القاهرة- بعد حادث 11ايلول (سبتمبر) بدأ في الغرب التصعيد ضد الإسلام و عادت إلي الظهور مرة أخري نظرية صامويل هينتينجتون "صدام الحضارات " ..إلي أي مدي يمكن اعتبار ما يحدث الآن صراعا دينيا و ثقافيا ؟الدكتور نصر حامد أبوز يد يجيب علي هذا السؤال وعلي غيره من هولندا ويرصد ما يحدث من ردود أفعال في أوروبا
سيكون من قبيل المبالغة غير المرغوب فيها النظر إلي ما يحدث وتقييمه علي أساس مفهوم "صراع الحضارات"، وهو مفهوم نعلم جميعا أنه مفهوم مختلق تم إنتاجه في سياق معروف ليمهد للسياسة الأمريكية اتخاذ قرارات استراتيجية أمنية، ذات طابع اقتصادي سياسي عسكري لتأمين سيطرتها المطلقة علي النظام العالمي الذي نتج عن الفراغ الذي خلقه انهيار الاتحاد السوفييتي كقوة عسكرية وسياسية وإيديولوجية منافسة. وبصرف النظر عن العبارات الغبية علي لسان بعض الساسة فهم يدركون جيدا خطورة صياغة سياسات بلادهم علي أساس مفهوم "الصراع" ضد المسلمين بصفة خاصة. أظن أن السيد بوش الابن أدرك الورطة التي وضع فيها نفسه وعرض فيها الوضع الأمريكي كله للخطر: أعني وضع المجتمع الأمريكي كبوتقة انصهار عرقية إثنية دينية. أما عبارات رئيس الوزراء الإيطالي فمن فرط غبائها يصبح الاعتداد بها وأخذها مأخذ الجد سذاجة مفرطة. الآن نري "الإسلام" في خطاب "بوش" و"توني بلير" دين التسامح والسلام والمودة والرحمة .. الخ. ومن هنا المبالغة في الحرص علي التمييز بين "الإسلام" و"الإرهاب" في سعيهم لخلق إجماع دولي مؤيد لحربهم ضد تنظيم "القاعدة". ليس معني هذا أنه ليست هناك مشكلات في العلاقة بين السياسة الأميركية/الأوروبية وبين العالم الإسلامي، لكن علينا أن نحذر ابتلاع طعم "الصراع الحضاري" الذي ينحل إلي "صراع ديني"، الأمر الذي يفضي بنا ­أو ببعضنا­ إلي التورط دون قصد في تبرير الإرهاب وقتل الأبرياء باسم الإسلام. علينا دائما أن نناهض كل محاولات تحويل الصراع السياسي الاجتماعي/الاقتصادي إلي صراع ديني ولو تحت وهم "صراع الحضارات"
"-إذا لم يكن الأمر "صراع حضارات " فماذا يمكن أن تسميه؟ "
لا شك أن ما حدث يوم 11 سبتمبر قد تسبب في اقتلاع العقول من الأدمغة، فقد تم تدمير أهم رمزين من رموز النظام العالمي الذي ظن نفسه قد استقر إلي الأبد: الرمز الاقتصادي للعولمة=مركز التجارة العالمي، والرمز العسكري للقوة=البنتاجون. لم يدرك السيد بوش حتي الآن أن المظاهرات ضد العولمة الاقتصادية في أكثر من عاصمة أمريكية وأوروبية كانت تعبيرا عن غضب أمريكي أوروبي في المقام الأول ورفض للنظام الذي يفرض الفقر علي الشعوب والأفراد بوصفه قدرا لا مفر منه. لم يدرك صناع السياسة الأمريكية أن السياسة الأمريكية في التعامل مع مشكلات البيئة ومشكلات التمييز العنصري ومحاولة فرض إرادتها علي العالم قد تسببت في حالة احتقان من شأنها أن تفرز كراهية للغطرسة والكبر الأمريكيين.
في حالة الشرق الأوسط والعالم العربي فإن أزمة المشاعر العدائية الشعبية ضد أمريكا وسياستها لها تاريخ أقدم، لم تنجح كل العلاقات السياسية الرسمية (= علاقات الصداقة في التعبيرات الدبلوماسية) في التخفيف منها. ومنذ حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت من الغزو العراقي، والتي لم تنته بعد تحقيق الهدف بل تواصلت لتدمير "العراق"، وما تزال تصر علي قتل الأطفال وتجويع الرجال والنساء تفاقم الغضب وتحول إلي كراهية. ومع بداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر من العام الماضي ومشاعر الغضب والكراهية تزداد حدة، لا بين الجماهير فقط بل بين قطاعات واسعة من المثقفين والمفكرين والمحللين السياسيين. إن أحداث 11 سبتمبر التي كشفت عزلة أمريكا عن العالم ­باستثناء أوروبا الرسمية­ لم تستوعب بعد في عقل السياسي الأمريكي. من هنا رد الفعل الميكانيكي، الذي تلقفته وسائل الإعلام لتزييف الوعي العام بحقيقة الصراع، الذي هو صراع ضد هيمنة وسيطرة القوة الأمريكية ضد شعوب العالم كله. إن حصر الصراع في صراع الحضارات الذي يختصر في الصراع ضد الإسلام أحبولة إيديولوجية للتعامل مع العالم الإسلامي والعربي بالضرورة في عزلة عن المحيط الدولي الأوسع المعادي بنفس القدر لمحاولات الهيمنة الأمريكية. "
هل هي الإسلاموفوبيا كما أطلقت عليها من قبل ؟
في تحليلي لظاهرة الفزع من الإسلام ­الإسلاموفوبيا­ أشير دائما إلي حقيقة لا يريد أكثرنا الاعتراف بها، تلك هي أن الظاهرة أنتجت أساسا في الداخل. بدأ الإرهاب داخل العالم الإسلامي ضد المسلمين أنفسهم وضد غير المسلمين بالمثل من قوي أصدرت حكما بالكفر علي مجمل المجتمع لا علي الحكومات وحدها. وأيا كان المصدر الأساسي للظاهرة، الكيان الصهيوني وتأسيسه لدولته علي أساس ديني عنصري، أو عوامل الكبت الاجتماعي السياسي الداخلية الناتجة عن فشل مشروعات التنمية وغياب الحريات مع سقوط الشعارات، فإن الحقيقة تبقي ماثلة أن الإرهاب بدأ صناعة محلية. وحين أقول ""صناعة محلية"" فلا أقصد الفصل بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية: فالعلاقة بين الداخل والخارج هي علاقة تفاعل لا تحتاج لشرح أو إيضاح. وتحليلى لخطاب السيد أسامة بن لادن يكشف عن التماثل في منطق الاستدلال بينه في إدانته للغرب السياسي واستحلاله قتل المدنيين علي أساس أنهم مسئولون عن انتخاب هؤلاء الساسة، وبين منطق أسلافه الذين كفروا المجتمع كله لأن أفراده لا ينضمون جميعا لتنظيماتهم لمحاربة الحكام الكفرة. هذا التماثل بين المنطقين يجعل من قتل المدنيين في أمريكا هدفا استراتيجيا لتحرير فلسطين ولتحرير الأرض المقدسة من الوجود الأجنبي. "
أن تأخذ أجهزة الإعلام الغربية في تضخيم صورة الإرهاب حتي تجعله هو الممثل الرسمي للإسلام فهو أمر متوقع خاصة إذا أدركنا أن جهاز الإعلام لا ينقل العادي والمألوف واليومي بقدر ما يهتم بغير العادي وغير المألوف. المثال المعروف أن الإعلام أشد اهتماما بقصة الرجل الذي عض الكلب منه بالقصة العادية للكلب يعض الإنسان.
لكن من الضروري الإشارة إلي أن الاهتمام الرسمي الأمريكي بالإسلام من منطق خطورته علي المصالح الأمريكية بدأ في سياق نجاح الثورة الإيرانية بقيادة الخوميني في اقتلاع عرش الطاووس وتأسيس الجمهورية الإسلامية. لكن نفس السياسة الأمريكية ليس لديها أي مشكلة مع نظام سياسي إسلامي صديق في بلد إسلامي مجاور لإيران، بل ولم يكن من المفاجئ أن تتعاون السياسة الأمريكية مع نظام قومي علماني ضد أمبريالي في جوهره إذا كان قادرا علي توجيه ضربات موجعة ضد الجمهورية الإسلامية. هل يمكن تقييم الموقف السياسي الأميركي هنا بوصفه موقف عداء للإسلام؟ ليس من الضروري الإطالة في بيان أن التأييد الأمريكي السعودي للجهاد ضد السوفييت لم يكن احتضانا لمفهوم "الجهاد" الذي هو الآن سلاح موجه ضد أمريكا والسعودية بل وضد كل الحكام العرب حسب آخر رسالة بثتها قناة "الجزيرة" للسيد بن لادن .
وما المخاطر التي يمكن أن تنتج من التصعيد ضد الإسلام في الغرب؟
المخاطر الحقيقية تكمن في تأثير هذا التلاعب الإعلامي بصورة الإسلام إن في بعض الخطابات الرسمية السياسية، أو في بعض البيانات غير المسئولة هنا وهناك علي وعي المواطن العادي الأوروبي والأمريكي: حيث يمثل الإعلام مصدر معرفته الأساسية بالعالم الخارجي. رغم وجود المسلمين في الغرب بأعداد ليست قليلة، ورغم وجود تجمعات ومؤسسات رسمية إسلامية داخل مؤسسات المجتمع المدني الأمريكي والمجتمعات الأوروبية فإنها لا تمتلك الوسائل الكافية لمواجهة الشبكات الإعلامية العملاقة فيما تبثه ليل نهار من أحاديث وحوارات وأفلام روائية وتسجيلية وأفلام كرتون تشوه المسلمين وتصب بالضرورة في قناة تشويه الإسلام. الخطر هنا يكمن في تشكيل وعي زائف مضاد لأي معرفة يمكن الوصول إليها من خلال مصادر أخري عن الإسلام وتاريخه، وهي مصادر ليست قليلة هنا في الغرب نفسه. إن جهود العلماء والناشرين الغربيين ­نذكر مؤسسة بريل هنا في هولندا (ليدن) علي سبيل المثال وما تتيحه من مصادر معرفية من خلال موسوعاتها عن الإسلام والقرآن­ تبدو نقطة في محيط إعلامي موجه بمصالح الشركات الاقتصادية العملاقة العابرة للمحيطات في سياق قوانين للسوق معادية للمعرفة الحقيقية. وليست الإنترنت ­أداة العولمة ووجهها المعلوماتي­ مصدرا للمعرفة كما يتوهم البعض، بل هي وسيلة لتبادل المعلومات ­الحقيقية والزائفة علي السواء­ التي لا تتحول إلي معرفة إلا بعد تحليلها تحليلا نقديا يخضعها لعمليات الاستنباط والتأويل العلميين. من هنا فكثرة صفحات الإنترنت عن الإسلام ­وهي بالمئات­ لا تعني وجود معرفة عن الإسلام. هذا هو الخطر الحقيقي كما أراه من موقعي هنا: غياب معرفة بالإسلام وبتاريخه وبتجلياته السياسية والاجتماعية والثقافية المتعددة في العالم الإسلامي الراهن. ولعلي هنا أقترح ضرورة وجود دور إعلامي عربي إسلامي موجه للخارج أساسا بلغته وبمنطقه، لا ليقوم بدور سجالي أو اعتذاري بل ليواجه التحدي الإعلامي مواجهة إيجابية لا تخشي من الأسئلة ولا تناور في طرح الإجابات من خلال وجهات نظر متعددة. هذا بالطبع لا يعني أنني يائس من احتمالات أن تتحمل المكاتب الثقافية في سفاراتنا العربية والإسلامية دورا في نشر الوعي الثقافي الديني للآخرين، بالإضافة إلي تنظيم أنشطة ثقافية أدبية وفنية بدلا من الاكتفاء بالإعلام السياسي الدعائي أو السياحي. إن الأمر في تقديري "تحدي حضاري" لا "صراع ديني. "
ما التأثيرات الثقافية التي يمكن أن تخلفها الحرب ضد أفغانستان ؟
التأثير الأخطر والمشهود الآن أن هذه الحرب قد ساعدت بن لادن علي النجاح في تحقيق هدف كان يسعي إليه منذ ظهر في أفق الحياة العامة ­منذ عقود­ وفشل طوال تلك العقود في تحقيقه: أن يكون الممثل والوكيل العام للإسلام في عيون الجماهير وعواطفهم. بعد بداية القصف ­وليس الحرب فمفهوم الحرب غير صحيح هنا­ ظهر بن لادن معلنا للجماهير أنه يدافع عن "فلسطين" وعن "طهارة" الأرض المقدسة وعن كل المسلمين في العالم. لم أكن في أشد كوابيسي تشاؤما أتصور أنني سأشهد شبابا يرتدون صورة بن لادن ويعلنون أنهم مستعدون للاستشهاد من أجل قضيته. لقد أهدت أمريكا لأسامة بن لادن "الإسلام" لقمة سائغة يزدردها، وهم الآن يحاولون قتله ليستردوا لنا إسلامنا من فمه. علينا أن نصدق الآن كم هم إنسانيون هؤلاء الزعماء الذين يسعون لحماية الإسلام ­والمسلمين طبعا­ من أمثال بن لادن وشركاه. وعلينا أن نسلم بمنطق زعماء الغرب أن القضاء علي الإرهاب وتخليص الإسلام من الارتهان قد يستلزم التضحية ببعض الأرواح البريئة من المدنيين المسلمين الذين لم يحملوا سلاحا ضد أحد، ولم يقتلوا أحدا من المدنيين أو العسكريين الأمريكان. إذا كان عقاب "صدام حسين" قد أدي إلي اغتيال شعب وتدمير وطن، فلا بأس من تدمير وطن آخر عقابا لأسامة بن لادن وأتباعه. هذه توابع معقدة لا يعلم إلا الله وحده إلي أي مدي يمكن أن تنتهي .
وكيف يمكن ردم الفجوة التي حدثت بين الإسلام والغرب أو علي الأقل تقليلها ؟
علينا مرة أخري عدم ابتلاع الطعم: فالفجوة موجودة بين عالمين سياسيين تتعارض مصالحهما في السياق الحالي لأسلوب إدارة العلاقات الدولية. والمسئولية الأساسية تقع علي كاهل القوي الدولية في إعادة النظر في سياسات الهيمنة السياسية والاقتصادية. لكن علينا ألا نتوقع أن يحدث ذلك دون نضال واسع المدي من كافة القوي المناهضة لهذه السياسات في الغرب والشرق والشمال والجنوب علي السواء .
وعلي المستوي الثقافي والفكري علينا أن نصبح طرفا فاعلا في كل منتديات الحوار في جميع المؤسسات التي تسعي لتوسيع دائرة الحوار وتحتضنه. علينا أيضا ألا نترك مجال الحوار العام في الإعلام الغربي قاصرا علي ذوي النزعات الإقصائية الاستبعادية وهم متوفرون علي الجانبين. ولقد ترددت كثيرا خلال الأسابيع الأولي بعد 11 سبتمبر من المشاركة في أي حوار أو عمل أي لقاء صحفي: فقد كان إحساسي أن كل ما يمكن أن يقال كان قد قيل وأن العودة مجددا لمناقشة كل تلك الأسئلة عن الإسلام والغرب، والإسلام والسلام أو الإسلام والعنف الخ هو تكرار لا طائل وراءه. وقد كان وراء ذلك اليأس عامل آخر، هو الحاجز اللغوي وما يؤدي إليه أحيانا من سوء فهم. فالحوار الذي أجريه بالإنجليزية يïنشر باللغة الهولندية التي لم أستطع بعد أن أجيد قراءتها أو التحدث بها. ومعني ذلك أن حاجز اللغة حاجز مزدوج من جانب المتكلم ­الذي لغته الأساسية العربية­ ومن جانب المïحاوًر الذي لغته الأم هي الهولندية. ولكنني بعد التردد أحسست بأن المسئولية الفكرية تقتضي المشاركة رغم احتمالات سوء الفهم. وأعتقد أن مساهماتي كان لها صدي طيب مقبول بشكل عام.
ورسالتي للمسلمين الذين يعيشون مثلي في أوروبا هي محاولة التخلي عن عقلية ""الجيتو"" والتجمعات المغلقة وضرورة محاولة الاشتباك في الأنشطة الاجتماعية والسياسية والمساهمة في الحوار العام، خاصة من جانب الذين يتقنون اللغة. من المؤسف إن الأنشطة الثقافية التي تنظمها بعض الجمعيات الثقافية العربية تتم في أغلبها باللغة العربية، الأمر الذي يحرم من لا يعرف العربية من المشاركة في هذه الأنشطة. هناك بعض الإستثناءات طبعا لكنها الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. "
ماذا عن الوضع في هولندا ؟وهل رصدت آية تغيرات في الشارع والإعلام الهولندي بعد حالة العداء ضد العرب والمسلمين في الشارع الأوروبي ... ؟
طبعا هناك تغيرات تم رصدها في الشارع الهولندي شأنه شأن كل المجتمعات الأوروبية: سائق أتوبيس يرفض التوقف لفتاة مسلمة محجبة ­ليست منقبة­، أسئلة محرجة متحدية من الزملاء في العمل لزملائهم المسلمين، عدم تقبل أي نقد للسياسة الأمريكية وتفسيره بوصفه مؤشرا لتأييد الإرهاب والإرهابيين. وهولندا مثلها مثل انجلترا كانت قد منحت حق اللجوء السياسي لبعض أعضاء الجماعات النشطة: وذلك من منطلق "حقوق الإنسان" والحماية من الاضطهاد السياسي. وبعض هؤلاء الأفراد ما يزالون ناشطين للعمل ضد حكوماتهم من منظور ديني مغلق، وهم في استخدامهم للمساجد كمنبر إعلامي للترويج لأفكارهم يخلقون حالة تتزايد من التوتر في جانب الهولنديين غير المسلمين."
ومنذ أكثر من خمس سنوات ?حين وصلت إلي ليدن أستاذا زائرا­ شاركت في حوار حول مسألة "تدريب الإئمة"، وهل يجوز أن تؤسس الحكومة الهولندية معهدا لتخريج الأئمة يجمعون بين معرفة "الإسلام" ومعرفة "الوضع الهولندي"، وذلك ليحلوا محل الأئمة الوافدين من بلاد المهاجرين، مثل المغرب وتركيا، والذين لا يعرفون اللغة ولا الثقافة الهولندية؟ والسؤال ليس سهلا: إذ إن إشراف الحكومة الهولندية علي أي تعليم ديني معناه مخالفة الدستور، هذا بالإضافة إلي أن التدخل في شأن المسلمين وتعليمهم دينهم أمر استنكره الجميع. كان موقفي واضحا ضد أي إشراف حكومي علي تدريب الأئمة، ومنذ عدة سنوات أنشئت "الجامعة الإسلامية" في روتردام، واستقبلت بعض الأساتذة من جامعة الأزهر، لكن المستوي الأكاديمي لبرنامجها تعرض لنقد شديد، هذا بالإضافة للشكوك المعتادة في مصادر التمويل. ومنذ عدة شهور حدث انقسام بين أعضاء مجلس إدارتها فقام البعض بإنشاء "جامعة أوروبا الإسلامية"، ولا أحد يعلم يقينا أسباب هذا الانقسام. "
في السياق الراهن، يتطرف البعض فيطالبون بإغلاق هولندا في وجه أي مسلم، بل ويذهب البعض إلي حد المطالبة بترحيل كل المسلمين غير الهولنديين. لكن هناك من بين الهولنديين أيضا من يتصدي بقوة للرد علي مثل هذه الأفكار والدعوات مدافعا عن حق المسلمين في المشاركة والاحتفاظ بهويتهم الدينية طالما أنهم يحترمون القوانين. في المناقشات والمحاورات التليفزيونية من واجبي أن أبين أن أساتذة الدراسات الإسلامية والعربية في ليدن وغيرها من الجامعات الهولندية يمثلون خط الدفاع الحصين ضد الدعوات العرقية المعادية للمسلمين.

"-بماذا تفسر هذا التعاطف في الشارع الإسلامي مع أسامة بن لادن و هذا الموقف "الضد " أمريكا في معظم دول العالم الثالث؟ "
"لا أعتقد أن ما تسميه الشارع الإسلامي مع بن لادن، إنه بالأحري ضد السياسة الأمريكية، وهو الأمر الذي يمكن أن يخلق حالة من الشماتة في هذا السياق. إن التأييد الجماهيري متوجه أساسا للقضايا العامة التي يزعم بن لادن أنه يدافع عنها، ومن المؤسف أن يصب هذا في خانة التأييد لأسامة بن لادن. هذا ما أسميه "النجاح" الذي أهدته السياسة الأمريكية لابن لادن فأصبح في عيون البعض "الوكيل" الرسمي للإسلام. ولكن علينا أن نتذكر أن شيئا مثل هذا حدث لشخصية "الخوميني" في أعقاب نجاح الثورة الإيرانية، فصار ممثلا للإسلام الثوري. ولماذا نذهب بعيدا وقد حدث أن التفت الجماهير حول "صدام حسين" تأييدا لأسباب معروفة. بل لقد سمعت بأذني من أحد المثقفين والمفكرين عبارة أن صدام حسين هو "صلاح الدين"، وذلك عشية حرب "عاصفة الصحراء"، وكان صاحب العبارة علي يقين من أن "صدام" سيحقق انتصارا ساحقا في هذه الحرب. هكذا في لحظات اليأس يحتاج الناس للالتفاف حول "مخلص" سرعان ما يكتشفون أنه كان "بطلاً زائفاً" .
عن "أخبار الأدب" المصرية