كتبت هالة حمصي
هم بيضة القبان بين مختلف الطوائف المسيحية في سوريا.& الارثوذكس في العاصمة التي تحتضن مقرهم البطريركي الانطاكي، لهم مكانتهم في المجتمع السوري، وعددهم يعكس الى حد بعيد الزخم الذي يمثله وجودهم في مجتمع تطغى عليه اكثرية اسلامية، ويتميز بتعدد الطوائف فيه."الطائفة تنمو طبيعيا في ظل هذه الاكثرية، ولا خطر عليها اطلاقا منها (...) وهذا احد وجوه التعايش المشترك لدينا"، على ما قاله بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس اغناطيوس في حديث صحافي اجرته معه"النهار"من اشهر عدة. ما هو واقع الارثوذكس في سوريا، وتحديدا في دمشق؟
بحسب آخر الارقام المتوافرة عن ابناء الكنيسة في سوريا، هناك مليون و200 الف ارثوذكسي، من اصل مليون و800 الف مسيحي، أي بنسبة تناهز 70 في المئة من مجموع المسيحيين. وتؤكد القراءة الاولية لهذه الارقام ان المسيحيين عموما، والارثوذكس خصوصا، لا يزالون متمسكين بقوة بالارض التي سميت يوما مهد المسيحية وشهدت اهتداء القديس بولس الرسول على يد القديس حنانيا الرسول، اول اسقف على ابرشية دمشق، والتي انطلق منها ليبشر العالم. ويشكل التوزع الارثوذكسي الجغرافي، بشريا وراعويا، عنصرا معززا لهذه القراءة.
&
اكبر تجمع للارثوذكس
دمشق تقدم اهم نموذج لهذا الواقع."فهي تعتبر اكبر تجمع للارثوذكس، اذ يراوح عددهم بين 450 الفاً و500 الف يتوزعون على 39 رعية، 17 منها في ريف دمشق و22 داخل المدينة"، على ما يقول الوكيل البطريركي الاسقف غطاس هزيم. وحدد في دراسة اعدها الاطار الجغرافي لابرشية دمشق الأرثوذكسية بانه"يمتد على امتداد محافظتي دمشق وريفها، اضافة الى محافظة القنيطرة التي تخلى عنها البطريرك اغناطيوس لابرشية حوران والسويداء وجبل العرب، ومن الشمال والغرب جبال القلمون وجبل الشيخ، وجنوبا حدود المحافظة، وشرقا حتى الصحراء السورية".
ويشير الى ان"البطريرك هو الذي يدير الابرشية، يعاونه اداريا الوكيل ومساعداه. ولتفعيلها اداريا، عمد الى تقسيمها ثلاثة اقسام، يدير كل منها اسقف. وتساعد البطريرك ايضا لجنتان، الاولى هندسية تدرس المشاريع وتخطط لها وتشرف على تنفيذها، والثانية مالية تقر الخطة المالية السنوية للابرشية وتشرف عليها وعلى المؤسسات الأرثوذكسية من خلال محاسب قانوني". ويلفت الى ان "36 كاهنا واربعة شمامسة يخدمون الابرشية، ومعظمهم يحملون شهادات جامعية او على الاقل شهادات من معهد اعداد الكهنة".
كيف يقوّم رجال الكنيسة الوجود الارثوذكسي في دمشق؟
يعزو المعاون البطريركي الاسقف لوقا الخوري تحول العاصمة السورية اكبر تجمع للارثوذكس الى"نزوح هؤلاء من مختلف المحافظات السورية اليها". ويقول ان"رعية دمشق تضم ارثوذكسا من وادي النصارى وحوران واللاذقية وحلب. فهم يسعون الى فرص العمل الجيدة، ويتركون مناطقهم للحصول عليها. ودمشق هي المكان المناسب".
33 كنيسة وشراء اراض
مع ارتفاع عدد الارثوذكس في دمشق، برز واقع راعوي جديد اوجب على القيمين على الكنيسة، وفي طليعتهم البطريرك اخذه في الاعتبار واتخاذ تدابير مختلفة. واولها العمل على زيادة عدد الكنائس الأرثوذكسية، وخصوصا في مناطق نزوح ابناء الطائفة. ويقول الاسقف الخوري انه"بناء على سياسة زيادة عدد الكنائس ليلائم التوزع الجغرافي الجديد، لا يتوانى البطريرك عن شراء قطع ارض حيث تتوافر للكنيسة. فالكنائس قليلة بالنسبة الى عدد ابناء الطائفة".
قبل ارتقاء البطريرك الى السدة البطريركية، كان عدد الكنائس في دمشق خمسة. وحددتها دراسة الوكيل البطريركي بانها المريمية، ويوحنا الدمشقي، وحنانيا، والصليب، ومار جرجس المدفن. وبعد توليه اياها،& اصبحت 13. وهناك ثلاث كنائس في طور الدراسة الهندسية حاليا. وتتوزع في ريف دمشق 20 كنيسة، مما يجعل مجموع الكنائس في دمشق وريفها 33.
يقول الاسقف الخوري انه"ليس لدى البطريركية مخطط واضح يحدد عدد الكنائس التي يجب ان تكفي المؤمنين. لكن لديها مخطط هو خدمة ابناء الكنيسة حيث وجدوا. وعلى سبيل المثال، شهدت منطقة جرمانا نزوحا كبيرا من القصاع، مما اوجب بناء كنيسة فيها. وثمة مساع لشراء ارض هناك لبناء كنيسة اكبر. هكذا تكون الخدمة العملية للناس".& كنائس اخرى بنيت ايضا في مناطق الطبالة والزيلع وجرمانا والتجارة والمزة والصالحية. ويكشف الاسقف عن انه"تم شراء قطعة ارض في الاحدا عشرية لبناء كنيسة". ويشير الى"ان الكنائس خصصت بقاعات، وتشهد نشاطات تعليم ديني وغيرها من اجل تفعيل الرعايا وتنشيطها". ورغم ظاهرة النزوح، لا يزال الارثوذكس يحافظون على الموقع الذي كان لهم في المناطق التي انتقلوا منها،"لا بل هو قوي فيها"، على قوله.
الكنيسة الأرثوذكسية الانطاكية تراقب ظاهرة نزوح ابنائها الى العاصمة،"وتستطيع ان تسعى الى ابقائهم في بلداتهم"على قول الاسقف الخوري،"لكن عليها ان تؤمن لهم اعمالا يقومون بها ووسائل عيش جيدة. والدولة السورية تسعى الى اعادة الناس الى بلداتهم وهي التي تنفذ المشاريع. وقد يحصل في المستقبل تفعيل اكثر لتحقيق تراجع في النزوح".
تفعيل المؤسسات والرعايا
ومن التدابير الاخرى المتخذة"المهمة"بحسب وصف الاسقف الخوري، تشديد البطريرك على مسألة تأهيل الكهنة وتحصيلهم الثقافي والعلمي."فالكهنة الارثوذكس في رعايا دمشق اصبحوا مثقفين وحملة شهادات. واعطى البطريرك توجيهات الى معاونيه والكهنة على هذا الصعيد، من اجل خدمة افضل للناس"على ما اوضح. وقد انعكس هذا الامر ايجابا على الرعايا،"اذ تشهد تفعيلا جيدا لها ولناسها. والتعاون وثيق بين الكهنة والناس، والعلاقة بين الكنيسة وابنائها جيدة جدا، ونلمس هذا الواقع على الارض. نعمل ميدانيا، ونوجه الناس، وهم يتجاوبون معنا".
الامثلة على هذا التعاون كثيرة، والكنيسة تلمس حاجات الناس ومتطلباتهم وتلبيها عبر مؤسسات كثيرة ونشاطات عمدت الى تطويرها على مدى اعوام طويلة. وابرز المؤسسات، القاعات وهي اربع، وفق ما جاء في الدراسة : الصليب، مار الياس (الطبالة)، جاورجيوس (شرق التجارة)، مار نقولا ( المزة )، وهدفها"تلبية حاجات الرعية وانشطتها المختلفة". وتهتم الكنيسة ايضا بالشباب عبر التوجه اليهم من خلال مدارس الاحد الأرثوذكسية، والمراسم ( الكشاف ) والرعايا. وخصصت اسرة الصليب للمعوقين عقليا وانشأت فرقة الصم والبكم في مدارس الاحد.
وتشكل النساء ركيزة اساسية في الكنيسة. ولاحظ البطريرك"ان 50 في المئة من المؤمنين هم نساء، ولهن الحق في ان يأخذن دورهن في الكنيسة، كما يشاء الله الذي أكرمهن في الخلق". انطلاقا من هذا التوجه، عزز القيمون على الكنيسة الاخويات النسوية، وبلغ عددها 30 تنشط في دمشق وريفها، وهدفها"الاهتمام بالفقراء والمحتاجين، وتثقيف النساء لتفعيل دورهن في المجتمع". واحدث البطريرك اغناطيوس الرابع مكتبا خاصا للنساء في البطريركية يهتم بشؤونهن عموما.& اضافة الى كل هذا، تمارس المدارس الأرثوذكسية دورا مهما في تربية الاجيال الصاعدة، من مختلف الطوائف. والاقدم هي"الآسية"اذ تعود الى القرن التاسع عشر، ولها ثلاثة فروع في جرمانا وداريا وعربين. وهناك المدرسة العريقة الثانية او ما كان يعرف بمدرسة يوحنا الدمشقي. وتكمل الجمعيات الوجود الارثوذكسي والعمل الكنسي على مختلف الصعد وفي اهم المجالات، وابرزها خمسة هي جمعية القديس غريغوريوس التي تهتم بالمسنين& والايتام الذكور، وجمعية القديس بندلايمون التي تعنى باليتيمات، وجمعيتا الزهور والاحسان اللتان تهتمان بالمحتاجين، وجمعية القديس جاورجيوس (المدفن) التي تهتم بالدفن وتساعد المعوزين. كذلك في الابرشية، خمسة مياتم هي غريغوريوس وبندلايمون وصيدنايا والشاروبيم ومعلولا، ولها انظمتها الخاصة المصدق عليها من الشؤون الاجتماعية.
&
تجذر واخاء
اول نتيجة عملية لهذا الحضور الارثوذكسي القوي ترسيخ ابناء الكنيسة ودورهم في ارضهم. ولعل المقر البطريركي التاريخي في باب توما، احد اقدم احياء دمشق واكثرها غنى في التراث الارثوذكسي، اكبر دليل على التجذر في الارض في مجتمع اكثريته اسلامية. هناك يجد الارثوذكس جزءا كبيرا من تاريخ كنيستهم حيا اكثر من أي وقت مضى، كأن هذا المكان بوصلتهم، وقائدهم الروحي الاعلى حصنهم المنيع وملتقاهم، وكل الانظار تتجه دائما اليه بفعل موقعه الكبير.
واضافة الى واقع ان"الارثوذكس جزء فاعل جدا في المجتمع السوري"، فالانفتاح الارثوذكسي مشهود له، وجسور التلاقي بمختلف الطوائف قوية، وخصوصا الاسلامية."العلاقة جيدة بيننا وبين المسلمين والكاثوليك والانجيليين"، على ما يقول الاسقف الخوري، مشيرا الى"ان سيدنا البطريرك هو الذي يبنيها ويحرص عليها، وهي احد همومه. فالزيارات متبادلة بين رؤساء مختلف الطوائف. وفي ظل هذه العلاقة، تطورت ايجابا علاقة ابناء الطوائف ببعضهم البعض".
فالاخاء يشدد عليه البطريرك اغناطيوس الرابع في مسيرة حياة الارثوذكس في هذا الوطن.كتب في تشرين الثاني عام 2000 :"نحن لنا تاريخ في هذا المكان وفي هذا البلد مع هؤلاء الاخوة. نحن لسنا جددا بالنسبة اليهم كمسيحيين، وليسوا هم جددا بالنسبة الينا كمسلمين. نحن نواجه المستقبل بوضع واقعي (...) نحن خطوة او حقبة من الحقبات التي تنتظرنا في المستقبل (...) في سوريا يمكن ان نقول ان هناك مسلمين ومسيحيين، ولا نريد لسوريا ان تتخلى عن التراث الالهي الذي فيها، التراث الاسلامي الالهي والتراث المسيحي الالهي (...) سوريا كانت نقطة الانطلاق (...) ونحن ارض الالهام الالهي، وهذا بمشيئة الله وليس بفضل منا".
بهذا الاقتناع، يعيش الارثوذكس في سوريا ويكوّنون الاسر ويزدهرون.(النهار اللبنانية)
بحسب آخر الارقام المتوافرة عن ابناء الكنيسة في سوريا، هناك مليون و200 الف ارثوذكسي، من اصل مليون و800 الف مسيحي، أي بنسبة تناهز 70 في المئة من مجموع المسيحيين. وتؤكد القراءة الاولية لهذه الارقام ان المسيحيين عموما، والارثوذكس خصوصا، لا يزالون متمسكين بقوة بالارض التي سميت يوما مهد المسيحية وشهدت اهتداء القديس بولس الرسول على يد القديس حنانيا الرسول، اول اسقف على ابرشية دمشق، والتي انطلق منها ليبشر العالم. ويشكل التوزع الارثوذكسي الجغرافي، بشريا وراعويا، عنصرا معززا لهذه القراءة.
&
اكبر تجمع للارثوذكس
دمشق تقدم اهم نموذج لهذا الواقع."فهي تعتبر اكبر تجمع للارثوذكس، اذ يراوح عددهم بين 450 الفاً و500 الف يتوزعون على 39 رعية، 17 منها في ريف دمشق و22 داخل المدينة"، على ما يقول الوكيل البطريركي الاسقف غطاس هزيم. وحدد في دراسة اعدها الاطار الجغرافي لابرشية دمشق الأرثوذكسية بانه"يمتد على امتداد محافظتي دمشق وريفها، اضافة الى محافظة القنيطرة التي تخلى عنها البطريرك اغناطيوس لابرشية حوران والسويداء وجبل العرب، ومن الشمال والغرب جبال القلمون وجبل الشيخ، وجنوبا حدود المحافظة، وشرقا حتى الصحراء السورية".
ويشير الى ان"البطريرك هو الذي يدير الابرشية، يعاونه اداريا الوكيل ومساعداه. ولتفعيلها اداريا، عمد الى تقسيمها ثلاثة اقسام، يدير كل منها اسقف. وتساعد البطريرك ايضا لجنتان، الاولى هندسية تدرس المشاريع وتخطط لها وتشرف على تنفيذها، والثانية مالية تقر الخطة المالية السنوية للابرشية وتشرف عليها وعلى المؤسسات الأرثوذكسية من خلال محاسب قانوني". ويلفت الى ان "36 كاهنا واربعة شمامسة يخدمون الابرشية، ومعظمهم يحملون شهادات جامعية او على الاقل شهادات من معهد اعداد الكهنة".
كيف يقوّم رجال الكنيسة الوجود الارثوذكسي في دمشق؟
يعزو المعاون البطريركي الاسقف لوقا الخوري تحول العاصمة السورية اكبر تجمع للارثوذكس الى"نزوح هؤلاء من مختلف المحافظات السورية اليها". ويقول ان"رعية دمشق تضم ارثوذكسا من وادي النصارى وحوران واللاذقية وحلب. فهم يسعون الى فرص العمل الجيدة، ويتركون مناطقهم للحصول عليها. ودمشق هي المكان المناسب".
33 كنيسة وشراء اراض
مع ارتفاع عدد الارثوذكس في دمشق، برز واقع راعوي جديد اوجب على القيمين على الكنيسة، وفي طليعتهم البطريرك اخذه في الاعتبار واتخاذ تدابير مختلفة. واولها العمل على زيادة عدد الكنائس الأرثوذكسية، وخصوصا في مناطق نزوح ابناء الطائفة. ويقول الاسقف الخوري انه"بناء على سياسة زيادة عدد الكنائس ليلائم التوزع الجغرافي الجديد، لا يتوانى البطريرك عن شراء قطع ارض حيث تتوافر للكنيسة. فالكنائس قليلة بالنسبة الى عدد ابناء الطائفة".
قبل ارتقاء البطريرك الى السدة البطريركية، كان عدد الكنائس في دمشق خمسة. وحددتها دراسة الوكيل البطريركي بانها المريمية، ويوحنا الدمشقي، وحنانيا، والصليب، ومار جرجس المدفن. وبعد توليه اياها،& اصبحت 13. وهناك ثلاث كنائس في طور الدراسة الهندسية حاليا. وتتوزع في ريف دمشق 20 كنيسة، مما يجعل مجموع الكنائس في دمشق وريفها 33.
يقول الاسقف الخوري انه"ليس لدى البطريركية مخطط واضح يحدد عدد الكنائس التي يجب ان تكفي المؤمنين. لكن لديها مخطط هو خدمة ابناء الكنيسة حيث وجدوا. وعلى سبيل المثال، شهدت منطقة جرمانا نزوحا كبيرا من القصاع، مما اوجب بناء كنيسة فيها. وثمة مساع لشراء ارض هناك لبناء كنيسة اكبر. هكذا تكون الخدمة العملية للناس".& كنائس اخرى بنيت ايضا في مناطق الطبالة والزيلع وجرمانا والتجارة والمزة والصالحية. ويكشف الاسقف عن انه"تم شراء قطعة ارض في الاحدا عشرية لبناء كنيسة". ويشير الى"ان الكنائس خصصت بقاعات، وتشهد نشاطات تعليم ديني وغيرها من اجل تفعيل الرعايا وتنشيطها". ورغم ظاهرة النزوح، لا يزال الارثوذكس يحافظون على الموقع الذي كان لهم في المناطق التي انتقلوا منها،"لا بل هو قوي فيها"، على قوله.
الكنيسة الأرثوذكسية الانطاكية تراقب ظاهرة نزوح ابنائها الى العاصمة،"وتستطيع ان تسعى الى ابقائهم في بلداتهم"على قول الاسقف الخوري،"لكن عليها ان تؤمن لهم اعمالا يقومون بها ووسائل عيش جيدة. والدولة السورية تسعى الى اعادة الناس الى بلداتهم وهي التي تنفذ المشاريع. وقد يحصل في المستقبل تفعيل اكثر لتحقيق تراجع في النزوح".
تفعيل المؤسسات والرعايا
ومن التدابير الاخرى المتخذة"المهمة"بحسب وصف الاسقف الخوري، تشديد البطريرك على مسألة تأهيل الكهنة وتحصيلهم الثقافي والعلمي."فالكهنة الارثوذكس في رعايا دمشق اصبحوا مثقفين وحملة شهادات. واعطى البطريرك توجيهات الى معاونيه والكهنة على هذا الصعيد، من اجل خدمة افضل للناس"على ما اوضح. وقد انعكس هذا الامر ايجابا على الرعايا،"اذ تشهد تفعيلا جيدا لها ولناسها. والتعاون وثيق بين الكهنة والناس، والعلاقة بين الكنيسة وابنائها جيدة جدا، ونلمس هذا الواقع على الارض. نعمل ميدانيا، ونوجه الناس، وهم يتجاوبون معنا".
الامثلة على هذا التعاون كثيرة، والكنيسة تلمس حاجات الناس ومتطلباتهم وتلبيها عبر مؤسسات كثيرة ونشاطات عمدت الى تطويرها على مدى اعوام طويلة. وابرز المؤسسات، القاعات وهي اربع، وفق ما جاء في الدراسة : الصليب، مار الياس (الطبالة)، جاورجيوس (شرق التجارة)، مار نقولا ( المزة )، وهدفها"تلبية حاجات الرعية وانشطتها المختلفة". وتهتم الكنيسة ايضا بالشباب عبر التوجه اليهم من خلال مدارس الاحد الأرثوذكسية، والمراسم ( الكشاف ) والرعايا. وخصصت اسرة الصليب للمعوقين عقليا وانشأت فرقة الصم والبكم في مدارس الاحد.
وتشكل النساء ركيزة اساسية في الكنيسة. ولاحظ البطريرك"ان 50 في المئة من المؤمنين هم نساء، ولهن الحق في ان يأخذن دورهن في الكنيسة، كما يشاء الله الذي أكرمهن في الخلق". انطلاقا من هذا التوجه، عزز القيمون على الكنيسة الاخويات النسوية، وبلغ عددها 30 تنشط في دمشق وريفها، وهدفها"الاهتمام بالفقراء والمحتاجين، وتثقيف النساء لتفعيل دورهن في المجتمع". واحدث البطريرك اغناطيوس الرابع مكتبا خاصا للنساء في البطريركية يهتم بشؤونهن عموما.& اضافة الى كل هذا، تمارس المدارس الأرثوذكسية دورا مهما في تربية الاجيال الصاعدة، من مختلف الطوائف. والاقدم هي"الآسية"اذ تعود الى القرن التاسع عشر، ولها ثلاثة فروع في جرمانا وداريا وعربين. وهناك المدرسة العريقة الثانية او ما كان يعرف بمدرسة يوحنا الدمشقي. وتكمل الجمعيات الوجود الارثوذكسي والعمل الكنسي على مختلف الصعد وفي اهم المجالات، وابرزها خمسة هي جمعية القديس غريغوريوس التي تهتم بالمسنين& والايتام الذكور، وجمعية القديس بندلايمون التي تعنى باليتيمات، وجمعيتا الزهور والاحسان اللتان تهتمان بالمحتاجين، وجمعية القديس جاورجيوس (المدفن) التي تهتم بالدفن وتساعد المعوزين. كذلك في الابرشية، خمسة مياتم هي غريغوريوس وبندلايمون وصيدنايا والشاروبيم ومعلولا، ولها انظمتها الخاصة المصدق عليها من الشؤون الاجتماعية.
&
تجذر واخاء
اول نتيجة عملية لهذا الحضور الارثوذكسي القوي ترسيخ ابناء الكنيسة ودورهم في ارضهم. ولعل المقر البطريركي التاريخي في باب توما، احد اقدم احياء دمشق واكثرها غنى في التراث الارثوذكسي، اكبر دليل على التجذر في الارض في مجتمع اكثريته اسلامية. هناك يجد الارثوذكس جزءا كبيرا من تاريخ كنيستهم حيا اكثر من أي وقت مضى، كأن هذا المكان بوصلتهم، وقائدهم الروحي الاعلى حصنهم المنيع وملتقاهم، وكل الانظار تتجه دائما اليه بفعل موقعه الكبير.
واضافة الى واقع ان"الارثوذكس جزء فاعل جدا في المجتمع السوري"، فالانفتاح الارثوذكسي مشهود له، وجسور التلاقي بمختلف الطوائف قوية، وخصوصا الاسلامية."العلاقة جيدة بيننا وبين المسلمين والكاثوليك والانجيليين"، على ما يقول الاسقف الخوري، مشيرا الى"ان سيدنا البطريرك هو الذي يبنيها ويحرص عليها، وهي احد همومه. فالزيارات متبادلة بين رؤساء مختلف الطوائف. وفي ظل هذه العلاقة، تطورت ايجابا علاقة ابناء الطوائف ببعضهم البعض".
فالاخاء يشدد عليه البطريرك اغناطيوس الرابع في مسيرة حياة الارثوذكس في هذا الوطن.كتب في تشرين الثاني عام 2000 :"نحن لنا تاريخ في هذا المكان وفي هذا البلد مع هؤلاء الاخوة. نحن لسنا جددا بالنسبة اليهم كمسيحيين، وليسوا هم جددا بالنسبة الينا كمسلمين. نحن نواجه المستقبل بوضع واقعي (...) نحن خطوة او حقبة من الحقبات التي تنتظرنا في المستقبل (...) في سوريا يمكن ان نقول ان هناك مسلمين ومسيحيين، ولا نريد لسوريا ان تتخلى عن التراث الالهي الذي فيها، التراث الاسلامي الالهي والتراث المسيحي الالهي (...) سوريا كانت نقطة الانطلاق (...) ونحن ارض الالهام الالهي، وهذا بمشيئة الله وليس بفضل منا".
بهذا الاقتناع، يعيش الارثوذكس في سوريا ويكوّنون الاسر ويزدهرون.(النهار اللبنانية)














التعليقات