بعد 11 ايلول، ساد اقتناع لدى القيادتين العسكرية والسياسية في اسرائيل بأن الفرصة الذهبية حانت للانقضاض على الانتفاضة وتحقيق الحلم الشاروني بترسيخ امن الدولة العبرية من دون اثمان سياسية. وراحت الآلة الاسرائيلية تعمل بكل ما اوتيت لاغتنام هذه اللحظة التي قد لا تتكرر. فتحرك جهازها الاعلامي الممتدة فروعه الى محطات التلفزة العالمية والجرائد والمجلات الكبرى لتصوير المقاومة ارهابا، كما تحرك جهازها الديبلوماسي لاظهار المعركة& التي تخوضها حكومة شارون على انها الوجه الآخر للحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الارهاب العالمي. وتحرك جهازها السياسي بدوره لرفض كل المبادرات والوساطات الدولية الهادفة الى التهدئة والتسوية بذريعة انه لا يمكن التحاور& مع الارهاب او التفاوض معه& كذلك تحرك جهازها العسكري امنيا وميدانيا لارتكاب المجازر الجماعية واغتيال الناشطين وهز كيان السلطة الفلسطينية باختراق مدنها وتدمير بناها ومؤسساتها.
وكادت الحرب الاسرائيلية الهوجاء على الفلسطينيين ان تبلغ مداها لولا الحاجة الاميركية الى وقت مستقطع في الشرق الاوسط لامرار الحرب الكبرى في افغانستان واغلاق المنافذ السياسية المحتملة امام حركة "طالبان" واسامة بن لادن.
وهذه الحاجة فرضت على الاميركيين استدراكا متأخرا لضرورة ايلاء قضية الشرق الاوسط بعض الاهمية. فدخلت الدولة الفلسطينية الى "الرؤية" الاميركية من خرم ابرة الحرب في افغانستان، وان تكن هذه الرؤية لا تتعدى اطلاق صفة دولة على كيانات الحكم الذاتي مع اضافات تجميلية.
اما اليوم، مع دخول الحرب في افغانستان مراحلها النهائية من دون ان تصدر اي ردة فعل غير متوقعة، فان ما كانت تعتبره واشنطن حاجة قبل شهر لم يعد كذلك. ومع بلوغ عمليات القصف والقتل ذروتها في شهر رمضان، وبلوغ الصيام عن الاستنكار والاحتجاج ذروته في العالمين العربي والاسلامي، فان الادارة الاميركية لم تعد تخشى ما كانت تخشاه قبل ارسال سفنها الحربية& وطائراتها الى بحر العرب وآسيا الوسطى. لا بل فان ادارة بوش لن تغفر لبعض العرب الذين كانت تعتبرهم في عداد الحلفاء، احجامهم عن تسويق بضاعتها& في لحظات الحشرة ولا سيما مصر والسعودية اكثر المطالبين بحل سريع للقضية الفلسطينية. فما قاله الرئيس الاميركي في اوج الحملة الافغانية من انه سينتصر في هذه الحرب بسلام في الشرق الاوسط& او من دون سلام، لم يكن زلة لسان بمقدار ما كان يعبّر حقيقة عما يدور في رأسه. ذلك بأن الوصول الي السلام لا يكون الا بوضع رؤية واضحة تأخذ في الاعتبار مصالح طرفي النزاع ولا تبدي مصلحة طرف على مصلحة الطرف الآخر وتفرض على الضعيف التسليم المسبق بشروط القوي. فما حمله المبعوث الاميركي زيني الى المنطقة لا يخرج عن هذا المنطق. فهو لم يرَ في القضية الفلسطينية سوى خطوط تماس ومجرد عقدة امنية يمكن حلها بوقف النار. وقد حكم على مهمته سلفا بالفشل عندما وصف العمليات الفلسطينية بالارهاب، متجاهلا كل ارهاب الدولة الذي لم تعد اسرائيل بحاجة الى ممارسته في الخفاء.
موقف بوش الحقيقي، هو ما نطق به شارون فور عودته امس من واشنطن من اعلان حرب على الفلسطينيين. ورغم كل ما يعرف عن رئيس الوزراء الاسرائيلي& من صلف وعناد وتشبث بالرأي، فانه ما& كان ليقدم على ما اقدم عليه من مجازر لولا الضوء الاخضر الذي تلقاه من البيت الابيض وهي حرب لا تستهدف& الفصائل المسؤولة عن العمليات الانتحارية بل تتجاوزها لتطول كل البنيان السياسي الفلسطيني. فحمم شارون وصواريخه "الذكية" لم تبحث عن مدبري الهجمات الانتحارية بل استهدفت من كانت تطلب منهم اسرائيل ملاحقة هؤلاء واعتقالهم ومعاقبتهم. وكأن شارون بفعلته هذه سئم من عدم جدوى محاولاته اليائسة لدفع الفلسطينيين الى التحارب والتقاتل، فأخذ على عاتقه ان يحقق بنفسه النتيجة نفسها للحرب الاهلية الفلسطينية: تصفية القضية.
ولكن يبدو ان شارون غاب عن باله ان مواصلته السير في هذا النهج من شأنه مد هذه القضية بمزيد من الشبان الذين لم يعد امامهم سوى الموت طريقا الى الحرية، والحياة. (النهار اللبنانية)
وكادت الحرب الاسرائيلية الهوجاء على الفلسطينيين ان تبلغ مداها لولا الحاجة الاميركية الى وقت مستقطع في الشرق الاوسط لامرار الحرب الكبرى في افغانستان واغلاق المنافذ السياسية المحتملة امام حركة "طالبان" واسامة بن لادن.
وهذه الحاجة فرضت على الاميركيين استدراكا متأخرا لضرورة ايلاء قضية الشرق الاوسط بعض الاهمية. فدخلت الدولة الفلسطينية الى "الرؤية" الاميركية من خرم ابرة الحرب في افغانستان، وان تكن هذه الرؤية لا تتعدى اطلاق صفة دولة على كيانات الحكم الذاتي مع اضافات تجميلية.
اما اليوم، مع دخول الحرب في افغانستان مراحلها النهائية من دون ان تصدر اي ردة فعل غير متوقعة، فان ما كانت تعتبره واشنطن حاجة قبل شهر لم يعد كذلك. ومع بلوغ عمليات القصف والقتل ذروتها في شهر رمضان، وبلوغ الصيام عن الاستنكار والاحتجاج ذروته في العالمين العربي والاسلامي، فان الادارة الاميركية لم تعد تخشى ما كانت تخشاه قبل ارسال سفنها الحربية& وطائراتها الى بحر العرب وآسيا الوسطى. لا بل فان ادارة بوش لن تغفر لبعض العرب الذين كانت تعتبرهم في عداد الحلفاء، احجامهم عن تسويق بضاعتها& في لحظات الحشرة ولا سيما مصر والسعودية اكثر المطالبين بحل سريع للقضية الفلسطينية. فما قاله الرئيس الاميركي في اوج الحملة الافغانية من انه سينتصر في هذه الحرب بسلام في الشرق الاوسط& او من دون سلام، لم يكن زلة لسان بمقدار ما كان يعبّر حقيقة عما يدور في رأسه. ذلك بأن الوصول الي السلام لا يكون الا بوضع رؤية واضحة تأخذ في الاعتبار مصالح طرفي النزاع ولا تبدي مصلحة طرف على مصلحة الطرف الآخر وتفرض على الضعيف التسليم المسبق بشروط القوي. فما حمله المبعوث الاميركي زيني الى المنطقة لا يخرج عن هذا المنطق. فهو لم يرَ في القضية الفلسطينية سوى خطوط تماس ومجرد عقدة امنية يمكن حلها بوقف النار. وقد حكم على مهمته سلفا بالفشل عندما وصف العمليات الفلسطينية بالارهاب، متجاهلا كل ارهاب الدولة الذي لم تعد اسرائيل بحاجة الى ممارسته في الخفاء.
موقف بوش الحقيقي، هو ما نطق به شارون فور عودته امس من واشنطن من اعلان حرب على الفلسطينيين. ورغم كل ما يعرف عن رئيس الوزراء الاسرائيلي& من صلف وعناد وتشبث بالرأي، فانه ما& كان ليقدم على ما اقدم عليه من مجازر لولا الضوء الاخضر الذي تلقاه من البيت الابيض وهي حرب لا تستهدف& الفصائل المسؤولة عن العمليات الانتحارية بل تتجاوزها لتطول كل البنيان السياسي الفلسطيني. فحمم شارون وصواريخه "الذكية" لم تبحث عن مدبري الهجمات الانتحارية بل استهدفت من كانت تطلب منهم اسرائيل ملاحقة هؤلاء واعتقالهم ومعاقبتهم. وكأن شارون بفعلته هذه سئم من عدم جدوى محاولاته اليائسة لدفع الفلسطينيين الى التحارب والتقاتل، فأخذ على عاتقه ان يحقق بنفسه النتيجة نفسها للحرب الاهلية الفلسطينية: تصفية القضية.
ولكن يبدو ان شارون غاب عن باله ان مواصلته السير في هذا النهج من شأنه مد هذه القضية بمزيد من الشبان الذين لم يعد امامهم سوى الموت طريقا الى الحرية، والحياة. (النهار اللبنانية)
&
التعليقات