كتب علي الرز: في مطلع اكتوبر الماضي فوجئ السفير العراقي لدى الامم المتحدة محمد الدوري بنظيره الاميركي جون يغروبونتي يسلمه رسالة شفوية تحذر النظام العراقي من محاولة الاستفادة من العمليات العسكرية المرتقبة ضد افغانستان لتهديد جيرانه او ضرب الاكراد او مهاجمة اسرائيل.
ويمكن القول ان العشوائية التي حكمت كلام نيغروبونتي في ما يتعلق بالتوقعات العراقية، هي نفسها العشوائية التي حكمت لاحقا تجميع الادلة عن علاقة ما بين العراق وهجمات 11 سبتمبر، وهي نفسها العشوائية التي رافقت تصريحات مسؤولي الادارة عن تورط العراق.
الادلة الاميركية الجاري تجميعها تتمحور حول موضوعين كبيرين يكفي واحد منهما لاتخاذ قرار متى قررت واشنطن ذلك, العلاقة مع "القاعدة" وتنظيمات ارهابية اخرى، وعدم تطبيق قرارات مجلس الامن وتحديدا رفض السماح بعودة المفتشين الدوليين.
ومثلما كانت زيارة نيغروبونتي للدوري قبل العمليات في افغانستان مؤشرا قويا الى ان العراق خيط اساسي في الدائرة، لا يستبعد ان يكون العراق الهدف المقبل بعد ان تستكمل كل ابعاد الدائرة عند الانتهاء من العمليات في افغانستان.
ماذا في الادلة عن التورط مع "القاعدة" واسامة بن لادن؟
- الدليل الابرز اتى من براغ، ففي ابريل الماضي التقى السكرتير الاول في السفارة العراقية في العاصمة التشيكية احمد العاني، المصري محمد عطا المشتبه في انه قائد عملية التفجيرات في 11 سبتمبر, وذكرت الاستخبارات التشيكية ان عطا طار من فلوريدا الى براغ فقط ليلتقي العاني في المطار مدة ساعة او ساعتين، ثم عاد الى الولايات المتحدة.
الانباء التي رشحت عن الاجتماع ان المسؤول العراقي طلب الاستعانة بعطا وعدد من رفاقه في "القاعدة" لتفجير اذاعة المعارضة العراقية في براغ، وانه اعطاه مبلغا من المال من اجل ذلك ثم تم التوسع قليلا في موضوع اللقاء, فقيل انه مصور وانه تم على مرحلتين، وان الاستخبارات التشيكية تحتفظ بمعلومات مهمة عما جرى فيه, وورد اسم عطا لاحقا في قضية "الانثراكس" بالتلازم مع الاشارة الى العراق، اذ نقلت "اوبزرفور" البريطانية في 10-11-2001، عن مسؤولين اميركيين، "ان عطا الذي التقى مسؤولا عراقيا في براغ استأجر شقة في فلوريدا من زوجة رئيس بوب ستيفنز في العمل وهو البريطاني الذي كان اول من توفي بمرض الجمرة الخبيثة.
فجأة، سحبت قضية عطا والعراق من التداول مع بدء العمليات في افغانستان، ولمصلحة "الاعلان التدريجي" للادلة الذي عادت الادارة الاميركية واعتمدته لوضع حد للتصريحات والادلة العشوائية.
لقاء عطا والعاني في براغ ليس الوحيد الذي تم على مستوى رسمي بين "القاعدة" والعراق، اذ يرى الاميركيون ان لقاءات اخرى تمت في ظروف مختلفة.
في 3-12-2001، تكتب "يو,اس,ايه, توداي" ان لقاءات بعيدة عن الاضواء جرت في السودان بين 1991 و1996 بين مسؤولي "القاعدة" ومسؤولين عراقيين، وتنقل عن مسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي,اي,ايه) ان لديهم ملفات عن علاقة احد اعوان بن لادن بالعراق منذ 1994، وان هذا الرجل كان القناة المالية التي ربطت بين الطرفين
وتقول تقارير (سي,اي,ايه) ان بن لادن تقاضى اموالا من العراق لدعم عمليات "الجماعة الاسلامية المسلحة" في الجزائر، وان هذا "الدين" كان يجب ان يسدد في اماكن اخرى، وتشير الى ان الطرفين كانا يحتاجان الى بعضهما في تلك الفترة فالعراق المحاصر من الجميع، وجد في السودان مسرحا كبيرا لاستخباراته،, وبن لادن المسحوبة جنسيته وجد في الدعم العراقي دفعا لنشاطاته، خصوصا ان هناك من يذهب الى القول انه ادار مشاريع مشتركة سودانية - عراقية.
"المرحلة السودانية" بالنسبة الى الاميركيين، هي المرحلة التي زرعت بذور التعاون بين بغداد و"القاعدة",الا انها مرحلة كما يقول ستانلي بيد لنغتون كبير المحللين في معهد مكافحة الارهاب في "سي,اي,ايه" اتسمت بسرية كبيرة، لأن العراق لم يرد ان يظهر في الصورة بأي شكل من الاشكال.
في تلك المرحلة، تفيد التقارير، ان الاستخبارات العراقية استطاعت زرع شخص او اكثر في تنظيم "القاعدة"، وقدم ضباط عراقيون مساعدات في صنع القنابل والاستفادة من المواد البدائية لذلك، وتزوير جوازات سفر,,.
في 1998، يحصل تفجير السفارتين الاميركيتين في نيروبي ودار السلام، وتكشف التحقيقات علاقة لتنظيم بن لادن به، ويحصل رد اميركي عسكري ضد السودان وافغانستان، ثم تقف الامور عند هذا الحد, وتنقل "توداي" عن مسؤول استخباراتي اميركي ان سفير العراق في انقرة فاروق حجازي (وهو ايضا ضابط استخبارات) زار افغانستان في ذلك الوقت وقدم عرضا لبن لادن بالانتقال الى العراق، الا ان بن لادن رفض.
وينفتح فجأة في واشنطن، ملف معسكر سلمان باك في العراق الذي يقال انه يضم مجموعات من المقاتلين من مختلف الجنسيات تتدرب لمدة محدودة وتعود الى البلاد التي قدمت منها او تبقى في العراق، ويذكر ان مسؤولي "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" المعارض في العراق تحدثوا في شكل مستمر عن هذا المعسكر قبل اربع سنوات، الا ان التطورات الاخيرة اعادت فتحه.
في 8/11/2001، تنقل "نيويورك تايمز" عن عسكريين عراقيين عملا في معسكر سلمان باك (جنوب بغداد) انه يتألف من قسمين، الاول يضم عراقيين، والثاني مقاتلين عربا ومسلمين ينقسمون على مجموعات من 40 الى 50 فردا وتستمر دوراتهم من خمسة الى ستة اشهر، واضاف العسكريان اللذان اصبحا معارضين الان، انهما شاهدا هيكل طائرة "بوينغ -707" يتدرب فيه مقاتلون على خطفها بالسكاكين، كما يتدرب اخرون على القيام بهجمات ضد دول في المنطقة واوروبا واميركا, وان في المعسكر قسما يخضع لحراسة شديدة يقوم فيه علماء عراقيون بقيادة الماني بانتاج اسلحة بيولوجية.
في 14/9/2000 يخطف عراقي طائرة قطرية كانت في طريقها من الدوحة الى عمان,,, بسكين، ثم يستسلم في حائل في السعودية، وقيل ان الخاطف كمال اسامة عادل حسين كان يريد "ضم البصرة الى حائل"، ثم قال محاميه احمد معرفية في المحكمة القطرية ان الخاطف "جزء من مشكلة 22 مليون عراقي يرزحون تحت الحصار".
عملية خطف الطائرة القطرية قبل عام واربعة ايام من خطف الطائرات في نيويورك، تعطي مؤشرا معينا اذا وضعت في سياق الحملة الدولية بجمع الادلة خصوصا لجهة الطريقة التي تم بها الخطف وهي مماثلة للطريقة التي نفذها محمد عطا ورفاقه, الا ان مسؤولين امنيين يستبعدون تماما اي صلة للعملية بما لحق، ويعتبرونها منفصلة تماما.
بعد ذلك بأسابيع، يفجر انتحاريان المدمرة "كول" في عدن، ويقول جيمس وولسي المدير السابق لـ "سي,اي,ايه" ان المتفجرات التي استخدمت في العملية وهي من نوع "سي 4" موجود منها في العراق.
وولسي الذي انفرد دائما عن اقرانه الاميركيين بالحديث المتكرر عن علاقة منفذي تفجيرات 11 سبتمبر بالقول انها ما كان يمكن ان تكون لولا مساعدة استخبارات اجنبية اكد خلال حديثه عن صحة الادلة المطروحة في شأن العراق انه سواء صحت الادلة او تم التركيز فقط على عودة المفتشين الدوليين "فان احد الامرين يكفي لاتخاذ قرار".
ويبدو ان عودة المفتشين ستكون السلاح الامضى، خصوصا مع تراجع الحديث عن العلاقة بالانثراكس، ومع اعلان الشرطة التشيكية في 18/12/2001، أن الديبلوماسي العراقي في براغ التقى شخصا آخر,,, غير محمد عطا.(الرأي العام الكويتية)