قال معلق فرنسي إن الحرب ليست مثل اليانصيب. ويعني ذلك أنه يمكن لجهة أن تربح أو تخسر من دون أن تكون مشاركة. العرب، في حرب أفغانستان، خاسرون. ولقد خسروا كثيراً لأنهم تصرفوا عكس الحكمة القائلة بأن من الأفضل امتلاك سياسة خاطئة بدل عدم امتلاك أي سياسة بالمطلق. كانوا الحاضرين الغائبين. خيضت الحرب، من جانب أسامة بن لادن، باسمهم إلى حد بعيد، وانتهى الأمر بأن بدا سقوط نظام طالبان تحريراً لأفغانستان من الاستعمار العربي!
لقد ازداد العرب، ككل، هامشية في الأشهر الأخيرة. وربما كانت مساهمتهم الوحيدة هي أنهم طرف في امتصاص آثار الركود الاقتصادي العالمي بسبب الانخفاض في أسعار نفطهم.
قد يكون من المبكر الكلام عن الصياغة الجديدة للعلاقات الدولية في مرحلة ما بعد 11 أيلول. ولكن ليس ضرورياً انتظار الوضوح في هذه الملامح من أجل الحسم بأن الموقع العربي الإجمالي ازداد ضعفاً وأن ما كان يسمى <<نهاية التاريخ>> لهم ولغيرهم أصبح خروجاً لهم من هذا التاريخ أو، على الأقل، خطوة نحو هذا الخروج.
لم يعترض العرب على الحرب ولم يشاركوا فيها. لا بل لم يكونوا موجودين أصلاً كحالة متماسكة. اكتفى المتفائلون بينهم بتركها تمر وفي الذهن أن الثمن سيكون <<خيراً>> أميركياً لصالح الفلسطينيين تطييباً للخواطر عن حملة شابها <<صراع حضارات مزعوم>>. والمتفائلون، أنفسهم، شرعوا يحسبون الحساب لكيفية موازنة مواقفهم اللاحقة بين ما ستطلبه منهم واشنطن، عراقياً، وما ستعطيهم إياه، فلسطينياً. غير أنهم فوجئوا بأن الولايات المتحدة، المنتصرة بسهولة، تقيس وزنهم بدقة وتمنحهم على قدره، أي القليل: رؤية من كولن باول وضغوط هائلة على ياسر عرفات.
يستعيد هذا المشهد فصولاً سابقة من تاريخ علاقة القوى الاستعمارية بالمنطقة العربية. ففي كل محطة مهمة من هذا التاريخ كان يحصل نقاش في الدوائر الغربية. يبرز من يطالب بعدم التشدد حيال العرب وينصح بعدم الجذرية في عدائهم. ويقف مقابل ذلك من يدعو إلى إهمال هذا البُعد وعدم السؤال أو الاهتمام بأي رد فعل. ولقد تكرر الأمر على امتداد قرن تقريباً. وفي كل مرة كان يثبت أن دعاة التشدد على حق وأن في الإمكان اتباع أشد السياسات عدائية من دون أن يستثير ذلك الانفعال المطلوب والمتوقع. أي إن مسيرة التراجع العربي، التي قطعتها لحظات ممانعة قليلة، كانت الحليف الأول لخصوم العرب والعدو الأول لكل مَن يريد أن يحسب لهم حساباً.
إن الاسم الحركي الراهن لهذه الظاهرة هو <<الشارع العربي>>. فعند كل محطة صراعية ينبري بعض <<السذج>> في الغرب ليحذروا دوائر صنع القرار من <<هبة>> هذا الشارع في حال التمادي في استفزازه. وفي كل محطة لا يكون هذا <<الشارع>> على الموعد إذ إنه يعيش بعض التقلصات العصبية قبل أن يستكين. كان ذلك قبل أن نعيش ثورة الاتصالات الراهنة التي قسمت الشارع شارعين: الأول يعوّض عبر شاشات تلفزيونية معينة (تنقل الوقائع بالبث المباشر) عن عناء أي مشاركة فعلية، والثاني يدخل في متاهات سجالية لا تنتهي تتمحور حول <<الحاج متولي>> النجم العربي الأول في الشهر الماضي، شهر تعرّض الشعب الفلسطيني لخطر داهم والاستعداد لتعريض الشعب العراقي لمثله!
هل من غرابة، والحالة هذه، أن يتحول اجتماع وزراء الخارجية العرب إلى غاية في حد ذاته؟ وهل من غرابة في أن يتساءل البعض عما إذا كان عدم الاجتماع أفضل؟
إن الوضع العربي، شارعاً وسلطات، هو إجازة مرور لكل اعتداء.(السفير اللبنانية)