&
محمد ابرهيم :رفع الرئيس الاميركي جورج بوش التهديد الذي يمثله اسامة بن لادن و"قاعدته" و"طالبانه" الى رتبة جديدة.
ففي كلمته الى اجتماع زعماء اوروبا الوسطى والشرقية في فرصوفيا، للتضامن مع واشنطن، اول من امس قال: "ان الحرية تواجه الآن تهديدا جديدا من الارهاب بعدما كانت مهددة من الاتحاد السوفياتي والمانيا النازية".
والمغزى واضح، فالمعركة ستكون طويلة ومكلفة. والاهم التحالفات الحالية ليست موقتة، تعود بعدها الامور الى مجراها القديم.
وبذلك يكون بن لادن أثبت ان ما بدأه صدام حسين في مطلع التسعينات لم يكن مجرد استثناء سببه مصادفة الوقوع بين عالمين: عالم "بارد" آفل وعالم "دافئ" تنتصر فيه قيم حقوق الانسان.
ربما يكون مناسبا أكثر اعتباره ظاهرة برؤوس كثيرة، كلما قطع أحدها، نبت آخر او أكثر.
ويتبرع بعض المسؤولين الغربيين بتأكيد هذا الاتجاه عندما يصرحون بأن القضاء على بن لادن لا يعني ان المعركة انتهت، "لأن الظاهرة باقية لأمد طويل".
أما المشككون في الطابع التاريخي للمعركة، وتاليا المترددون، فان بوش يذكّرهم بأن "على الشريك في التحالف ان يقوم بما هو أكثر من التعبير عن التعاطف"، وان على الدول معرفة "انها ستُحاسَب على التقاعس عن القيام بعمل".
أما في مؤتمر فرصوفيا فكان حاضرا "مسؤول أمني رفيع المستوى من روسيا"، والمعروف ان المؤتمرين يأملون، قبل التصدي الناجح للارهاب، في تعجيل انضمامهم الى عضوية حلف شمال الاطلسي والاتحاد الاوروبي.
والرئيس الروسي نفسه تبرع لدى استقباله رئيس الوزراء الهندي، اول من امس، بالربط بين المعركة الجارية ضد الانفصاليين في كشمير والشيشان والمعركة ضد الارهابيين في افغانستان، لأن: "سياسة الكيل بمكيالين (غير المكيالين الشرق الاوسطيين) يمكن ان تؤدي الى انقسام الموقف الدولي المشترك"، اذ "ليس ثمة ارهابيون طيبون وآخرون أشرار".
وعلى قاعدة هذا التوافق الاميركي - الروسي العريض، تكر سبحة المجاملات: "موسكو تتحدث عن تقدم كبير في اتجاه تقريب الموقفين الروسي والاميركي في شأن معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية (إي بي إم)" بعد ظهور "أسس لعلاقات استراتيجية جديدة مع الولايات المتحدة"، فيما واشنطن ولندن تؤجلان اعادة فتح ملف "العقوبات الذكية" ضد العراق لئلا تثار مجددا حساسية الشريك الروسي الذي لم يثبت انه شفي تماما من ذكرياته الشرق الاوسطية.
حتى الصين تتعمد في كل اطلالاتها الديبلوماسية منذ 11 ايلول اثبات انها في المعسكر الصحيح، واذا كانت لا تفضل التحدث عن مشاكلها مع اقليتها المسلمة، فان الجميع يعددون بسهولة المنافع الاخرى التي تجنيها بيجينغ من هذا التحالف "الهابط من السماء".
والاوروبيون هم ربما الاكثر ذكاء في هذا المهرجان العالمي للاحتفال بولادة الانقسام الكوني الجديد. فهم يصرون في كل اجتماعاتهم، وآخرها القمة المصغرة في لندن، على ربط تأييدهم الحملة الاميركية ضد الارهاب "بحصول تقدم في عملية السلام المتوقفة في الشرق الاوسط". ولا يحول دون التأكيد والعودة الى التأكيد، ان المعارك في الشرق الاوسط، اياه، محتدمة، ذلك ان المهم هو منع الاصطياد في الماء العكر، حتى لا يعتقد أحد ان المعركة هي ضد الاسلام.
ثم تأتي كلمة بن لادن، من العالم الآخر، وقد بثتها أخيرا قناة "الجزيرة" الفضائية القطرية، فتعتبر الناطقة باسم البيت الابيض انها تثبت "مدى عزلته عن بقية العالم".
ولكن اين العزلة في كلام يثبت ضمنيات الآخرين؟ هل من دلائل العزلة ان يعدد بن لادن المعارك التي يخوضها المسلمون على امتداد عالمهم، في مسعى لقيادتها روحيا، ان عزّت القيادة الميدانية؟ ألا يفترض الآخرون المتحالفون وجود رابط بينها في كل ما يقولون ويفعلون؟ ألا يبنون استراتيجيتهم للمعركة الطويلة التي يتنبأون بها، على مثل هذا الافتراض؟
ثم من هو هذا العدو الذي يتطلب مثل هذا الحشد الكوني؟ حتى ان بوش يعتبره "خطرا على كل الدول بل على الحضارة نفسها"؟ أليس الافتراض الضمني هو ان بن لادن، او وريثه، يغرف وسيغرف من عالم اسلامي معاد؟
من يساعد مَن اذاً في اعطاء المعركة طابع معركة بين الاسلام والآخرين، وليس "بين الحضارات"، لأن النظرية الاخيرة لم تكن تتوقع مثل هذا الاصطفاف المبسط؟
وعندما يصب بن لادن جام غضبه على الامم المتحدة، ألا يستعين أولا ببوش، ثم ببقية الحلفاء الذين نسوا فجأة اطارا لا يمكن من دون اللجوء اليه القول ان المعركة ليست حقا ضد الاسلام؟(النهار اللبنانية)