الخرطوم ـ من أحمد حنقه: بينما الساحة السودانية تمور بالاحداث الساخنة، وتتصاعد درجة غموضها برزت مخاوف عديدة لدى الاوساط السياسية من نتائج التحركات الاميركية الحالية في السودان من خلال المبادرة التي يقودها المبعوث الاميركي الخاص للسلام في السودان السيناتور جون دانفورث والذي من المقرر ان يبدأ جولته الثانية خلال الاسبوعين المقبلين في اطار مهمته الرامية لانهاء الحرب واحلال السلام في السودان وتبدو الصورة داخل العاصمة السودانية الخرطوم مشوبة بالحذر والترقب.
حيث تنظر بعض الدوائر الى التحرك الاميركي من خلال مبادرة دانفورث على انها ستحقق مآلاتها النهائية بتعزيز& الاوضاع العسكرية لحركة التمرد التي يقودها العقيد جون قرنق وستتيح له فرصة تحسين اوضاعه العسكرية من خلال وقف اطلاق النار ولو بشكل جزئي خاصة في المناطق التي تعتبر ممرات آمنة مما يقود الى تعزيز قواته في محيط حقول انتاج النفط بالجنوب ولم يستبعد مراقبون سودانيون ان يتم توجيه الضربة الاميركية للسودان التي روجت لها وسائل الاعلام العالمية الى كبرى مدن الجنوب السوداني ـ جوبا ـ وهي مدينة على درجة من الاهمية الاستراتيجية بالمنطقة، وذلك لتغيير ميزان القوة هناك لصالح قوات المتمردين لكن هذه المخاوف يتحفظ المسئولون عن الاشارة اليها وذلك مع الادارة الاميركية.
على اية حال فان اغلب المراقبين يجمعون على ان النفط السوداني يشكل محور الاهتمام الاميركي بالسودان، لذلك يذهب البعض الى الاعتقاد بأن الحرب المقبلة سيكون محورها الاساسي هو الحرب من اجل النفط وان المبادرة الاميركية ما هي الا فرصة سانحة لقوات متمردي الجنوب السوداني لترتيب اوضاعهم العسكرية ونقل تعزيزاتهم الى مناطق انتاج النفط توطئة لادارة الحرب المقبلة هناك في المرحلة التالية، ويخشى المتابعون للاوضاع في السودان أن تسفر مبادرة دانفورث عن تطبيق مقترحات سابقة لتقسيم السودان الى ثلاثة كيانات على النحو الاتي:
اولا : دولة عربية مسلمة في الشمال.
ثانيا: دولة جنوبية مسيحية في الجنوب. وهذا المقترح ما اثاره الرئيس الاوغندي يوري موسفيني ( الصديق الشخصي لقرنق وزميل دراسته الجامعية) امام الجمعية العمومية للامم المتحدة في نوفمبر الماضي حيث دعا المؤتمرون هناك من رؤساء دول العالم الى مساعدة الجنوب السوداني من اجل اقامة دولته المستقلة واشار وقتها الى ذات المقترح.
ثالثا: كيان يتمتع باستقلال ذاتي فضفاض في جبال النوبة (غرب السودان) ومنطقة أبيي ( جنوب غرب) ومنطقة جبال الانقسنا (جنوب شرق).
ولعل ما يؤكد الى الاهتمام الاميركي بالنفط السوداني هو ما اشار اليه المبعوث الخاص السيناتور جون دانفورث بنفسه رغم تحفظاته الشديدة في الاجابة على سؤال حول نظرة بلاده لمستقبل النفط السوداني حيث قال:( ان السلام كفيل بحماية خط الانابيب الدي ينقل النفط من مواقع انتاجه القاصية في الجنوب والجنوب الغربي الى مناطق تصديره في اقصى الشرق (بورتسودان) ويمكن للنفط ان يقوم بدور مهم في اعمار السودان وهو امر اعتقد انه على السودانيين ان يبدو التفكير فيه بجدية).
وعلى الرغم من تحفظات المسئولين السودانيين من اثارة المخاوف ازاء المبادرة الاميركية وهي تدخل مرحلة التنفيذ، الا ان بعض التصريحات تشير الى تلك المخاوف بوضوح شديد ولعل ذلك يبدو جليا في تصريحات النائب الاول للرئيس السوداني المحامي علي عثمان محمد طه الذي قال: ( ان الحكومة تعتبر نفسها في مرحلة تأكد النيات الحسنة سعيا الى مد جسور الثقة بين واشنطن والخرطوم من جهة وبين الحكومة وحركة التمرد من جهة اخرى وخلص طه الى القول : (إن المسألة تحتاج الى وقت كاف).
وكانت الحكومة السودانية قد تحفظت على بعض المقترحات التي وافقت عليها حركة التمرد مثل المقترحات الخاصة بانشاء آلية دولية للتحقق في قصف الحكومة للمدنيين وهو امر يجب ان يكون في اطار الاتفاق الشامل على وقف اطلاق النار واكدت ذلك على الخرطوم كما جاء في بيان السفرة الاميركة حول موافقة السودان على المقترحات الاميركية.
أما على صعيد المعارضة السودانية يبدو الحال اشبه بالموقف الرسمي حول مقترحات دانفورث حيث لا يزال الصمت والترقب يلف الساحة المعارضة، غير ان المحاذير والمخاوف موجودة وتبدو في كثير من التصريحات والايماءات والتلميحات.(الوطن العمانية)