نصرالله في احتفال 22 ايلول
خطاب بمستوى النصر
السنيورة: تركيز السيد نصر الله على الحوار أمر جيد نصرالله: الرهان على انهاء المقاومة بالضغط خاسر
بلال خبيز من بيروت : احتلت وقائع الحرب الأخيرة التي شنتها اسرائيل على لبنان، في 12 تموز ndash; يوليو الماضي، ومترتباتها ونتائجها، الشطر الأوسع والأهم من خطبة السيد حسن نصرالله في احتفال النصر الإلهي الذي شهد حشداً كبيراً تقاطر من كل انحاء لبنان لسماع كلمة السيد في هذا الاحتفال. وليس من قبيل المبالغة القول ان هذا المهرجان لم يكن فئوياً طائفياً في مبتداه ومنتهاه. من نافل القول ان الحشد الاكبر من هذا الجمهور كان شيعي الانتماء، لكن ذلك لا يغمط قوى سياسية من طوائف اخرى حقها في الحشد وقدرتها عليه، شاركت في هذا المهرجان بفاعلية. على اي حال ليس مستغرباً ان يكون حزب الله في اي تحالف سياسي جدي هو الطرف الأقوى والأوزن، والأكثر قدرة على التحشيد، فهذا يقع في بديهيات التحالفات على اي صعيد وفي اي مكان من العالم. حيث تقرر قوة رئيسية التوجهات العامة للتحالف وتضطلع بأعباء المهام الأكثر حيوية فيه. لكن العمدة في تقرير لافئوية هذا الاحتفال لا تتصل من قريب او بعيد بحجم الحشود التي تقاطرت من طرابلس تلبية لدعوة رئيس الحكومة الاسبق عمر كرامي للمشاركة في المهرجان، او تلك التي توافدت من منطقة الشوف تلبية لدعوة الوزير السابق وئام وهاب. بل تكمن العمدة في تقرير هذا الامر والمنحى، في طبيعة الخطاب السياسي التي اعتمدها السيد نصرالله بوصفه خطيب الاحتفال الوحيد، اميناً عاماً لحزب الله واباً لهذا النصر الذي تحقق.
جاء خطاب السيد نصرالله ليشدد على جوهر الانقسام السياسي الذي يريده في البلد، معرفاً هذا الانقسام تعريفاً سياسياً غير فئوي. فالسيد نصرالله يرى ان البلد منقسم على نفسه بين تيارين لا ثالث لهما: الاول يرى ان مقارعة اسرائيل واميركا من ورائها واعداد النفس وبذل الجهد لمواجهتهما إذا لزم الامر امر ممكن بدليل ما جرى في هذه الحرب، وان اي تسوية سياسية مع العدو الإسرائيلي سواء في فلسطين او في لبنان او في اي مكان من العالم العربي لا تستقيم على قاعدة استحالة المواجهة العربية مع اسرائيل، وهو بهذا المعنى رأي يستند إلى انجازين كبيرين على الأقل، التحرير في العام 2000، والصمود في العام 2006، مما يمهد السبل إلى الانقلاب على معادلة مؤتمر مدريد في العام 1990 حيث ذهب العرب إليه ومعهم هزائمهم امام اسرائيل واستحالة حروبهم المقبلة.
اما الرأي الثاني، ورغم الحدة التي اتسمت بها لهجة نصرالله في وصفه في هذا الخطاب في بعض المقاطع، فيمكن تلخيصه بالدعوة إلى تجنيب لبنان اعباء صراع لا قدرة له ولا امكانية لديه على تحملها. وفي هذا السياق تصير الخسائر التي يتكبدها البلد في اي مواجهة مع اسرائيل بسبب اختلال ميزان التسلح الكبير في غير صالح لبنان، لا يمكن تعويضها. ويكتسب هذا الرأي وجاهته من واقعة ان اعادة لبنان إلى الوضع الذي كان عليه، اقتصادياً واجتماعياً، قبل الحرب، وهو وضع كان بالغ الهشاشة اصلاً، يحتاج إلى تضافر قوى عالمية وعربية متعددة لتحقيقه. وفي هذا ما يجعل لبنان محكوماً بالبقاء في الجانب المنار من العالم ولا ينزلق إلى الجانب المظلم منه، على ما لاحظ المؤرخ احمد بيضون معلقاً على هذه الحرب. وهاتان نظرتان للبنان ودوره تملكان من الوجاهة ما يجدر بنا تسجيله في خانة الإيجابيات.
تشديد السيد نصرالله على تعريف الانقسام اللبناني تعريفاً سياسياً امر بالغ الأهمية ولا يمكن ان يحمل على محمل سلبي كائنة ما كانت الظروف. لكن المشكلة اللبنانية تتعلق بامتزاج واختلاط هذا الانقسام السياسي بانقسام طائفي حاد. فليس خافياً في لبنان ان طوائفه الكبرى منقسمة انقساماً حاداً حول دورها ورؤيتها في ما يخص مستقبل البلد وامكان استقراره. وفي هذا السياق لا تكفي تطمينات السيد نصرالله وتشديده المتكرر على سياسية الصراع وتجريمه الانزلاق إلى صراعات طائفية من اي نوع لتطمئن اللبنانيين جميعاً إلى امكان تجنب حرب اهلية من اي نوع.
لم يكن حزب الله سبباً للخشية داخلياً في اي يوم لأنه كان يقاتل اسرائيل، خصوصاً بالنسبة للطوائف الأخرى. بل لأنه حزب شيعي قد يرتد سلاحه في اي لحظة إلى داخل لبناني بوصفه طرفاً في المعادلة الداخلية. فسلاح حزب الله كان دائماً له حدين: حد الصراع مع اسرائيل وهو قومي - عربي ndash; اسلامي ndash; عالمي بامتياز، وحد ثان يخوله ان يكون سلاحاً داخلياً ضيق الأفق ينصر طائفة من طوائف البلد على غيرها ويعلي مراتبها ويمكّنها من ابتزاز اللبنانيين جميعاً. وهذا بالضبط مصدر الخشية من هذا السلاح. لكن السيد نصرالله وهو يثمّر انتصار لبنان في المواجهة ضد اسرائيل يحاول ان يضع بيض دجاجة حزب الله والتضحيات التي قدمتها الطائفة الشيعية في هذه الحرب وفي الحروب كافة في سلة الانقسام السياسي، تاركاً سلة الانقسام الاهلي فارغة من بيض الانتصار، وهذه محاولة محمودة لبنانياً وعربياً وشرق اوسطياً، ونكاد نجرؤ على القول عالمياً. لكن ذلك لا يلغي مخاطر الانقسام الطائفي اللبناني وحدته المقلقة. ولن تكون مهمة تجاوز هذا الانقسام الاهلي نحو انقسام سياسي مهمة يسيرة على حزب الله رغم الانتصار الكبير. انما وتوخياً للإنصاف والعدالة، وربما افراطاً في التفاؤل يمكن القول ان خطاب نصرالله كان كبيراً ويكاد يكون اعلى من مستوى النصر نفسه.
التعليقات