كامل الشيرازي من الجزائر:
كشفت خديجة هني الخبيرة الجزائرية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم quot;الألكسوquot;، أنّ البلدان العربية تفقد 50 في المئة من أدمغتها كل عام، ويتعلق الأمر بحسبها، بخيرة الكوادر العربية يتقدمهم الأطباء والمهندسين الذين يختارون الهجرة إلى ما وراء البحار لا سيما أوروبا، وبدرجة أقل الولايات المتحدة الأميركية، وتأتي الجزائر في صدارة الدول العربية المعانية من نزيف الهجرة، إذ تفتقد خدمات 45 ألف كادر على الأقل يتوزعون عبر القارات الخمس.
وقالت هني في مقابلة مع quot;إيلافquot;، إنّ مصيبة الأمة في نخبة باحثيها العلميين من ذوي quot;المؤهلات الفكرية البارعةquot; الذين اختار 23 في المئة منهم مغادرة الديار دوريًا مباشرة بعد إنهائهم من الدراسة، ويشكّل المعطى بحسبها مؤشرًا على معدلات هجرة غير مسبوقة للكفاءات العربية التي بات الأوروبيون والأميركيون يستفيدون من طاقاتهم.
وبشأن أسباب التنامي المقلق للظاهرة، قدّرت الخبيرة الجزائرية انّ الأسباب متباينة من دولة لأخرى، لكنها ركّزت في الحالة الجزائرية، على عاملي التهميش والوضع الأمني، حيث أدى اندلاع شرارة العنف مطلع تسعينيات القرن الماضي، بالآلاف من الكوادر الجزائرية إلى المغادرة بحثًا عن فرص عمل وجدوها في دول أوروبية وفرت لهم شتى المغريات من الرواتب الجيدة والمحفزات إلى الاستقرار والمناخ المهني النموذجي.
من جهته، كشف الرئيس المدير العام للمجموعة البترولية الجزائرية quot;سوناطراكquot; إنّ الشركة النفطية العملاقة تعاني من استمرار هروب كوادرها الذين بلغ عددهم المئة حاليًا، ويعود رحيل هذه الكفاءات، بحسب مزيان، إلى عدم رضاهم عن الرواتب التي كانوا يتقاضونها إضافة إلى التحفيزات والعروض المالية المغرية التي منحتها لهم شركات بترولية عالمية، وهو ما يهدّد باتساع رقعة هجرة الأدمغة واستنزاف الخبرات ذات الكفاءة المهنية العالية.
وتتصور خديجة هني أنّ باقي البلدان العربية التي طالها النزيف بمستويات متفاوتة، تجد مسوّغًا للظاهرة في ارتفاع نسب البطالة وندرة فرص العمل، وعدم تمكين هذه الأدمغة من إثبات ذاتها في عقر ديارها، واللافت، إنّ النزيف ليس مقصورًا على التخصصات العلمية فحسب، بل امتدّ إلى تخصصات أدبية، وذهبت الخبيرة إلى أنّ الظاهرة تستوجب حلاً فعالاً يمرّ عبر معالجة جذور المشكلة والسعي لاستيعاب الكوادر وتمكينها من الإبداع في ظروف جيدة، كما أقحمت دور المجتمع المدني في جعل الحكومات العربية تشعر بخطورة تطور هجرة الأدمغة، وتدفعها الى حتمية استرجاع هذه الكفاءات التي تعد دولها الأصلية أحق منها للإسهام في دفع عجلة التنمية والتطور الاقتصادي.
يشار إلى أنّ الجزائر أصدرت ربيع العام الماضي، قانونًا لمنع هروب كوادرها، في إجراء أقره مجلس الوزراء الجزائري لوقف الفرار الجماعي للكوادر المتخصصة نحو خارج البلاد مقابل امتيازات وحوافز مغرية، وهو ما حرم الجزائر من قدرات تأطيرية هائلة، على الرغم من أنّ الدولة هناك صرفت أموالاًَ ضخمة لتكوينهم، وشمل القانون المذكور كامل النسيج الاقتصادي العام، كما منع الأشخاص المعنيين لمده سنتين بعد انتهاء مهامهم من مزاولة النشاط الاستشاري والنشاط المهني أيًا كانت طبيعته، وألزمهم بعد نهاية السنتين ولمده ثلاث سنوات أخرى بالتصريح بكل نشاط مهني.
هروب الأدمغة في الجزائر quot;نموذجًاquot;..30 ألف كادر غادروا خلال 5 سنوات
غادر 30 ألف إطار جزائري بلادهم خلال السنوات الخمس الأخيرة، هاجر معظمهم خلال العشرية الفارطة بسبب المشاكل الاجتماعية والأمنية التي عرفتها البلاد، والتي دفعت quot;أدمغةquot; الجزائر إلى الهجرة نحو البلدان الغربية وخاصة الدول الأوروبية وأميركا الشمالية، في نزيف صامت لما عرف بـquot;الهجرة النخبويةquot; التي تؤرق الجهات المختصة في الجزائر.
ويقول الدكتور quot;مصطفى خياطيquot; رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث، أنّ ثمة أسباب مباشرة لاستشراء الظاهرة، يختصرها في دوامة المشاكل الاجتماعية والرواتب الزهيدة، إضافة إلى عدم حصول حملة الشهادات العليا على فرص عمل مناسبة تمكنهم من استغلال قدراتهم العلمية والتقنية، حيث بلغت نسب البطالة خلال التسعينيات أرقاما مقلقة وصلت الى نسبة 30 % وفق إحصاءات رسمية، لذا فضل هؤلاء الإقامة في عواصم غربية بحثًا عن فضاءات أرحب للبحث والحرية والعيش الكريم.
ويرى الدكتور خياطي المقيم في بريطانيا أنّ فرص عودة هؤلاء إلى بلادهم ضئيلة، ودعا إلى وضع إستراتيجية جديدة للتعامل مع هذه الكفاءات من خلال دعوتها إلى المساهمة في مسار تنمية البلاد.
من جانبه، أفاد الخبير الجزائريquot;بوجلال محمدquot; الذي يتولى الإشراف على عديد المخابر الصيدلانية في المملكة المتحدة، أنّ ما لا يقل عن عشرة آلاف باحث جزائري يتواجدون حاليا بالولايات المتحدة الأميركية من حاملي الشهادات العليا وينشطون في أكبر الجامعات والمعاهد الأميركية، فضلاً عن سبعة آلاف طبيب جزائري وثلاثمائة مهندس آخر يقيمون بفرنسا لوحدها، وهم من حملة الشهادات العليا على غرار شهادات الدكتوراه أو الماجستير، موضحًا أنّ الجزائر يمكنها الاستفادة من هذه الكفاءات بالأخص وأنهمما زالوا حاملين للجنسية الجزائرية، ويذهب بوجلال إلى أنّ الطرح الذي يتداوله البعض بضرورة السعي لاستعادة الكفاءات quot;تجاوزه الزمنquot; ويستحيل تحقيقه لأنّ المعنيين لهم مستوى اجتماعي متميز في الدول التي يتواجدون بها، وأضاف أن الحل الوحيد للاستفادة من خبرة الكفاءات الجزائرية والعمل على تنسيق البحوث بين مراكز البحث الجزائرية والأجنبية.
ولا توجد في الجزائر إحصائيات دقيقة حول العدد الحقيقي للخبرات المهاجرة، في وقت تشير دراسات إلى استقرار آلاف الكفاءات الجزائرية في فرنسا وكندا، كما كشفت بيانات وزارة الهجرة والجاليات الثقافية بكندا، تواجد الجزائريين في صدارة قائمة المهاجرين الذين اختاروا مدينة ( كيبك ) الكندية ـــ الناطقة باللغة الفرنسية التي يحسنها المهاجرون ـــ للاستقرار فيها ، حيث قدروا بـ 8.10 % من أصل الـ 20519 مهاجرًا تم إحصاؤهم.
ويحدد تقرير المنظمة العالمية للهجرة 3 مراحل عرفتها هجرة العقول الجزائرية، كانت أشدها في أواخر ثمانينات القرن الماضي، عندما هاجر ثلث أساتذة الرياضيات البلد، واختاروا وجهات متعددة من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى بلجيكا واليابان.
التعليقات