بعد أعوام من دعم رموز السلفية في مواجهة الإخوان والجهاديين
السلطات المصرية تدشن خطة لمواجهة المد السلفي وسط الشباب
نبيل شرف الدين من القاهرة: في وقت يتعاظم فيه إنتشار التيار السلفي في المجتمع المصري على نحو لافت خلال الأعوام القليلة الماضية، الأمر الذي إستشعرت معه دوائر سياسية وأمنية هذا الخطر، وبدأت مؤخرًا خطة للتصدي لهذا التمدد الواسع للفكر السلفي خاصة في صفوف الشباب، وفي هذا الإطار وزعت وزارة الأوقاف المصرية كتابًا جديدًا على الدعاة العاملين في مساجدها تقول إنها تسعى من خلاله إلى تصحيح ما تراه من مفاهيم مغلوطة لدى السلفيين، وسط تقديرات أمنية تؤكد اتساع نشاط الجماعات السلفية في مصر خاصة في أوساط الشباب. وشهدت الساحة المصرية خلال الأعوام الماضية انتشارًا للسلفية وصل إلى حد توجيه أصابع الاتهام لدوائر رسمية بأنها وقفت خلف هذا الأمر، وهو ما فسره مراقبون بأنه يشكل مسعى منها لاستلهام التجربة السعودية والخليجية، بدعم الجماعات السلفية واستخدامها كأداة لضرب جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; استناداً إلى عدة اعتبارات، منها أن هذا التيار مؤهل للمزايدة على الإخوان، لأن أنصار السلفية يذهبون إلى أبعد مدى في التمسك بمظاهر التدين الشكلية، كما لا يكترث أنصارها بفتاوى علماء الأزهر بل يسخرون منها ويسفهونها، ويحتكمون إلى آراء كبار مرجعيات السلفية مثل ابن عثيمين والألباني وغيرهما في أي مسألة فقهية أو عقدية قد تعنّ لهم .
ويقول محللون إن هذه الخطوة الحكومية التي تعتزم السلطات اتخاذها لمواجهة تعاظم الأنشطة السلفية بمصر، كبداية بعد تحذيرات من تكوينها لما يمكن وصفه بـquot;مناطق نفوذquot; واسعة في أوساط الشباب وبين الطبقات التي تعاني أوضاعًا معيشية مزرية وتبحث عن آفاق للتعبير عن ذاتها بعيدًا عن الخطاب الديني الرسمي الذي تتبناه وزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر .
السلفية والإخوان
وفي هذا السياق نشبت معركة بين نشطاء وكتّاب محسوبين على الإخوان وآخرين يصنفون كسلفيين، تبادل خلالها الجانبان الاتهامات بالعمالة لأجهزة الأمن، وقال علي عبدالفتاح، القيادي بجماعة الإخوان quot;إن أجهزة الأمن منعت الاعتكاف خلال رمضان الماضي في معظم المساجد، التي تتبع الجماعة في جميع المحافظات المصرية، وخاصة المساجد التي يمارس فيها الإخوان أنشطتهم الدعوية، بينما سمحت للسلفيين بالاعتكاف في جميع المساجد، نظرًا للاتفاق غير المعلن بين السلفيين والأمن الذي يسمح لهم بممارسة أنشطتهم مقابل عدم التدخل في سياسات الدولةquot; .
ورد سلفيون على اتهامات علي عبد الفتاح لهم بالعمالة لأجهزة الأمن بحملة مضادة اتهموا فيها الإخوان بإفساد الدعوة وإقحام الشأن السياسي في الدين، مؤكدين أن منهج السلفية كان دائماً الابتعاد عن المسائل السياسية، مع التعويل على التربية الدينية المجتمعية، وعدم تعمد الاصطدام بأي سلطة عامة في المجتمع درءاً للفتنة وسعياً للحيلولة دون انتشار روح الاحتراب في بلاد الإسلام والمسلمين، كما يقول أحد أشهر محدثيهم.
كما أثيرت معركة أخرى اتهم فيها نشطاء الإخوان شيوخ السلفيين بدعم الأنظمة الاستبدادية، ولعب دور quot;المحللquot; لصالح أكثر الأنظمة قمعاً في المنطقة، وعلى سبيل المثال الزيارة التي قام بها محمد حسان ـ وهو أحد أبرز دعاة السلفية في مصر ـ إلى ليبيا ضمن مجموعة من الدعاة ألقوا محاضرات ونظمت لهم ندوات دينية في عدد من المساجد الليبية خلال رمضان الماضي ضمن البرنامج الديني الذي صاحب مسابقة لحفظ القرآن نظمتها عائشة القذافي كريمة العقيد الليبي . وخلافاً لما يجري في دوائر جماعة quot;الإخوانquot; والمنظمات الجهادية الأصولية الأخرى مثل quot;الجماعة الإسلاميةquot; وquot;الجهادquot; وquot;التبليغquot;، فليس في تراث السلفيين أو أدبياتهم أي تنظيمات هرمية، بل يستعيضون عن ذلك بفكرة quot;العمل الجماعيquot;، ومن أبرز مشايخ السلفية في مصر أسماء مثل الحويني ومحمد إسماعيل ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب .
الأوقاف والسلفية
ووزعت وزارة الأوقاف المصرية كتابًا جديدًا على الدعاة العاملين في مساجدها قالت على لسان وزيرها محمود حمدي زقزوق إنها تسعى من خلاله إلى تصحيح ما تراه مفاهيم مغلوطة لدى السلفيين، وتقول الوزارة إن كتاب (السلف والسلفية) للكاتب محمد عمارة عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذي أصدرته يستهدف توضيح حقيقة الكثير من المصطلحات الفكرية التي أسيء فهمها، غير أن مراقبين يرون أن د. عمارة ليس الشخص المناسب للتصدي لهذه المهمة، خاصة بعد ما نسب إليه أخيراً من تصريحات وكتابات تصب في خانة إهانة المعتقدات المسيحية .
وأشار وزير الأوقاف المصري في مقدمة الكتاب الذي وزعته مديريات الأوقاف على المساجد التابعة لها إلى دور وزارته في التصدي لعلاج أي خلل فكرى وتوضيحه للمسلمين لمساعدتهم على إعمال عقولهم في ما يفيدهم وحمايتهم من التعصب الديني .
ومضى وزير الأوقاف المصري قائلاً إن الخلل الفكري الذي يعانيه المجتمع الإسلامي المعاصر والمتمثل في الخلط بين المفاهيم وفى سوء الفهم للكثير من المصطلحات الدينية تسبب في إحداث بلبلة في الفكر واضطراب في الرؤية الصحيحة للأمور. وأضاف إن الضبابية التي غطت عقول الكثيرين في عالمنا الإسلامي أدت إلى خلل أصاب الأمة الإسلامية بالجمود الذي عطل مسيرتها نحو التقدم والنهوض، وانشغل الناس بالخلاف والتعصب الأعمى لكل فرقةquot;، على حد تعبيره . وأخيراً يخلص الكتاب إلى أن السلفية ليست مرادفاً للجمود والتقليد ومخاصمة العقل والعودة للبداوة ورفض الآخرين وإنما الاستعانة بالتراث الإسلامي الرشيد ومعاصرته للواقع في الأمة الإسلامية .
التعليقات