وسط أجواء حزن تخيم على شارع الصحافة المصرية
الموت يغيب مجدي مهنا بعد ساعات من رحيل النقاش
نبيل شرف الدين من القاهرة: quot;الشرفاء يتساقطون... يرحلون مبكرًا، أو لعلهم يفضلون مغادرة الدنيا وهم ما زالوا يتربعون في قلوب محبيهم، كان شمعة أخرى انطفأت على درب الصحافة المصريةquot; هذا جانب من التعليقات المريرة التي صدرت عن زملاء صحافيين مصريين، كانوا قد تلقوا للتو نبأ وفاة الأستاذ رجاء النقاش، بينما كانوا يتابعون عبر اتصالات بأسرة الفقيد والأطباء أخبار الحالة الصحية للزميل مجدي مهنا، والتي تدهورت على نحو مروع خلال الأيام الماضية، حتى فاضت روحه إلى باريها في ساعة متأخرة من ليلة أمس الجمعة، وهو لم يزل بعد في الحادية والخمسين من عمره، بعد دخوله في غيبوبة كبدية تزامنت مع الفشل الكلوي . والراحل مجدي مهنا محسوب على التيار الليبرالي، غير أنه ظل طوال حياته يحظى باحترام كافة القوى السياسية في مصر، ويرجع إلى ما يتمتع به من قبول شخصي لدى الجميع، فضلاً عن طريقته الرصينة في النقد وحرصه على الانحياز إلى قضايا البسطاء، وترفعه عن الانزلاق إلى ساحة الملاسنات السائدة في أوساط الصحافة هذه الأيام، كما كان بشهادة كل من عرفوه نموذجًا رائعًا للصحافي المحترف الملتزم بالأصول المهنية، والذي لا يضع سوى القارئ سيدًا له في ما يكتبquot;، هكذا تحدث عنه الصحافيون المصريون شيبًا وشبابًا، سواء في مكاتبهم أو في مقر نقابة الصحافيين، التي خيم عليها الحزن بشكل واضح. كتب مرثيته وأصر الفقيد مجدي مهنا أن يحتفظ بسر مرضه بين ضلوعه، منكفئا على مرارة إحساسه بالنهاية، حتى فاض به الكيل مرة، فكتب ما يمكن اعتباره quot;وداعية ناعمةquot;، أو لنقل quot;مرثيةquot; في مقاله اليومي بصحيفة quot;المصري اليومquot;، والذي يحمل اسم برنامجه المتميز نفسه ( في الممنوع ) عبر فضائية (دريم)، قائلاً: quot; لا أرغب في الدخول في تفاصيل حياتي الصحية. فالمشوار طويل. وعليّ أن أتقبله بنفس راضية مرضية، وأن أشكر الله في السراء والضراء فليس أمامي طريق آخر لمشوار غيره، لكي أسلكه، وسوف يؤيدني الله بنصر من عندهquot;. وبعد هذه الوداعية أو المرثية أدرك ملايين القراء من محبيه وحتى المختلفين معه حجم الألم الذي يعانيه هذا الصبور في التصدي لمرض الكبد الذي يدهمه والذي أصر على تحمل نفقات علاجه من جيبه الخاص، ورفض كل العروض التي قدمتها الحكومة المصرية مراراً، ورجال الأعمال لعلاجه على نفقه الدولة أو نفقة محبيه من كبار الأثرياء في مصر ودول عربية أخرى، ويعلم كاتب هذه السطور تفاصيل عن عروض خالصة لوجه الله، يسيل لها لعاب الكثيرين، إلا أن الفقيد رفضها بكبرياء وأريحية ومن دون ادعاء بطولة، أو الانزلاق إلى مستنقع الصخب والمزايدات الرخيصة . وأجرى الفقيد خارج مصر جراحة دقيقة لزرع كبد جديد، ولوحظ تدهور صحته في الفترة الأخيرة وانقطاعه عن العمل لفترات، حتى وافته المنية في مستشفى quot;وادي النيلquot; التي كان قد نقل إليها للعلاج بعد تدهور حالته الصحية قبل ايام مضت . والفقيد مجدي مهنا صحافي مرموق ينتمي ـ وظيفيًا ـ إلى مؤسسة quot;روز اليوسفquot;، لكنه لخلاف في الرأي مع القائمين على المؤسسة، لم يكن ينشر أي مواد بها منذ أعوام، وفي المقابل فقد كان يكتب مقالاً يوميًا بصحيفة quot;المصري اليومquot;، كما كان يقدم برنامجا يحمل الاسم ذاته عبر فضائية (دريم) المصرية.
وتأتي هذه النهاية المبتسرة لأحد أكثر الصحافيين المصريين موهبة وتألقًا، بعد معاناة قاسية مع داء الكبد الوبائي اللعين الذي بات ينخر أجساد مئات الآلاف من المصريين خلال العقدين الماضيين، على نحو بات يشكل quot;كارثة قوميةquot; من دون أدنى مبالغة، خاصة في ظل انتشاره على نحو واسع بين المصريين .
وبقي أن نشير إلى أن الراحل حصل على بكالوريوس الإعلام جامعة القاهرة عام 1978 وعمل فور تخرجه صحافيًا في مجلة روز اليوسف، ثم عمل في صحيفة الوفد وتولى رئاسة تحريرها عام 1999، وسبق انتخابه عضوا في مجلس نقابة الصحافيين المصريين لدورتين اعتبارا من عام 1987.
التعليقات