كتب حلمي موسى : استمر العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية في ظل تعاظم الضغط الأميركي والأوروبي على السلطة الفلسطينية للتجاوب مع الإملاءات الإسرائيلية. وأفلحت حركة الجهاد الإسلامي في اختراق الإجراءات الأمنية الإسرائيلية وتنفيذ عملية استشهادية على مقربة من فندق <<قلعة داوود>> في القدس المحتلة. واستمدت حكومة شارون القوة من الصمت الدولي لإرفاق ضغطها العسكري بعمليات إذلال واسعة للفلسطينيين في أرجاء الضفة والقطاع، فيما وضعت السلطة الفلسطينية الزعيم الروحي لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين قيد الإقامة الجبرية.
وقد أعلنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عن العملية الاستشهادية التي نفذها الشهيد داوود علي أحمد أبو صوّي والبالغ من العمر 41 سنة. وقالت ان هذه العملية كانت تستهدف شخصيات إسرائيلية. وقد أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أنه في الوقت الذي انفجر الشهيد كان يتواجد في الفندق ثلاثة وزراء إسرائيليين على الأقل، بينهم وزير الأمن الداخلي عوزي لانداو، ورئيس بلدية القدس إيهود أولمرت. وقد أصيب ثمانية إسرائيليين بجراح جراء العملية، التي يُعتقد أن الاستشهادي تفجّر قبل الوصول إلى هدفه.
واستمرت حالة التأهب القصوى في إسرائيل خاصة بعد العثور على حزامين ناسفين كانا معدّين لاستشهاديين من قطاع غزة. وكشفت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي النقاب عن وجود الاستشهاديين داخل مناطق 48 وأن حملة واسعة تجري من أجل إلقاء القبض عليهما أو تصفيتهما.
وكانت اشتباكات قد وقعت في قطاع غزة وقرب مدينة جنين وفي محيط بيت جالا. وأعلنت مصادر فلسطينية عن وقوع العديد من الإصابات. غير أن مصادر الجيش الإسرائيلي تحدثت عن حالة هدوء نسبي. ومع ذلك شددت المصادر الإسرائيلية على أن العملية العسكرية لم تنته بعد. وقد أبلغ رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون أعضاء الكنيست من الليكود أنه لن تكون هناك أي تسوية قبل اجتثاث الإرهاب. وحدد شارون للسلطة الفلسطينية خمسة مطالب يجب تنفيذها. وقال إنه أبلغ الرئيس الأميركي أن هذه المطالب هي أهداف إسرائيل الخمسة:
1 القيام بحملة اعتقالات حقيقية للجهات الإرهابية ومن يقف وراءها.
2 تجريد من أسماها بالمنظمات الإرهابية من سلاحها.
3 جمع الأسلحة غير الشرعية وتسليمها (وفق اتفاقية واي بلانتيشن) للولايات المتحدة لإخراجها خارج مناطق السلطة وتدميرها.
4 القيام بعمليات وقائية حقيقية لمنع تنفيذ عمليات.
5 وقف التحريض.
وشدّد شارون على أن القوات الإسرائيلية تقوم حالياً بتدابير بينها: الحظر المطلق على حركة وسائل النقل بين المدن الفلسطينية، حظر حركة قيادات السلطة، تقييد حركة
رئيس السلطة ياسر عرفات، دخول القوات الإسرائيلية الى المناطق <<أ>> حسب المتطلبات الميدانية، الغارات المستمرة على الأهداف العسكرية والمواقع الرمزية للسلطة، وتكثيف عمليات التصفية الجسدية. وأعلن شارون انه <<لن يجري أي اتصالات سياسية>>.
ومع ذلك كان من الواضح أن إسرائيل تجري اتصالات ميدانية مع القيادات الفلسطينية، فضلاً عن الاتصالات بين الشخصيات السياسية. وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن رئيس السلطة الفلسطينية تحدث هاتفيا مع وزير الخارجية الإسرائيلية شمعون بيريز. وأشارت هذه الوسائل إلى أن عرفات وعد بيريز بأن تستمر السلطة في بذل المساعي لإحباط أي عمليات ضد إسرائيل وتنفيذ قرارها بوقف النار. وقالت مصادر إسرائيلية إن عرفات طلب من بيريز العمل على وقف هجمات الجيش الإسرائيلي.
وكان بيريز قد عرض أمام الحكومة الإسرائيلية قبل يومين تقريرا عن اتصالات قالت الصحف الإسرائيلية أنها تمّت بينه وبين كل من أبو علاء، محمد دحلان، ومحمد رشيد. ولكن هذه الاتصالات لم تغير شيئا من قرار الحكومة الإسرائيلية.
وأكد بيريز لوسائل الإعلام الإسرائيلية أمر المحادثة الهاتفية مع عرفات. وأشار الى ان عرفات طلب منه السماح بتحريك قوات فلسطينية معينة داخل مناطق السلطة من أجل العمل ضد الإرهاب. وقال بيريز: <<أبلغت عرفات أنني سأعرض الأمر على شارون، فوافق على ذلك. وقلت لعرفات إن الأمر يتعلّق به الآن. وأنه في الساعات الاثنتي عشرة المقبلة بوسعك أن تحدد مصير علاقتنا بالسلطة الفلسطينية. وقدمنا له قائمة من 36 اسما، وأنا أوصي جدا بأن تعتقلهم. وقلت له ان المشكلة المركزية للسلطة الفلسطينية هي المصداقية>>.
وقال مصدر عسكري إسرائيلي ان قائمة ال36 اسما التي قدمت يوم أمس للسلطة الفلسطينية معروفة جيدا <<وقد أثيرت مرارا في اللقاءات الأمنية. ولم نقدم أي جديد في هذه القائمة، لكنها تعتبر شرطنا أمام الفلسطينيين الذين لم يعتقلوا حتى الآن أي ناشط مركزي>>.
وتضم هذه القائمة أسماء نشطاء من حماس والجهاد الإسلامي وتنظيم فتح والمنظمات اليسارية، وهي لا تضم أسماء شخصيات من المستوى السياسي.
واعتبرت السلطة الفلسطينية الإثنتي عشرة ساعة التي أشارت لها المصادر الإسرائيلية إنذارا لتنفيذ الاعتقالات. وقال الدكتور صائب عريقات ان السلطة ترفض <<الإنذار والتهديدات الإسرائيلية>>. وأشار الى وجوب أن يجد العالم بأسره آلية لتنفيذ التعهدات من الطرفين بتنفيذ تقرير ميتشل.
وكانت السلطة الفلسطينية قد أعلنت اعتقال حوالى 151 من أعضاء حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية. وقالت ان هذه الاعتقالات تجري في إطار <<المصلحة الوطنية>> التي ترى السلطة الفلسطينية انه ليس بوسع أحد أن يقدم لها دروسا فيها. وكانت مصادر فلسطينية قد أبلغت السلطات الإسرائيلية بأنه تم فرض الإقامة الجبرية على الزعيم الروحي لحركة حماس الشيخ أحمد ياسين.
وأشارت مصادر إسرائيلية الى ان الأميركيين والأوروبيين لم يتأثروا بهذه الاعتقالات، التي رأوا أنها ليست أكثر من <<خدعة>> تنفذها السلطة الفلسطينية. ونقلت هذه المصادر عن أجهزة الأمن الاسرائيلية قولها إن هذه القناعة تسهم في استمرار حصول اسرائيل على الدعم الأميركي والأوروبي لخطواتها العسكرية والسياسية ضد السلطة الفلسطينية.
وقد استأنف الجنرال أنطوني زيني اتصالاته يوم أمس بعد أن كان ألغى مواعيده. واجتمع ليلة أمس مع رئيس الحكومة الاسرائيلية ومن المقرر أن يجتمع اليوم مع رئيس السلطة الفلسطينية. واستمع زيني من شارون الى تقديرات اسرائيل للوضع. وقال شارون لزيني إن <<اسرائيل لا تلحظ أي تغيير في ردود فعل عرفات، وان العملية التي وقعت في القدس ولم تحدث إصابات تقريباً، تثبت ذلك>>. وأضاف شارون أنه <<فقط عبر الضغط على عرفات يمكن دفعه الى التخلي عن طريق الارهاب>>. وشدد على أن اسرائيل ستواصل عملياتها الى أن يتخلى عن هذا الطريق.
واعتبر أحد المقربين من رئيس الحكومة الاسرائيلية أن أميركا لا تريد إعادة زيني الآن <<رغم أنه لا يستطيع عمل أي شيء>>. وقال وزير الأمن الداخلي الاسرائيلي عوزي لانداو إنه يشك بقدرة زيني على المساهمة حاليا في وقف النار، لأن اسرائيل الآن هي التي تبادر ضمن فعاليات هجومية للدفاع عن مواطنيها.
وقد شنت الإدارة الأميركية حملة شديدة ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها. إذ أعلن الرئيس الأميركي، جورج بوش مجددا أنه يحث عرفات على وقف الهجمات على اسرائيل. وقال إنه يطالب رئيس السلطة الفلسطينية ببذل كل ما في وسعه لمنع أي <<هجمات إرهابية>> أخرى. وقال <<إن على منظمة التحرير الفلسطينية أن تنهض وتطرد هؤلاء القتلة الذين يحرموننا من نيل العملية السلمية في هذه المنطقة>>. وقال بوش للصحافيين إن <<على السيد عرفات أن يظهر زعامته وان يقدم للعدالة أولئك الذين يمارسون القتل كسلاح لتبديد السلام وتدمير حياة الأبرياء>>. وأضاف بوش أن الوقت قد حان وان على الدول الأخرى المعنية بالسلام أن تشجع عرفات، وان تصر على قيامه ببذل كل ما في وسعه للحيلولة دون وقوع عمليات أخرى.
وكان وزير الخارجية الأميركية، كولن باول قد أعلن أن عرفات لن يظهر بعد أي <<نتائج جوهرية>> في كبح من أسماهم بالارهابيين. وقال إنه يأمل أن يكون عرفات يبذل حقا مئة في المئة من جهوده، <<غير أننا لم نر بعد نتائج جهد كهذا>>.
وفقط أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك أن اسرائيل <<تهدم ما تبقى من السلطة الفلسطينية واتفاقات أوسلو>>. وأشار الى أن الوضع لم يكن أبداًً مأساويا في اسرائيل والأراضي الفلسطينية بهذه الدرجة منذ 14 شهرا. وطالب شيراك السلطة الفلسطينية استخدام كل قوتها لمحاربة الارهاب.
وفي نيويورك، رفض الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ضمنياً إلحاح إسرائيل على الحصول على وقف العنف قبل إجراء أي مفاوضات مع الفلسطينيين. وقال <<نحن بحاجة لأيام عدة من السلم قبل أن نجلس الى طاولة، ولكننا طلبنا ذلك منذ أكثر من عام ولم نتوصل إليه بعد>>.
وأضاف الأمين العام للمنظمة الدولية أمام صحافيين <<ويجب علينا أيضاً أن نعمل بطريقة مغايرة. علينا إيجاد مبادرات خلاقة وطريقة لدعوتهم الى الجلوس حول الطاولة>>. ولكن أنان لم يسمِّ اسرائيل ولا شارون.
مواقف فلسطينية
الى ذلك (رويترز، أ ف ب) اتهمت حركة فتح التي يتزعمها عرفات الحكومة الاسرائيلية بدعم الارهاب. وبعد اجتماع طارئ لقادتها في قطاع غزة تم خلاله بحث الهجمات الجوية الاسرائيلية قال قادة فتح ان الفلسطينيين لهم الحق في مفاومة الاحتلال الاسرائيلي.
وذكر بيان صدر عقب الاجتماع ان <<الحكومة الاسرائيلية كيان ارهابي>> يدعم الارهاب وينفذ اعمال القتل والاغتيالات. واضاف البيان ان للفلسطينيين حقاً مشروعاً في مقاومة الاحتلال والعدوان والدفاع عن انفسهم.
وناشدت القوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية الشعوب العربية والاسلامية الخروج من صمتها ومساندة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال و<<العدوان>> الاسرائيليين. كما قررت القوى الفلسطينية تنظيم <<مسيرة جماهيرية مساء اليوم تضامناً مع السلطة الفلسطينية وضد الهجمات العدوانية على شعبنا الفلسطيني ومؤسساته وسلطته الوطنية>>.
اما حركة حماس فقد دعت عرفات الى <<الصمود>> في وجه الضغوط الاميركية الرامية الى وضعه <<في موقف المجابهة>> مع المناهضين لاسرائيل. وقال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى ابو مرزوق <<نطلب من السلطة الفلسطينية ان تصمد في وجه الضغوط الاميركية الصهيونية التي تهدف الى تحويلها الى حارس امن لاسرائيل، وفي موقف مجابهة مع الشعب الفلسطيني>>.
وقال مسؤولون امنيون فلسطينيون ان <<الشرطة الفلسطينية ابلغت الشيخ احمد ياسين انه وضع رهن الاقامة الجبرية في منزله وانه يحظر عليه الاتصال بأحد خارج المنزل>>. وتردد ان حراساً يرابطون خارج منزل الشيخ ياسين (65 عاماً) في مدينة غزة وان الخطوط الهاتفية الخاصة به قد قطعت. واوضحوا ان <<الشيخ ياسين اطلق في الفترة الاخيرة تصريحات تتطاول على السلطة الفلسطينية وعلى قرارات القيادة الفلسطينية>>.
وقال احد ابناء الشيخ ياسين ان<<ضباطاً من الشرطة (الفلسطينية) حضروا الى المنزل في غزة قبل قليل وابلغوا الشيخ احمد ياسين بقرار السلطة>> الفلسطينية. واوضح ان <<سيارات تابعة للشرطة توقفت قرب المنزل>>. واضاف <<اقاربنا يستطيعون الدخول والخروج ولا احد غيرهم>>.
وكان الشيخ احمد ياسين قد اكد في مقابلة نشرتها صحيفة <<ا ب ث>> الاسبانية امس ان العمليات لن تتوقف ما واصلت اسرائيل احتلال الاراضي الفلسطينية. وقال، في المقابلة التي اجريت في منزله امس الاول في غزة، ان طلب اسرائيل وقف اطلاق النار <<امر مضحك. انهم يريدون منا ان نوقف القتال. يمكنهم الحصول على ذلك بسهولة: ما أن ينتهي الاحتلال سيتوقف اطلاق النار تلقائياً>>. وبشأن اتصالاته مع عرفات، قال الشيخ ياسين <<لم اتحدث اليه منذ وقت طويل>>.
وتبنت الذراع المسلحة في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين العملية الاستشهادية التي نفذت في القدس المحتلة. وأشارت الى ان الاستشهادي كان ينوي تفجير نفسه في داخل فندق هيلتون.
وأكدت <<سرايا القدس>> في بيان وزعته ان <<داود علي أحمد أبو صوّي من قرية ارطاس قرب بيت لحم كان متوجها لضرب هدف أمني داخل فندق هيلتون في شارع الملك داود بالقدس الغربية الذي تواجدت فيه قيادات صهيونية>>. وأضاف النص <<اثر ظروف خاصة قدرها الشهيد البطل قام بتفجير نفسه أمام الفندق مما اسفر عن وقوع عدة اصابات في صفوف الصهاينة>>.
وأضاف البيان <<ان سرايا القدس تؤكد ان هذه العملية البطولية هي مجرد رد أولي وسريع على جرائم العدو>>. وأكدت <<انها رسالة عاجلة للسفاح شارون وجنرالاته تثبت جهوزية مجاهدينا الابطال العالية وقدرتهم الفائقة على الفعل واختراق كل الاجراءات الأمنية الصهيونية برغم الاعتقالات والمطاردات والاجراءات القمعية التي يتعرض لها مجاهدونا من كل اتجاه>>.
عرفات
طلب عرفات خلال مقابلة مع شبكة <<اي بي سي>> التلفزيونية من إسرائيل مزيدا من الوقت للتحرك ضد من تصفهم إسرائيل بأنهم <<إرهابيون>>. وقال عرفات ردا على سؤال بشأن ما إذا كان قادرا على اعتقال المطلوبين وفق ما طلبت الولايات المتحدة، <<عليهم ان يهدأوا بحيث يعطونني فرصة>>. وأشار الى ان أجهزة الأمن الفلسطينية اعتقلت 131 شخصا منذ تنفيذ هجمات القدس وحيفا.
وفي مقابلة أخرى مع <<رويترز>>، قال عرفات ان شارون يحاول الاطاحة به وبالسلطة الفلسطينية. وأضاف ان الإسرائيليين يصعدون هجماتهم، وسئل عما إذا كان يعتقد أن شارون يحاول الاطاحة به فقال <<لست وحدي فقط بل ومعي السلطة الفلسطينية>>.
ومن جهته، طالب كبير المفاوضين صائب عريقات الرئيس الأميركي جورج بوش بأن يوقف شارون <<عند حده قبل فوات الأوان لأن فلسطين ليست أفغانستان>>.(السفير اللبنانية)
&