&
&
&

كتب سامي كليب : رغم حرارة الاستقبال "الرئاسي" الذي خص به الرئيس الفرنسي جاك شيراك ضيفه البطريرك الماروني نصر الله صفير امس، إلا أن سيد "الاليزيه" المدرك لحساسية وخطورة الاوضاع في الشرق الاوسط، لم يجار سيد بكركي في انتقاداته المتعددة الاتجاهات محليا وسوريا، ونصح بالتلاحم الوطني سبيلا لاستقرار الوضع وضمان الاستقلال والسيادة. بينما كان صفير جدد هجومه على سوريا التي قال انها تسيطر على كل شيء بما في ذلك المسؤولين، وانتقد عدم حضور الدولة جنوبا، محذرا من تدهور الاوضاع الاقتصادية (وقائع المؤتمر الصحافي صفحة 5).
لم يكن في الامر خلاف، وإنما مقاربتان مختلفتان بين شيراك وصفير. فالرئيس الفرنسي الذي يسعى جاهدا لمساعدة حكومة رفيق الحريري في عملية إعادة الاعمار، والذي كان اعاد الحرارة الى علاقاته مع رئيس الجمهورية إميل لحود، ويستمر على علاقات جيدة مع سوريا، يدرك بالمقابل ان المشاركة الفاعلة للمسيحيين في السلطة وفي مشروع اعادة الاعمار وتحسين الاوضاع الاقتصادية هي السبيل الامثل للحصول على ما يطالب به صفير من استقلال وسيادة للبنان وامتلاكه لناصية قراره السياسي، وان الصدام مع دمشق لم ولن يخدم لبنان.
وكان صفير وصل الى باريس اول من امس مستهلا زيارته القصيرة بقداس في كنيسة سيدة النجاة اللبنانية، ثم عقد مع الرئيس جاك شيراك قبيل ظهر امس لقاء حضر جزءا منه وزير الخارجية اوبير فيدرين الذي كان موجودا بالصدفة في القصر الرئاسي، اضافة الى مستشاري شيراك للشؤون
الدبلوماسية والتقنية ومدير دائرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية ايف اوبان دولاميسوزيار.
وكما كان الشأن في خلال زيارته الاخيرة الى باريس عام 1999، فإن البطريرك الماروني قوبل باستقبال رئاسي يخصص عادة لرؤساء الجمهورية (نشيد وحرس وطني)، واستقبله شيراك امام القصر وودعه حتى السيارة.
ووفق مصادر الرئاسة الفرنسية فإن هذا اللقاء، وهو الرابع بين الرجلين، جاء بطلب من البطريرك لمناسبة مروره في باريس متوجها الى اميركا الجنوبية (الاورغواي والارجنتين والمكسيك..) وقد رحب شيراك بضيفه معتبرا ان فرنسا <<تتشرف بهذه الزيارة وتعرب عن عميق الروابط العاطفية والروحية التي تجمعها بلبنان وبالكنيسة المارونية>>.
وقالت المصادر ان شيراك حيا جهود صفير للحوار بين الاديان وخاصة بين المسلمين والمسيحيين، وشجعه على مواصلة هذه المبادرة مؤكدا ان مأساة 11 ايلول ونتائجها تؤكد اكثر من اي وقت مضى على ضرورة حوار الحضارات.
وبعد ان اطلع صفير مضيفه على نتائج السينودوس في روما والرسالة التي صدرت عنه والتي تنبذ الارهاب، فإن الرئيس الفرنسي قدم مداخلة حول الوضع في الشرق الأوسط معربا عن قلق كبير، خصوصا بعد احداث الايام الاخيرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، واعاد التأكيد على ان عدم توفر حلول سياسية يخدم المتطرفين.
ولكن وخلافا لمعهود اللقاءات في قصر الاليزيه، لم يتم التركيز لا على وضع الجنوب ولا على ارسال الجيش، وإنما شدد شيراك، وفق مصادر الاليزيه، على <<ضرورة تعميق اللحمة الوطنية حول قيم الديموقراطية والحرية العامة واحترام الانسان والاعتدال>>، وهو ما ترى فيه هذه المصادر خير وسيلة لاستقرار الاوضاع اللبنانية ولضمان استقلال لبنان وسيادته.
ثم تطرق الرئيس الفرنسي للاوضاع الاقتصادية في لبنان، فتوقف عند المفاوضات الاخيرة التي جرت حول اتفاق الشراكة بين لبنان والاتحاد الاوروبي، معربا عن ثقته بأن ترفع آخر العقبات من امام توقيع الاتفاق الذي سيكون ذا نتيجة ايجابية للاقتصاد اللبناني.
اما في موضوع الاعتقالات في لبنان والتي اثارها صفير اكثر من مرة في كلامه امس، فإن فرنسا تكتفي في الوقت الراهن بالقول انها <<تتابع هذه القضية باهتمام>>.
ومن جانبه قال البطريرك في رده على اسئلة الصحافيين امام قصر الاليزيه <<ان للبنان الحق باستعادة جميع مقوماته كبلد سيد حر ومستقل، وان يهتم بشؤونه الخاصة ويكون خاصة بينه وبين سوريا تنسيق، لان في ذلك مصلحة مشتركة للجانبين>>، وذلك بعد ان كان اتهم دمشق في مؤتمره الصحافي الصباحي بالسيطرة على كل شيء بما في ذلك المسؤولين في السلطة.
واعرب صفير عن امله في ان تبسط الدولة اللبنانية سلطتها على كامل اراضيها، مجددا التشكيك بلبنانية مزارع شبعا التي ألمح الى افضلية حل قضيتها عبر الامم المتحدة.
وفي رده امام الاليزيه على سؤال عما اذا كانت محادثاته مع شيراك تطرقت الى موضوع المعتقلين، قال: <<ينبغي ان يقوم لبنان بما عليه القيام به، فلبنان بلد ديموقراطي ويجب احترام حقوق الانسان وإلا فسيكون هناك خلل>>.
وسئل عما اذا كانت محادثاته مع شيراك تطرقت الى المؤتمر الاقتصادي المعروف باسم <<باريس 2>> والذي يبدو ان احداث الولايات المتحدة ارجأته الى اجل غير معروف، قال صفير <<لم نتطرق الى هذا الموضوع، لكننا قلنا انه اذا دخل لبنان بشراكة مع اوروبا فسيكون في ذلك مجال لتحسين الوضع>>.
وبعد الاليزيه استعرض صفير الاوضاع اللبنانية في مجلسي النواب والشيوخ الفرنسيين واجاب على اسئلة لجنة الشؤون الخارجية، حيث كرر معظم المواقف التي ادلى بها في مؤتمره الصحافي الصباحي، وخصوصا ما يتعلق منها بالوضع الاقتصادي الصعب في لبنان والعلاقة مع سوريا، كما تحدث عن هجرة اللبنانيين والقلق المسيحي.
وليلا غادر صفير الى اميركا اللاتينية، على ان يمر في باريس في طريق العودة قبل الانتقال الى لبنان. وحين سأله احد الصحافيين عما اذا كان يتعمد الغياب قال ضاحكا <<ربما غياب مريح للبعض>>. (السفير اللبنانية)