&
لأكثر من عقدين والسودانيون يحلمون بانعقاد "الجامع الوطني" لايجاد الطريق الذي سيخرجهم من الوضع الذي يعانونه جراء التفجر المأساوي في الجنوب.. وليس خافياً هنا الدور المركزي والمحوري والانفتاحي الذي لعبته الحكومة داخلياً وخارجياً لإرساء الحالتين: حالة المؤتمر الوطني ـ وانهاء نزيف الخاصرة الجنوبية للبلاد.
الاصرار الذي يلوح به متمردو الجنوب في رسم خارطة تفاوضية عبر المزيد من القتال يدفع الكثيرين للتساؤل عن مغزاه الاستراتيجي في وقت لاتبعد فيه الجولة المقبلة للمفاوضات بين الحكومة السودانية والمتمردين سوى ايام قليلة تؤكد فيها الخرطوم انها ستمثل فعلاً اختباراً مصيرياً على جدوى الاستمرار في هذا التفاوض وخصوصاً عن طريق "ايغاد" ويؤكد فيها المتمردون ايضاً انهم جادون لإيجاد حل ولو كان وسطاً. اي ان الطرفين جادان عبر مفاوضات لخمسة اسابيع للوصول الى حلول للخلافات اذا كانت هناك جدية وارادة عبر الوسطاء واطراف التمرد للوصول الى اتفاق. ‏
ليس امام المراقب من استنتاج اسباب الحرب الدائرة في الجنوب الا من بوابتين اولاهما تقول ان المتمردين يستبقون هذه المفاوضات لتسجيل المزيد من نقاط القوة التفاوضية وهذا ليس في صالحهم جملة وتفصيلاً فالسودان ليس في عجلة من امره للتقسيم او هو ليس في وارد ذلك اطلاقاً والبوابة الثانية تبدو خلفية مستترة تنضح منها بعض خيوط اميركية نوه اليها مستشار الرئيس السوداني الدكتور غازي صلاح الدين العقباني حين لوح بامكانية عدم تجديد اتفاق وقف النار في جبال النوبة احتجاجاً على مقترحات يتداولها الكونغرس الاميركي بفرض رقابة دولية على الطيران الاغاثي، مشيراً الى ان حكومته غير راضية عن موقف الكونغرس مؤكداً وجود مجموعات داخل الكونغرس تعمل ضد السودان وتحاول الاضعاف من اي ايجابيات حققها تقرير وانفورت تحت غطاء سلام السودان، موضحاً ان ذلك بات واضحاً من خلال اختيار المتحدثين وطريقة مشاركتهم بشكل غير مسبوق. ‏
الاوجب بعد هذا وتوطئة لسيناريو السلام المطول ان يعي السودانيون فعلاً الى ناحية غاية في الاهمية وهي التنطح سريعاً لترتيب البيت السوداني من الداخل بعيداً عن التدخل الخارجي ـ وهذا امر يحتاج لرسم خط سياسي بياني جامع يشكل ارضية لخطاب قومي يؤسس للسلام. وهذا ما يجب على المتمردين في الجنوب ان يعوه بدل نزوعهم للتفاوض عبر القتال.(تشرين السورية)