&
&
&
كتب خليل حرب : في غفلة عن العالم المنشغل بالحرب على "الارهاب"، جنت واشنطن نصرا رمزيا قرب حدودها.. في نيكاراغوا.
اطاحت مجددا بآمال دانييل اورتيغا، خصمها اللدود في الثمانينات، تدخلت في موقعة سياسية جديدة بينه وبين رجل أعمال.
انريك بولانوس، رجل أعمال كان حتى وقت قريب يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية، يدير السياسة كما تدار الشركة على غرار رئيسه النيوليبرالي ارنولدو اليمان في ادارته لشؤون الدولة.
اما اورتيغا الذي نجا مرارا من محاولات اغتيال، فإن خسارته الثالثة في صناديق الاقتراع، قد تكون الاخيرة لتنجز النيوليبرالية ما بدأه الرصاص: هزيمة جديدة للثوار القدامى.
ايام مجدهم، حاولوا اقامة مجتمع اشتراكي، حاربوا الامية واعادوا توزيع الاراضي ووفروا الوظائف للجميع، اورتيغا، صادر اموالا للمتنفعين من بؤس نيكاراغوا، وزج ببعضهم في السجن، وكان من بينهم بولانوس.
هذه المرة، بولانوس يبدد جهود المحاولة الثالثة لجبهة الساندينيستا واورتيغا لقيادة نيكاراغوا للخروج من نهبها المفضوح.
يقول بولانوس الذي يحظى بدعم اميركي مكشوف، عن نفسه انه <<ديموقراطي وصاحب مبادئ>>، يصور خصمه رجلا قادما من اهوال الحرب وذكرياتها المريرة. ويقول: <<لم احمل بندقية. لم أقتل أحدا، لم انتهك حقوق احد، لم انف احدا، لم انتقم ولم ازج احدا بالسجن>>.
وطوال المعركة الانتخابية، حرص هذا العجوز السبعيني على ربط صورة اورتيغا بسنوات الحرب، لم ينس التذكير مرارا بأن خصمه الانتخابي صادر امواله. ردد المعزوفة الاميركية حول <<خطر>> عودة النظام الماركسي الذي سيقود البلاد الى نفور مع الولايات المتحدة.
هو تاجر، تعتبره طبقة رجال الأعمال، المتنامية النفوذ منذ السقوط الاول للساندينيين قبل اكثر من عشرة اعوام، من ابنائها البررة الذين لا يعدمون وسيلة للدفاع عن مصالحها.
منذ ما قبل المعركة الانتخابية الاولى التي اخرجت الساندينيين في العام 1990، ادخل فورا الى ميدان السياسة ليقود التحالف المناوئ لليساريين قبل ان تخلى الساحة للمرشحة الاكثر اعتدالا الرئيسة فيوليتا شامورا التي حققت مفاجأة إسقاط اورتيغا.
لم يتنح بولانوس وظل في مقدمة المتأهبين للدفاع عن عشيرته المالية، الى ان تولى في عهد الرئيس ارنولد اليمان منصب نائب الرئيس في انتخابات العام 1996 التي سقط فيها اورتيغا مرة اخرى.
وكانت الفضيحة، استشرى فساد الدولة ورأسها المتمثل بالرئيس اليمان الذي قفزت ثروته من 25 الف دولار قبل عشرة اعوام الى مليون دولار عند توليه الرئاسة ثم الى 250 مليون دولار حاليا!!. مستشار سابق لآليمان يصف ذلك: <<كان الامر مرعبا عندما سمح الساندينيون لانفسهم بمصادرة بعض الممتلكات العام 1990، لكن خطوتهم بدت مشابهة لروبن هود، أما اليوم فإن الامر مختلف تماما، فهو شبيه بما قام به آل كابوني>>.
عجز متفاقم، واحتياط العملات الاجنبية لا يتجاوز 100 مليون دولار، اما الفقر فيطال 70 في المئة من السكان البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة.
الناخبون لا يفقهون دائما تعقيدات الاقتصاد وألاعيب السياسة، الفقراء يتطلعون احيانا الى مرشح كبولانوس، بشيء من الامل، حملته الانتخابية منظمة وممولة ببذخ ويتحدث ممتدحا رئيسه أليمان وسياسته الاقتصادية الليبرالية.
انصار اورتيغا، يصفون بولانوس بأنه مرشح الاغنياء، كثيرون يخشون ان لا يكون سوى دمية يحركها اليمان الملقب ب<<الرجل السمين>> المتعطش للسلطة. ولماذا صمت بولانوس كل هذه السنوات على فساد رئيسه؟!. لا انجازات تذكر خلال شغله منصب نائب الرئيس. اما لجنة مكافحة الفساد التي ترأسها، فإنها لم تتوصل الى أية نتيجة.
ولد بولانوس في العام 1928، في قرية ماسايا، قرب ماناغوا، وترعرع في عائلة من الطبقة الوسطى، تلقى علومه في الولايات المتحدة ونال شهادة في الهندسة، وعمل في مجال التجارة الزراعية، وخلال الثمانينات، تولى رئاسة رابطة لرجال الاعمال، وخلال تلك الفترة اعتقله اورتيغا مرات عدة وصادرت الدولة الكثير من ممتلكاته.
قدم بولانوس وعودا للناخبين استوحاها من <<اعتداله>> في نمط حياته وملبسه ومأكله وسفره، يعتزم قيادة حكومة بلاده كما يفعل رجل الاعمال في إبرام الصفقات التجارية، ووعد الناخبين بالانترنت حتى في اكثر الاحياء فقرا، ويقول انصاره، انه سيكون رئيسا مدللا لدى المؤسسات المالية الدولية.
وعلى الرغم من انشغال الولايات المتحدة بحربها على <<الارهاب>> وهلع الاميركيين من الجمرة الخبيثة، الا انها وجدت الوقت الكافي للتحرك ضد اورتيغا ودعم بولانوس.
قدمت مساعدات غذائية وطلبت من بولانوس تولي توزيعها لكسب ود الناخبين، وفي اعلان استخدام خلال الحملات الانتخابية، يقول حاكم فلوريدا جيب بوش، شقيق الرئيس الاميركي، ان <<اميركا اللاتينية تحتاج الى زعماء مثل انريك بولانوس>>، اما وزارة الخارجية الاميركية فقد استبقت الانتخابات بأيام وحذرت من شعورها <<العميق بالقلق ازاء تاريخ الساندينيستا خلال وجودها في الحكم وانتهاكها للمبادئ الديموقراطية وارتباطها بالارهاب>> في إشارة الى علاقاتها القديمة مع ليبيا والعراق.
انها المرة الثالثة التي يخسر فيها اورتيغا امام مرشح <<اميركي>>، لم ينفع حملته شعار <<الحب أقوى من الكراهية>>، اليمان سارع الى الاعلان ان <<حقبة اورتيغا قد انتهت>>.
يقول مساعد سابق لاورتيغا الذي وصف الحملة الاميركية ضده بأنها <<قذرة وتستخدم الترهيب>>، ان <<معادلة بن لادن كانت قاتلة>>، الناخبون استشعروا قلقا ازاء الانتقادات الاميركية لتاريخ اورتيغا التي جاءت في اجواء الحرب التي يعيشها العالم حاليا.
المعركة قديمة لكنها تتجدد، قبل ثورة الساندينيين بكثير وإسقاط الديكتاتور سوموزا العام 1979. فعندما ثأروا للمناضل الذي اقتبسوا اسمهم منه: سيزار اوغوستو ساندينو الذي قتله مؤسس حكم سوموزا، انما كانوا يستكملون معركة المقاومة ضد الاحتلال الاميركي في بداية القرن العشرين. (السفير اللبنانية)
&