة رئيس الدورة السابقة للقمة، أعرب فيها عن امله في ان تكون تلك القمة لبنة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك ووقفة تأمل وتقييم لأوضاعنا ومناسبة نغتنمها لنرسي أسس وقواعد مشاريعنا المستقبلية بما يستجيب لتطلعات شعبنا ومتطلبات محيط اقليمنا الدولي . وعلى الرغم من أن الرئيس السوداني أكد أن لكل زعيم عربي ممن غابوا عن القمة ظروفه الخاصة التي حالت دون مشاركته، غير أن اعتقاداً يسود في الخرطوم مفاده أن هذا الغياب الجماعي للقادة العرب، يرجع إلى الضغوط المكثفة التي مارستها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس على الدول العربية .

قمة الحد الأدنى
وجاء الإعلان غير المتوقع عن غياب الرئيس المصري حسني مبارك عن القمة بمثابة قنبلة سياسية، خاصة وأن القاهرة كانت قد تزعمت الجبهة المؤيدة للسودان في مواجهة الضغوط لنقل القمة من الخرطوم إلى شرم الشيخ في مصر .
وفي هذا السياق فقد تحدثت مصادر صحافية عن معلومات استخبارية أميركية عن مخطط إرهابي يستهدف القادة العرب في الخرطوم، لافتة بالتحديد إلى احتمال قيام تنظيم quot;القاعدة quot; بشن عمليات انتحارية ضد بعض الزعماء العرب على غرار حادث أديس أبابا الذي تعرض له موكب الرئيس مبارك في العاصمة الإثيوبية .
وفي تصريحات خاصة قال عبدالعزيز بلخادم الممثل الخاص للرئيس الجزائري إن بلاده راضية عن أدائها خلال العام الماضي، وأضاف قائلاً إن quot;الحصاد كان وفيراً فقد جرى تعديل ميثاق الجامعة وإنشاء البرلمان العربي وتعديل قواعد التصويت وآلية المجلس الاقتصادي والاجتماعي وإقرار مجلس الأمن والسلم، إضافة إلى إعداد النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية، ومع ذلك فقد توقع بلخادم ألا تصل نتائج قمة الخرطوم سوى إلى سقف الحد الأدنى من طموحات الشارع العربيquot;، على حد تعبيره .
أما أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري فقد نفى وجود مبادرة خاصة بلبنان وسورية وقال إن الوزراء لم يقرروا شيئاً حول تمويل قوات الاتحاد الافريقي في دارفور أو إرسال قوات عربية لأن الملف برمته أحيل الى القادة العرب .
وبينما يتزامن افتتاح القمة العربية مع الانتخابات الإسرائيلية التي يتوقع أن تسفر عن الإبقاء على رئيس الوزراء المؤقت إيهود اولمرت في السلطة، فقد توافق وزراء الخارجية العرب على قرار يقضي بالإبقاء على المعونة العربية للسلطة الفلسطينية عند 50 مليون دولار شهرياً إضافة لتوصية الحكومات باعفاء العراق من سداد ديون بمليارات الدولارات .

الرئيس الجزائري
وجدد الرئيس الجزائري تمسك القمة العربية ومطلبها بإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وأعتبر أن إنشاء البرلمان العربي يعد من أهم الانجازات التي تحققت، مؤكدا ضرورة إقامة التجارة العربية الموحدة لمزيد من التطور والنهوض، وقال إن الجهات التي تواصل الضغط على الفلسطينيين تتجاهل الممارسات الاسرائيلية .
وأشاد بوتفليقة بتجاوب القيادات العراقية مع مؤتمر الوفاق العراقي الذي عقد بالقاهرة ، داعيا القوات الاجنبية إلى الوفاء بالتزاماتها تجاه العراق وشعبه، موضحاً أن الاجواء الدولية الحالية بلغت درجة من الحساسية تفرض علينا المزيد من التعاون ، مشيدا بجهود الحكومة السودانية من إيجاد حل لمشكلة إقليم دارفور .
وحول الملف السوري اللبناني دعا الرئيس الجزائري بوتفليقة الى تفويت فرصة أعداء الأمة لضرب العلاقة بين البلدين والحفاظ على علاقات البلدين بما يقوي العلاقات بين البلدين، وأكد أن اتفاق السلام في السودان بين الحركة الشعبية والحركة السودانية سيكون في مقدمة لتسوية الخلافات في السودان، ونوه بتعاون السودان مع الاتحاد الأفريقي لحل أزمة أقليم دارفور غرب السودان .
وثمن بوتفليقة القمة العربية اللاتينية التي عقدت العام الماضي، واعتبرها بداية لتقوية علاقات الجانبين، وأعرب عن تطلعه لقيام الاتحاد الاوروبي بتعزيز دوره لإقرار السلام في الشرق الاوسط، وأكد أن توسيع مجلس الامن محل اهتمام الدول العربية للحفاظ على مصالح الدول العربية الحيوية وتعزيز دورها في المجتمع الدولي، ثم دعا بوتفليقة الرئيس السوداني عمر البشير لتسلم رئاسة القمة العربية في دورتها الحالية وتمنى له التوفيق في رئاسة القمة .

الرئيس السوداني
وعقب انتهاء الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من إلقاء كلمته، تحدث الرئيس السوداني عمر البشير مؤكدا أهمية خروج القمة بقرارات تلبي طموحات الامة العربية في هذه المرحلة الراهنة .
وأوضح أن الامة العربية تواجه متغيرات داخلية وخارجية تتطلب التعامل معها بحكمة بما يحقق مصالح الشعوب العربية، مشيرا الى أن جدول أعمال القمة يضم العديد من الموضوعات المهمة .
وأكد أن القضية الفلسطينية ستظل محور اهتمام الدول العربية حتى قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى أراضيهم .
وناشد موسى المجتمع الدولى للتدخل لحمل اسرائيل على التجاوب مع قرارات الشرعية لدولية ووقف العنف ضد الفلسطينيين ووقف بناء المستوطنات والجدار العازل .
ودعا المجتمع الدولى الى احترام ارادة الشعب الفلسطيني بعد الانتخابات الفلسطينية الاخيرة التي أظهرت مدى الديمقراطية التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني .
وتطرق البشير الى الوضع في العراق وأعرب عن أمله في أن يتجاوز العراقيون الظروف الراهنة من خلال الحوار داعيا العراقيين الى تفويت الفرصة على أعدائهم الذين يريدون استمرار دوامة العنف والدماء في العراق وشدد على ان الامة العربية بدون العراق فقيرة .
وانتقد البشير قانون محاسبة سورية وأكد ضرورة الوقوف مع سورية في مواجهة الضغوط الدولية التي تمارس عليها وأعرب في الوقت نفسه عن تضامنه مع لبنان ودعم استقراره السياسي والاقتصادي والأمني .
وأشاد بسياسة دولة الامارات العربية في قضية جزرها الثلاث التي تحتلها ايران حيث انتهجت سياسة الحوار لحل هذه القضية، وبشأن القضية الصومالية أعرب البشير عن أمله في حل القضية الصومالية بشكل نهائي واعادة بنائه ليعود عضوا فاعلا في الامة العربية .

جردة موسى
وعقب انتهاء البشير من القاء كلمته تحدث عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية وأكد أهمية التعاون العربي الأفريقي، قال فيها إن الجامعة العربية أصبحت شريكا مع المنظمات العالمية تدعى الى اجتماعاتها وتدلي بدلوها في المشكلات والقضايا العالمية، مشيرا الى أن الجامعة نظمت لقاءات مع الجاليات العربية في الخارج، كما وجهت الدعوة لعقد مؤتمر للجاليات العربية يعقد في باريس .
واقترح موسى إنشاء هيئة تتولى تقييم التعليم في البلدان العربية ووضع معايير لتطويره بما يؤدي الى تقدم المجتمع العربي، كما طالب الدول العربية بالدخول الى مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية وهو مايكفله القانون الدولي .
ودعا موسى الى اجتماع دول الجوار العربي للعراق لبلورة موقف عربي تجاه العراق مشيرا الى أهمية مؤتمر الحوار الوطني العراقي الذي عقد مؤتمره التحضيري في القاهرة العام الماضي .
وفي معرض تناوله للقضية الفلسطينية قال موسى ان الأمور تسير في اتجاه غير مطلوب وخاصة بعد اقتحام سجن أريحا مؤكدا ان عملية السلام تتراجع وخاصة في ظل الإجراءات الأحادية التي تقوم بها إسرائيل، ودعا إيران الى التجاوب مع الامارات والدول العربية لحل مشكلة جزر الامارات الثلاث التي تحتلها طهران من خلال الحوار .
من جانبه قال محمد جاسم الصقر رئيس البرلمان العربي الانتقالي ان الديمقراطية أصبحت ركنا أساسيا لتحقيق العمل العربي المشترك .
ومضى الصقر قائلاً في كلمته إن البرلمان العربي يجب أن يعمل من خلال ثلاثة محاور أولها تعميق مفهوم الديمقراطية والانتقال به من مرحلة الشعارات الى مرحلة التطبيق، مؤكدا أن quot;مسؤولية البرلمان العربي القومية هي اذكاء روح الامة العربية، مشيراً إلى أهمية الإصلاح في العالم العربي، حتى نستطيع الوقوف أمام مانتعرض له من تشويهquot;، على حد قوله .