&&&&&&&&&&&&&&
كيف أمكن لبشر ذوي عقل أن يراهنوا على تحريك الشارع بكاسيتات فيديو تبثها "الجزيرة"
ما القول أمام الانهيار المريع لنظام "طالبان" الكرتوني؟ ما القول أمام خبر "الأجانب الأفغان" يحصدهم قصف الطائرات الأميركية، بعد استسلامهم، (وتمردهم؟) بمعاونة رفاقهم السابقين في السلاح؟ ألم يرتكب أفغاننا العرب، في بلدانهم، مجازر بمثل هذا الهول؟ أكانوا عاملوا مقاتلي "تحالف الشمال" حسب اتفاقيات جنيف؟
هل حصل أمر في هذه الحرب لم يكن متوقعاً؟ الحشد الدولي، القصف الجوي، أفغنة الحرب البرية، سقوط أبرياء، سرعة الاندحار، الخ...؟ لماذا بدا فعل التفجيرات أكبر من تهديدات ابن لادن السابقة ثم بدا كل كلام لاحق تعويضاً عن العجز؟ أين أصبح الذين توقعوا ورطة تكرر فيها أميركا ورطتها الفيتنامية، وورطة الاتحاد السوفياتي الأفغانية، وصعوداً إلى القرن الماضي، ورطة بريطانيا العظمى؟ هل كان هناك مَن يعتقد حقاً أن الشروط متوافرة لإغراق واشنطن في المستنقع في ظل الوضع الدولي المطبق على "طالبان"؟ وإذا كان هناك مَن انتظر الورطة وبشّر بالمستنقع فما قوله الآن؟ ألم نتوصل إلى برهان حاسم على أن الضغينة وحدها لا تشكل أساساً لنهج سياسي ناهيك عن نهج عسكري؟ ألم يكن هذا الخراب بادياً في تلك اللحظات غير العقلانية لاستفزاز الولايات المتحدة؟
هل يمكن لدولة، اليوم، أن تذهب في التحدي إلى هذا المدى؟ ألم تضطر باكستان، وروسيا، والهند، وإيران (حتى إيران) إلى تغليب ما تعتبره مصالحها الوطنية المباشرة؟ كيف أمكن لبشر ذوي عقل أن يراهنوا على تحريك الشارع بكاسيتات فيديو تبثها "الجزيرة" وتستقبل، بعدها، ضيوفاً إسرائيليين؟ مَن صدَّق الوهم القائل بأن الشاشة سلاح دمار شامل يعفي من العمل الشاق والدؤوب؟ لماذا أوهمنا عقلنا الخرافي بأن في الإمكان تحويل الهزائم الكمية، منذ عقود، إلى انتصار نوعي يتحقق في لحظات؟ هل يقبل التاريخ مزاحاً من هذا النوع؟ هل الحياة ظالمة إلى حد أنها تكافئ الكسول عند حشرجة يطلقها؟ أين العدل في أن نربح ونحن عاجزون عن وقف الانهيار؟ هل يعقل أن تكون هزيمة القوة الأعظم مثل صاعقة في سماء صافية؟
ألم نكن، ذات مرة، أفضل حالاً من الآن وخسرنا؟ هل كانت قياداتنا أفضل، ووعينا أرقى، واستنفارنا أشد، وثقافتنا أنشط، وأغانينا أجمل، واقتصادنا أمتن، ونصف العالم معنا، ومع ذلك انكسرنا؟ لماذا كان ورثة الهزائم السابقة الأكثر تصفيقاً لسراب الثأر؟ ألم يكن الأجدى لهم توريث
خلاصاتهم النقدية لماضيهم إلى جيل جديد بدل الانبهار به وهو يعيد، بشكل أسوأ إلى حد لا يطاق، مغامرات صباهم؟ كيف أمكن لنا أن نقبل، بلا تحفظ، السقوط في فخ واضح: تكرار مأساة العراق في "مهزلة" أفغانستان الدامية؟ ألا يبدو أننا مستعدون، منذ الآن، لأن نعيد الكرة بعد عشر سنوات أو أكثر أو أقل؟ من هو بطلنا المقبل وعند أي درك أسفل من ابن لادن سيكون؟ أي نوع من القيادات يفرزه جسمنا المتقرّح والمزداد انحطاطاً؟ هل يكفي أن نكرر، إلى ما لا نهاية، أننا على حق؟ ما هي الخيوط الواصلة بين حقنا وإحقاق حقنا؟
متى نفهم أنه كلما زاد العالم تعقيداً من حولنا رددنا عليه بمزيد من التبسيط؟ أليس مطلوباً منا إدراك أن الجهد المطلوب منا، اليوم، لحل واحدة من مشكلاتنا المتوارثة هو إضعاف ما كان مطلوباً منا بالأمس؟ ألا ينطبق ذلك على قضايا التخلف، والتنمية، والتجزئة، والديموقراطية، مروراً برفع الحصار عن العراق وحل الصراع مع إسرائيل لصالحنا؟ هل نقدر فعلاً على حل هذا الصراع بطريقة مرضية؟ أم اننا نريد له أن يستمر متحولاً إلى عنصر يشدنا إلى الوراء بدل أن نرتقي نحو رفع التحدي الذي يمثله؟
هل يمكن أن نحقق أي إنجاز بوعينا الراهن، وأنظمتنا الحالية، وأوضاع حركاتنا السياسية، وانقطاعنا عن العالم وتحولاته، وتجاهلنا لموازين القوى، ورفضنا مخاطبة المزاج العام، وعجزنا عن وصل معضلاتنا بالإنسانية جمعاء، والانصراف إلى مراكمة تحسينات جزئية نعليها ونعلو معها؟
هل نستمر في وضعية المشاكس العالمي، ولو عن حق؟ وهل نندفع كل مرة وراء استدراج الآخرين لتربيتنا لمجرد أننا ممتلئون شعوراً بأننا في الجانب الصح من العدل؟ ألم يحن الوقت لنتصرف وكأننا معتدون على الجميع لأن ذلك يعني الاضطرار إلى رفع مستوى أهليتنا؟ هل يجرؤ أحد على الادعاء أن رفع مستوى أهليتنا لا يعني أن يكون إسلامنا غير إسلامنا، وليبراليتنا غير ليبراليتنا، وقوميتنا غير قوميتنا، وماركسيتنا غير ماركسيتنا؟
متى تصبح نخبنا، بالمعنى العريض للكلمة، أكثر أخلاقية؟& (عن "السفير" البيروتية)
&