&
اذا أسفرت هذه الحرب عن اعادة الدولة الي افغانستان، علي اساس توافق بين مختلف الاثنيات، وعن خطة مساعدات مالية للمساهمة في انهاض مؤسسات هذه الدولة، وبالتالي عن إنهاء الحرب الأهلية الدائرة في هذا البلد، فإننا نكون فعلاً امام حرب أشبه بـ عمل خيري لا مثيل له.
كان الاحتلال السوفياتي وما أثاره من انقسامات، وما زرعه من بذور العنف والقسوة، قد أساء الي افغانستان الآمنة المسالمة التي لم تعتد يوماً علي أي من جيرانها، وبالكاد كان الفقر يتيح لأهلها سبل العيش الكريم. وكانت الولايات المتحدة ساعدت الافغان علي مواجهة الاحتلال الي حين انسحب السوفيات بعد اكبر هزيمة تعرضوا لها. وفي هذه اللحظة بالذات كان الافغان في أمسّ الحاجة الي من يساعدهم علي تنظيم عودتهم - موحدين ومتوافقين - الي بلادهم المحررة. لكن أحداً لم يهتم، فتولت الخلافات ادارة الحروب في ما بينهم وفتكت بما خلفته الروح الجهادية من لحمة بين مختلف الفصائل وزعمائها.
الحرب البرية هي التي ستحسم الحرب الراهنة. ويعتمد الاميركيون فيها علي قتال أفغاني - أفغاني. فهم تكفلوا بالمساندة الجوية، وعملوا علي انهاك تحصينات طالبان وانزلوا في صفوفهم خسائر كبيرة لا تعلن الحركة عنها حفاظاً علي معنويات المقاتلين. ولكن، كلما نُظر الي الصيغة السياسية المرجوة قبل الوصول الي كابول، ترتسم مجدداً كل الانقسامات المعروفة. وعلي رغم ذلك، تبدو أي صيغة سياسية حتمية وإلا فإن سيطرة اثنية معينة علي العاصمة ستجدد احتمالات الاقتتال الداخلي.
لم يفت الوقت بعد علي بلورة حل سياسي، لكن المعنيين بالأمر تأخروا في الانكباب عليه. لم يتضح للامم المتحدة حتي الآن ما المطلوب منها. والدول المجاورة تقدمت بأفكار كثيرة لكنها لا تزال تشعر بأن الحلقة الاساسية مفقودة. هذه الحلقة تتمثل عملياً بغموض الموقف الاميركي، لأن الولايات المتحدة كوّنت اقتناعات معينة ولم تحسم خياراتها. الأخطر انها أعطت رسمياً موافقتها علي أفكار متناقضة، اذ تركت انطباعاً لدي اسلام اباد - مثلاً - انها لا تمانع في وجود تمثيل محدود لـ طالبان في الحكم الافغاني المقبل، واصدرت بياناً مشتركاً مع روسيا ينص بوضوح علي استبعاد طالبان كلياً. هذا يعني ان المسألة لا تزال خاضعة لنقاشات ومساومات.
الأهم عند واشنطن الآن هو الحرب ذاتها. وقبل ان تفكر في ترتيب صيغة للحكم في افغانستان، يهمها ان تحقق ما حددته هدفاً وعنواناً لانتصارها في الحرب: العثور علي اسامة بن لادن - حياً أو ميتاً - وتدمير شبكة القاعدة ... وقبل ان توافق علي الصيغة الافغانية، يهمها ان تعرف الصيغة الاقليمية. اذ ان أهم انجازات ديبلوماسية حققتها ادارة بوش، في اطار الحرب، كان تفاهمها مع موسكو وبكين، وتعميق علاقتها مع نيودلهي، وانهاء ما يشبه الخصام والقطيعة بينها وبين اسلام اباد. لكن الحلف الباكستاني - الاميركي مفتوح علي كل الاحتمالات، وسيتأثر شكل العلاقة بين الطرفين اميركا وباكستان، بالشكل الذي تنتهي عليه الحرب ضد طالبان . فليس مضموناً ان تقبل الولايات المتحدة بوجود اسلحة نووية في باكستان طالما ان البلد نفسه مرشح لصراعات داخلية طويلة، فضلاً عن ان المنطقة منطقة صراعات اقليمية.
إذاً، الحرب بطبيعتها طويلة. والحلفاء (خصوصاً الأوروبيين) يعملون منذ الآن لكي لا يحصل الاهمال الفوضوي نفسه الذي خلفته الولايات المتحدة اثر انهزام السوفيات في افغانستان، كأن تعتبر ان كل شيء ينتهي عندما تضبط بن لادن ورفاقه أو تقتلتهم فتترك المنطقة تصطرع وتتحارب، ولا تهتم إلا بتمكين الاسرائيليين من عمل ما ضد القنبلة الباكستانية.(الحياة اللندنية)