حوار: حاسن البنيان
تكشفت أوراق خطيرة وخفايا مذهلة حول اللقاء السري الذي جرى في منزل بن لادن في بيشاور عام 1989، وضم اثنين من قادة "الجهاد الاسلامي" في مصر، حيث جرى الترتيب لاعلان ميلاد تنظيم "القاعدة" لاحتواء الشباب المسلم المجاهد بعد انتهاء مرحلة الجهاد الأفغاني لانضوائهم في إطار هذا التنظيم الذي شكل نواة قيام جيش اسلامي مدرب لإعلان الجهاد في أية بقعة في العالم.
"الشرق الأوسط" التقت حسن بن عبد ربه السريحي (48 عاماً) المعروف بـ"أبو عبد الرحمن" من أحد قدامى المجاهدين الذين زاملوا بن لادن وعزام في الجهاد الإسلامي قبل 15 عاماً، وكان أحد 4 شهود ليلة تأسيس "القاعدة"، وكان قد أدين بعد اعترافه بارتكاب عدة تجاوزات تتعلق بأمن الدولة وصدر بحقه حكم شرعي مميز يقضي بسجنه حيث أمضى 6 سنوات من محكوميته ثم صدر أخيراً مع اطلالة شهر رمضان المبارك أمر سام باطلاق سراحه والعفو عنه لسلوكه وتعامله المثالي داخل السجن.
وقد أبدى السريحي، الذي كان يعمل إماماً لمسجد الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ في حي الششه بمكة المكرمة ندمه وأسفه لما بدر منه من أعمال وتصرفات تستوجب المواطنة الحقة البعد عنها لما يمكن أن تسببه من اساءات واضرار تلحق بالأفراد والمجتمع والأمن القومي وتهدد تماسك الجبهة الداخلية للبلاد.
وكشف الرجل عن محاولات من قبل بن لادن لاقناعه بالانضمام إلى "القاعدة".
وتطرق إلى مصلحة المصريين في عملية تصفية عبد الله عزام باغتياله لافساح الطريق لابن لادن ليكون أميراً على الجماعات الإسلامية.
ودار بين "الشرق الأوسط" والسريحي الحوار التالي:
* ما هي ظروف التحاقك بالجهاد؟
ـ كنت على صلة وثيقة بالشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ـ يرحمه الله ـ وكان ذلك في عام 1986، وقد راج في البلد لغط كثير حول الجهاد الاسلامي في افغانستان لمقاومة المحتل الشيوعي من القوات الروسية وذلك عندما تم توزيع منشور صادر عن الدكتور عبد الله عزام كان له انتشار واسع بين أوساط مجتمع الشباب ويتضمن فتوى تدعو الى الجهاد ومن أنه من أهم فروض الاعيان بمعنى أن تارك الجهاد كتارك الصلاة، هذه الفتوى تسببت في اشعال ذروة حماس الشباب نحو الجهاد وبدأ كثير منهم يجهز نفسه استعداداً للسفر الى افغانستان، وبحكم أنني كنت الأكبر سناً بين تلامذة الشيخ بن عثيمين، فقد طلب مني الذهاب إلى افغانستان لاستيضاح الاوضاع والوقوف على الحقائق ولقاء المسؤولين عن الجهاد هناك.
وذهبت بالفعل الى بيشاور، وجدت شاباً عربياً في المطار، فوجئت أنه يرحب بي لرؤيته شكلي ومن انني عربي مثله، وعرض علي ان كنت راغباً في لقاء أحد أمراء الجهاد، أجبته ان هذه هي الغاية التي جئت من أجلها، وأخذني الى دار ضيافة والى جوارها مكتب لتسهيل الخدمات لطالبي الجهاد، عرفت انه تابع للشيخ عبد الله عزام، ولم يكن وقتها موجوداً في المكان. كانت مهمة هذا المكتب مساعدة واعانة وتدريب الراغبين في الجهاد واستضافتهم وامدادهم بالسلاح، وعندما لم أجد عزام، طلبت لقاء أحد القادة الأفغان فاخذوني الى مقر الجمعية الاسلامية التي يتزعمها برهان الدين رباني، الذي لم أجده ايضا، وقيل لي انه سيعود بعد اسبوع، وجدت في مقره مجموعة من المسؤولين ومن أقارب رباني نفسه، وطلبت منهم أن يسمحوا لي بالتعرف على أوضاع المجاهدين، وقالوا لي ان المسافة بعيدة ومضنية، وعليك أن تكون جاهزاً في الغد بعد صلاة الفجر مباشرة، وكنت مستعداً في نفس الموعد، واسعفني الحظ أن كان من بين مرافقي واحد من الأفغان ممن يجيد اللغة العربية حيث كان يعمل في السعودية، وذهبنا الى المواقع المتقدمة على الجبهة، واستمر مشوارنا في السيارة للوصول 11 ساعة، وكان المرافق يشرح لي عندما وصلنا للموقع عن معسكرات تخص عبد رب الرسول سياف واخرى لقلب الدين حكمتيار، وكانت هذه المعسكرات عبارة عن خيام ومبان طينية مقامة بطريقة بدائية وعشوائية، اقمت بينهم شهراً كاملاً اتنقل بين المجاهدين للتعرف على احوالهم واوضاعهم، وقد لمست ان الافغان كانوا يتوقعون انني رجل اغاثة سعودي سيقدم العون والمساعدة الاغاثية لهم، وكل فئة تريد استمالتي اليها لتظفر بحصيلة أكبر من التبرعات، وعندما عاد برهان الدين رباني الى مقر الجمعية الاسلامية في بيشاور رتبوا لي لقاء معه، واخبرته انني مبعوث من قبل الشيخ محمد بن عثيمين، واطلعته على ردود الفعل التي نتجت في السعودية بين الشباب خاصة من جراء منشور عبد الله عزام الذي يتضمن فتوى بطلب الجهاد، قال لي: انت جئت هنا وشاهدت الافغان وهم كثر لهذا نحن لسنا في حاجة الى المزيد من المجاهدين، فالذي نحتاجه فقط هو تجهيز المجاهدين من الافغان لأننا في أمس الحاجة للمواد الاغاثية والمادية أكثر من أي شيء آخر. وقال: نحن لا نستغني عند دعمكم ومساعدتكم لنا. وسعدت بأن أسمع مثل هذا الكلام من رجل مسؤول أفغاني كبير، حاولت أن التقي قادة ومسؤولين أفغانا آخرين، وابلغوني أنهم موجودون في الداخل ومن ان المواصلات صعبة ومتعبة، واكتفيت بلقاء رباني، وعدت الى السعودية للقاء الشيخ بن عثيمين وابلاغه بنتائج رحلتي، وقلت لرباني هذا الشيء وهو انني سأخبر شيخنا برغبته، ومن أن الشيخ محمد سيعمل على اصدار فتوى شرعية تطلب وتحث المجتمع السعودي والمسلم على مد يد العون بالتبرع للمجاهدين، لأن فتوى عزام كانت على النقيض، وكان لها وقع مؤثر بين أوساط الشباب.
* ثم التقيت الشيخ بن عثيمين..
ـ نعم.. التقيته في مسجده الطيني في عنيزة، وكان عنده اثنان من أهل القصيم، أبلغته بنتائج رحلتي، ولقائي مع رباني، وطلب الشيخ ـ يرحمه لله ـ ان يكون اللقاء معي مسجلاً على شريط، وأعد أحد الاخوة الموجودين مقدمة الشريط، ثم أمرني الشيخ ان اتحدث بما عرفت، وعندما فرغت من كلامي، بدأ الشيخ يوجه لي عدة أسئلة حول رحلتي وأنا أجيبه، ثم اختتم بن عثيمين الشريط بالقول: لقد أصبح الوضع في افغانستان الآن واضحاً وجلياً، ومن أنه يفتي بناء على الكلام الذي سمعه من "أبو عبد الرحمن" ـ وهو يقصدني ـ والذي ذهب الى المنطقة الفلانية وقابل برهان الدين رباني، وعلى هذا الكلام أفتى بأنه "لا ينبغي للشباب أن يذهبوا للجهاد، وانما العمل على مد يد العون والمساعدة لاخوانهم عن طريق الهيئات الاغاثية، وان يتفرغ الشباب للاتجاه لطلب العلم". كانت هذه فحوى ومضمون فتوى الشيخ بن عثيمين التي اشتمل عليها الشريط الذي جرى تداوله بين الناس لفترة طويلة.
* ماالذي حدث بعد صدور فتوى بن عثيمين؟
ـ تعرضت شخصياً، خاصة انني كنت إمام مسجد الشيخ عبد العزيز بن باز ـ يرحمه الله ـ في الششه بمكة المكرمة لانتقاد الكثيرين خاصة الشباب منهم، الذين أعرضوا حتى عن السلام علي.. وكثر الكلام عني انني أعمل على صد توجه الشباب للجهاد ومن انني عملت على اقناع الشيخ بن عثيمين بعد عودتي من افغانستان، وهذا يعني أنني كنت ضد التيار الجارف وقتها حيث كل المجتمع السعودي يتحدث عن الجهاد، ومن خلال الخطب التي تلقى في الحرمين الشريفين، وفي كافة الجوامع والمساجد وبين العلماء وطلبة العلم وفي المجالس والمنتديات على امتداد السعودية كلها، هذا الكلام حز في نفسي وتأثرت منه كثيراً، وقررت أن أذهب من مكة إلى عنيزة للقاء شيخي ابن عثيمين لاخباره بالذي حصل، وفوجئت أن شيخنا "وصله العلم" ـ أي سمع بما يقال عني ـ قلت للشيخ: وماذا تريدني أن أعمل؟، رد عليّ بالقول: ليس هناك أفضل من أن تعمل لاخراس ألسنة مثل هؤلاء الذين لا يعرفون مصلحة أنفسهم، وهو أن تعاود الذهاب إلى الجهاد، وتلتقي بقادة أفغان آخرين غير رباني، وأن تقيم هناك فترة مستطاعة، ثم تعود إلى المملكة لتخرس هذه الألسن، واستجبت بالفعل لنصيحة الشيخ، وعدت إلى الجهاد في عام 1978.
* يعني كنت مقتنعاً بمشورة الشيخ بن عثيمين..
ـ بالتأكيد، لأنني أحسست بانزعاج لما يثار عني حتى أصبح الناس يتجاهلونني ولا يسلمون عليّ في المسجد الذي أصلي فيه في مكة.
* هل اصطحبت معك أحداً الى الجهاد؟
ـ كنت أعمل جاهداً في أن لا يذهب معي أحد، لكن الوضع هذه المرة تغير بسرعة، فليس الأمر مثل المرة الأولى التي سافرت فيها، فالذاهبون الى الجهاد كثر، لأنني عندما أردت الحصول على تذكرة سفر وجدت جموعاً سبقوني الى مكتب الحجز الى اسلام أباد، وكان معي على نفس الرحلة ما يقرب من 20 شاباً سعودياً من مختلف المدن، وفي بعض الأحيان يصل الى 75 شاباً تقريباً في كل رحلة، بمعنى أن يصل عددهم إلى 225 شاباً في ثلاث رحلات خلال الاسبوع الواحد.
المهم عدت، ووجدت أن الأوضاع في مطار بيشاور تغيرت هي أيضاً عن المرة الأولى، ففي هذه المرة وجدت أفراداً يستقبلون القادمين إلى الجهاد ويرحب بهم ويسهلون اجراءات دخولهم ويؤمنون حافلات لنقلهم.
* من هم الذين وراء هذه الترتيبات؟
ـ ليس هناك أحد غيره في بيشاور في ذلك الوقت.. انه عبد الله عزام.
* كيف كان انطباعك عن أول لقاء يجمعك بعبد الله عزام؟
ـ نقلوني من المطار إلى موقعه، حيث كان لديه معسكر لتدريب الشباب على الأسلحة الخفيفة واعطاء دروس فقهية في مسجد صغير مجاور. عندما جئت وجدته يخطب في الجمع، ورآني ومن معي من الشباب فتوقف عن الحديث، وأقبل علينا مرحباً، ووجه السؤال لي شخصياً دون الآخرين: من أنت؟ وما هو اسمك؟ أجبته: "أبو عبد الرحمن"، رد عليّ: لدينا هنا الكثيرون ممن يسمون بـ"أبو عبد الرحمن"، قلت له: هذا هو اللقب الذي عُرفت به من صغري: أجابني: لا.. لا بد أن تغير لقبك..! رددت عليه: هذا شأني، فلا أرغب في تغيير لقبي.
وحقيقة استغربت منه ذلك، ثم رحب بنا وقال: اذا أردتم أن تبقوا هنا فأهلاً وسهلاً، وان اردتم غير ذلك فهذا يرجع لكم.. قال هذا الكلام، وجمع من الشباب وأغلبهم من السعوديين يستمعون لما يقوله، والبعض منهم عرفني لأنهم من مكة المكرمة، فنهضوا قائمين وأخذوا أمتعتهم، وانسحبوا من المكان، وانضموا اليّ لأنهم عرفوا أنني سأذهب الى جبهات القتال.
* وكيف كانت ردة فعله عندما رأى الشبان ينسحبون منه إليك؟
ـ كان رده غاضباً وسريعاً عندما رفع صوته بالقول: هذا لا يجوز، فاذا كنت غير راغب في الجلوس معنا فعلى الأقل اقنع هؤلاء الشبان بالبقاء للتدريب، لا أن يذهبوا كلهم معك.
* وهل حاولت؟
ـ لا، لم أحاول. هو الذي حاول أن يقنعهم، لكنهم اعتذروا له ورفضوا البقاء والاستمرار معه.
* وهل طلب منك أن تقنعهم؟
ـ طلب مني، ورددت عليه: أنا لا أمانع فيمن يرغب الانضمام لي.
* وهل غضب؟
ـ لاحظت ذلك، عندما أدار ظهره لنا وعاد إلى داخل المجلس يواصل حديثه للشباب، وكان معظمهم من الفلسطينيين والاردنيين والسوريين الذين كانوا يتلقون دراستهم في الجامعات والكليات الاسلامية في باكستان.
* أنت حدثتني عن عبد الله عزام، لكنك لم تحدثنا عن أسامة بن لادن.. ألم يكن موجودا في ذلك الوقت؟
ـ سمعت عنه، لكنني لم أحرص على السؤال عنه، وكان وقتها مشهوراً بلقبه "أبو عبد الله" وعرفت أنه موجود داخل أفغانستان وليس في بيشاور مثل عبد الله عزام.
* بعد أن تركت معسكر عزام.. إلى أين اتجهت؟
ـ إلى جبهات القتال في الداخل، ولم نلاحظ سوى وجود معسكر واحد للمجاهدين اسمه معسكر أو موقع "المدينة" وكان أسامة بن لادن أميراً له، وعندما وصلنا إليه لم نجده فيه، وقد بدأ هذا المعسكر بخمسة أفراد أسامة بن لادن وأربعة من زملاء الداسة معه، ثم انضممنا لهم، ومع تزايد وصول الشباب السعودي المجاهد تزايدت المعسكرات فأقيم "بدر" و"المتقدمة" ثم سموا المنطقة كلها بـ"المأسدة" تيمناً بقصيدة حسان بن ثابت في رثاء عثمان بن عفان في قوله: من سره ضرب يمعمع بعضه بعضا فليأت مأسدة في دار عثمان
* تردد أن معسكر "المأسدة" كان هو انطلاقة تأسيس تنظيم "القاعدة"؟
ـ لا.. هذا ليس صحيحاً، لأن فكرة قيام "القاعدة" بحثت في عام 1989 في منزل اسامة بن لادن في بيشاور وعقب رحيل الروس من افغانستان وانتهاء الجهاد، وكنت أحد شهود ميلاد "القاعدة".
* من هم المؤسسون الرئيسيون لتنظيم "القاعدة"؟
ـ فكرة "القاعدة" مصرية من جماعة الجهاد الاسلامي بقيادة أبو عبيدة البنشيري وأبو حفص المصري، وهم الذين عرضوا الفكرة على أسامة بن لادن بعد انتهاء الجهاد، وخصوصاً البنشيري الذي سبق أن شارك معنا في معسكر "المأسدة" في 1987 لصد هجوم روسي كاسح أصيب بسببه في قدمه وهو ضابط هارب من الجيش المصري (عمره حوالي 38 عاماً) وكان هو صاحب الفكرة أساساً لاحتواء الشباب المجاهد.
* كيف صارت فكرة "القاعدة"؟
ـ بعد انتهاء الجهاد، أصبح المصريون يتجمعون ويلتقون في منزل بن لادن في بيشاور، وبعد قتل عزام صار المصريون يدعون الصحافيين وممثلين لهيئات الاغاثة الى منزل بن لادن، لتسليط المزيد من الأضواء على بن لادن، لأنهم أصبحوا يعملون تحت مظلته، وهو بدأ يقربهم إليه، لأنه أعجب بفكرة "القاعدة"، وراقت له الأضواء الإعلامية.
وذات يوم ذهبت إلى منزل أسامة ووجدت في مجلسه البنشيري وأبو حفص وبعض الأفراد ومجموعة من الصحافيين، وكان مجلس بن لادن أيام الجهاد يغص بشباب المدينة المنورة، واختلف الحال بعد انتهاء الجهاد لأن المصريين هم الذين أصبحوا يتصدرون مجلسه.
* هل تعتقد أن المصريين يريدون استغلال أموال بن لادن لتمويل "القاعدة"؟
ـ الوضع المادي لابن لادن لم يكن خافياً على أحد، وأظن أنهم ـ المصريين ـ أرادوا استغلال هذا الجانب، لهذا تقربوا منه واقنعوه بالفكرة، وقد يكون رضي بها ليكون أميراً تنضم تحت سيطرته كافة جماعات الجهاد الاسلامية، وخاصة تلك التي في مصر وهي مشهورة ومعروفة.
* ما الذي حدث في منزل أسامة الذي دخلته؟
ـ بعد ذهاب الصحافيين، لم يبق في المجلس سوى البنشيري وأبو حفص المصري وأسامة، وكان البنشيري يتحدث، وكان رجلاً رزيناً غير سهل وقوي الشخصية يتكلم بهدوء، ووجه البنشيري كلامه لي قائلاً: لا يخفاك ما قدمه وبذله الأخ أسامة بن لادن، حيث تكلف الكثير من المال لشراء السلاح للشباب في الجهاد وكذلك تدريبهم وصرف التذاكر لهم، ولا يجوز أن نترك هؤلاء الشباب بعد انتهاء الجهاد دون استثمار بأن نعمل شيئاً يحتويهم وينضوون تحت مظلته، كأن نؤسس جيشاً اسلامياً للجهاد يطلق عليه مسمى "القاعدة" يكون ثمرة من ثمار ما صرفه بن لادن على الجهاد الأفغاني لتدريب الشباب ليكون جاهزاً ومهيأً من أجل رفعة الاسلام والمسلمين في أية بقعة في العالم وأفراده منظمون ومدربون تدريباً جيداً، وكنت أتطلع لاسامة بن لادن والبنشيري يوجه كلامه لي لاتعرف على انطباعة وردة فعله.
* وكيف وجدت انطباعه؟
ـ كان صامتاً ومطأطئاً رأسه وواضعاً إحدى يديه على الأخرى.
* وماذا رددت على البنشيري؟
ـ عندما انتهى من كلامه، قلت له لأكون معك واضحاً وصريحاً، أنا جئت للجهاد على ضوء فتوى شرعية لأحد علمائنا ـ أقصد شيخنا بن عثيمين ـ ولهدف معين ومحدد، أما الذي تتحدثون عنه من قيام تنظيم وتأسيس جيش إسلامي فانني لست ميالاً لتأييد توجهكم، وفي هذه الأثناء لاحظت ان اسامة بن لادن رفع رأسه، والتفت نحوي مبتسماً، وتطلع فيّ، وخاطبني واقفاً، وطلب الانفراد بي في مكان مجاور، واستأذن الحضور، الذي لم يكن سوى أبو عبيدة وأبو حفص.
* ما الذي دار بينك وبين أسامة؟
ـ أكد لي أنهم حريصون على انضمامي لأنهم يبحثون عن شخص تتوفر فيه مزايا تؤثر وتستميل الشباب حيث يلتفون عادة حول من تجتمع قلوبهم على محبته، وهي صفات لاحظها أسامة عندما كنت مسؤولا اعمل تحت إمرته في معسكر "المأسدة" الذي أمضيت فيه ما يقرب من 4 شهور، وطلب مني الاستجابة لهذه الرغبة وحاول إقناعي لكنني اعتذرت له، وقلت له: يا أخي أسامة الذي أنفقته في سبيل الجهاد ستلقى اجره وثوابه عند الله عز وجل وليس عند غيره من الناس مثلما يقول الأخ أبو عبيدة البنشيري، ولا تنتظر قطف ثمار ما أنفقته على تأسيس مثل هذا الجيش لاستمرار تدريب الشباب على الأسلحة، لأن هؤلاء الشباب جاءوا للجهاد هنا في أفغانستان على ضوء فتاوى شرعية أباحت لهم الانخراط في الجهاد في سبيل الله، ولو لم يكن الحال كذلك لما رأيت مثل هؤلاء الشباب السعوديين يأتون إلى هذا المكان.
وعندما سمع مني هذا الكلام قال: إن كنت غير مقتنع بفكرتنا فعلى الأقل لن نجبرك، إنما لا تعمل على صد الشباب الذي يريد الانضمام لمعسكرات التدريب عندنا ولا تعطي رأيك أو وجهة نظرك ولا نريد أن تكون هناك مواجهة بيننا وبينك في هذا الأمر، لأن نوايانا طيبة مثلما كنت تعهدنا ونحن لا نريد الإساءة لأحد.
* وكيف كان موقفك؟ ـ قلت له أنا لا يهمني الوقوف ضدكم، إنما سأجيب برأيي إذا سألني أحد لأنني لا أرى شرعية إسلامية لوجود مثل هذا التنظيم. رد عليّ: لماذا؟ واجبته: ارجع لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب في تفسير الآية الكريمة "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه" إذن الله جعلنا وسمانا مسلمين، ولا يمكن لأحد أن يفرض الجهاد على أحد فكل حسب ظروفه وقناعته.
ومما قلته له أيضاً: أنت عندما تضع يدك بيد المصريين فانك لن تجد سعودياً من مواطنيك الا وسيختلف معك، وهذا ما حدث فزملاء الدراسة الذين اتى بهم من المدينة المنورة للجهاد في معسكر "المأسدة"، وغيرهم تركوه بعد أن وضع يده بيد المصريين، كما قلت له قول ابن مسعود رضي الله عنه: "من كان مقتدياً فليقتد بمن مات من السلف، فان الحي لا تؤمن عليه الفتنة".
لهذا فأنا بدأت أتعجب، لان مواقف ومبادئ أسامة بعد التفاف جماعة الجهاد من المصريين حوله، أصبحت تختلف تماماً عن مبادئه وسلوكياته عند بدء التحاقه بالجهاد، حيث طرد ذات مرة عند بدايات وجودنا في الجهاد عام 1987 مصرياً من جماعة التكفير والهجرة تهجم على السعوديين والسعودية داخل معسكر "المأسدة"، وكان وقتها رجلاً بسيطاً لا تأثير له على أحد، وللعلم هو رجل يعاني من أمراض الكلى، وهبوط في الضغط والسكري.
* وهل استجبت لتعليمات بن لادن؟ ـ بعد انتهاء مرحلة الجهاد، وجدت أن التفرغ لدعوة الرسل إلى التوحيد هو الأسلوب الاصلح، فقد لاحظت ان كثيراً من الشبان يأتون حتى بعد خروج الروس من أفغانستان، ويشترون أسلحة بأموالهم ويدخلون إلى أفغانستان لمقاومة بقايا الشيوعيين، لهذا انشأت مركزاً دعوياً قريباً من بيشاور لتوعية الشباب، بعد أن اغتيل عبد الله عزام ولم يعد يوجد مقر ضيافته ومكتب خدماته.
* على ذكر عزام، من هم الذين اغتالوه، ولماذا؟ ـ أنا لا اعرف لكنني أتوقع أن من قتله هم الشيوعيون الأفغان.
* ولماذا لا يكون أسامة بن لادن، ليكون الأوحد على الساحة! ـ حصلت انتخابات بين الأفغان العرب في 1989 في بيشاور وكان عزام موجوداً وقتها وهو الذي كان أمير الجهاد، والآمر الناهي وحدثت مشاكل بين الجماعات الإسلامية وعبد الله عزام، وقد صار احتكاك بين المصريين وعزام، وكانوا يكرهونه لاختلاف المذهب ويريدون إفساح المجال لصعود نجم بن لادن، وأنا اشك أن يكون بن لادن وراء مقتل عزام، واشك في المصريين لأن مقتل عزام تزامن وفكرة قيام تنظيم القاعدة، وهو رحمه الله ليس له قاعدة شعبية فمقتله جاء بعد وقت قصير من ظهور نتائج الانتخابات بفوز أسامة بن لادن الذي اصبح أمير الجماعات الإسلامية في أفغانستان، والذي اعرفه أن رجال الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، اكتشفوا قبل اسبوع من مقتل عزام وكان يخطب وقتها فوق منبر عبارة عن صندوق خشبي اكتشفوا أن تحت هذا الصندوق عبوة ناسفة تحت قدميه قاموا بابطال مفعولها وذلك قبل الجمعة التي اغتيل فيها!
* لنعود لنسأل عن تطور نشوء تنظيم "القاعدة"؟ ـ أقاموا لهم معسكرات تدريب على السلاح، يتولى التدريب فيها مدربون معظمهم من المصريين ويتلقون رواتب من بن لادن كانوا في السابق يعملون لدى معسكرات عزام قبل اغتياله، ويبدو أن لبعضهم خبرات سابقة في الجيش أو أجهزة الأمن المصرية، وخلال فترة التدريب يوجد أشخاص مصريون مهمتهم تفحص الشباب جيداً لأن لهم مواصفات خاصة للاختيار ومن أهمها أن يكون صغير السن، متحمساً، مطواعاً، وضعيف الشخصية يستجيب دون تردد للتعليمات وذلك خلال فترة تمعن وتفحص تستمر ما بين أسبوع لأسبوعين في مواقع مغلقة عليها حراسات لا يدخلها إلا جماعات "القاعدة"، وفي بعض الأحيان لا يقع اختيارهم إلا على أشخاص معدودين والذي يختارونه يتفاوضون معه للالتحاق فإذا قبل الانضمام لهم طلبوا منه العودة إلى أهله لتوديعهم ومن ثم الرجوع لإخضاعه لتدريبات في معسكرات تأهيلية على مستويات مثل نهج المعاهد العسكرية المتخصصة (إعدادي ومتوسط ونهائي)، لكن بعض الشبان بدأت تتكشف لهم بعض نوايا التنظيم، حيث طلب المصريون من بن لادن صرف مكافآت للشباب المتدرب، ورفض معظمهم هذه المكافأة لأنهم جاءوا اصلاً للجهاد في سبيل الله، وهذا الأمر كان عاملاً مهماً في عدم تحمسهم للانضواء لـ"القاعدة"، وقد حاولوا إقناع خطاب بالانضمام للقاعدة لكنه رفض.
* افهم من كلامك انك غير مقتنع بمنطلقات ومبادئ تنظيم "القاعدة".
ـ أنا كنت من البداية متخوف من أهدافهم، ويبدو أن الطبخة عملت في السر ولا يعرف كنهها سوى 3 أفراد هم أبو عبيدة وابو حفص وأبو عبد الله، اقصد أسامة بن لادن، وكان أبو حفص خصوصاً يحذر مني ويدعو لعدم الاحتكاك بي لئلا أجاهر برأيي.
* بصراحة، ما رأيك في التفجيرات الأخيرة في نيويورك وواشنطن؟ ـ ما حصل لا يقبله شرع ولا إنسان عاقل، وعموماً كل الحوادث الإجرامية التي جرت في الرياض والخبر لا يقرها الإسلام، فالذي يستهدف الأبرياء ليس لديه وازع ديني لأن كل من قتل سيأتي يوم القيامة وهو ممسك بتلابيب قاتله، ويقول للرب: لماذا هذا قتلني؟ وكيف سيجيبون ربهم، هل سيقولون ان هذا القتل هو من اجل الجهاد وفي سبيل الله؟ ثم هؤلاء الشباب الذين في عمر الورود، لماذا يقنعونه بالانتحار؟ حقيقة أن مثل هذه الأعمال الشنيعة التي يقشعر لها البدن لا أتمناها لا في اميركا ولا في غيرها لأنها تسيء للإسلام والمسلمين بل أنها جعلتنا قتلة ومجرمين ومكروهين، لهذا أدعو الله أن يوفق شبابنا لاتباع كلام أهل العلم الثقات وهم كثير ولا يتبعون كل ناعق وكل من دعا لدعوة مشبوهة، واملي أن يبذل العلماء والدعاة والخطباء والمربون جهوداً متواصلة لتبصير الشباب وان تهيأ برامج إعلامية مفتوحة للاتصال المباشر بين العلماء وطلبة العلم، والشباب للإجابة على كل التساؤلات.
* نريد أن نعود لنتعرف على أول لقاء بينك وبين بن لادن..
ـ عندما جئت في المرة الأولى للجهاد ولم يكن موجوداً وقتها رغم أن معسكره موجود مثلما ذكرت في البداية لكنه كان يسافر ويعود بين بيشاور وجدة، أما في المرة الثانية عندما عدت في عام 1987 بتوجيه من الشيخ بن عثيمين ـ رحمه الله ـ فقد وجدت انه كان يسأل عني بالاسم ويبدو انه سمع بقصة شريط بن عثيمين، وكان وقتها معروفاً بـ"أبو عبد الله"، ذهبت إليه وعرفنا على نفسه وكان معي شباب من أهل الطائف. خاطبنا قائلاً: نحن نحرص أن يكون هذا الموقع مخصصاً للمجاهدين السعوديين والا يأتي أحد غيرهم لأن الساحة مفتوحة وسبق ان حصلت بعض المشاكل ونحن نريد تلافيها وان نعمل ليكون لنا توجه محدد ونبتعد عما يمكن أن يضر بسمعتنا وسمعة أهلنا كمجاهدين سعوديين.
وقد أعجبني كلامه هذا، وبعد ذلك بفترة جاءنا شخص مصري واسامة ليس موجوداً واصر على البقاء، ومنعه الشباب من الإقامة بيننا استجابة لتعليمات أسامة، وللعلم فان بن لادن كان يشتري من ماله الخاص من الأفغان السلاح الذي يغنمونه من الروس مثل الكلاشنيكوف ويوزعه على المجاهدين.
* هل انسجمت في بداياتك الجهادية مع بن لادن؟
ـ هو كان كثير السفر وقتها إلى السعودية لهذا كنا لا نتقابل إلا كل شهرين أو شهر ونصف شهر.
* هل كان يعمل في السعودية لتحريض الشباب على الجهاد؟
ـ نعم.. هو كان يدعو ويحرض على الجهاد في مسجده في جدة بالقرب من كوبري الجامعة.
* هل كنت تأتمر بأوامر بن لادن في معسكركم؟
ـ هذا صحيح ومنطقتنا تتبع سيطرة عبد رب الرسول سياف.
* قيل انه اختارك ذات مرة أميراً على الشباب السعودي..
ـ بعد معركة عنيفة مع الروس في 25 رمضان من عام 1987 أي بعد وصولي بشهر في المرة الثانية للعودة إلى الجهاد وقعت هذه المعركة ومات واصيب جراءها خلق كثير، وقد ابلغني أحد الشباب أن بن لادن اختارني اميراً على الجبهة وكان قد اجتمع بشباب المعسكر وسألهم عن الشخص الذي يحظى باحترامهم وثقتهم فاشاروا عليّ وحقيقة لو انه قابلني شخصياً وكلفني بهذه المهمة لاعتذرت له لأنني كنت عازماً وقتها على العودة إلى مكة لزيارة والدي ووالدتي، لكنني اقتنعت وقبلت البقاء والاستمرار.
* لم اسمع منك أن عبد الله عزام كان مقاتلاً على الجبهة لأنك أشرت إلى معلومة واحدة وهو انه كان يدير في بيشاور معسكراً لتدريب الشباب على السلاح..
ـ هذه كانت مهمته التي اعرفها، وكان معسكر التدريب الوحيد ومعه مدرسون من مصر، وكان يدرب الشباب ويرسلهم إلى شمال أفغانستان.
* ولماذا إلى الشمال؟ ـ كان يرى أن المناطق الأفغانية المتاخمة للحدود مع باكستان سهلة وميسرة ولاتحتاج للمزيد من المقاتلين، وله رأي أن على الشباب التدرب على الصعاب لهذا كان يرسلهم مشياًً على الأقدام إلى أماكن ذات طبيعة صعبة وتضاريس وعرة يمضون شهراً او شهراً ونصف شهر حتى يصلوا، ويريد من الشباب أن يتعلموا الجلد والصبر والكثير من المعاناة، واعرف انه أرسل ذات مرة شباباً للصعود إلى قمة أحد الجبال العالية فأمضوا 4 أيام حتى بلغوا قمة الجبل!
* قيل انك لحقت بابن لادن عندما انتقل إلى السودان عام 1990؟
ـ صحيح زرته في السودان، وكان لديه عمارتان واحدة لسكناه والأخرى كانت مقراً لشركته، ووجدت معه بطانته من المصريين أبو عبيدة وأبو حفص وبعض السودانيين العاملين في شركته ودعوته للعودة إلى السعودية، وقلت له: أنصحك بالعودة بدلاً من البقاء مع هؤلاء الجماعة وكنا في غرفة لوحدنا، قال ان لديه شركات تعمل في السودان، قلت له: بإمكانك إدارتها في بلدك، ورد قائلاً: لقد تعبت واشعر أنني في شوق كبير للعيش في المدينة المنورة، ولا يعلم سوى الله مدى الحنين الذي أحس به.
* هل تشعر بالأسف على مشوارك في الجهاد؟
ـ لا تصدق، أنني كنت أتمنى لو اسمي لم يعرف في الجهاد، هذا الكلام كنت أريد أن أحتفظ به لنفسي، لكنك سألتني الآن لاقول هذا الكلام، لأن ما يحدث الآن يسيء ويضر بالجهاد والمجاهدين، حتى ان نظرة الناس والمجتمعات بدأت تختلف وينظرون لك نظرة الريبة والشك، وهذا أمر يؤثر على النفس، والله انني نادم، وكنت أريد أن أستفيد من عمري بالدعوة إلى الله بدلاً من الجهاد، وليت العمر يسترجع، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لو كنت أعلم الخير لاستكثرت من الخير ما مسني السوء" والانسان معرض للخطأ، إما أن يستمر في الخطأ أو يعود عنه، وأنا من الناس الذين يتألمون لما حدث ولا أظن أحداً يعاني من الألم مثلما عانيت أو تأثر مثل تأثرت، وقد شاهدت شباباً لا يأبهون بمسألة أعمارهم رغم أن النفس سوف تسأل عنها يوم القيامة، كما تعرض شباب كثر أثناء الأعمال الجهادية لانتهاكات وقضايا انسانية وأخلاقية يندى لها الجبين.
* 3 زوجات و7 أطفال
* للسريحي 3 زوجات و7 أطفال هم 5 صبيان وبنتان، وله زوجة فرنسية مسلمة تقيم الآن مع أهلها في باريس، وله منها طفلان يدرسان في مدرسة السفارة السعودية، أما زوجتاه الأخريان فهما من الجنسية الباكستانية وله منهما 5 أطفال وزواجه منهما بدون إذن رسمي من السلطات المختصة.
&