كان المفكر السوري ياسين الحافظ، رحمه الله، يقول ان لا مجال للتقدم العربي من دون فتح قفل الاسلام. هذا الكلام الذي كان صحيحا بالأمس هو صحيح اليوم، وبحدة اكبر. لم يفتح العرب قفل الاسلام ولذلك فهم يوالون الانحدار، ويتلقون الهزائم، ويخرجون من كل هزيمة أشد محافظة وتقليدية، اي اكثر استعداداً لنكسة جديدة. ان المسار العربي مسار تنازلي.
لقد جددت أحداث السنة الماضية، وخاتمتها تفجيرات 11 أيلول وحرب افغانستان، جددت طرح الموضوع المتكرر منذ قرن ونيف. فمن دون ان نعرف اي اسلام نريد لن نستطيع التأسيس لمكان لنا في العالم، مكان يحفظ الحد الادنى من الحقوق. وكشفت التطورات الاخيرة أن خطرا داهما يواجه وعينا. انه خطر الانشطار بين <<اسلام طالباني>> متشنج، ومنغلق، وبين اسلام يريده لنا الاميركيون <<متسامحا>> أي تقليديا وغافلا عن الاتصال بمنظومة الوعي الذي يفترض بنا امتلاكه لمأزقنا وقضايانا ومصالحنا.
لقد انطلقت، في الغرب، آلة الدعاية الجبارة داعية المسلمين في كل اقطارهم والعرب بشكل خاص، الى تغيير مناهج التعليم، وتعديل التوجهات الثقافية، ومراقبة خطب المساجد... قد تكون هذه كلها تحتاج الى مراجعة ولكن المطلوب، اميركيا، هو توفير مضمون لهذا التغيير يجتث بؤرة الممانعة التي لم يتم القضاء عليها بعد. أما تطوير هذه النواة الصلبة من اجل توفير بيئة تسمح بسياسة أكثر رشدا، اي اكثر إصراراً على المصالح الوطنية والقومية، فهو ليس على جدول الاعمال.
ولعله بات واضحا، اليوم، أن المسألة الثقافية، بهذا المعنى الواسع، ستكون واحداً من أبرز أسئلة المرحلة المقبلة عربياً وإسلامياً. لقد كانت مطروحة في الماضي ولكن بطريقة جعلت ما حصل، وهو كارثة متصلة، ممكناً.
عندما كان يقال لنا <<شرق اوسطية>> كنا نشهر السلاح ضد <<التطبيع الثقافي>>. ونتغافل، والحالة هذه، عن كل الانهيار الذي نعيشه، وتعيشه مجتمعاتنا، في مجال الصراع مع الهجمة الاستعمارية الجديدة وطليعتها الإسرائيلية. وعندما كان يقال لنا <<عولمة>> كنا نشهر السلاح ضد <<الغزو الثقافي>> ونتغافل عما عداه مما يشكل، فعلياً، جوهر العولمة الزاحفة.
لم يحصل ذلك في فراغ. إنه النتيجة الطبيعية لتعثر وجودنا، كأمة، سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً وأمنياً، واقتصار هذا الوجود على حالة ثقافية نعتبرها مهددة. ولكن ما يشدنا الى أسفل بقي يفعل فعله خاصة اننا اضفنا الى نقص الوعي بأسباب تراجعنا امتشاقاً لسلاح طاله هذا التراجع مثلما طال غيره وأكثر. ولذلك فإننا نعيش، منذ عقود، انفصاماً لا حدود له بين مبالغات سياسية واقعية تلامس التطرف الاستسلامي وبين مبالغات ايديولوجية جامحة يعبّر عنها تطرف إسلامي تحوّل، في غير بلد، الى فعل تدمير.
إن فتح قفل الاسلام يعني إحداث ثورة فكرية، تنويرية، تحديثية، تعيد للدين موقعه في قلب المشروع القومي الديموقراطي. وما لم يحصل ذلك فإن البديل عنه سيبقى مشروع الثورة المجهضة باسم دين يعاني من تخلفنا قدر ما نعاني من ترجمته الضيقة والمحافظة.
أن يكون العدد السنوي ل<<السفير>> مخصصاً لتلمّس هذه القضايا هو تحصيل حاصل. لقد بدت الفكرة جذابة بمجرد أن طرحت.
ولا يدّعي العدد إحاطة شاملة بموضوع له هذه الحساسية وهذا الاتساع. انه مجرد محاولة للحض على التفكير والتبصر، وهي محاولة تنطلق من ان التطورات المتلاحقة في السنة الماضية في منطقتنا والعالم كانت على تماس مباشر بهذا العنوان، وهي ستكون كذلك في المدى المنظور.(السفير اللبنانية)