&
فضائية اسرائيلية تبدأ البث بالعربية الثلثاء المقبل. انها هدية مناسبة لوزراء الاعلام العرب الذين يلتقون غداً في القاهرة لمناقشة خطة اعلامية هدفها تصحيح صورة العرب في الغرب. ويفترض ان أصحاب المعالي لن يتوانوا عن بذل الغالي والرخيص لتحقيق هذا الهدف. فالصورة مهتزة, والحرب الاعلامية على أشدها, ومن يكسبها يستطيع استثمار ربحه في السياسة. لكن, بين الكلام عن الخطة وبين الخطة بوناً شاسعاً. وبين الخطة والقدرة على تحقيق نتائج وتحسين الصورة لدى الآخرين مسافات يصعب قطعها من دون ارادة الفعل وتحسين الصورة في المرآة.
حين يسمع المواطن العربي باجتماعات الجامعة العربية, وخصوصاً على مستوى وزراء الإعلام, يقفز الى ذهنه سيل الكلام المهدور عن الحاجة الى العمل المشترك, والحديث المكرور عن ضرورة خطة اعلامية مدروسة لمواجهة الاستحقاقات, واللغة الخشبية عن المؤامرة الدائمة والتاريخية على الأمة العربية. ولأن هذا المواطن انتظر طويلاً ولم ير فعلاً ملموساً لا في التعاون ولا في الخطة ولا في التصدي للمؤامرة, فانه يأمل بأن ينكب المجتمعون, ولو لمرة يتيمة, على التفكير بمشروع قابل للتنفيذ بدلاً من (تكبير الحجر) واطلاق عناوين تصلح للكتب السميكة أو ليافطات الاحتفالات الرسمية.
ليست مناسبة الاجتماع الوقت الأفضل لنكء جراح المواطن العربي والحديث عن افتقاده للإعلام الحر, وعن الرقابة, والقدرة على الاختلاف والتعبير بعيداً من الضغوط المباشرة, أو الرقابة الذاتية, أو من بدعة (الحرية المسؤولة). لكن ليسمح لنا أصحاب المعالي طالما انهم يهمون باللقاء بأن نسألهم بـ(مسؤولية) عن جدول أعمالهم وعن مضمونه ومدى وضوحه. ولنوجه اليهم, وهم أصحاب الصدور الرحبة, سؤالين أساسيين: هل ستقوِّمون ما بذلتم من جهود منذ اجتماعكم السابق وحتى الآن؟ وماذا فعلتم بالخطة الإعلامية التي وافق عليها القادة العرب في قمتهم الأخيرة في بيروت؟
لا يبدو ان أوراق العمل المطروحة على الاجتماع الـ35 لوزراء الإعلام تتعدى ما تعودناه. ففي الوجبة الدورية مسائل تتناول هيكلة مكاتب الجامعة العربية ومحاولات تهويد القدس والهجوم الاسرائيلي على المؤسسات الإعلامية الفلسطينية, وأهمها, ضرورة وضع استراتيجية اعلامية لتصحيح صورة العرب في الغرب. وجل ما ورد في هذه الأوراق, على أهميته, عناوين عمومية تطرح في غياب أي ذكر لخطة سابقة كان يفترض تنفيذها. ومع الأسف, يلتقي الوزراء غداً وليس في جعبتهم انجاز يمكن ادعاء تحقيقه. والانجاز الذي نعنيه هو ما تعهدوا به, أي مواجهة الإعلام الأميركي الذي يشوه صورة العرب والمسلمين انطلاقاً من اعتداءات (القاعدة) الارهابية في الولايات المتحدة, ومواجهة الإعلام الموالي لإسرائيل الذي نجح منذ 11 أيلول (سبتمبر) في تعميم تهمة الارهاب ليلصقها بسائر الفلسطينيين وبكل من يطالب باستعادة الأرض وانهاء الاحتلال.
انها الصدفة. لكن المفارقة تستدعي المقارنة. فالفضائية الاسرائيلية باللغة العربية التي سمعنا عن مشروع اقامتها قبل وقت قصير دخلت حيز التنفيذ وستباشر عملها, فيما وزير الإعلام اللبناني يعترف قبيل اجتماع القاهرة بتعثر المساعي لإنشاء فضائية عربية مشتركة كان مخططاً لها التصدي لتنميط صورة العربي والمسلم. أما الشجاعة الأدبية فتقتضي ان يعترف جميع الوزراء بعدم انجاز شيء آخر, وبأنه منذ قمة بيروت وحتى الآن, لم نرَ أي تحول في أي وسيلة اعلامية عالمية مؤثرة, ولم نشهد أي حضور اعلامي عربي لافت يذهب أبعد من استسهال شتيمة شارون.
على رغم ذلك, يبقى الأمل معقوداً على خطوات مفيدة لا بد من ان تعتمد على القطاع الخاص وعلى العرب المنتشرين في العالم. ورب ضارة نافعة, إذ يصعب تصور ان فضائية عربية ترعاها وزارات الاعلام هي المشروع الذي سيمكِّن العرب من مواجهة اعلام غربي متطور يستهدف صورتهم. والمشكلة لا تكمن طبعاً في التقنيات ولا في التمويل, بل في صورة يحتاج من يرعاها ويشكلها الى جهد لتحسين صورته أمام مواطنيه أولاً. فكيف له ان يتصدى لتغييرها لدى الآخرين؟ (الحياة اللندنية)