ادت القسم يوم امس الحكومة الانتقالية الجديدة في أفغانستان، وكانت تلك لحظة هامة، سواء بالنسبة للعالم في حملته من اجل تقديم المسؤولين عن الهجمات البشعة في 11 ايلول (سبتمبر) الماضي الى العدالة; او بالنسبة للمنطقة في سعيها لإشاعة الاستقرار في كل جنباتها; وبالطبع لأفغانستان نفسها، التي حُرم شعبها من العدل والديمقراطية والحرية لحقب طويلة من الزمان.
في غضون 100 يوم لا اكثر، اجتزنا مرحلة التصميم على التصدي للارهاب الى مرحلة تنصيب حكومة جديدة تولت تسيير الامور في بلاد لم يعد بمقدورها ان تصبح قاعدة للارهاب. هذا تقدم حقيقي. ومع ان بين أيدينا الكثير الذي ما زال علينا ان ننجزه، فانه يجب ألا يفوتنا مغزى هذا اليوم.
احتفت بريطانيا بهذا اليوم بوسائل محددة ثلاث:
ـ أولا: بالاعتراف المباشر بالحكومة الجديدة ورفع بعثة المملكة المتحدة الى مستوى السفارة الكاملة.
ـ ثانيا: بتحقيق حضور بريطاني في شوارع المدينة، تمهيدا للطريق امام القوات الدولية التي ستساعد الحكومة الجديدة على اشاعة الأمن والسلام.
ـ وثالثا: باعلان التزامنا المتواصل ، كما افعل الآن، باعادة بناء أفغانستان وضمان مستقبلها.
لقد تحرر الشعب الأفغاني من نظام طالبان وصار حرا في تحديد خياراته حول امور حياته، وحرا في ان يعمل وان يتعلم، وان يخلق مجتمعا جديدا في بلد ظل يعاني الظلم والتشرذم سنين عددا.
لم تكن هجمات 11 سبتمبر الماضي مدفوعة بصورة حصرية بالرغبة في جلب الموت والدمار، بل كانت ذات ابعاد سياسية كذلك، كما كانت هجوما على الديمقراطية وعلى الحرية في كل العالم. ولذلك فان هزيمة نظام طالبان وتنظيم "القاعدة" في أفغانستان، لم تكن عسكرية وحسب، بل كانت هزيمة سياسية ايضا. ان تشكيل الحكومة الانتقالية في كابل هزيمة سياسية للافكار التي قادت الى تنفيذ هجمات 11 سبتمبر. والى ذلك، فانني اقدر تقديرا عاليا الجهود التي قامت بها الأمم المتحدة للمساعدة في كل الخطوات التي ادت الى تنصيب الحكومة الانتقالية الجديدة، ولانجاحها، رغم كل التوقعات المعاكسة، لمؤتمر بون الذي توصل الى اتفاقية تكوين الادارة الجديدة.
ولكن رغم عظمة العمل الذي اضطلعت به الأمم المتحدة، والمساعدات التي ستقدمها في المستقبل للحكومة الجديدة، الا ان الفضل الاعظم يرجع للشعب الأفغاني وقادته الذين اشتركوا في مفاوضات بون، والذين يشاركون الآن في تكوين الحكومة الانتقالية الجديدة، والتي تحتاج اليها أفغانستان حاجة ماسة وعاجلة. ان تصميم هذا الشعب واصراره على التحرك الى الامام، وبحثه عن وسائل توحيد بلاده، وصياغة مستقبله، كل ذلك هو القوة الدافعة حقا لعملية التغيير.
منذ امس اضطلعت الحكومة الأفغانية الجديدة بتسيير امور البلاد ، بكل ما ينطوي عليه هذا من معان. وقد صاغت وثيقة بون هذه المهام بصورة صائبة حين اشارت الى "تحقيق السلام والنظام والحكم العادل الكفء". ومنذ امس آل الى الحكومة الانتقالية الجديدة امر القوات المسلحة، كما آلت اليها السلطة على كل المجموعات المسلحة في كل انحاء أفغانستان. ومنذ امس تقلدت الحكومة الانتقالية الجديدة مسؤوليتها عن احترام حقوق الانسان واحترام القوانين الدولية، ومعالجة زراعة المخدرات والاتجار بها، واقامة علاقات سلمية مع جيرانها ومع المجتمع الدولي ككل.
ويجب ألا نقلل من ضخامة هذه التحديات واتساع مداها. ان هذه الحكومة الجديدة، التي يقودها باقتدار وحكمة حميد كرزاي، تنتظرها جهود خارقة في التصدي للمهام التي وضعتها امامها. ولكنني واثق تماما انها ستكون اهلا لمواجهة هذه التحديات. نحن في التحالف الدولي سنفعل كل ما في وسعنا لمد يد العون لها. وهذا هو الهدف، اذ الهدف الوحيد في الواقع، لقواتنا هو المساعدة على حفظ النظام التي تقودها بريطانيا ومع ان القوات البريطانية ستبقى في أفغانستان لفترة محدودة، الا ان التزامنا تجاه أفغانستان ليس محدودا بفترة زمنية معينة.
واعتقد ان الادارة الانتقالية الجديدة قد استندت الى قاعدة وطيدة ، تتمثل تحديدا فيما انجزه التحالف الدولي في فترة المائة يوم او نحو ذلك، منذ هجمات 11 سبتمبر. لقد ذهب حكم طالبان، وازيح تنظيم "القاعدة". وبدأت المساعدات في الوصول. وبدا الناس في العودة. وعلى هذه الاسس المتينة يمكن للحكومة الانتقالية ان تبدأ العمل لضمان مستقبل مستقر لأفغانستان. واحدى مهامها المركزية هي ان تكون خلال الشهر المقبل لجنة مستقلة خاصة للتحضير لاجتماع لويا جيرغا الطارئ والتي ستقوم بدورها بتشكيل حكومة تمثل الشعب الافغاني ويمنحها الشعب الافغاني تأييده الكامل.
لا اشك مطلقا في صعوبة هذه العملية. ولكنني لا اشك كذلك في تصميم المكلفين بها والمشاركين فيها على انجازها. وعلى أفغانستان ألا تشك ايضا في ان كل آمالنا وكل امنياتنا معلقة بالادارة الانتقالية لانجاز هذه المهام.
كان النصر العسكري في أفغانستان مهما. ولكن كان مهما بنفس القدر تحقيق النصر السياسي ايضا. فقد تحررت أفغانستان من واحد من اكثر النظم بشاعة واضطهادا في العالم. نظام نكل بشعبه، وحطم بلاده، واصبح يمثل خطرا داهما بالنسبة للعالم ككل بتحويله البلاد الى قاعدة للارهاب.
ان الخلاص من ربقة مثل هذا النظام الذي لم يتورع عن زعزعة استقرار كل الاقليم، وضع مصير أفغانستان في أيدي اهلها. وتقف امام الحكومة الانتقالية مهام صعبة. ولكنها تقبل على هذا التحدي ، وهي تعلم ان ثمار الأمن والحرية اصبحت دانية بالنسبة للحكومة وللشعب وللعالم.
* رئيس الوزراء البريطاني ـ خاص بـ"الشرق الأوسط"
&