كتب رفيق خوري في " الأنوار " اللبنانية فقال :" كما في لبنان كذلك في أفغانستان: حسابات ما بعد المواجهة العسكرية تضع الأخضر الابراهيمي في الواجهة السياسية. عنوان العملية هو (بناء الأمم). والمهمة المحددة، بصرف النظر عن الكثير من اختلاف الظروف والقليل من تشابه الأوضاع، هي ترتيب تفاهم بين الأطراف المختلفة على اقامة حكومة ائتلافية بمساعدة القوى الخارجية. هنا كان الابراهيمي يمثل اللجنة الثلاثية والجامعة العربية. وهو تعثر في البدء، ثم نجح حين أصبحت القوى الأساسية، والخارجية بشكل خاص، مقتنعة بأن التوصل الى اتفاق الطائف يخدم مصالحها في لبنان موحد. وهناك يمثل الأمين العام للأمم المتحدة. وهو فشل خلال مهمته الأولى قبل مدة في المصالحة بين الطالبان وبقية الفصائل واقامة حكومة مركزية تضم الجميع لأسباب متعددة، بينها ادارة أميركا ظهرها للمسرح الأفغاني بعدما استخدمته في الحرب ضد موسكو، وتصرف الباكستان على أساس ان نظام الطالبان يخدم مصالحها. لكنه قد ينجح الآن بعد تبدل الموقف الأميركي والحاجة الى دور ما للأمم المتحدة والتغيير الجذري في الموقف الباكستاني.
ذلك ان أميركا تدير الحرب في أفغانستان على ايقاع سياسي. فالرئيس بوش الذي كان اخراج بلاده من عملية (بناء الأمم) جزءاً من برنامجه الانتخابي وجد نفسه مضطراً للانخراط في العملية وسط الانخراط في الحرب. ووزير الخارجية كولن باول يبحث مع المسؤولين في اسلام اباد ونيودلهي ترتيب النظام الافغاني في مرحلة ما بعد طالبان. اذ بين ما يخيف واشنطن المصممة على ربح الحرب سقوط نظام طالبان سريعاً والوقوع في فراغ سياسي وفوضى عسكرية قبل ضمان النظام البديل، وبين ما تعمل له في الفصل الأول من الحرب هو ترتيب ائتلاف بين الأعراق والتنظيمات الافغانية يرضي الجميع في الداخل والجيران في الخارج من دون ان يكون لطرف واحد مجال لفرض رأيه الخاص.
لكن أميركا التي ترى ان حربها هي الطريق الوحيد للوصول الى نظام جديد، تدرك الحاجة الى طرف (محايد) ومقبول لترتيب المسرح السياسي هو الامم المتحدة. ولذلك اوفد الوزير باول المسؤول عن التخطيط السياسي في الخارجية ريتشارد هاس الى نيويورك كممثل خاص له لتنسيق العمل. فالامم المتحدة تتولى ولو في الشكل تفصيل الثوب الافغاني الجديد. والاخضر الابراهيمي يسعى لاقناع الاطراف المختلفة بارتدائه. لا بل ان اللعبة كما تقول (النيويورك تايمس) وصلت الى الحديث عن (قوة متعددة الجنسيات) مشكلة بنوع خاص من قوات تابعة لدول اسلامية غير مجاورة لأفغانستان. والاسماء المقترحة هي (تركيا والمغرب وبنغلادش).
والمشكلة في هذا السيناريو هي صعوبة التوفيق بين المصالح والمواقف المختلفة سواء بالنسبة الى اطراف الداخل او بالنسبة الى القوى الخارجية. فالحصص المطلوبة في الكعكة اكبر من الكعكة السياسية. والاموال الضرورية للكعكة الاقتصادية ليست ضمن امكانات الراغبين في ادوار داخل افغانستان وفي آسيا الوسطى. وليس من السهل اقامة ائتلاف من حول ملك مخلوع منذ عقود صار في السادسة والثمانين هو ظاهر شاه، وان كان من الباشتون ومن قبيلة ديوراني المهمة.
ولا شيء يوحي بان الجهود الاميركية السرية لاستمالة القبائل بدأت تعطي ثمارها. فضلا عن ان تحالف الشمال الممنوع من دخول كابول والموقف من الطاجيك والاوزبك والهزارة ليس موحد المواقف والاهداف السياسية.
والرهان على الاخضر الابراهيمي يكبر يوميا. ولا احد يعرف الى اي حد يمكنه اخراج معجزة سياسية من كارثة عسكرية.