أسرار تنحية رئيس الوزراء العراقي السابق (2/5)
الجعفري أراد عربيا سنيا لرئاسة العراق
أسامة مهدي من لندن : في الجزء الثاني من مذكراته بحلقاتها الخمس يروي الدكتور سليم الحسني مستشار رئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري أسرارًا جديدة عن أسباب تنحي هذا الاخير عن ترشحه للمنصب بعد فوزه بانتخابات داخل الائتلاف العراقي الشيعي الموحد لاختيار مرشحه للمنصب بعد فوزه في الانتخابات العامة التي جرت اواخر عام 2005 وهو التنحي الذي جاء نتيجة ضغوط داخلية وخارجية، تجنبا لاقتتال شيعي شيعي مؤكدا ان مهمتين سعى إلى تحقيقهما الجعفري لكنه فشل في ذلك ثم دفع ثمنهما لاحقاً .اسرار تنحي الجعفري 1-5
وفي هذه الحلقة الثانية التي تنشرها quot;إيلافquot; اليوم بالتزامن مع موقع (الملف www.almelaf.com) على الانترنت الذي يتولى الحسني رئاسة تحريره حاليا يشير مستشار الجعفري الذي عايش تفاصيل ملابسات الترشيح خلال الايام التي امتدت من شهركانون الثاني(يناير) عام 2006 حين فاز الجعفري بالترشح لتشكيل الحكومة الجديدة في مواجهة منافسه عضو قيادة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية عادل عبد المهدي .. وحتى نيسان (ابريل) من العام نفسه حين اتخذ قراره بالتنحي مرغما .. يشير الى ان المرجع الشيعي الاعلى آية الله السيد علي السيستاني الذي شجع على تشكيل الائتلاف أصيب بخيبة أمل كبيرة وأبدى استياءه من بعض الممارسات التي كان من ابرزها الامتيازات الكبيرة التي حصل عليها النواب وسعي البعض للحصول على حقائب وزارية بحماس مثير.
ويضيف الحسني ان مهمتين سعى الجعفري إلى تحقيقهما وفشل في ذلك ثم دفع ثمنهما لاحقاً:
أولهما إبعاد التشكيلة الوزارية عن المحاصصة .. وثانيهما إصراره على ان يكون رئيس الجمهورية من العرب السنة وليس من الاكراد . ويؤكد ان بعض الزعماء الاكراد توجسوا نتيجة ذلك خوفا من توجهات الجعفري ولا سيما أنهم وجدوه ليس سهلاً في قضية كركوك وانه متمسك بما تم الاتفاق عليه في قانون إدارة الدولة وانه يريد أن يحسم البرلمان هذه القضية الشائكة فتفجرت أزمة بينه وبين الرئيس جلال الطالباني في حادثة أثارت الاستغراب والدهشة أمام أعين العالم .. وهنا نص الحلقة الثانية كما كتبها سليم الحسني :
الحلقة الثانية من أسرار تنحي الجعفري :
بعد تشكيل الجمعية الوطنية نهاية عام 2004 برز الإئتلاف العراقي الموحد كقوة برلمانية كبرى، فقد كان هو الأكبر عدداً من بين مكونات البرلمان الأخرى.
وقد كان للمرجع السيد السيستاني الدور الأكبر في حصوله على هذه المكانة المتميزة، فالدعم الذي قدمه السيستاني للإئتلاف كان يعني حصوله على أكبر دعم شعبي، بفضل المكانة التي يحتلها في المجتمع العراقي. وكان السيستاني يسعى الى أن يضم الائتلاف أكبر عدد ممكن من مكونات الشعب العراقي، وهذا ما جعل اللجنة التحضيرية لقائمة الإئتلاف تجري اتصالات مع بعض الشخصيات السنية لضمها الى القائمة.كان السيد السيستاني يرغب في أن يضم الائتلاف شخصيات لها كفاءة في صياغة الدستور، وقد إهتم بهذا الجانب وأوصى به، باعتبار ان الدستور سيحدد مستقبل العملية السياسية في العراق، ومدى نجاحها في تلبية طموحات الشعب العراقي.كما عبر السيستاني عن معارضته تولي نواب الإئتلاف حقائب وزارية، على أساس أن مهمتهم هي بناء أسس الدولة الجديدة بالدرجة الأولى، وأن شغل المناصب الوزارية سيفرض عليهم ترك البرلمان.
لكن السيستاني الذي قدم دعمه للإئتلاف أصيب بخيبة أمل كبيرة، بعد فترة قصيرة من اجتماعات الجمعية الوطنية، وأبدى استياءه من بعض الممارسات والتصرفات، كان ابرزها الامتيازات الكبيرة التي حصل عليها النواب، وسعي بعضهم للحصول على حقائب وزارية بحماس مثير.
ومما يذكر في هذا المجال أن البعض اعترضوا على أحد النواب بأنه يسعى إلى تولي منصب وزاري أمني بكل الوسائل، بقولهم له إن السيستاني يعارض هذا التوجه، وانه يريد من النواب ان تنحصر مهمتهم في كتابة الدستور، لأنه اساس بناء الدولة، إلا ان النائب المذكور الذي جاء الى الجمعية الوطنية بفتوى السيستاني تعلل بالقول إنه ليس من مقلدي السيد السيستاني.لقد شعر السيد السيستاني بإحباط كبير، أثر في موقفه لاحقاً في انتخابات عام 2005، حيث امتنع عن تأييد أي قائمة تشترك في الانتخابات.
بداية العقبات
شكل الدكتور إبراهيم الجعفري الحكومة الانتقالية في ربيع عام 2005 بعد تأخير ثلاثة أشهر، رغم أن عمر حكومته سنة واحدة فقط، وذلك لإصراره على إشراك السنة العرب في حكومته.
موقفان أرادهما الجعفري في بداية تشكيل حكومته، وفشل في تحقيقهما، مع أنه دفع ثمنهما لاحقاً:
الأول: أراد أن تكون التشكيلة الوزارية بعيدة عن المحاصصة، فواجه معارضة وتوجساً من دعاة المحاصصة، واعتبروا أن توجهه هذا يهدد مكاسبهم ويعرض إمتيازاتهم للخطر.
والثاني: كان أخطر من الأول، فبعد أن فرضت المحاصصة كمبدأ لتشكيل الحكومة، أعلن الجعفري أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون من العرب السنة، وليس من الكرد.
موقف جريء طرحه الجعفري، فدفع ثمنه لاحقاً، ربما يكون في الحسابات السياسية لدولة شرقية مثل العراق، خطأً قاتلاً، لكنه فعله وإنتهى الأمر.
بل ذهب الجعفري الى أكثر من ذلك حين كرر طلبه أكثر من مرة بضرورة أن يتولى رئاسة الجمهورية شخصية من السنة العرب، وشرح قناعته بأن المحيط العربي والذي يشكل عمقاً استراتيجياً للعراق، هو سني في غالبيته، فلا بد من مراعاة هذا الجانب، طالما تم اعتماد المحاصصة الطائفية، وأن العراق بحاجة الى دعم الدول العربية، وبحاجة الى أن يزيل آثار العزلة العربية التي فرضها النظام السابق، وهذا لن يكون إلا عبر رئيس سني عربي.
وصارح الجعفري بعض زعماء الكرد بأن تمسكهم بمنصب رئاسة الجمهورية الى جانب وزارة الخارجية سيحرجهم عربياً، وسيحرج العراق قبل ذلك. وأن من الافضل لهم وللشعب الكردي وللعراق عموماً أن لا يستفزوا الوسط العربي بتمسكهم بهذين المنصبين ولا سيما الرئاسة.
وكان الجعفري يقول لبعض الزعماء الكرد، إن الشعب الكردي تعرض للكثير من الإضطهاد، وأن من مسؤولية قادتهم أن يحفظوا لشعبهم حقوقه، بعد كل ما تعرضوا، كما أنه كان يذكر مأساة الشعب الكردي في حلبجة والأنفال وغيرهما، وكان يقول لهم إنني أعرف مأساتكم لأنها مأساتنا في الوسط والجنوب، ولهذا أدعوكم الى تأمل هذه القضية الحساسة، لكي يحصل الشعب الكردي على حقوقه كما يستحقها، وهو في ذلك كان يؤكد لهم رأيه في عدم التمسك برئاسة الجمهورية.
كان من الطبيعي لهذه القناعة أن تجعل الجعفري محاطاً بنظرة خوف من قبل بعض الزعماء الكرد، لقد رصدوا فيه توجهاً عربياً، ولم يكن سهلاً عليهم أن يثبتوا العين على توجهه الوطني العراقي دون الآخر، إنها منافسة ساخنة في دولة حديثة البناء، وما يحدث الآن برخاوة، سيتحول في الغد الى صخرة ثقيلة مستعصية على الإهتزاز.لقد توجس بعض الزعماء الكرد خوفا من توجهات الجعفري، ولا سيما أنهم وجدوه ليس سهلاً في قضية كركوك، وانه متمسك بما تم الاتفاق عليه في قانون إدارة الدولة، وانه يريد أن يحسم البرلمان هذه القضية الشائكة. فتفجرت أزمة بينه وبين السيد جلال الطالباني، في حادثة أثارت الاستغراب والدهشة أمام أعين العالم.
وفي حالات كهذه فان مثل تلك الأزمة كان من الممكن أن تتضخم لتصبح بحجم العراق، لكن الجعفري أمسك عن الكلام، إكتفى بعبارة واحدة (سأتكلم عندما يحين الكلام)، عبارة موجزة إستشاط منها بعض الزعماء الكرد غضباً.
ترك الجعفري الأمر للأيام، إكتفى بالصمت في هذه الأزمة، فكان يرفض أن يتحدث عنها مع الصحافيين، لقد استوعب الأزمة، وظهر مع السيد الطالباني في مؤتمر صحافي قال فيه الطالباني رداً على سؤال احد الصحافيين:
(لقد أنهينا المشكلة ولا توجد بيننا أي مشكلة).
وكتعبير من السيد الطالباني عن نهاية قاطعة للأزمة أردف مازحاً:
(لكننا لن نقول لكم ماذا تكلمنا بيننا).
بعدها كانت العلاقة بين الزعيمين تبدو متينة أمام العيون، وأغلب الظن أن السيد الطالباني كان صادقاً في حبه للجعفري، وهو ما كان واضحاً في الاتصالات الهاتفية الودية بينهما، وفي اللقاءات التي تجمعهما، كانت صداقة جميلة، يتبادل الزعيمان فيها أحياناً الكلام الودي، بعيداً عن السياسة وأزماتها، يستفسر الجعفري عن صحة الطالباني، كان يهتم بهذا الجانب كثيراً، وكان يأنس بظرافة السيد الطالباني التي اشتهر بها.
وكان يقول الجعفري لمستشاريه عندما يدور الكلام عن بعض القضايا وما يتعلق الأمر بالسيد الطالباني، إن السيد جلال الطالباني يمتلك براءة وطيبة قلب.
لكن للسياسة أحكامها، فهذه العلاقة الودية الحميمية، والتي كنت ألمسها من جانب الجعفري، لا يمكن لها أن تمضي الى درجات أعلى عندما يخيم جو السياسة، ويفرض هيمنته الطاغية، وهذا ما حدث كما سيأتي بنا.
الرأي مرة أخرى
رغم ان الجعفري واجه الرفض لقناعاته من قبل أطراف السياسة العراقية، إلا أنه لم يختزن قناعته في صدره، لم يدخلها في أرشيف الذاكرة، بل كررها أكثر من مرة، وفي أوساط دولية وعربية.فعلى هامش إجتماعات الامم المتحدة أعاد طرح قناعته أمام الدكتور عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، وبحضور وزير الخارجية العراقي السيد هوشيار زيباري.
ثم أعاد طرح القناعة ذاتها في القاهرة في تشرين الاول / أكتوبر 2005 على هامش إجتماعات مؤتمر التوافق العراقي الذي دعت إليه الجامعة العربية، بحضور عمرو موسى وكان السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية حاضراً.لم تكن هناك حاجة الى إجهاد العقل بالتفكير والتحليل، إن الأمور واضحة تماماً، فهذا الرجل يحمل قناعة يريد أن يجعلها تمشي على الأرض. وليس بينه وبين ولاية ثانية دائمة سوى ثلاثة أشهر لا أكثر، حيث موعد تشكيل الحكومة الدستورية الدائمة مع مطلع عام 2006.
التعليقات