ذكريات أيام بوتو الأخيرة كما ترويها بكلماتها في (الشهادة الأخيرة)
سيدة... محملة بالألم... تحلم بالمستقبل (3/4)

زيد بنيامين: كانت مسألة إعتقال أبي وسجنه وقتله قد جرحتني، كنت أعرف وقتها أن مثل هذا الجرح الداخلي الذهني أو الروحي قد ينسى، كنت أريد أن أعمل أي شيء كي لا يمر أبنائي بالتجربة نفسها وبالألم نفسه وبالمشاعر نفسها التي عشتها بسبب رحيل والدي... لكن الحقيقة أن الشيء الوحيد الذي لم أنجح في فعله كان ذلك، لم أكن أستطيع التقاعد من الحزب أو الرحيل عن المشهد السياسي الذي صنعته لسنوات طويلة، لم يكن من السهل التخلي عن كل الثمن الذي دفعه والدي واشقائي الذين اعتقلوا وسجنوا وعذبوا وقتلوا... كل هذه التضحيات كانت من أجل شعب باكستان.. كان من الصعب التخلي عنها.

كان همي الأول التكلم مع زوجي بالهاتف... وقد نجحت في تحقيق ذلك... قلت له انني لم أصب بأذى، لم يكن بوسعي الحديث الى ابنائي، كانوا قد ناموا وقتها ولم يروا الانفجار في التلفزيون، قالت لي ابنتي فيما بعد انها نامت مبكرًا بعد ان شعرت بالسعادة إثر مشاهدتها للاستقبال الحار الذي حظيت به، لكنها صحت حينما تلقت رسالة قصيرة من صديقة تقول فيها quot;يا ربي .. انا قلقة للغاية.. هل امك على ما يرام؟quot;..

وبقلب يخفق بشدة انتقلت ابنتي الى غرفة ابيها، طوقها بذراعيه... وأكد لها أن quot;امك بخيرquot;.

بعد ان تم تعداد الجثث، كان عدد اللذين قتلوا 179 شخصًا وكان هناك حوالى 600 شخص اصيبوا بجروح .. بعض منهم تغيرت حياته للابد بسبب اعاقته.

عرفت فيما بعد ان اجتماعًا عقد في مدينة لاهور حيث تم التخطيط لهذه العملية ووفقًا للتقرير الذي تلقيته.. كان هناك ثلاثة اشخاص ينتمون الى سياسيين عينوا مقابل نصف مليون دولار، وكانت اسماء الاشخاص الثلاثة حسب مصادري .. اياز، ساجد، وثالث نسيت اسمه.

احد هولاء الثلاثة قتل في الانفجار، لأنه لم ينجح في الجري بسرعة بعيدًا عن الانفجار، اعتقد انه الشخص نفسهالذي كان يحمل طفلاً، كان يجب ان يكون هناك احدهم لتتم التضحية به لكي تنجح القنبلة في الوصول الى هدفها..

ما وصلني من مصدر آخر أن (قاري سيف الله اخطار) احد ابرز المطلوبين والذي حاول الانقلاب على حكومتي الثانية، والذي تم تبادله من قبل حكومة الامارات، وكان يرزح في سجن كراتشي المركزي... تم استدعاؤه من هذا السجن من اجل ان يساعد حاكم لاهور في تنفيذ هذه العملية... كان لديه اتصالات في الحكومة .. ووفقًا لمصادري كان على هذا الراديكالي صناعة القنابل واصدار الفتاوي ويجعلها موجبة التنفيذ.. السياسي في لاهور حصل على كل ما طلبه من اخطار.

تم التفجير في معسكر للجيش في كراتشي ، وحينما وصل مسؤولو الجيش الى الموقع، وجد الجرحى على الارض.. كان المنظر مخيفًا.. ولكن كان على الجيش مسؤولية تصعيد هذه الروح النضالية عند مثل هذه الميليشيا دون ان يهتموا بالنتائج المأسوية التي قد تلحق بباكستان وشعبها.

بدأت قصة باكستان مع المجموعات العسكرية بظهور مجموعة (زيا) العسكرية في عقد السبيعنات من القرن الماضي، كان عليها التعكير على الديمقراطية لتسمح للعسكر بالعودة الى الحكم مرة اخرى، كان نظام مشرف يتابع هذا النمو في مثل هذه المجموعات العسكرية ويراقب حركاتها التي تحولت الى جهد بشري ضخم.

في بعض المرات حينما افكر في الامر اتساءل ان كانت امتي قادرة على النجاة من هذا المركب الخطير، فمنذ الانقلاب على حكومتي في عام 1996 نجح المسلحون في ايجاد طرق متعددة لهم للوصول الى الحكومة الباكستانية من خلال من يدعمونهم ومن يتعاطفون معهم، باكستان كانت صندوق من الذخيرة القابل للانفجار في اي لحظة.

بعد ستين عامًا من تأسيسها، كان سجل علاقة هذه المجموعات المسلحة مع الحكومات الديمقراطية مأسويًا حيث كانت كمن يخطوا خطوة الى الامام فتعيده هذه الجماعات المسلحة عشر خطوات الى الخلف... والديمقراطية لا يمكن لها ان تنمو في غياب الاستقرار وغياب نمو الطبقة المتوسطة في البلاد، كانت جارتنا الهند تنمو في محيطها الاقليمي والعالمي وخصوصًا في الميدان الاقتصادي بسبب توسع الطبقة المتوسطة فيها والتي قدمت قوة كبرى للانطلاق الاقتصادي والسياسي لهذا البلد.

كان السؤال الان كيف يمكن لبلد ان يصنع طبقة متوسطة بين شعبه؟ كان الطريق الاول والاهم هو التعليم .. اصلاح النظام التعليمي في البلاد وهو قادر على اعطاء الامل والفرصة لشعبي .. التعليم الجيد وتوفير فرصه هو مفتاح التقدم الاقتصادي والسياسي لكل الامم ويمكن تطبيق ذلك في العالم الاسلامي، لكن في باكستان يصرف مبلغ 4.5 مليار دولار على العسكر في كل عام بنسبة تتجاوز ما يصرف على التعليم بـ 1400% .

كانت مدارس المسلحين لم تظهر لأن الشعب الباكستاني قد احس فجأة انه مسلم ، كان هناك ارثوذوكس قد شاركوا في بناء تاريخ هذا البلد، لكن المسلحين استفادوا من الاجور الزهيدة وارادوا الحصول على اطفال يريدون الهرب من الحال المأسوية التي يعيشون فيها... فإذا كان الوالدان فقيرين للغاية فإنه لا يمكن لهم التعلم او ان يحصلوا على منزل، ملابس، الاكل والشرب او توفير العناية الصحية اللازمة لهم .. الحكومة عجزت عن تلبية الامور الاساسية للشعب من خلال تهالك الخدمات العامة، كان عليهم ان يجدوا بديلاً، وهو ما توفر في (المدارس) التي يقدمها العسكريون على مر الزمن .. اصبحت المدارس البديل الطبيعي للحكومة العاجزة عن خدمة ملايين الباكستانيين.

كان على هذه المعسكرات التابعة للمسلحين وللجيش صرف وقت اقل على التدريس الابتدائي، وبدلاً من ذلك كان هناك غسل للأدمغة للاطفال من اجل ان يكونوا جنودًا في جيش غير نظامي، كان عليهم ان يتعلموا الكره والعنف، كان عليهم ايضًا تنفس الارهاب وليس العلوم... كان عليهم ان يتعلموا كيف يخالفون القانون الذي يحمي بلدهم من الضياع..

حينما كنت رئيسة للوزراء .. كان علي استخدام الكثير من مصادري السياسية من اجل ايقاف المدارس التي يطلقها المسلحون، ولكن مع الاسف .. فمع وصولي للحكم كان عدد المدارس قد بلغ 20 الف مدرسة في باكستان لوحدها .. كان عليهم تعلم الاسلام الذي يدعو للتصادم للغرب .. الاسلام الذي ليس له علاقة بالاسلام لانهم تعلموا على يد من امنوا بـ (صدام الحضارات).