&
&
&
كتب حلمي موسى : أرجأت المحكمة البلجيكية التي تبحث في الدعوى المرفوعة على رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون لدوره في مجازر صبرا وشاتيلا، قرارها الى شهر كانون الثاني المقبل. وجاء هذا الإرجاء في أعقاب انتكاسة المساعي الإسرائيلية لاستصدار قرار بإلغاء المحاكمة، واعلان المدعي العام البلجيكي، بير مورليه ان بوسع المحكمة البلجيكية البحث في هذه القضية على الرغم من ادعاءات محامي شارون بأنه ليست لبلجيكا الصلاحية القانونية لذلك.
واستمعت المحكمة البلجيكية صباح أمس الى موقف الادعاء البلجيكي العام بشأن صلاحية الدعوى التي قدمها ناجون فلسطينيون ولبنانيون من مجزرة صبرا وشاتيلا ضد شارون والمدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس يارون الذي قاد الجيش الإسرائيلي في بيروت. ورأت محامية شارون، أدريان ماسا، ان القانون البلجيكي الذي يتيح اجراء محاكمات لشخصيات بصرف النظر عن جنسياتهم وأماكن جرائمهم، يتنافى مع الدستور البلجيكي.
وفي ضوء هذه التعقيدات قررت المحكمة البلجيكية انها
بحاجة الى <<دراسة معمقة>>، الأمر الذي يقتضي مواصلة المداولات في موعدين لاحقين، في نهاية كانون الأول ونهاية كانون الثاني.
وقد ذكرت صحيفة <<الاندبندنت>> البريطانية ان المحكمة البلجيكية سوف تشهد تقديم شهادات تدل على ان مائة فلسطيني على الأقل قتلوا بعد ساعات من نجاتهم من المذبحة الأولى. وبحسب خمس شهادات مقدمة الى المحكمة فإن أكثر من مائة فلسطيني آخر جرى تسليمهم للقوات الإسرائيلية وهم على قيد الحياة، وفقدت آثارهم بعد ذلك.
ومن بين القرائن المقدمة الى المحكمة شريط تلفزيوني يظهر ضباطا إسرائيليين مع أفراد من القوات اللبنانية بعد وقت من اطلاع إسرائيل على مجريات المجزرة. وقد كشفت صحيفة <<الغارديان>> البريطانية يوم أمس شذرات من الملحق السري لتقرير لجنة كاهان الإسرائيلية التي حققت في مجازر صبرا وشاتيلا. وبحسب هذا الملحق، فإنه في <<التاسع عشر من أيلول 1982، بعد يوم من خروج قوات الميليشيا اللبنانية من المخيمات الفلسطينية بجوار بيروت، وبعد 38 ساعة من <<حفلة القتل الجماعي>>، كان يمكن رؤية ما ادعى جنود الجيش الإسرائيلي، الذين كانوا ينتشرون حول المخيمات، انهم لم يرونه، أي، الطرقات المليئة بجثث الرجال، النساء والأطفال الذين قتلوا بالرصاص او بالسواطير، والنساء الحوامل اللواتي بُقرت بطونهن>>.
ويضيف الملحق السري انه في بيروت الشرقية التقى في اليوم ذاته، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي رفائيل إيتان، وقائد الجبهة الشمالية ومسؤول كبير في الموساد، مع من كان نائبا لقائد القوات اللبنانية انطوان بريدي وجوزيف أبو خليل، الرجل الأول الذي أقام الصلة مع إسرائيل في آذار عام 1976. وكان هذا اللقاء بمثابة اجتماع نقدي ولجنة تحقيق تهدف الى <<تقليص الأضرار>> لم يتلفظ خلالها قادة الجيش الإسرائيلي بأي وصف معيب للمجزرة التي نفذتها الميليشيا.
وبحسب صحيفة <<الغارديان>> فإن رئيس الأركان الإسرائيلي حاول إسكات الاتهامات لأنه خشي ان يضطر الجيش الإسرائيلي بسببها الى الانسحاب من بيروت.
وجاء في النص الذي نشرته <<الغارديان>> للحوار الذي دار بين إيتان، وقائد الجبهة الشمالية، أمير دروري وجوزيف أبو خليل:
إيتان: <<يوجه الجميع الى إسرائيل أصبع الاتهام ونتيجة لذلك قد يضطر الجيش الإسرائيلي للإنسحاب من بيروت. ولذلك فإن على بعضكم القيام بشرح الموضوع فورا. وينبغي للصيغة ان تكون بأنها (القوات اللبنانية) شاركت في المهمة، وان كل ما حدث كان خارجا عن سيطرتها>>.
دروري: <<وفي هذه المناسبة ينبغي لكم التذكير كذلك بما حدث في الدامور، والإشارة أيضا الى ان هذه ليست سياستكم، وبوسعكم القول انه في الأماكن التي دخلوها كانت هناك معارك بين جانبين متنافسين داخل المخيمات وليس فقط مع الكتائب>>.
أبو خليل: <<... أنتم تبلغوننا ونحن ننفذ ذلك>>.
وذكرت <<الغارديان>> ان وثيقتين، احداهما محضر أعده مساعد قائد الجبهة الشمالية الإسرائيلية، والثاني محضر أعده الموساد هما بين الوثائق التي سلمت للمحامين الذين يمثلون ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا. وقالت الصحيفة انها حصلت على الوثيقتين وهما تتعلقان بالفترة ما بين حزيران وتشرين الثاني 1982. وتتحدث الوثيقتان عن تسلسل الأحداث من لحظة اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرارها بغزو لبنان، مرورا باللقاءات في بكفيا وانتهاء بالشهادات أمام لجنة كاهان الإسرائيلية.
ونشرت صحيفتان مركزيتان في بلجيكا في اليومين الأخيرين تقارير واسعة عن المحاكمة. وأشارت صحيفة <<ستاندارت>> وصحيفة <<لا ليبر بلجيك>> الى وجود وثائق جديدة، تم الكشف مؤخرا عنها، يمكن من خلالها إثبات التورط الإسرائيلي المباشر، وخاصة تورط شارون في مجازر صبرا وشاتيلا.
وعلى الرغم من أن إسرائيل أرسلت طواقم قانونية وإعلامية، رسمية وشعبية إلى بلجيكا، إلا أن المسؤولين الإسرائيليين يشيرون على وجه الخصوص الى خسارتهم المعركة الإعلامية. وقد وصف مسؤول إسرائيلي ما يجري في بروكسل بأنه <<جزء من الانتفاضة، من النضال الفلسطيني ضد إسرائيل. فهناك ينفذون عمليات وهنا يستغلون القانون البلجيكي من أجل إلحاق الأذى بإسرائيل>>.
وأعلن متحدث باسم السفارة الإسرائيلية في بروكسل ان وفدا حكوميا إسرائيليا وصل الى العاصمة البلجيكية لمتابعة القضية، يضم داني شيك المتحدث باسم شارون وإيمانويل نخشون المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية إضافة الى ايريت كاهن المستشارة القانونية لدى الحكومة الإسرائيلية.
وقال شيك خلال مؤتمر صحافي <<أود من أجل حسن سير العلاقات بين إسرائيل وبلجيكا، ان تغلق هذه القضية في أسرع وقت ممكن>>. وأضاف <<حتى وإن كنا نحن الإسرائيليين، بذلنا الكثير من الجهود خلال الأشهر الماضية من أجل عدم الخلط بين الإجراء القضائي وعلاقاتنا في المنظور الأشمل، فإنه سيكون من الخبث الادعاء بأن هذه القضية لم تلق بثقلها (..) على علاقاتنا>>.
وردا على سؤال حول ما إذا كان يمكن للدولة العبرية الذهاب إلى حد قطع علاقاتها الدبلوماسية مع بلجيكا في حال اتهام شارون، قال شيك انه يرفض الخوض <<في فرضية تطرح سيناريو منذرا>>.
واعتبر شيك انه <<تم استغلال القانون البلجيكي سياسيا من قبل المدعين بشكل غير مقبول>>. وقال <<يبدو لنا أنه في إطار التوازن الحساس في العلاقات بين الشعوب والدول، لا يوجد أي دولة في العالم تتمتع بعفة أخلاقية أو تاريخية تتيح لها تنصيب نفسها حكما ازاء الآخرين>>.
بدوره اعتبر محامي شارون ان الإجراء القضائي الذي اتخذه القضاء البلجيكي ضد موكله <<عبثي>>.(السفير اللبنانية)
&