&حاوره حسن المصطفى
تشهد الساحة الثقافية اليمنية هذه الأيام حدثاً ساخناً جديداً، يتمثل في مصادرة رواية "قوارب جبلية" للكاتب اليمني وجدي الأهدل. وكانت صودرت العام الفائت رواية (صنعاء مدينة مفتوحة) للروائي الراحل محمد عبدالمولى، المتوفى قبل نحو 30 عاماً. انها موجة المصادرات من جديد، وهذه المرة طاولت روائياً شاباً. ولم يقتصر الأمر على مصادرة الرواية فحسب بل أغلقت الدار التي طبعت الرواية (مركز عبادي للدراسات والنشر), ما عطل أعمالاً أدبية أخرى لأدباء وأديبات لا ذنب لهم، وتضرر أيضاً على إثر ذلك نادي القصة، الذي شارك في إصدار الرواية, في سابقة تعد هي الأولى من نوعها في اليمن.
وجدي الأهدل صاحب الرواية من مواليد العام 1973، حصل على بكالوريوس آداب، ويعمل مديراً لبيت الثقافة, وكان أصدر قبلاً خمس مجموعات قصصية, وله حضوره في الساحة الثقافية في اليمن, وفاز بجائزة رئيس الجمهورية العام 1999، عن نص قصصي (من أحلام الكتب)، وفاز بجائزة النص المسرحي العربي في مهرجان الإسكندرية 2000. عن تداعيات الحدث والأزمة كان هذا الحوار معه بعد مصادرة روايته:
بداية ماذا عن روايتك "قوارب جبلية" متى كتبتها, وما هو محورها؟
"قوارب جبلية" هي عملي الروائي الأول، وكتبتها - مسودة أولى - عام 1998, ونشرتها على حلقات مسلسلة في ملحق الجمهورية الثقافي (تعز), ثم أعدت كتابتها العام الفائت وفق منظور مغاير, وتربو صفحات الرواية على المئة والعشرين صفحة. وهي تتحدث عن الصراع الأزلي بين الجديد والقديم، وكيف يمكن أن ينقسم الإنسان إلى نصفين متناقضين متباغضين.
عن أي دار صدرت روايتك, وهل حصلت على رخصة من وزارة الإعلام؟
"قوارب جبلية" من إصدار نادي القصة - إلمقة, ومركز عبادي للدراسات والنشر. أما في شأن الترخيص, فجرت العادة في اليمن, ألاّ توجد رقابة على الإنتاج المحلي الروائي, والمسرحي, والسينمائي, وما إلى ذلك من فنون, لأنه وببساطة لا يوجد أصلاً أي إنتاج سينمائي أو مسرحي أو روائي يستحق الذكر ويستدعي تعيين رقيب!

متى بدأت مشكلة "قوارب جبلية" وما سببها؟
&
بدأت المشكلات عندما كتب طالب - يدرس على نفقة الدولة منذ اثني عشر عاماً في المغرب - نقداً بوليسياً عن الرواية, وذيل مقالته المتهافتة بالكثير من التهديدات الجوفاء, ثم أوصل نسخاً مصورة من الرواية إلى جهات أمنية وإلى وزارة العدل وإلى مفتي الجمهورية وإلى جهات في الجيش.

لكن المشكلة لم تتوقف، بل كانت لها تداعياتها المتسارعة!

لا أعرف ما الذي حدث بالضبط, ولكن وزارة الثقافة أقدمت على سابقة لا مثيل لها, صادرت الرواية, وأغلقت مركز عبادي للدراسات والنشر من دون أي مسوغ قانوني. ورفض مندوبو الوزارة إبراز أي وثيقة رسمية تبين أسباب الإغلاق والمصادرة وقامت الوزارة برفع قضية عليّ وعلى صاحب المركز نبيل عبداللطيف عبادي لدى نيابة الصحافة والمطبوعات. ولا يزال التحقيق جارياً, إذ أُعد ملف طويل بالاتهامات الموجهة، ومنها: لماذا جعلت أحداث الرواية تدور في صنعاء وليس في مدينة افتراضية أو خيالية! ما يدل على وجود نيات أخرى في القضية.

اتهمت باستخدام مصطلحات دينية لشرح مواقف غير دينية!

عندما تقوم إحدى الشخصيات الروائية بعمل يسيء للدين, فإن هذا جزء من عمل الروائي الذي يصور ما يمور به واقع الحياة اليومية من بشر مختلفي الأطوار ومتنوعي المشارب الفكرية. المشكلة دائماً ان ثمة لبساً مزعجاً في شأن تطابق الرواية مع الروائي. وإنه لمن المخجل أن يتصور بعض الجهلاء أن كل ما يرد في الرواية هو سيرة ذاتية لمؤلفها. مرة أخرى - أقول - عمل الروائي مختلف تماماً عن عمل المؤرخ والصحافي. فالرواية تصوير فني بانورامي للمجتمع في مختلف تياراته الفكرية واتجاهاته السياسية, وهي تشريح متقن لمشكلات الإنسان الاجتماعية والروحية والفلسفية. الرواية تشبه الحلم, فعندما تخلد الى النوم وترى مناماً عجيباً ثم تستيقظ فإنّ من السخف إذا روينا حلمنا لأحد أن يتصور أن ما رويناه حدث حقيقي يمكن أن يحاسبنا عليه, وأن ادعاءنا بأنه ليس حلماً ليس سوى أكذوبة.

ما هي المقاطع أو العبارات التي أثارت الحملة عليك؟

تتبعوني سطراً سطراً بكل ما تعنيه العبارة, وكان التركيز على كل شخصية ترد في النص من أقصد بها!!. وحتى عندما ورد ذكر (حمار) في إحدى الصفحات سألوني من هو الشخص الذي رمزت له بالحمار!!&

البعض يقول أنك قصدت الإثارة والفضائحية من أجل الشهرة, والوصول سريعاً, حتى أن البعض اعتبرها مكتوبة للمراهقين؟

كتبت ما يمليه عليّ ضميري كروائي ملتزم قضايا مجتمعه. وإنني متأكد من أن روايتي تخلو من الادعاءات الرخيصة التي ألصقت بها. قال أحدهم أنني كتبت رواية سيتهافت المراهقون على شرائها, ولكنني أرد على هذا الأخ, بأن المراهقين لم يعودوا بحاجة إلى روايتي العابسة المتجهّمة لإشباع غرائزهم. فمحلات الإنترنت تفتح أبوابها في كل شارع من شوارع صنعاء تقريباً, ويصل البث الفضائي المباشر من دون عائق إلى معظم المنازل. لذلك فروايتي التي لا تقدم الجنس في شكل مجاني وإنما في أسلوب موظف فنياً ليست شيئاً مهماً بالنسبة للشاشات.

هل أنت معرض الآن للسجن، وما الذي تتوقعه؟

من المتوقع أن تحيل النيابة القضية إلى المحكمة, وهناك لا يمكنني أن أتنبأ بالمصير الذي ينتظرني. (عن "الحياة")