&
بيروت ـ من جنى نصر الله: ,,, في اللحظات الدامية التي كانت تعيشها الاراضي الفلسطينية المحتلة قبل بضعة اسابيع، تحول صاروخ "الكاتيوشا" كابوساً يلقي بشبحه على القيادة العسكرية والسياسية في اسرائيل، انطلاقاً من جنوب لبنان، في مزارع شبعا وعلى "الخط الازرق".
يومها تحول "الكاتيوشا" كتلة نار يومية في مزارع شبعا، و"تسلل" الى غير مكان على "الخط الازرق"، الامر الذي دفع اسرائيل الى التلويح بحرب اقليمية رداً على هذا "الكاتيوشا" وغضبت الولايات المتحدة.
الامين العام لـ "الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة" احمد جبريل، الذي اتهمت جماعته باطلاق "الكاتيوشا" على "الخط الازرق"، انبرى ليقول انه في امكان اي شخص الحصول على صاروخ بمئة دولار والذهاب جنوباً، وشاطره الامر مسؤول الميليشيا في حركة "فتح" العقيد منير المقدح الذي ذكر لنا ان هذه الصواريخ متوافرة ويمكن لاي شخص الحصول على احدها بـ 20 دولاراً.
هذا الكلام ولد انطباعاً ان سوق "الكاتيوشا" مفتوحة وقد تنشط مع تفلت الوضع على الحدود اللبنانية، قبل ان تصدر كلمة السر الى الجميع "الخط الازرق مقدس"، ويتراجع خطر تسلل هذا السلاح الى الشريط المحرم دولياً.
وكان الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله فاخر بمزايا هذا الصاروخ "البدائي" الذي احدث "توازن رعب" مع الترسانة العسكرية الاسرائيلية الهائلة والحديثة.
اصوله الحربية
يثير ذكر "الكاتيوشا" الذعر في نفوس الاسرائيليين عموماً، اما صوته فكفيل ان يدفع سكان المستوطنات في شمال اسرائيل الى الاقامة بضعة ايام في الملاجئ, فالحرب النفسية التي يمكن خوضها بفضل هذا النوع من الصواريخ تكاد توازي في اهميتها الحرب العسكرية, ولعل هذا ما يضاعف خطر الحدود اللبنانية من المنظار الاسرائيلي ويدفع الحكومة الاسرائيلية الى رفع لهجة التهديد والوعيد كلما لاح في الافق صاروخ "كاتيوشا".
ولطالما تمتع هذا الصاروخ بهالة خاصة منذ اختراعه في اواسط الاربعينات, فقد ادى دوراً حاسماً في تغيير مسار الحرب العالمية الثانية واتاح للروس، مخترعيه، ان يتغلبوا على الالمان, فهل ينجح في ممارسة الدور نفسه حالياً ويغيّر مسار الاحداث في المنطقة، وخصوصاً ان المواصفات التي اتاحت له تعديل مسار الحرب الثانية طورت في شكل كبير خلال العقود الماضية؟
لا يبدو هذا الرهان في محلّه في ظل اقدام اي من الدول العربية على فتح حدودها مع اسرائيل، من دون ان ينفي ذلك، الواقع الخطر الذي لا تزال تمثله الجبهة الجنوبية في لبنان، ليس بسبب امتلاك "حزب الله" هذا السلاح واندفاعه لمساندة الفلسطينيين الذي يواجهون الترسانة الاسرائيلية بسلاح بدائي فقط، بل لان فلسطينيي المخيمات في لبنان يملكون هذا السلاح ايضاً, وقد تسللت بعض العناصر الى الحدود الجنوبية واطلقت صواريخ "كاتيوشا" في اتجاه اسرائيل خارقة "الخط الازرق"، ما اثار سخط اسرائيل في حينها واضطر موفد الامين العام للامم المتحدة تيري ـ رود لارسن الى ان يزور لبنان ويدعو الى ضبط النفس وعدم خرق "الخط الازرق".
لا شك في ان خطر الكاتيوشا لا يزال يخيم على المستوطنات في شمال اسرائيل حيث يخشى المستوطنون كما الحكومة الاسرائيلية هذا السلاح اكثر مما يخشون فتح الجبهة في جنوب لبنان, وبذلك اقام معادلة توازن الرعب وكان احدى النقاط التي ارتكز عليها "تفاهم ابريل" بعد عملية "عناقيد الغضب" عام 1996. وقد يدخل بنداً اساسياً في المفاوضات بين طرفي الصراع، رغم انه لم يظهر كل امكاناته بعد خصوصاً في حرب "السور الواقي" التي اعلنها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون في 29 مارس الماضي.
"اورغ ستالين"
كان الاتحاد السوفياتي اول من اخترع "الكاتيوشا" الذي عرف ايضاً باسم "اورغ ـ ستالين" انطلاقاً من الصوت الذي يصدر عند اطلاقه, وقد تحول في مسامع الروس لحناً موسيقياً رغم فظاعته لانه كان بمثابة منقذ في حربهم مع الالمان, غير ان هذا الاسم لم يلق رواجاً كبيراً، وطغى اسم "كاتيوشا" الذي اشتقه الروس من اسم العلم كاترينا، وتصغيره كاتيا، اما اسم الدّلع فهو كاتيوشا، تيمنا بمناضلة روسية تدعى كاتيا, وثمة نشيد احبه السوفيات كثيراً، وكانوا يرددونه غالباً في سهراتهم وفيه يرد اسم "كاتيوشا"، ويشبه لحنه الى حد بعيد النشيد الروسي, ولعل هذه العوامل مجتمعة دفعت الى اطلاق اسم "كاتيوشا" على الصاروخ المنقذ الذي انتصر بفضله الاتحاد السوفياتي على الالمان في الحرب الثانية, وقد حاول الالمان ان يتوصلوا اكثر من مرة الى اسرار صناعته، ولم يفلحوا, والمفارقة ان اسرائيل تحاول اليوم ان تجد مضاداً لهذا الصاروخ من دون طائل, ذلك انه يتخذ شكل صندوق مزود ببطارية ويحوي فوهات عدة تطلق الصواريخ دفعة واحدة، علماً انه قد يصل عددها الى اربعين صاروخاً من عيار 122 ملليمتراً, وفي هذه الحال يعرف بـ "الغراد"، الجيل الجديد من "الكاتيوشا" الذي طور في الستينات.
اذاً، احدى ميزات "الكاتيوشا" التي تجعل من الصعب ايجاد مضاد له، هو امكان احتوائه اربعين صاروخاً دفعة واحدة، علماً ان معلومات عسكرية تشير الى ان هذا الصاروخ قد طور في شكل كبير يتيح له اطلاق 80 صاروخاً، غير ان هذا النوع غير متوافر في لبنان بعد.
وللبنانيين باع طويل مع صاروخ "كاتيوشا" الذي خبروه في حربهم الطويلة, ولعل اكثر الانواع رواجاً آنذاك، ما درج اللبنانيون على تسميته "الكورية 107 ملم"، نسبة الى بلد التصنيع, اذ لم يعد الروس وحدهم يملكون هذا الصاروخ، وصارت تملكه ايضاً كوريا الشمالية والصين وايران ويوغوسلافيا وانغولا وغيرها، علماً ان الروس لم يبوحوا بكل اسرارهم عن هذا الصاروخ، ولا يزالون يحتفظون بأنواع متطورة منه يرفضون بيعها او ارسالها الى الخارج.
ويتميز "الكورية ـ 107 مللمترات" بصغر حجمه نسبياً ولا يتجاوز مداه الـ 7 كيلومترات، ويمكن وضعه في صندوق السيارة, وهو النوع الذي استخدمه المتسللون الفلسطينيون الى الحدود الجنوبية وفق ما تؤكد مصادر عسكرية, لكن هذا النوع ليس الذي يخيف اسرائيل, فهناك نوعان آخران: الفردي، اي المزود قاذفاً واحداً، ويبلغ مداه 11 كيلومتراً، وتفوق قوته التدميرية قوة "الكورية"، والنوع المتطور الذي يبلغ مداه نحو 21 كيلومتراً، وقد يصل الى 28 اذا نصب على تلة اكثر ارتفاعاً من الهدف, ويُحمل هذا الصاروخ المزود اربعين قاذفة على آليات متحركة, وتلك هي الميزة الثانية التي تجعل اسرائيل عاجزة عن الرد, اذ لا تحتاج الآلية التي تحمل الصاروخ الى اكثر من 15 دقيقة لتغير مكانها، وهو وقت غير كاف لتحدد الجهة المستهدفة مصادر النيران لترد عليها, ويستخدم "حزب الله" هذين النوعين من الصواريخ، ويقصف المستوطنات الاسرائيلية بالكاتيوشا الطويل المدى (21 كيلومتراً).
ويتمتع "الكاتيوشا" بقدرة تدميرية كبيرة, فاذا اطلقت القاذفات 240 صاروخاً دفعة واحدة (ستّ آليات محملة صواريخ مزودة اربعين فوهة) فقد تزيل مستوطنة بكاملها, وتلك هي الميزة الثالثة التي تثير الرعب في نفوس الاسرائيلين.
في لبنان
دخل "الكاتيوشا" للمرة الاولى لبنان اواخر السبعينات بواسطة ياسر عرفات, وحصلت عليه الفصائل المعارضة لعرفات اوائل الثمانينات بواسطة ليبيا, وما لبثت ان استخدمته الميليشيات خصوصاً انه متوافر في عدد كبير من الدول العربية مثل سورية ومصر والعراق والجزائر وليبيا واليمن, ولم تبخل كل هذه الدول بتزويد اللبنانيين السلاح، ومنها لا يزال يزود "المقاومة الاسلامية" هذا السلاح في اطار دعمه تحرير ما تبقى من الارض المحتلة, وبدأت "المقاومة" باستخدام "الكاتيوشا" في الاجتياح الاسرائيلي العام 1982، ولجأت اليه بكثافة مطلع التسعينات ليصبح رقماً صعباً, وفي حين كانت تعتمد على صاروخ "الكورية 107" فانها تستخدم اليوم انواعاً مختلفة بحسب الظروف والاهداف العسكرية.
وتشير مصادر غير رسمية الى ان "الكاتيوشا" يصل عبر الطريق عينها الى المخيمات الفلسطينية حيث الفصائل المعارضة، غير ان هذا الكلام غير مؤكد, وكان الامين العام لـ "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة" احمد جبريل قد لمحّ في مقابلة تلفزيونية الى ان الحصول على "الكاتيوشا" ليس مسألة صعبة وخصوصاً ان سعره لا يتجاوز 200 دولار، وهو ما اكده ايضاً امين سر حركة "فتح" في لبنان سلطان ابو العينين الذي قال لـ "الرأي العام" ان "شراء الكاتيوشا متاح لمن يشاء وخصوصاً ان اسعاره زهيدة ولا تتجاوز 200 دولار", غير ان مصادر عسكرية تعتبر هذا الكلام غير دقيق وتشير الى ان السعر الرسمي يراوح بين 1000 و2000 دولار.
يتمتع عناصر "القيادة العامة"، بخبرة كبيرة في نصب هذه الصواريخ واطلاقها، وهو ما يحتاج الى الالمام بالرياضيات والهندسة والخضوع لدورة لا تقل عن ستة اشهر, وتردد ان "حزب الله" استعان بضباط من "القيادة العامة" لاطلاق الصواريخ وتحديد اهدافها حين استخدمها للمرة الاولى.
والمفارقة ان اسرائيل نفسها تملك هذا السلاح بعدما حصلت عليه في حروبها مع العرب وحصدت الكثير منه ابان اجتياح لبنان العام 1982. ولو كان الفلسطينيون يملكون هذا السلاح في الداخل كما في الخارج لاختلف وضعهم.
والسؤال: هل يبادر العرب الذي سبق ان استخدموا هذا الصاروخ تجارياً على الاقل، الى اعادة الاعتبار له، ام سيلاقي مصير الاوراق القوية الاخرى التي تخلوا عنها من دون مقابل، كالنفط؟(الرأي العام الكويتية)