&
لندن ـ نصر المجالي: من قاع المدينة في الكويت حيث نهبها الرئيس العراقي صدام حسين في مطلع التسعينيات من قرن مضى بزغت نجمة تضيء عاصمة الهاشميين في عمان، هذه هي الملكة رانيا العبدالله ، وامس اضاءت على قلعة ويندسور معقل الحكم الملكي البريطاني.
في العام 1976 حيث قتلت
الملكة علياء الحسين (الفلسطينية الأصل) قيل وقتها في النعي "انها ملكة وليس ككل الملكات" اذ لم يشعر الاردنيون والفلسطينيون بحالة من فقد شخص عزيز على قلوبهم كما افتقدوا علياء طوقان الزوجة الثالثة للملك الراحل الحسين بن طلال، رغم قصر مدتها في الحياة العامة.

وهي قتلت في حادث طائرة هيليوكبتير حين كانت عائدة من مهمة انسانية تفقدت خلالها مستشفى شكا اهل المنطقة من قلة خدماته في بلدة الطفيلة في جنوب البلاد وراح ضحية الحادث الاليم نخبة من الوزراء والمستشارين والاطباء على رأسهم وزير الصحة محمد البشير. وبعد سنين من الزمان، كأن الاردنيين على موعد من زمن يعيد نفسه في اتجاه مختلف ولكن الى الامام في عصر من العولمة واستنباط آفاق التقنية في المعلومات، ففي اوائل التسعينيات قرر الأمير عبد الله
(النجل الأكبر للملك الأردني الراحل) الاستقرار والركون الى نصفه الآخر بعد مغامرات كثيرة.
كان للخبر السعيد وقعا مؤثرا على قلب الوالد الملك الذي سأل النجل الأكبر الضابط في سلاح الدروع والقوات الخاصة "يا بني هل متأكد من مشاعرك تجاه تلك الفتاة؟"، قال الابن المطيع "نعم يا سيدنا".
والى بيت في احدى ضواحي عمان حيث الفتاة واهلها يعيشون كما يعيش اهل الأردن العاديون، كان الطبيب عبد الله ياسين (الفلسطيني الأصل العائد لتوه من الكويت بعد غزو صدام حسين لذلك البلد العربي) في استقبال الملك الهاشمي الحسين بن طلال الذي خف الخطى سريعا لطلب يد الفتاة الجامعية المتخصصة في التقنيات الحديثة الى نجله الأكبر وفلذة كبده الملك الآتي عبدالله وريث عرش الهاشميين.
وتم الزواج بعد عام من ذاك، وانجبت رانيا اول الاولاد الذي حمل اسم الحسين، ولم يكن عبد الله آنذاك سوى واحد من الامراء المجندين في الجيش خدمة للوطن والعرش سواء بسواء.
وحين يأتيك بالاخبار من لم تزود، كانت رحلة المرض الثانية للملك الراحل الى واشنطن مع ما رافقها من احاديث وتحليلات وكلام من وراء الستار عن ادوار تلعب في الخفاء في القصر الملكي الهاشمي، وهي جميعها كانت تصب في خانة امكان القضاء على الحكم الهاشمي نهائيا في الاردن، وانهاء دور الهاشميين والى الأبد، حيث كانت المؤشرات تقود الى ذلك.
وفي آخر (ضربة معلم) كما يقول المثل الشعبي، فان الحسين بن طلال عاد الى بلاده على جناح السرعة، تاركا سرير العلاج، وكان في حال لا يقوى معه على شيء الا قرارا واحدا.
وفي مقترن العامين 1998 و1999 جلس الملك الواهن مرضا الى نفسه، ثم عقد اجتماعا لمجلس الهاشميين، وقرر كتابة رسالة وهي كانت الخطوة الأولى نحو تغيير المسار التاريخي في البلاد.
فهو في الرسالة اعفى شقيقه (قرة عينه كما كان يقول، الحسن بن طلال) من مهام ولاية العهد، وقرر ان تكون ولاية العهد الى النجل الأكبر عبد الله، وكان كلام وقتها قيل ان الولاية ستؤول الى نجله حمزة الابن الأكبر لآخر زوجاته الملكة نور الحسين، الذي اصبح في وقت لاحق وليا للعهد استنادا الى وصية كتبها الحسين الراحل بخط يده.
والى ذلك، فانه حين قضى الحسين بن طلال نحبه، نودي بعبدالله الثاني ملكا على البلاد، وهنا يجيء دور الملكة الشابة في دعم مسيرة الزوج الشاب.
وهنا تكبر المسؤوليات وتتعاظم في زمن لا مكان فيه الا للتقنيات المتقدمة، ولا مكان فيه لعزل المرأة العربية عن دورها، ولا مكان فية لمتباطىء عن العمل وانتهاج افضل الأساليب للنهوض في بلد مشاكله اكبر منه، فقير في جميع الموارد الا موردا واحدا هو الانسان.
هذه الحال، اعطت دورا حقيقيا للملكة الشابة الجديدة، لا مجال عندها للتهاون، ولا مداهنة في وضع الحقائق في نصابها الصحيح، فهي من عامة الناس وتتحسس مشاعرهم وطموحاتهم، هذه الطموحات لا يمكن ان تأتي من فراغ او بعمل سحري.
وجدت الملكة الجديدة نفسها ملكة للجميع على ساح الوطن الاردني من فلسطينيين حيث اصولها ومن اردنيين حيث هي الملكة الدستورية مع وريث العرش الهاشمي، فالمهمات تكبر والمستحيل في التحقيق هين المنال اذا كانت هنالك عزيمة.
واذ انطلق المليك الشاب يطوف الأرجاء العربية والدولية سائلا الدعم والعون والمساعدة، وحيث لقي استجابة كبيرة من اشقاء عزيزين كالسعودية والامارات والبحرين وعمان، ومن اصدقاء حلفاء مثل المانيا واليابان وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا، فان للملكة رانيا العبدالله دورا آخر تلعبه على صعيد محلي وهو صعيد تصعيد العمل التقني وتثبيت المساواة الشرعية بين الرجل والمرأة استنادا الى مبادىء تجمع بين الشرع والتشريع والشرعية.
وقادت الملكة التي كانت امس نجمة اطلت على قلعة ويندسور البريطانية، حملة التعليم الكمبيوتري في الاردن، واكدت على ضرورة تعلم لغة الآخرين التكنولوجية فهي وجهت وزارة التلعليم الى ووضع المناهج الكفيلة بتعلم جميع الاطفال الاردنيين اللغة الانجليزية والفرنسية ان امكن لانهما لغتا العصر الى جانب اللغة العربية كلغة ام.
وحين تواصل الملكة رانيا العبد الله هذه الدور المحلي فهي لا تخلط الأدوار في القصر او في الادارة او التثقيف، وهي كما قال مسؤول اردني كبير لـ "نحن تعودنا على خلط الادوار في البلاد، ولكن الحال مختلف تماما، ليس فيما يخص الرجل المناسب في المكان المناسب فحسب بل في التخصصات، والذي لا يعمل عليه ان يذهب، فلا مجال بعد اليوم للمداهنة او التخاذل، اما ان نتحمل مسؤولياتنا بقدرة وجاهزية وعزم، او نبقى في منتصف الطريق".
والى ذلك، فان الملكة ام الثلاثة من اللأطفال الأمراء هم (حسين 7 اعوام، وايمان 5 أعوام وسلمى 13 شهرا) تقوم بواجبات الأم والملكة والزوجة حاشدة معها العديد من الكفاءات من مختلف الاختصاصات "رغم ان بعض الاردنيين لا تروق لهم بعض الأسماء"، وهذا لم يؤثر على عزيمة الملكة المدعومة في جهودها من زوجها الملك او من الذين حواليها من اولئك الذين قلوبهم على بناء صرح اردني كمبيوتري رفيع.
&وأخيرا، فزائر عمان في السنتين الأخيرتين يجد نفسه امام حزمة من التساؤلات عما سيأتي به المستقبل لبلد وصف بقلة الامكانيات، ولكن الزائر يجد نفسه امام حزمة من الانجازات، فعلى سبيل المثال فان شارعا واحدا في مدينة اربد عاصمة الشمال الأردني فيه ثلاثين مقهى للانترنيت، وفي قرية مليح من قرى بني حميدة البدوية هناك مركز تقني ضخم لتعليم اولاد البادية على التعامل مع معطيات العصر في الاتصال والفهم والتقدم الى الأمام.