التكامل بين رأس المال والفكر العربي في مواجهة الحملات الشرسة التي تتعرض لها الأمة العربية والإسلامية‏,‏ منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي بأميركا‏..‏ كيف توجهها وهل تنجح المؤسسة الوليدة للفكر العربي في دعم الجهود التي تجمع حاليا في إطار الجامعة العربية من أجل ملاحقة الزمن والبدء الفوري لمواجهة هذه الحملات بأسلوب علمي إعلامي صادق وواقعي؟
حول هذا الموقف وغيره من المواقف المطروحة علي الساحة الفكرية والثقافية والسياسية‏,‏ كان اللقاء مع الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير ورئيس مؤسسة الفكر العربي بمقر إقامته بالقاهرة أمس‏,‏ بعد لقائه بالأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسي‏.‏
قال إنه من حسن الطالع أن يتزامن تولي الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسي مهام منصبه الجديد‏,‏ مع بداية عمل مؤسسة الفكر العربي وإعلان إنشائها بالقاهرة في يونيو الماضي‏,‏ خاصة أنني شخصيا متفائل بهذا التوجه الطيب الذي يحمله السيد الأمين العام للجامعة العربية‏,‏ خصوصا توجهه الأخير لمشاركة رجال الفكر العربي في تقديم رؤية مستقبلية للأمة العربية‏.‏
واعتقد أن التهميش الماضي لرجال الفكر كان في غير محله‏,‏ لأنه مهما كانت السياسة تقوم علي خبراء سياسيين واقتصاديين‏,‏ فإن هناك من الأمة من لهم أفكار اذا تبنتها الأمة وتبناها رجال السياسة والاقتصاد ولكان الوضع أفضل‏,‏ ومشاركة رجال الفكر خطوة جيدة وعلامة تفاؤل في مسيرة الجامعة العربية‏.‏
هذا من ناحية‏,‏ والجانب الآخر‏,‏ أن مؤسسة الفكر العربي قامت وأنشئت قبل أحداث‏11‏ سبتمبر ولكن هذه الأحداث الأخيرة أثبتت جدوي وأهمية وجود مثل هذه المؤسسة في هذا التوقيت‏.‏
وكشفت هذه الأحداث المأساوية الأوضاع الفكرية العالمية من البعض تجاه الأمة العربية والاسلامية‏,‏ التي كانت مستترة قبل أحداث الثلاثاء الدامي‏.‏
أحداث أمريكا كشفت عن المستور‏:‏
وأحداث‏11‏ سبتمبر لم تقدم جديدا‏,‏ ولكنها كشفت المستور في نوايا ضد هذه الأمة العربية والإسلامية‏,‏ وأعطت عذرا لهذه الهجمة الشرسة التي تواجهها الأمة‏...‏ ولابد من تضافر الجهود لمواجهة هذه الحملة الشرسة ولا يكفي الجهد الذي تقوم وستقوم به المؤسسات الحكومية والرسمية‏..‏ يجب أن يكون هناك دور كبير للمؤسسات الأهلية والثقافية والمؤسسات الاقتصادية‏,‏ يجب أن يكون لها جميعا موقف موحد ضد هذه الهجمات‏,‏ لأننا كأمة عربية لايمكن أن نأخذ كل جزء بمفرده‏..‏ ولايمكن أن نترك قادتنا بمفردهم‏,‏ ونقول لهم كما قال اليهود لنبيهم موسي فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ‏..‏ يجب أن يكون لنا مشاركة ومساهمة فعالة‏..‏
دعوة رجال الأعمال‏:‏
ومن خلال الأهرام‏,‏ أوجه دعوتي لرجال الأعمال العرب والميسورين بألا يبخلوا بجهدهم ومالهم للمساهمة في دعم المشاريع الثقافية والفكرية والإعلامية لمواجهة هذه الهجمة‏,‏ لأنهم سيتضررون بقدر ما تتضرر الحكومات‏,‏ فالضرر والخسائر ستصيب الجميع‏.‏
وأوضح الأمير خالد الفيصل‏,‏ أن مؤسسة الفكر العربي ستسهم بقدر ماتستطيع في هذا المجال‏,‏ خاصة أن الهدف الإعلامي للمؤسسة قفز في جدول أعمالها من البند السابع الي البند الأول‏,‏ نتيجة للأحداث‏..‏
دعم الخطة الإعلامية‏:‏
وقد تم اقتراح تخصيص مبلغ من المؤسسة في حدود مليون و‏250‏ ألف دولار‏,‏ سيقرر في الاجتماع المقبل للمؤسسة الذي سيعقد في بيروت في الثاني عشر من شهر يناير المقبل لدعم الخطة الإعلامية‏,‏ ومن المنتظر أن يرتفع المبلغ الي مليوني دولار من قبل مجلس الأمناء الذي سيحدد طريقة وأسلوب صرف هذا المبلغ للتحرك الإعلامي الخارجي كخطوة أولي‏,‏ وهناك أيضا المؤتمر الأول للمؤسسة الذي سيعقد بالقاهرة خلال شهر أكتوبر المقبل‏,‏ بإذن الله‏,‏ الذي سيخصص أيضا لبحث قضية الإعلام‏.‏
مرحلة التشكيل‏:‏
وحول الخطوات التنفيذية المطروحة‏,‏ قال الأمير خالد الفيصل إننا في مرحلة التشكيل حاليا‏,‏ حيث لم يمر بعد علي الإنشاء أكثر من ستة أشهر ولا يوجد لدينا أمين عام أو ادارة‏,‏ والنظام الأساسي لم يقر إلا في أكتوبر الماضي‏,‏ ومن يونيو الي ديسمبر فترة قصيرة جدا‏,‏ ولكن الأحداث العالمية متلاحقة وفي مواجهتها بدأنا العمل علي الساحة الي أن يكتمل جهاز المؤسسة‏,‏ ونرجو من الله أن يتكامل إعداد الهيكل في القريب العاجل‏.‏
‏30‏ مليون دولار رأس المال‏:‏
‏*‏ وبالنسبة لعدد المؤسسين قال الأمير‏:‏ إنه بلغ حاليا‏30‏ مؤسسا وميزانية المؤسسة‏30‏ مليون دولار‏,‏ حيث يسهم كل مؤسس بمبلغ مليون دولار كوديعة يصرف من عائدها علي مشروعات المؤسسة‏,‏ وبالطبع لم يسدد المبلغ بالكامل ولكن علي مراحل‏,‏ وفي صندوق المؤسسة حاليا مبلغ أكثر من عشرة ملايين دولار‏.‏
وأوضح الأمير خالد الفيصل أن المبلغ الذي سيتم تخصيصه للخطة الإعلامية خارج عن ميزانية المؤسسة تبرع به بعض المؤسسين كعمل فوري لمواجهة الحملة الشرسة علي الأمة العربية والإسلامية‏.‏
فتح أبواب المساهمة‏:‏
وحول فتح أبواب المساهمة أمام رجال الفكر والمال‏,‏ قال رئيس المؤسسة إن باب المساهمة مفتوح ولا يشترط سداد المليون‏,‏ إلا من قبل المؤسسين من أعضاء مجلس الأمناء‏,‏ ومبلغ عشرة آلاف دولار فما فوق مساهمة العضو المشارك‏..‏
ومن ناحية أخري‏,‏ المؤسسة تقبل التبرعات والهبات من أي شخص أو مؤسسة في الأمة العربية‏.‏
مساهمة رجال الفكر‏:‏
‏*‏ سمو الأمير هذا من جانب المال‏,‏ ماذا عن جانب المساهمة من رجل الفكر في عمل المؤسسة خاصة وأن البعض وجه انتقادات للمؤسسة عند انشائها بأنها تجمع أصحاب رؤوس الأموال وليس المثقفين ورجال الفكر العرب؟
‏**‏ قال الأمير خالد الفيصل‏:‏ إن هذا خطأ لأن المؤسسة في نظامها الأساسي الذي تم إقراره‏,‏ أن مجلس الأمناء سيكون معه هيئة استشارية من أصحاب الاختصاص وهم رجال الفكر من جميع التخصصات في الادارة والتجارة والطب والهندسة والعلوم‏..‏الخ‏,‏ مع مجلس الأمناء كهيئة استشارية وهم الذين سيقرون‏.‏
‏15‏ عضوا مجلس الإدارة‏:‏
وعلي الجانب الآخر‏,‏ فإن مجلس الإدارة للمؤسسة سيضم‏7‏ أشخاص من مجلس الأمناء‏,‏ الي جانب‏8‏ أشخاص من الهيئة الاستشارية‏,‏ وبذلك يصبح عدد المجلس‏15‏ عضوا‏,‏ وهؤلاء الثمانية من أعضاء الهيئة الاستشارية سيتم انتخابهم من أعضاء المؤتمر الذي يعتبر أعضاؤه جمعية عمومية للمؤسسة‏,‏ وبذلك سيتم تشكيل أول مجلس ادارة للمؤسسة بالقاهرة في أكتوبر المقبل في تكامل وتلاحم بين رجال الفكر ورجال المال‏,‏ وهو ما يؤكد المبادرة التضامنية بين الفكر والمال‏.‏
السباق مع الزمن‏:‏
‏*‏ وبالنسبة لسباقنا مع الزمن في تتابع الأحداث‏,‏ هل تنتظر عملا من المؤسسة قبل انعقاد المؤتمر في أكتوبر المقبل؟
‏**‏ قال رئيس مؤسسة الفكر العربي‏:‏ إنني لا استطيع أن أقول إنه سيكون هناك تحرك مؤثر‏,‏ ولكن يجب أن يكون هناك تحرك ونبدأ لأن وقوفنا كمتفرجين والأحداث تلاحقنا سواء اعترفنا أو لم نعترف‏,‏ أننا المعنيون بهذه الهجمة الموجهة للعرب والمسلمين‏,‏ واذا لم نتحرك بسرعة وقوة فعلينا السلام‏.‏
استئجار محطات تليفزيونية‏:‏
‏*‏ سمو الأمير‏,‏ أمام ذلك يري البعض ونحن معهم أن نبدأ علي الأقل باستئجار بعض الساعات في التليفزيونات العالمية‏,‏ لبث وجهة النظر العربية باللغات الحية لتصحيح الصورة المشوهة‏,‏ وهناك البعض يري أن يتكامل ذلك بإرسال وفود لحوار عربي ـ أمريكي وأوروبي؟
‏**‏ قال رئيس مؤسسة الفكر العربي إن هناك تحركات حاليا من خلال اتصالات مع هيئات ومؤسسات أمريكية وغربية من المتعاطفين ومن أصل عربي‏,‏ وسنبدأ معهم عملا مشتركا علي الساحة الإعلامية خاصة وأن الأحداث متلاحقة ونحن لا نريد الاستعجال لدرجة نفقد فيها التوازن‏,‏ ويؤثر ذلك علي مستقبل المؤسسة‏.‏
ثاني جائزة عالمية‏:‏
‏**‏ وحول زيارته الحالية لمصر‏..‏ قال الأمير خالد الفيصل‏,‏ إنها لحضور حفل تكريم الأمير عبدالله الفيصل‏,‏ التي سيتسلمها نيابه عنه نجله الأمير محمد عبدالله الفيصل في الاحتفال الذي سيقام اليوم برعاية السيد فاروق حسني وزير الثقافة‏,‏ الذي تقيمه دار سعاد الصباح‏,‏ وبالنسبة لوجود جائزة عربية علي غرار جائزة نوبل العالمية‏,‏ قال الأمير خالد الفيصل إن لدينا بالعالم العربي جائزة الملك فيصل العالمية‏,‏ وهي ثاني جائزة معترف بها دوليا بعد نوبل‏,‏ ونحن لدينا هذه الجائزة‏,‏ ولكن مما يؤسف له أن التقدير لهذه الجائزة في خارج العالم العربي أكثر منه داخل العالم العربي‏,‏ وهذا شيء مؤلم وأرجو طرحه من خلال جريدتكم الغراء الأهرام‏,‏ لماذا لا تقابل الأعمال العربية بتقدير عربي؟ لماذا نحن العرب لا نقدر أعمالنا كما يجب ولماذا نسعي لتقدير كل ما هو مستغرب من الغرب‏.‏ وعدم تشجيع والاعتراف بكل ما هو عربي‏,‏ والدليل أن جائزة الملك فيصل بكل أسف لا تحظي بالتغطية الإعلامية المناسبة من وسائل الإعلام العربية‏.‏
وعلينا أن ننظر ما يعمل لجائزة نوبل وفي جوائز الأوسكار الفنية‏,‏ وللأسف في المقابل نجد تهميشا لجائزة الملك فيصل العالمية في الصحافة والتليفزيونات والإذاعات العربية‏..‏ لماذا هذا‏:‏ سؤال يجب أن يكون محل تساؤل مع الجميع؟
‏*‏ سمو الأمير هذا يعود لعدم وجود خطة إعلامية لجائزة الملك فيصل‏..‏
‏**‏ هذه الجائزة تكريمية لعلماء ورواد معروفين عالميا ومن أكثر من حصلوا عليها علماء مصريون والصحافة المصرية لم تهتم بهم‏.‏
وفي العام الحالي أربعة ممن حصلوا علي جائزة نوبل سبق أن حصلوا علي جائزة الملك فيصل علي نفس الموضوع‏..‏ وعلي سبيل المثال الدكتور أحمد زويل فاز بجائزة الملك فيصل قبل حصوله علي جائزة نوبل ولم يغط إعلاميا إلا مع نوبل‏,‏ وما أريده أن هذا التهميش والاهمال لمنجزاتنا العربية يجب أن يتغير ويكون للإنسان العربي الاعتزاز بما يفعل‏,‏ ولماذا لا نهتم بما نقوم به ونسعي للتصفيق لما يقوم به غيرنا‏,‏ وستكون هذه القضية وغيرها محور مناقشات المؤتمر القادم للمؤسسة في محور الإعلام العربي ـ العربي‏,‏ ونتساءل فيه ماذا فعل الإعلام العربي بالأمة العربية‏,‏ هل أفادنا أم أضر بنا؟ هل ارتقي بالأمة‏,‏ هل وحدها‏,‏ هل قرب بيننا أم كان أداة للفرقة والنزاعات‏.‏
الوضع الحالي نتيجة تفاعل جميع العوامل‏:‏
‏*‏ وأخيرا ماذا عن الأوضاع المأساوية التي تشهدها الساحة الفلسطينية حاليا‏,‏ هل تري أن هناك جوانب ثقافية وحضارية في هذا الصراع؟
‏**‏ قال الأمير خالد الفيصل إنه لا يوجد جانب لا تدخل فيه السياسة‏,‏ والوضع العربي الذي لا تحسد عليه الأمة العربية حاليا‏,‏ ناتج عن كل العوامل ولا يوجد وضع واحد ونحمله المسئولية‏,‏ فالمسئولية ليست سياسية أو ثقافية واجتماعية واقتصادية‏..‏ هناك خلل في الفكر العربي بمجالاته المتعددة‏,‏ يجب وضع الأصبع علي هذا الخلل ومعالجته من تعليم وإعلام وثقافة واقتصاد‏.‏
كيف نفسر وجود‏22‏ دولة عربية لا تتفق علي الحد الأدني من اتفاق المصالح ومقدار الثقة هي الأساس‏,‏ يجب أن ننمي ونعزز الثقة بين العربي والعربي‏,‏ وهو ما يؤكد حاجتنا للحوار العربي ـ العربي قبل الحوار مع الآخر‏.‏
وقال إنه سيلتقي خلال زيارته بالقاهرة مع عدد من رجال الفكر والثقافة‏,‏ والإعداد للمؤتمر العام القادم للمؤسسة‏.‏(الأهرام المصرية)