جماليات زخرفية وفخامة بلا مثيل في لبنان وحوله
آخر مشاريع رفيق الحريري: مسجد في قلب بيروت يبهر العيون

إيلي الحاج من بيروت: تبهر عيون الناظرين إلى زخرفات مسجد محمد الأمين الذي بناه الرئيس الراحل رفيق الحريري ودفن في فنائه، وسط قلب بيروت، زخرفات يقارب حسنها الخيال، وضخامة أنيقة بلا مثيل في لبنان وحوله، تؤالف ما بين التاريخ والحداثة على مساحة 10711 مترا مربعا ليسع نحو 7000 مصل وأكثر، جامعاً في طابعه الخارجي والداخلي بين هندسة العصرين المملوكي والعثماني، لا سيما في مآذنه وقبته الرئيسية المزينة بنقوش مذهبة تتوسطها آيات كريمة من سورة النور.

شغلت واجهاته الخارجية آيات من سورة ياسين أما جدرانه الداخلية فتكسوها آيات من سورة محمد وآيات أخرى. إختيرت آيات تتحدث عن الصلاة وآدابها لتزين مداخل الجامع وفتحات الشبابيك. وتعددت تقنيات الكتابة من الحفر على الحجر والكتابة على بلاط الإزنك التركي والنقش على الخشب والجفصين.

آيات كتبها خطاط المدينة المنورة الشيخ عثمان طه. يتصف المسجد بالفراغ المركزي الموحي والمغطى بقبة تتدلى منها ثريات كريستال بهية ، وتحوي القبة أربع مآذن تشمل كل المساحة، لونها الأزرق السموي كان المفضل عند الرئيس الراحل الباني. أزرق قوي يرمز إلى الروحانية وإلى الإيمان.

ويروي بعض من كانوا قريبين من الرئيس الحريري أن أنواعاً عدة من السجاد عرضت عليه لدى الإنتهاء من الأعمال الأساسية في المسجد العزيز عليه، لكنه أصرعلى استنباط تصميم ينسجم مع طابعه الهندسي - الجمالي وحاجات المصلين. لكن الطابع التاريخي لمسجد محمد الأمين لم يحجب حداثته . لاحظ الكاتب شادي علاء الدين أنه مبني بطريقة تتآلف بشكل تلقائي مع المحيط العام والمباني الحديثة المنتشرة قربه.

ولعل في موقعه الخاص في قلب العاصمة والمواد الحديثة المحلية والمستوردة من السعودية وإيطاليا التي استخدمت في بنائه، والأحداث التي رافقته والمرتبطة بشكل مباشر بالحقبة الحديثة والمفصلية من تاريخ لبنان ما يدل بشكل لا يقبل الجدل على هويته اللبنانية المنتسبة بقوة إلى الحاضر.

يروي الكاتب كمال قاسم (في quot;الشرق الأوسطquot; ndash; الأربعاء 16 شباط /فبراير 2005) أن لمسجد محمد الأمين قصة في تاريخ بيروت تعود إلى أكثر من 110 سنوات، حين دهم وباء الرمد، المعروف طبيا باسم laquo;تراخوماraquo; عاصمة لبنان أواخر القرن التاسع عشر، فوصلت على عجل بعثة من راهبات اللعازارية ضربت خيامها في أرض كانت مقابل سوق لبيع البيض والدجاج ما زالت معروفة بـlaquo;درج خان البيضraquo;. ولأن البعثة استطاعت التخفيف شبه الكلي من وطأة التراخوما على سكان العاصمة، أصدر السلطان العثماني عبد المجيد الأول laquo;فرماناraquo; شاهانيا قدم بموجبه الأرض، حيث ضربت المعالجات للمرض خيامهن، هبة للراهبات laquo;وذلك جزاء خدماتهن الطبيةraquo; وفقا لما ورد في فرمانه الشاهاني.

ولكي يكون السلطان متوازنا في مبادراته بين المسيحيين والمسلمين، أصدر فرمانا آخر منح بموجبه مسلمي المدينة عن طريق نقيب الأشراف، المرشد الشيخ عمر أبو النصر اليافي، قطعة أرض أخرى في الجهة الغربية الجنوبية من ساحة البرج، المعروفة في وسط بيروت آنذاك باسم laquo;سهلات البرجraquo; ليفيدوا من ريعها. ولأن الراهبات بنين على الأرض الممنوحة لهن ديرا عرف بعدها باسم laquo;دير اللعازاريةraquo; وجعلنه في الوقت نفسه laquo;مأوى للقطاء من البنات غير الشرعياتraquo; بحسب ما ورد في موجبات بنائه الذي تضمن جناحا خاصا لمعالجة المصابين بالتراخوما، بنى المسلمون بقيادة نقيب الأشراف سوقا تجارية على الأرض الممنوحة لهم، وأطلق عليها النقيب اسم عائلته، فعرفت باسم laquo;سوق أبو النصرraquo; التي بنى بجوارها النقيب بيتا كبيرا كان الأفخم في العاصمة اللبنانية وخصص بعض غرفه لركن خاص سماه laquo;الزاوية الخلواتيةraquo; التي كان هو نفسه شيخا لها. وفي هذه الدار نزل ضيفا لليلة واحدة الأمير عبد القادر الجزائري، لأنه مر ببيروت في أواخر عشرينات من القرن الماضي في طريقه إلى دمشق التي اختارها لإقامته بعد احتلال الفرنسيين للجزائر.

واعتاد نقيب الأشراف البيروتيين أن يجذب إلى laquo;الزاوية الخلواتيةraquo; أهل العلم والدين والفقه ليعقدوا فيها حلقات دراسية دينية وفكرية متنوعة laquo;على الطريقة الخلواتيةraquo; التي أسسها الشيخ عمر كمال الدين الخلواتي، إلا أن النقيب غير اسمها في 1938 الى laquo;زاوية أبو النصرraquo; على اسم عائلته والسوق التجارية أيضا، مع أن الزاوية كانت معروفة لأهل بيروت باسم laquo;الخانقةraquo; أو laquo;التكيةraquo; أو laquo;الحضرةraquo; لكن laquo;زاوية أو النصرraquo; استمرت كاسم باستمرار اسم السوق التجاري، وهو كان أحد أهم الأسواق التجارية في وسط العاصمة قبل الحرب التي اندلعت عام 1975.

بعد 10 سنوات تحولت laquo;زاوية أبو النصرraquo; إلى ملكية الأوقاف الإسلامية في بيروت، التي فكرت بإقامة مسجد عليها، وراحت عبر السنين تجمع التبرعات من الداخل والخارج بدءا من الخمسينات، فنال المشروع تبرعات من العاهل السعودي الراحل، الملك فيصل بن عبد العزيز، وكذلك من أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح ومن العقيد معمر القذافي وسواهم، فبدأ بناء المسجد، وكان مشروعاً شديد التواضع مقارنة بما تحقق اليوم، لكن اندلاع الحرب أوقف المشروع.

في أواخر عام 2004 قرر الرئيس الحريري البدء بتنفيذ مشروع إعادة بنائه كأكبر مساجد بيروت من ماله الخاص ، وكلف نحو 20 مليون دولار. كان آخر مشاريعه ولم يخطر بباله أنه سيدفن بعد سنة في باحته، في قلب بيروت،.