زورق الامل يمخر عباب العام الجديد
قراءة في امنيات عراقية لعام 2009
عبد الجبار العتابي من بغداد:
على ضفاف نهر دجلة، من جانب الرصافة، وبالتحديد من قرب جسر (الشهداء)، وقفت اتطلع الى وجه العام 2009 الذي تكاد اشراقاته تطل من عالم الغيب، من خلال وجه الماء، كان هنالك زورق ينساب في الماء، مر من تحت الجسر ومضى صاعدا الى الاعلى، حيث سطح النهر يتناغم بالامواج تحت حركة الزورق الصغير الذي يحمل رجالا ونساء واطفالا، كان الماء مرآة عاكسة، وثمة اغنية تنطلق من المكان، انتبهت كان هنالك شاب يردد : على شواطي دجلة مر / يا منيتي وقت الفجر)، التفت اليه مبتسما، فقال : ( هذه الاغنية جاءتني عفوا امام مشهد الماء والزورق والنهر والناس، هل تعرف ياصاحبي ان هذا المكان، كان من الصعب الوقوف عنده، ليس في وقت الفجر فقط، بل في كل اوقات الليل والنهار، هل تعرف ان رصاص القناصة كان يطيح بنا لو اننا كنا هنا قبل عام واكثر، وهل تعلم ان النهر كان خاليا الا من حركة انسيابه الكئيبة، وان الزوارق طلقته بالثلاث !! )، عدت التفت ثانية الى الزورق الذي ابتعد، ومن ثم الى ضفاف دجلة امامي وعلى جانبيّ، واستعيد الاغنية الشهيرة التي غنتها الراحلة العراقية سليمة مراد قبل سنوات طويلة .

كان هذا .. وانا اقف على اواخر ايام عام 2008، كنت اراه يمر كما كان يمر الزورق، تخيلت ان الزمن هو النهر والزورق هو عامنا الذي سيغادر، وانا انتظر زورق العام الجديد، نزلت قليلا الى قرب الماء لاغمس يدي فيه، قال لي صاحب زورق يرسو على الشاطيءفي مكان يسمى (مرسى الزارق) : هل تريد ان تذهب في جولة نهرية ؟، قلت له : انا اخاف الماء، قال : لاتخف من دجلة، فلن يغدر بنا، هو الان يدعونا الى ان نغمر اجسادنا و ان نضج على سطحه، قلت له : تعال اسألك، اقترب مني وحياني مجددا ثم قال : سل، قلت : كعراقي .. كيف تنظر الى العام الجديد، فقال بدون تردد : (عام المحبة والسلام )، وسكت، ولم يقل غير تلك الكلمات الثلاث، وعاد الى زورقه !!.
رحت اردد هذه الكلمات التي قاله (البلام)، واكاد اتقافز بها، وانا ما زلت مشدودا الى دجلة وان كان منه قد نقص كثيرا وبان عمق من ضفافه الطينية، ذهبت لاصعد على الجسر ومن هناك اتطلع الى النهر وما حوله، لا اعرف لماذا ذهب نظري (المدرسة المستنصرية) الجاثمة بكل تاريخها وهي تتطلع الى النهر، تأملت شكلها الذي ما زال كما عرفته من قبل، كان يبشر بالخير، حيث يلتمع امام اشعة الشمس، جلت بنظري الى الاشياء واكاد احاكيها عما تقوله عن العام الجديد، هاجسي كان هكذا فلا تلومونني، حين تطلعت الى النهر من اعلى الجسر احسست ان الجسر الثابت يتحرك ويسير الى الامام قليلا، مثل سفينة كبيرة تمخر العباب، طال وقوفي هناك ونسابت الاسئلة على لسلني، واول من التقيته سألته : كيف ترى عام 2009 عراقيا ؟، فقال عبد الستار جبر الصحفي ومدير تحرير مجلة الاقلام الثقافية : الامنيات في العراق تتضاءل الى الحد الادنى، والحدود الدنيا تتعلق بالامن والخدمات، وليس جديدا على العراقيين ان يتمنوا الاشياء نفسها منذ عام 2003، خمس سنوات والامنيات تتكرر، وسيحمل العام الجديد على كاهله امنيات قديمة لم تتحقق كليا، واضاف : بالنسبة لي اتمنى ان يكون العراقيون اكثر وعيا بمصائرهم واكثر ارادة على صنع مستقبلهم وتغيير حاضرهم، وهي امنية عامة لكنها تمسي اكثر من اهتماماتي الشخصية، ربما امنيتي الخاصة هي ان اغمض عيني في الدقيقة الاخيرة من ليلة 31/12 وافتحها على ليلة 1/1/ 2009، وارى نفسي في قارب يحملني بعيدا الى جزر الواق واق الخالية، مرددا مع نفسي هذه الكلمات : لقد اساءت البشرية لنفسها كثيرا، لم تستطع ان توفر السعادة .
محطتي التالية كانت في شارع المتنبي حديث التعمير الجميل التزيين، هالني منظر الجمعة فيه حيث كان نهره وارصفته مفعمين بالحركة والناس والتجدد، توقفت امام الفنان عبد الستار البصري ونقلت اليه السؤال فقال : بعد اكثر من خمس سنوات من الالم، ندعو الله ان يكون عام 2009 عام الامن والسلام والاعمار والبناء، انا انظر الى زورق احلام العراقيين ينطلق في بحر السنوات وقد عبر الكثير من العوالق والترسبات الطينية والخوف والقلق، ذهب الكثير وما بقي الا القليل ليعود العراق معافى بشكل كامل، وعام 2009 سيفتح ابوابا كثيرة للمحبة العراقية التي ستعم وتملأ القلوب والنفوس وتكون فائدتها كبيرة، عام 2009 سينفض عن العراق كل ما علق به واتوقع انه سيكون عاما جميلا جدا وسيكون عام الامل .
وعلى مكان قريب منه التقيت الشاعر امين جياد فقال : تتملكنا السعادة والالم في ان معا حينما نودع رقما مضلفا الى اعمارنا ونستقبل رقما مبهما يتلون في البدء، لكن الوانه تتوزع اذا سارت الايام وكلما زدنا الما وسعادة، وجدنا انفسنا نبحر في هذا العام، وكأننا نبغي الاحلام ويصبح كل واحد منا سندبادا شاعرا وفيسلوفا يهتدي بالافلاك، ولان السندباد يعرف البحر وخلجانه ويعرف لغات الامم التي يمر بها نجده وتجدنا نمسك النجوم وقاع البحر، بل نمسك احجارنا التي نتشبث بها / ومن الغريب ان السندباد تطول كل رحلة من رحلاته الى اكثر من ستة اشهر بل تصل احدى رحلاته الى عام كامل، هكذا تبدو حياتنا سفر دائم ورحلة دائمة ووجع يطول، واضاف امين : 2009 رقم شعري اخر، يتخطى جنوني وشعري وتجربتي، استعد اليه بكامل رؤيتي، اتأمله واسير معه ليلا ونهارا علني المح طيفا يشدني اليه واتمسك به كالعاشق والمّ احجاري المقدسة التي صارت جبلا لا يستطيع احد الصعود اليه، هموم هذا العام ربما ستزيد ايغالا في الروح لكنها شتشع من بين الاصابع مكللة بالجمال والعشق واللسفر نحو البدايات، وسنمسح الدموع التي بللت ايامنا واجسادنا، حيث البكاء المستديم سيكون عونا في محنتنا، واي بكاء ذرفته عيوننا، وما بعده اي حزن واي شقاء، نقول لعراقنا الواحد : ها انت تعانق ابناءك منذ الاف السنين تمنحهم الثقة بالارتقاء والابداع والحياة، لان اسمك ملح الارض وانهارك هي الشموع التي لاتنطفيء ابدا .
الدكتور مجيد السامرائي ،الاعلامي والكاتب المعروف، الذي زار بغداد مؤخرا بعد غياب طويل عنها طلبت رأيه فقال : اعتب على المسرح ابن الليل، والاصبوحات مضحكة ، مقهور على بغداد الى كانت مشعة ، شوف قطعت مسافة مئة وعشرين كيلو مترا صعودا من اعلى بغداد، لم يسالنى احد عن بطاقتى الشخصبة، الجنود في نقاط التفتيش مهذبون جدا، يضعون ورودا صناعية فى ثكناتهم يقدمونها لمن يمر منهم، حجم الغبار هائل، الوحل سيد الطرقات، الاضواء الموضوعة على الطاقة الشمسبة ليلا تشعرنى بالاحباط لكنها افضل من الظلام الدامس ، انتم لاتعرفون ان عمان اهدأ مدن العرب، لم اسمع فيه كلب ينبح ، ولا كروان يشدو، ولاقط يموء، لكنى اسمع فجرا نعبق الغربان، واضاف : اعتقد ان العراقيين لن يضيعوا فرصة السلام ، سيعرفون ان ماكان فيما مضى امر مدبر، اتمنى ان يسطع نور الكهرباء بشكل يفوق حاجة الناس، بحيث تغدو بغداد مثل باريس مدبنة النور، هذا ممكن لقد كانت كذلك فى العصر العباسى، الكهرباء اهم اختراع للبشرية، نصف العراقببن عندهم احباط نفسى وجنسي من الكهرباء، الدراما تنشا فى النور، الرسم، الرقص، دور الازباء، لايصح ان نتحسر على مافات، العراق بلد غني، لكننا شعب فقير، ماذا تنفع الارادة وحدها، انا اثق بعزم بعض الناس فى التغييير، الشعب عنده طاقة خلاقة على الابداع ، نحتاج فقط من يحسن استغلال الطاقات الخلاقة، كثير من يشعر باحباط شدبد لانه بلا وظيفة ولا زواج ، والنساء بخشبن العنوسة .
وقال الدكتور عدي طارق الربيعي استاذ التربية الرياضية في كلية التربية الرياضية ولاعب الجودو السابق : طوينا بتفاؤل حذر عام 2008 ونحاول استقبال العام الميلادي الجديد بشعور يملؤه الحذر ايضا، وللحذر بطبيعة الحال له اسباب، واهمها المتغيرات السياسية الكثيرة التي تحصل هنا وهناك وهي ماتجعل المواطن العراقي يعيش في حالة من اللااستقرار المعنوي بسبب تلك المتغيرات والتحالفات التي يوما نراها في قمتها وسرعان مانجدها في اليوم الاخر في الهاوية، لذلك كمواطن اتمنى ان يكون العام الجديد عاما مليئا بالنشاط السياسي الذي يجلب للعراقيين الامن والامان وهو اهم مطلب لنا جميعا، فصدقني ان احلى لحظاتي اعيشها حينما ارى السياسيين متفقين ومااقل تلك اللحظات ؟؟ واضاف : بعد الاستقرار السياسي بالتاكيد يمكن ان نرى تحسنا في تزويدنا بالطاقة الكهربائية الشغل الشاغل للعراقيين، واتمنى ان ارى مستشفيات بغداد بحالة جيدة من النظافة وتوافر الاجهزة التي تساعد المرضى في الشفاء من الامراض المستعصية واهمها الضغط الدموي نتيجة خلاف السياسيين وانعكاسه على الشارع العراقي، واتمنى ان يكون عامنا الجديد عام رفع السيطرات والحواجز الكونكريتية مما يسبب قلة الاختناقات المرورية وتخفيف الزحام في شوارع بغداد التي احلم بالدخول اليها بدون ان ارى حواجز او عبارة الطريق ( مغلق )، واتمنى كرياضي ان ارى حجراً اساس لبناء مدينة رياضية في قلب العاصمة بغداد تشبه تلك المدن الرياضية الموجودة في دول الجوار على الاقل ولن اطلب ان تكون مثل تلك الموجودة في اوربا ( لان العافية درجات )، واتمنى ان ارى قيادات رياضية جديدة تقود رياضيينا بعيدا عن اولئك الذين لايهمهم سوى المناصب والكراسي والـ .....!!!، لقد طالت امنياتي ولو تحقق منها 50 في المئة فانا ربحان، ومن الله التوفيق.
زورق الامل العراقي بكل ما فيه من دهشة يمخر عباب الايام نحو العام الجديد 2009 حيث يتطلع العراقيون الى ان يكون عاما جديدا بكل معنى الكلمة وتعود العافية الى الجسد العراقي لينهض مجددا مواكبا العالم وعابقا برائحة التطور والبناء والجمال .