&

حوار أجراه: ناثان جاردلز *جاك فالنتي هو الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية الافلام السينمائية في اميركا ويقوم بتنسيق جهود ستوديوهات هوليوود لمساعدة الحرب التي اعلنها الرئيس جورج بوش ضد الارهاب، وفي هذا الحوار الذي اجراه معه الاسبوع الماضي في لوس انجليس يتحدث عن دور هوليوود في تلك الحرب ويرد على الاتهامات التي تحمل السينما الاميركية مسؤولية انتشار العنف بين الشباب في اميركا وخارجها.
* استخدمت ادارة بوش خبير التسويق البارز في مؤسسة "أنكل بنز رايس" للقيام بحملة علاقات عامة دولية يبدو ان رسالتها هي: "لو ان العالم الاسلامي فهمنا على نحو أفضل، لكان كل شيء على ما يرام" وتستخدم هوليوود ايضا لابلاغ العالم بأن "هذه الحرب ليست حربا ضد المسلمين". الا ينطوي هذا على شيء من السذاجة؟ وعلى الرغم من كل ما يقال فان دعاية الثقافة الجماهيرية الاميركية موجودة هناك منذ زمن بعيد. واستطاعت قناة "ام تي في" الفضائية ان تصل الى حيث لم تستطع وكالة المخابرات المركزية ان تصل اليه. ومادونا هي ناقل العولمة. وقد تلقى المسلمون الرسالة. والى حد ما فان صورة اميركا التي تجسدها تلك الفتاة الحسية، أي النزعة المادية، وعدم الاحتشام، واللاتقوى، هي ما تستاء منه الثقافات الاسلامية المحافظة؟
ـ لا اتفق كلية مع الرأي القائل بأن افلام هوليوود هي التي تحرض، بهذا الشكل او ذاك على الحرب ضد الغرب. لا اعتقد ان بن لادن يذهب كل يوم سبت الى قاعة بيجو ليشاهد آخر افلام السينما الاميركية. انه يريد تدمير الحكومة السعودية والحكومات العربية المعتدلة في المنطقة ليحل محلها الاصوليون. ولا علاقة للامر بالسينما او الموسيقى الاميركية.
* هوليوود والانحطاط الأخلاقي
* وفي سورية ومصر ولبنان والاردن، مثلا، يمكن للمرء ان يجد شبابا يذمون الولايات المتحدة باعتبارها مصدرا للانحطاط والشر من ناحية، ثم يبدون اعجابهم، من ناحية أخرى، بالافلام الاميركية، ويتحدثون بتعلق حيوي وعفوي عن نجومهم المفضلين في السينما الاميركية.
وهكذا نجد هناك هذا التناقض الهائل. اعرف ان الضرورات الاجتماعية، حتى بين بعض الاميركيين مثل السناتور جو ليبرمان (منافس آل جور في الانتخابات)، هي التي تدفع الى توجيه اللوم القاسي للكيفية التي تقوم بها الافلام الاميركية بجعل الثقافة فظة ودفع المجتمع الى اعماق الانحطاط الاخلاقي. هذا كله هراء. فقد كشفته دراسة قام بها كبير الاطباء في الولايات المتحدة عن ان الادمان على الكحول، وتعاطي المخدرات، والايذاء الجسدي، والاسر ذات الوالد الواحد، وتدهور المدارس ـ كل ذلك يشكل دوافع تحث على السلوك المعادي لمصلحة المجتمع اعظم بكثير مما يشكله الدافع الاعلامي، الذي يأتي في المرتبة الخامسة عشرة في قائمة الدوافع المحرضة على مثل هذا السلوك. ولا اعرف لماذا يتعين ان يكون الامر مختلفا في الخارج عما هو عليه هنا.
* ما الذي تأمل هوليوود القيام به في الحرب ضد الارهاب؟
ـ احاول منذ اواخر سبتمبر (أيلول) الماضي تعبئة صناعة السينما لاستخدام مخيلتها الابداعية وبراعاتها في الاقناع بهدف دعم الحرب ضد الارهاب لا في اميركا وحدها وانما خارجها ايضا. وفي الفترة الاخيرة التقى مسؤولو الاستوديوهات الكبرى وشبكات التلفزيون الرئيسية في لوس انجليس مع كارل روف كبير المستشارين السياسيين للرئيس بوش لتحديد ما يمكن عمله. وعلى سبيل المثال اقترحت ان تقوم اتحادات الكتاب والممثلين بتدقيق عضويتها في اطار المتحدثين باللغة الفارسية او اللغة العربية ممن يستطيعون توجيه الرسائل بلغة الناس الذين نحاول الوصول اليهم ـ ليس فقط حول روعة اميركا وانما حول الاشياء التي فعلتها اميركا. فقد وفرنا الملابس والاغذية والملاذات لملايين وملايين من الناس في مختلف انحاء العالم دون ان نطلب شيئا بالمقابل. ووفرنا فرص التعليم لمئات الألوف من الناس من مختلف أنحاء العالم في جامعاتنا. نريد ان نوضح مسألة ان هذه الحرب ليست حربا ضد المسلمين، لأن قتل الناس الابرياء هو انتهاك لتعاليم الاسلام. ولهذا فان أولئك الذين قتلوا الآلاف في نيويورك انتهكوا تعاليم القرآن. نحن بحاجة الى ايضاح تلك المسألة بطريقة حميمة ومؤثرة، وبلغتهم ولهجاتهم، وهناك سبل كثيرة لايصال هذه الرسالة. فقناة "ام تي في" التلفزيونية، كما ذكرتم، تصل الى 400 مليون اسرة في مختلف انحاء العالم. وفضلا عن ذلك نريد من نجوم السينما ان يوجهوا رسائل الى افراد قواتنا المسلحة الموجودين هناك يقولون فيها: "نحن نحبكم ونحرص عليكم. شكرا لما تقومون به. ستظلون في ذاكرتنا دوما". اما على صعيد الجبهة الداخلية فان احد الاشياء التي قلتها للمسؤولين في البيت الابيض هو انه يتعين عليهم ان يجعلوا الاميركيين يفهمون، مرة بعد أخرى، ان هذه الحرب ضد الارهاب تتطلب الصبر، ولا بد من تقديم تضحيات فيها. وهذا هو ما يفعله الجنود في الحرب، إنهم يموتون. وسيتعين على الاميركيين ان يثبتوا شجاعتهم في الموضع الملائم، ذلك ان الوضع سيكون شديد القسوة والايلام. فكل من يلقى عليه القبض سيتعرض الى التعذيب، وتقطع اوصاله على ايدي أولئك المتعصبين الحاقدين.
اننا بحاجة الى تهيئة الرأي العام الاميركي لهذا الوضع. فقد تعلمنا من فيتنام انه من الخطأ ان يخوض المرء حربا ما لم يكن الناس موحدين خلفه، وما لم يكن حلفاؤه الى جانبه. وهكذا فان جهود هوليوود ستتمثل في دعم تلك الارادة خصوصا ان آلام الحادي عشر من سبتمبر ستهدأ بمرور الزمن الذي يتطلبه القضاء على منظمة القاعدة. وتعتبر هوليوود شبكة موحدة في هذا المشروع، ونحن جميعا موحدون. فوارن بيتي، وبوب زيميكيس، وستيفن سبيلبيرج، وارنولد شفارزينيجر كلهم يتساءلون عما يمكن ان يفعلوه لتقديم الدعم المطلوب.
* أميركا والثقافة الفيتنامية
* مرة أخرى، يبدو لي ان العالم، مهما اختلفت الاحوال، تلقى رسالة اميركا ما دامت الثقافات الجماهيرية الاميركية تخترق كوكبنا بأسره ربما يجب ان يكون التأثير الاعظم في الاتجاه المعاكس، أي ان تصبح اميركا اكثر معرفة بالثقافات الأخرى عبر استيراد افلامها واعمالها الادبية، والاصغاء الى مثقفيها. فمعظم الاميركيين لا يعرفون آليات عالم المسلمين بحيث انه اعماهم الاستياء الهائل ضدهم. واذا ما كنا قد خسرنا حرب فيتنام لأننا لم نفهم الثقافة، فربما يتعين علينا في هذه الحرب ان نعرف المزيد؟! ـ حسنا، نحن نعرف شيئا واحدا حول ثقافة بعض هؤلاء الناس الذين نتعامل معهم. انهم لا يفهمون الا القوة. ان التراجع امام من يوجه ضربة لعائلتك يعني اظهار الضعف واللين. واذا لم تكن مستعدا للانتقام لموت افراد عائلتك، فانك بالتالي، لا تساوي شيئا. ولهذا فان هذه حرب لا يمكنك ان تكون مترددا ازاءها، والاحسان كلمة يجب الغاؤها من مفرداتنا في هذه الحرب. ان الحديث عن السلام والعفو في مثل هذا الوقت سيثير موجات من الضحك الساخر في تلك الكهوف في افغانستان. وفي الوقت الحالي، وعبر السحر المراوغ، يجري الترحيب بالافلام الاميركية ورعايتها في 185 بلدا. ولدى صناعة السينما الاميركية فائض موازنة تجارية مع كل بلد في العالم في وقت تعاني فيه اميركا من عجز تجاري.
ان السينما الاميركية متفوقة ليس لأنني اقف في الشانزليزيه وبيدي حربة ارغم بها الناس على الدخول الى قاعة السينما لرؤية الافلام. وليست هناك طائرات بي 52 متجهة لتدمير قاعات السينما التي لا تعرض افلامنا، وشأن كل الناس الآخرين الذين يفضلون الافلام الاميركية، اتخذ الفرنسيون ذلك القرار بأنفسهم فالناس لا يستيقظون في الصباح وهم يقولون: "دعونا نذهب لرؤية فيلم هندي او فرنسي او اميركي"، انما يقولون "دعونا نذهب لرؤية فيلم جيد" فاميركا تصنع اكثر الافلام قدرة على الامتاع والتسلية وهذا هو السبب الذي يجعل الناس يتوجهون لمشاهدتها. الامر ليس معقدا. وليست هناك وصفة مخبأة تحت مطعم سباجو في بيفرلي هيلز. وبينما يصنع معظم الناس افلاما لجيرانهم، تصنع اميركا الافلام للعالم. وهذا هو الفرق.
اما بالنسبة لتوزيع الافلام في الولايات المتحدة، فهذا مشروع تجاري. فأولئك الذين يمتلكون قاعات السينما يريدون المقاعد مملوءة ولهذا فانهم يطلبون الافلام التي يرغب الناس في مشاهدتها. انهم لا يعملون في مشروع لتقديم الاعانات المالية للسلع الثقافية الاجنبية لتوسيع معلومات الاميركيين. واذا ما كانت الجهات الأخرى في العالم تريد من الجمهور الاميركي ان يشاهد افلامها، فان عليهم ان يخرجوا من بلادهم ويشتروا قاعات عرض سينمائي في شيكاغو ونيويورك ولوس انجليس، تقدم الافلام الروسية او الفرنسية او العربية. واذا ما جاء الجمهور لمشاهدتها فذلك شيء رائع. اما اذا لم يفعل ذلك فتلك خسارتهم.
* خدمة "لوس انجليس تايمز" خاص بـ "الشرق الأوسط"
&