موسكو ـ من سلام مسافر: اعتبرت الدوائر الروسية سقوط العاصمة الافغانية بيد قوات تحالف الشمال تطورا نوعيا مهما لا يخلو من مخاطر, وفيما رحبت وزارة الخارجية بالمكاسب العسكرية التي تحققها قوات التحالف، اكد جنرالات روس كانوا شاركوا في الغزو السوفياتي لافغانستان، ان المعركة الحقيقية بين "طالبان" ومناهضيها لم تقع بعد, وقلل الجنرال سيرغي مايف، رئيس الادارة الرئيسية للآليات في القوات المسلحة، من اهمية استيلاء قوات تحالف الشمال على المدن الافغانية, وقال الجنرال الذي حارب في افغانستان بين اعوام 1986 و1989 بصفته نائبا لقائد "الجيش 40"، ان خروج قوات "طالبان" من المدن "يشهد على امر واحد هو رغبة قادة الحركة في المحافظة على القوات والمعدات من اجل شن حرب العصابات", واكد ان امام تحالف الشمال "الكثير من المعارك الصعبة التي قد تتواصل فترة طويلة".
ووصف جنرال "افغاني" اخر، المكاسب العسكرية لقوات تحالف الشمال بانه "نصر مشترك" لروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا, وقال الجنرال اناتولي كوليكوف، نائب رئيس لجنة الدفاع في البرلمان، وكان ايضا في عداد القوات السوفياتية التي غزت افغانستان: "لا يصح القول ان تحالف الشمال حقق الانتصار, فبفضل القصف الاميركي المكثف تحطمت مقاومة طالبان، وبفضل المعدات الروسية والدبابات زحفت هذه القوات نحو كابول, ولعبت الاستخبارات العسكرية البريطانية والروسية دورا مهما في الحرب التي من السابق لاوانه القول ان تحالف الشمال كسبها".
وتعكس الاجواء السائدة في موسكو، مزيجا من الارتياح والقلق ازاء الانتصارات المتلاحقة والمتسارعة بوتيرة لم تكن متوقعة لقوات الرئيس المخلوع برهان الدين رباني، المعروف بصلاته القوية مع روسيا وحليفاتها في اسيا الوسطى, ويتخوف الخبراء الروس من ان مواصلة الحرب ستتطلب المزيد من الجهود والتضحيات، ومن منطلق ان قوات "طالبان" لن تستسلم بسهولة رغم انسحابها المتهالك من المدن,
وحسب المصادر الروسية، فان "الافغان العرب" يشكلون القوة الضاربة لحركة "طالبان" وان السوري ابو مصاب والمصري شوقي اسلامبولي والعراقي عبد الحاكي، يقودون المحاور الرئيسية لقوات "طالبان" التي لجأت الى الكهوف والمغاور المحصنة، استعدادا لشن حرب العصابات,
وتشير المصادر الى ان المستشارين العسكريين الاميركين والاتراك خططوا للاستيلاء على مزار الشريف والمدن الاخرى، لكنهم لم يضعوا في الحساب الاستيلاء بسرعة على كابول, وحسب بعض الصحف الروسية، فان متطوعين روس اطلقت عليهم تعبير "المرتزقة" ساعدوا قوات تحالف الشمال في دخول المدن,
واجرت القناة التلفزيونية الاهلية "تي في ـ 3" مقابلة مع عدد من "المتطوعين" من مدينة نوفغورود، اكدوا فيها انهم "تعاقدوا على العمل في افغانستان", وحرص هؤلاء على اخفاء وجوههم وتغيير نبرة اصواتهم, واثار الشريط جدلا في مجلس الدوما (النواب)، حيث يعتزم عدد من نواب المعارضة اليسارية، مساءلة وزير الدفاع عن "تجنيد ضباط روس في خدمة الاميركيين".
ووفقا للمصادر الروسية، فان الولايات المتحدة تخطط لاقامة قاعدة عسكرية في مزار الشريف التي يوجد فيها مطاران، اضافة الى الطريق الذي يربط هذه المدينة الاستراتيجية بالحدود الافغانية ـ الاوزبكية والذي تسيطر عليه قوات الجنرال الاوزبكي عبد الرشيد دوستم, وتتوقع هذه المصادر وصول زهاء ثمانية الاف عسكري من القوات الخاصة، الاميركية والبريطانية والفرنسية والالمانية والايطالية، الى المنطقة عبر الاراضي الاوزبكية خلال الايام القريبة المقبلة,
ويجمع المراقبون، على ان التطورات العسكرية المتواترة في افغانستان تلقي بظلالها على مباحثات الرئيس فلاديمير بوتين في واشنطن مع الرئيس جورج بوش, وتسعى موسكو الى ضمان مصالحها في المنطقة بعد الدعم اللوجستي والاستخباري السخي الذي قدمته للولايات المتحدة في حملتها ضد "طالبان", ويذهب بعض المحللين الى الاعتقاد بان قمة بوش ـ بوتين التي بدأت امس، ستضع "الحجر الاساس" لتنسيق امني وعسكري بين روسيا والولايات المتحدة من طراز جديد بالاستفادة من تجربة "التحالف ضد الارهاب".
بل يعتقد البعض ان روسيا ستدخل المنظومة العسكرية لحلف شمال الاطلسي من دون الاعلان الرسمي عن ذلك، وفي اطار اتفاق للتعاون بين الناتو وموسكو ابرم قبل بضع سنوات وجرى تجميده بسبب الحملة ضد بلغراد, لكن الروح دبت في اطرافه اثر زيارة بوتين لبروكسيل قبل شهرين,
بيد ان فريقا اخر من المراقبين، يستبعد مثل هذه التطورات، بالاشارة الى ان التحذير الروسي من "التدخل الخارجي" في تنصيب حكومة افغانية، يقصد منه الولايات المتحدة بالدرجة الاولى, فما تعتبره موسكو مساهمة حاسمة في تقويض "طالبان" عبر تسليح تحالف الشمال، تنظر اليه واشنطن على انه مساهمة متواضعة لا تستحق عليها موسكو جائزة كبيرة.(الرأي العام الكويتية)