كتب سامي كليب :& لم يكن أحمد ناصيري متحمسا للاجابة على السؤال حول الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقبلة، فهذا المهاجر التونسي مكتف تماما بما يربحه من محل السمانة والخضراوات ولم يهتم مطلقا بالسياسة، ثم انه يعيش في منطقة راقية من باريس لم يشعر يوما انه أحد أبنائها (خلافا لأبناء الضواحي) ويرسل أمواله الى تونس حيث يبني بيتا فخما يمضي فيه شهرا كاملا من كل صيف بانتظار ان يعود اليه نهائيا.
<<أنا لا اتعاطى السياسة>>، يسارع ناصيري للاجابة، ويضيف <<اني اعيش في فرنسا منذ 35 عاما، ولم اصوت مرة واحدة حتى ولو اني حصلت على الجنسية الفرنسية، ولكني اترك لأولادي حرية التصويت لمن يشاؤون وانصحهم في الوقت نفسه بعدم الاهتمام بالسياسة>>.
والواقع ان حال هذا المهاجر التونسي لا تزال تنسحب على العديد من المهاجرين المغاربة خصوصا أبناء الجيلين الأول والثاني، فهؤلاء وربما بسبب موروثات وتراكمات ثقافية وأمنية وسياسية عديدة في بلادهم كانوا يبتعدون عن السياسة كما يبتعد الإنسان عن الأمراض المعدية، وثمة خوف ولا مبالاة كامنان في النفوس لأسباب قد تكون متعلقة بالتاريخ في بلد الأم بقدر ما لها صلة بواقع الحال في البلد المضيف.
ولكن منذ بضع سنوات، بدأ حال المهاجرين يتغير شيئا فشيئا. نشأ جيل جديد مدرك لأهمية البطاقة الانتخابية في تحسين ظروف حياته وتسهيل اندماجه في المجتمع. ومع ان فرنسا وضعت قوانين كثيرة لمحاربة العنصرية وقامت فيها جمعيات ناشطة جدا لمعاقبة العنصريين، إلا ان المجتمع لا يزال في عمقه يرفض المساواة الكاملة ويعطي الأولوية في الوظائف لغير المهاجرين خصوصا المغاربة والعرب والأفارقة.
وفي هذا المناخ ولدت جمعيات بتشجيع من بعض الأحزاب والشخصيات الفرنسية أيضا تبتعد عن المؤثرات الدينية الخارجية والتدخلات العربية والإسلامية التي أساءت لها أكثر مما خدمتها، وتؤسس لإسلام فرنسي تماما كما تعمل لجعل الصوت المغاربي او الأجنبي بشكل عام صوتا مؤثرا في السياسة الفرنسية.
ويقول أحمد، وهو أحد الناشطين الجزائريين في واحدة من هذه الجمعيات ولا يعرف من اللغة العربية كلمة واحدة، <<لقد تبين لنا ان أهلنا كانوا على خطأ كبير، فبدلا من الانخراط في الحياة الفرنسية والالتزام بقواعد وقوانين الجمهورية واستخدام الوسائل المتاحة لتحسين ظروف حياتهم والمشاركة في تقدم المجتمع بشكل عام، تعاملوا مع بيئتهم الجديدة كغرباء وعاشوا في تجمعات وكتل وغيتوهات ربما فرضتها عليهم ظروفهم الاقتصادية، إلا انهم ابقوا أنفسهم مهمشين وعرضة لتلاعب الجميع بهم، ولذلك فنحن نشجع الآن أبناء الجيل الجديد على تسجيل أسمائهم على اللوائح الانتخابية، واستخدام أصواتهم لتحقيق مطالبهم، فنحن أبناء هذا المجتمع ولنا كل الحقوق تماما كما علينا كل الواجبات التي تفرضها قوانين الجمهورية>>. منطق سليم ولكن...
ولكن القانون الفرنسي الذي شطب الطوائف والانتماءات عن الهوية الفرنسية منذ عام 1872، والذي يمنع التمييز بين المواطنين في اثناء احصاء السكان، ولا يعترف بأي انتماء طائفي وعرقي، يحول دون معرفة كما حجم هذا الصوت المغاربي بالضبط، وكل ما يصدر بين الحين والآخر إنما يستند الى تقديرات.
وهكذا، فمقابل التقديرات المغاربية التي تسوقها بعض الجمعيات وتفيد بأن عدد مسلمي فرنسا يفوق 5 ملايين شخص، يؤكد المجلس الأعلى للاندماج، ان العدد هو 1،4 مليون بينهم حوالى 9،2 مليون مغاربي، وإذا ما حذف من هؤلاء المغاربة المقيمون على الأراضي الفرنسية من دون الحصول على الجنسية (أي ما يقارب 4،1 مليون) فإن عدد الذين يمكنهم الانتخاب يتخطى مليون ونصف ناخب (وثمة من يتحدث عن مليونين). غير ان الذين يحق لهم الانتخاب ليسوا مسجلين جميعا على اللوائح وبالتالي فإن التقديرات تكاد تشير الى حوالى مليون صوت فقط.
والواقع ان المليون صوت مؤثرة جدا في المعركة الانتخابية الراهنة، فاستطلاعات الرأي المنشورة نتائجها في خلال الأيام القليلة الماضية لا تزال تؤكد ان المعركة ستكون حامية الوطيس جدا بين اليميني جاك شيراك والاشتراكي ليونيل جوسبان وان الفورقات بينهما ستكون ضئيلة جدا بحيث قد يفوز سيد الاليزيه على سيد ماتينيون بفارق نقطة او نقطتين او ثلاث في أفضل الأحوال.
بمعنى آخر ان كل صوت سيكون كبير الأهمية، ولذلك فإن الصوت المغاربي قد يلعب هذه المرة دورا لا بأس به... لكن هنا أيضا الأمور ليست بهذه البساطة، فالمغاربة الذين كانوا عادة يصوتون لليسار باتوا منقسمين اليوم لا بل وحذرين أيضا، ليس فقط لأن الكثير منهم يتهم اليسار بأنه انساق الى لعبة محاربة الهجرة والمهاجرين وانه لم يحقق شيئا من الوعود التي ما فتئ يقطعها منذ انتخاب فرانسوا ميتران عام 1981 ولكن أيضا لأن السياسة الخارجية صارت تلقي بظلالها على الناخب المغاربي وأكثر من أي وقت مضى.
وهنا بالضبط يلعب الصراع العربي الاسرائيلي هذه الأيام دورا بارزا، ويقول نور الدين ريزاني الجزائري الأصل <<بين شيراك الذي وصفه ياسر عرفات بالدكتور والذي كان يقبض على رقبة رجل الموساد الاسرائيلي في خلال زيارته الى اسرائيل، وبين جوسبان الذي تلقى حجرا على رأسه في بيرزيت حين وصف حزب الله اللبناني بالارهابي هناك فرق حتى ولو أن فرنسا تبقى أكثر الدول الغربية قربا من العرب...>>.
ووفق صحيفة <<ليبراسيون>> اليسارية، فإن باسكال يونيفاس الباحث الاشتراكي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية كتب مؤخرا تقريرا للحزب الاشتراكي يقول فيه <<إن الكثير من أبناء المهاجرين ومن الفرنسيين المسلمين والمنتمين الى مختلف الأعمار يعتبرون أنفسهم موالين سياسيا لليسار ولكنهم لن يصوتوا لجوسبان في الانتخابات الرئاسية بسبب أوضاع الشرق الأوسط والشجب الخجول من قبل الاشتراكيين لسياسة اسرائيل>>.
وثمة من سعى للقول (وربما عن خطأ) إن التصريحات الفرنسية المتكررة في الآونة الأخيرة والتي صدرت خصوصا عن وزير الخارجية أوبير فيدرين، ثم استقبال جوسبان ورئيس البرلمان الفرنسي فورنييه (الاشتراكي أيضا) لأبراهام بورغ رئيس الكنيست وأحمد قريع أبو علاء رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني تصب في خانة تصحيح الصورة.
كما أن البعض اتهم شيراك بالقيام بجولته المغاربية قبل فترة وزيارته مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الى حي باب الواد لأسباب انتخابية، وهي التهمة نفسها التي سيقت لاحقا ضد جولة بيار شوفنمان، ذلك أن الاشتراكيين الفرنسيين الحاليين لهم علاقات تاريخية وطيدة مع النخب والتيارات الفكرية المغربية وبينها تيارات معارضة عديدة. والواقع أن اليسار الفرنسي عمل الكثير للمغاربة ولتحسين ظروف المهاجرين.(السفير اللبنانية)
<<أنا لا اتعاطى السياسة>>، يسارع ناصيري للاجابة، ويضيف <<اني اعيش في فرنسا منذ 35 عاما، ولم اصوت مرة واحدة حتى ولو اني حصلت على الجنسية الفرنسية، ولكني اترك لأولادي حرية التصويت لمن يشاؤون وانصحهم في الوقت نفسه بعدم الاهتمام بالسياسة>>.
والواقع ان حال هذا المهاجر التونسي لا تزال تنسحب على العديد من المهاجرين المغاربة خصوصا أبناء الجيلين الأول والثاني، فهؤلاء وربما بسبب موروثات وتراكمات ثقافية وأمنية وسياسية عديدة في بلادهم كانوا يبتعدون عن السياسة كما يبتعد الإنسان عن الأمراض المعدية، وثمة خوف ولا مبالاة كامنان في النفوس لأسباب قد تكون متعلقة بالتاريخ في بلد الأم بقدر ما لها صلة بواقع الحال في البلد المضيف.
ولكن منذ بضع سنوات، بدأ حال المهاجرين يتغير شيئا فشيئا. نشأ جيل جديد مدرك لأهمية البطاقة الانتخابية في تحسين ظروف حياته وتسهيل اندماجه في المجتمع. ومع ان فرنسا وضعت قوانين كثيرة لمحاربة العنصرية وقامت فيها جمعيات ناشطة جدا لمعاقبة العنصريين، إلا ان المجتمع لا يزال في عمقه يرفض المساواة الكاملة ويعطي الأولوية في الوظائف لغير المهاجرين خصوصا المغاربة والعرب والأفارقة.
وفي هذا المناخ ولدت جمعيات بتشجيع من بعض الأحزاب والشخصيات الفرنسية أيضا تبتعد عن المؤثرات الدينية الخارجية والتدخلات العربية والإسلامية التي أساءت لها أكثر مما خدمتها، وتؤسس لإسلام فرنسي تماما كما تعمل لجعل الصوت المغاربي او الأجنبي بشكل عام صوتا مؤثرا في السياسة الفرنسية.
ويقول أحمد، وهو أحد الناشطين الجزائريين في واحدة من هذه الجمعيات ولا يعرف من اللغة العربية كلمة واحدة، <<لقد تبين لنا ان أهلنا كانوا على خطأ كبير، فبدلا من الانخراط في الحياة الفرنسية والالتزام بقواعد وقوانين الجمهورية واستخدام الوسائل المتاحة لتحسين ظروف حياتهم والمشاركة في تقدم المجتمع بشكل عام، تعاملوا مع بيئتهم الجديدة كغرباء وعاشوا في تجمعات وكتل وغيتوهات ربما فرضتها عليهم ظروفهم الاقتصادية، إلا انهم ابقوا أنفسهم مهمشين وعرضة لتلاعب الجميع بهم، ولذلك فنحن نشجع الآن أبناء الجيل الجديد على تسجيل أسمائهم على اللوائح الانتخابية، واستخدام أصواتهم لتحقيق مطالبهم، فنحن أبناء هذا المجتمع ولنا كل الحقوق تماما كما علينا كل الواجبات التي تفرضها قوانين الجمهورية>>. منطق سليم ولكن...
ولكن القانون الفرنسي الذي شطب الطوائف والانتماءات عن الهوية الفرنسية منذ عام 1872، والذي يمنع التمييز بين المواطنين في اثناء احصاء السكان، ولا يعترف بأي انتماء طائفي وعرقي، يحول دون معرفة كما حجم هذا الصوت المغاربي بالضبط، وكل ما يصدر بين الحين والآخر إنما يستند الى تقديرات.
وهكذا، فمقابل التقديرات المغاربية التي تسوقها بعض الجمعيات وتفيد بأن عدد مسلمي فرنسا يفوق 5 ملايين شخص، يؤكد المجلس الأعلى للاندماج، ان العدد هو 1،4 مليون بينهم حوالى 9،2 مليون مغاربي، وإذا ما حذف من هؤلاء المغاربة المقيمون على الأراضي الفرنسية من دون الحصول على الجنسية (أي ما يقارب 4،1 مليون) فإن عدد الذين يمكنهم الانتخاب يتخطى مليون ونصف ناخب (وثمة من يتحدث عن مليونين). غير ان الذين يحق لهم الانتخاب ليسوا مسجلين جميعا على اللوائح وبالتالي فإن التقديرات تكاد تشير الى حوالى مليون صوت فقط.
والواقع ان المليون صوت مؤثرة جدا في المعركة الانتخابية الراهنة، فاستطلاعات الرأي المنشورة نتائجها في خلال الأيام القليلة الماضية لا تزال تؤكد ان المعركة ستكون حامية الوطيس جدا بين اليميني جاك شيراك والاشتراكي ليونيل جوسبان وان الفورقات بينهما ستكون ضئيلة جدا بحيث قد يفوز سيد الاليزيه على سيد ماتينيون بفارق نقطة او نقطتين او ثلاث في أفضل الأحوال.
بمعنى آخر ان كل صوت سيكون كبير الأهمية، ولذلك فإن الصوت المغاربي قد يلعب هذه المرة دورا لا بأس به... لكن هنا أيضا الأمور ليست بهذه البساطة، فالمغاربة الذين كانوا عادة يصوتون لليسار باتوا منقسمين اليوم لا بل وحذرين أيضا، ليس فقط لأن الكثير منهم يتهم اليسار بأنه انساق الى لعبة محاربة الهجرة والمهاجرين وانه لم يحقق شيئا من الوعود التي ما فتئ يقطعها منذ انتخاب فرانسوا ميتران عام 1981 ولكن أيضا لأن السياسة الخارجية صارت تلقي بظلالها على الناخب المغاربي وأكثر من أي وقت مضى.
وهنا بالضبط يلعب الصراع العربي الاسرائيلي هذه الأيام دورا بارزا، ويقول نور الدين ريزاني الجزائري الأصل <<بين شيراك الذي وصفه ياسر عرفات بالدكتور والذي كان يقبض على رقبة رجل الموساد الاسرائيلي في خلال زيارته الى اسرائيل، وبين جوسبان الذي تلقى حجرا على رأسه في بيرزيت حين وصف حزب الله اللبناني بالارهابي هناك فرق حتى ولو أن فرنسا تبقى أكثر الدول الغربية قربا من العرب...>>.
ووفق صحيفة <<ليبراسيون>> اليسارية، فإن باسكال يونيفاس الباحث الاشتراكي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية كتب مؤخرا تقريرا للحزب الاشتراكي يقول فيه <<إن الكثير من أبناء المهاجرين ومن الفرنسيين المسلمين والمنتمين الى مختلف الأعمار يعتبرون أنفسهم موالين سياسيا لليسار ولكنهم لن يصوتوا لجوسبان في الانتخابات الرئاسية بسبب أوضاع الشرق الأوسط والشجب الخجول من قبل الاشتراكيين لسياسة اسرائيل>>.
وثمة من سعى للقول (وربما عن خطأ) إن التصريحات الفرنسية المتكررة في الآونة الأخيرة والتي صدرت خصوصا عن وزير الخارجية أوبير فيدرين، ثم استقبال جوسبان ورئيس البرلمان الفرنسي فورنييه (الاشتراكي أيضا) لأبراهام بورغ رئيس الكنيست وأحمد قريع أبو علاء رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني تصب في خانة تصحيح الصورة.
كما أن البعض اتهم شيراك بالقيام بجولته المغاربية قبل فترة وزيارته مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الى حي باب الواد لأسباب انتخابية، وهي التهمة نفسها التي سيقت لاحقا ضد جولة بيار شوفنمان، ذلك أن الاشتراكيين الفرنسيين الحاليين لهم علاقات تاريخية وطيدة مع النخب والتيارات الفكرية المغربية وبينها تيارات معارضة عديدة. والواقع أن اليسار الفرنسي عمل الكثير للمغاربة ولتحسين ظروف المهاجرين.(السفير اللبنانية)
التعليقات