&
&

وضع الرئيس مبارك يده على لب المشكلة الحقيقية للمأساة الأفغانية‏,‏ حين قال أنه من الأفضل أن تستعين أميركا بعناصر من الدول الاسلامية المجاورة في آسيا لحفظ السلام في أفغاستان‏..‏ مشيرا بذلك إلى التجارب المريرة في الماضي‏,‏ حين استعانت أمريكا باعداد كبيرة من المجاهدين العرب الذي ذهبوا إلي أفغانستان لمقاومة الاحتلال السوفيتي‏,‏ ثم عادوا كارهابيين إلي بلادهم‏,‏ فأصبحوا أداة للضغط والتهديد والابتزاز ضد الأنظمة العربية التي استجابت لرغبات أمريكا ومخططاتها‏.‏
وقصة الأفغان العرب الذين يجري ملاحقتهم واصطيادهم وسحلهم وقتلهم الآن‏,‏ علي أيدي قوات التحالف الشمالي وغيرهم من العناصر التي جري تعبأتها أو تمردها ضد طالبان‏,‏ هي قصة أمريكية من أولها إلي آخرها‏..‏ بل تكاد تكون فصلا أساسيا في الصراع الدائر‏..‏ تعكس قصر نظر الأنظمة العربية التي وثقت وتعاونت مع أمريكا في المراحل السابقة‏,‏ دون أن تقدر عواقب انقلاب هذه العناصر عليها بعد أن جري تمويلها وتدريبها وتسليحها علي أيدي المخابرات المركزية الأمريكية‏.‏ ولم يكن الهجوم الانتحاري الارهابي الذي دمر برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك‏,‏ غير نتيجة حتمية لاستغلال هذه الفيالق التي سرعان ما تمردت علي صانعيها‏,‏ وصدق بذلك المثل القائل‏:‏ من حفر حفرة لأخيه وقع فيها‏!!‏
إن المشهد الذي تجري فصوله الآن في أفغانستان‏,‏ بعد سقوط كابول وقندهار واندحار قوات طالبان أو فرارها واختفائها‏,‏ ثم تمرد قبائل الباشتون التي انقلبت علي كل من حركة طالبان والتحالف الشمالي‏,‏ وبروزها كقوة موازية لمليشيات التحالف الشمالي المدعومة عسكريا وسياسيا من أمريكا‏,‏ قد يطلق مارد حرب أهلية بين الفصائل الأفغانية المتنازعة‏..‏ ما لم تتدخل قوات دولية وتسعي إلي فرض حل سياسي بمساعدة الأمم المتحدة‏..‏ وهي مرحلة قد يطول أمدها‏..‏
وحتي الآن فقد نجحت الخطة الأمريكية في شن حملتها بطريقة الريموت كونترول‏,‏ أي دون اقحام جنودها وحلفائها في معارك عسكرية تعرضهم للخطر‏,‏ واستخدمت القصف الجوي المركز والثقيل لضرب الدفاعات والاستحكامات المتهالكة غير المنيعة لقوات طالبان‏,‏ كي تفتح الطريق أمام مليشيات التحالف الشمالي الذي زودته روسيا بكل المعدات والأسلحة الممكنة‏,‏ ابتداء من الدبابات والعربات المصفحة إلي الملابس والأحذية العسكرية‏.‏
ومعني ذلك أن المرحلة القادمة لاقرار الأوضاع في أفغانستان‏,‏ سوف تعتمد أيضا علي قوات من دول اسلامية آسيوية ــ تركيا وأندونيسيا والأردن ــ لتتجنب أمريكا تعريض أرواح جنودها لأي خطر‏..‏ فهل تتكرر تجربة الأفغان العرب مرة أخرى؟‏!‏(الأهرام المصرية)