إيلي الحاج من بيروت: بعد الانتهاء من حقبة انتظار القرار الدولي ( رقم 1680) ، تولي الأوساط السياسية والدبلوماسية في لبنان اهتماماً كبيراً للتقرير الثاني المنتظر صدوره في ١٥ حزيران/ يونيو المقبل عن رئيس لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، القاضي البلجيكي سيرج براميرتز، لانعكاسه على العلاقات اللبنانية- السورية والوضع الداخلي في لبنان، وتتضارب التقديرات في شأن مضمونه باختلاف مصادرها ومصالحهم.

فأوساط الأكثرية النيابية والوزارية تترقب بناء على معلومات مصادر قريبة من اللجنة الدولية تقريرا قاسياً ، ربما يصل إلى حد تسمية المسؤولين اللبنانيين والسوريين المتورطين في الجريمة، من سياسيين وقادة أمنيين، فيكون عند ذلك بمثابة قنبلة انشطارية تصيب شظاياها رؤوساً كبيرة في البلدين. ولذلك يسابق النظام السوري quot;الوقت القاتلquot; ويحاول قدر الامكان التحسب للتقرير الآتي من خلال التشدد وتضييق حلقات المعارضة حول قوى 14 آذار/ مارس التي تشكل الغالبية في لبنان.

ويتردد في السياق ان رئيس تيار quot;المستقبلquot; النائب سعد الحريري تبلغ منذ أيام معلومات فرنسية، مختصرها ان الإحراجات التي ستنتج من تقريرالقاضي البلجيكي ستطال الرئيس اللبناني الممددة ولايته إميل لحود والرئيس السوري بشار الاسد ومسؤولين وضباطا في البلدين ، لذلك يرفض لحود الاستقالة او الموافقة على تقصير ولايته، مهما تكن الأسباب والمبررات والظروف التي توجب عليه التنحي باعتباره القرار الأقل كلفة سياسيا،ً وشخصياً عليه وعلى المحيطين به.

الرؤية الأخرى

في المقابل تشيع أوساط النظام السوري، في بيروت ودمشق، أن المعلومات الضئيلة المتوافرة عن التحقيق الدولي تشير الى ان براميرتز وضع يده على معطيات مهمة غيّرت في المسار الذي كان يتبعه سلفه القاضي الألماني ديتليف ميليس. وتضيف أن هذه المعطيات دفعت بعض أركان الأكثرية في لبنان الى مراجعة الحسابات السياسية التي بنوها على معطيات ميليس، مما أوقعهم في إرباك جعلهم يبدون في مجالسهم الخاصة تبرما من القاضي براميرتز الذي يتعامل مع التحقيق بمهنية ملحوظة مقرونة بسرية شبه تامة ، خلافاً لما كان عليه الوضع مع سلفه. وتتحدث الأوساط القريبة من النظام السوري ، للدلالة على مهنية براميرتز، عن أنه وسّع تحقيقاته لتشمل للمرة الأولى أشخاصا كانوا قريبين من الرئيس الراحل رفيق الحريري وآخرين لم يكونوا موضع شبهة إثر وقوع الجريمة. وتضيف ان القاضي البلجيكي وضع العامل الاسرائيلي عنصرا أساسيا في التحقيق الذي يتولاه الى جانب العوامل الأخرى، وهذا العامل كان ميليس قد استبعده في كل تحقيقاته ، بل أنه على النقيض ارتكز على معلومات زوّده إياها جهاز المخابرات الاسرائيلية quot;الموسادquot; ، وتذكّر بأنه لم ينكر ذلك، بل جاهر به في أكثر من مناسبة قبل انتهاء ولايته، لتختم بأن إطلاق سراح معاوني الرئيس لحود، الضباط الأربعة الموقوفين للاشتباه بتورطهم في الجريمة سيشكل صدمة للأكثرية الحاكمة في لبنان، متوقعة أن يكونوا خارج السجن قبل انتهاء هذا العام.

ولا يخفي زوار دمشق حال الترقب التي يعيشها النظام السوري في انتظار معرفة المعطيات الجديدة التي سيتضمنها تقرير براميرتز الى مجلس الأمن الدولي ، وهم لا يستبعدون احتمال قيامه قبل اعداد التقرير في صيغته النهائية بزيارة أخرى لدمشق، ويقولون أن كبار المسؤولين السوريين يتوقعون زيارة كهذه في وقت قريب، من دون ان يسقطوا من حسابهم مبادرة براميرتز الى انتداب فريق من لجنة التحقيق لهذه المهمة في حال قرر ان يصرف النظر عن زيارته شخصيا، مؤكدين انه سيلتقي مجموعة من الضباط السوريين من أصحاب الرتب المتوسطة ممن لم يسبق له ان قابلهم هو او سلفه القاضي ميليس.

ويشار هنا إلى قراءة لمنهجية عمل براميرتز أجراها المرشح للرئاسة شبلي الملاط ، وهورجل قانون وخبير في الحقل الجنائي الدولي، خلص فيها إلى نتيجة مثيرة للجدل، بقوله إن quot;كل شيء في التحقيق ملتبس، وحتى في المستوى الشكلي لا يؤدي براميرتز الدور المنتظر منه (...) . تقريره السابق جاء فارغاً ودفاعياً. نهايته دفاعية وتملأه عبارات من نوع quot;تعلمون، ونعلم، ونفهم...quot; وليست فيه فكرة جديدة او خبر جديد. براميرتز نفسه يقول انه ليس لديه شيء ويجب ان ننتظر. سوف ننتظر لكن عليه في الوقت نفسه ان يكسر الحالة quot;العاجيةquot; التي يعيش فيهاquot;.