&
كتب ـ أحمد الجار الله: ماء النهر لا تنتصب عموداً. ماء النهر تنبع وتجري.. تنبع من أيدي الأجيال، وتجري في تعاقبها، لا شيء يعارض هذا القانون، لا أحد قادر على تجميد الوقت. ويبقى أن نعرف ان الأزمة الكبرى تكون حين يعتقد السياسيون انهم،
وبحراستهم القديمة، يستطيعون اقتراف هذه المخالفة. أما الأزمة الأكبر فهي حين يحاول هذا السياسي اعتراض ماء النهر، هنا لا يتوقف الماء عن الجريان، بل يأخذ في طوفانه المعترضين، وكان بامكانهم ان يفوزوا بالحياة لو قرروا فقط الالتحاق، او الانسحاب الى الهدوء الساكن والسعيد بسكنى الضفاف.
في عالمنا العربي دائما ما يكون الاعتبار للمكابرة، او اللجوء الى ادعاء الخبرة وتراكمها، فتكون الأزمات السياسية التي لا يستفيد الناس منها، خصوصا أنها تكون بعيدة عن الانشغال بتنميتهم، وبوضع الخطط لتحسين حياتهم واسعادهم، ورفع مستويات معيشتهم، ونرى دائما بروز هذه الحالات النافرة عندما تتبدل العهود، وتنتقل رايات الحكم من الايادي المتهالكة، او المتغيبة بالموت الى الايدي الشابة.. ساعتها لا يكون هناك من شغل للحراس القدامى الا تطويق الايدي الشابة، وعرقلة عملها، وتعطيل طموحاتها لبلادها، بادعاء الخبرة، كما سبقت الاشارة، في حين ان هذه الخبرة كانت صالحة في زمان وظروف، بينما الزمان تغير، والظروف تبدلت، وبدأت تطالب وتطلب دولتها ورجالها.
في طريقي الى قصر البركة لمقابلة عاهل الاردن الشاب الملك عبدالله الثاني بن الحسين، كانت هذه الأفكار تراودني، قبل مراودة الاسئلة عن اوضاع البلاد، والمنطقة وما ينتظرها من احداث، شعرت ان العاهل الشاب هو الزمان الاردني الجديد، هو ماء النهر، بينما الزمان القديم من حوله، مازال يصخب بالحراس القدامى، والذين ربما، انعقدت السنتهم من سياسة غير مألوفة عندهم، تجاوزت الجمود الى الادهاش، واستشعروا معها ان قدرتهم على الالتحاق قد استنفدت.
راودني هذا الشعور ربما لأني لا احب كلمة "مخضرم" واني دائما احرص على نقطة بداية جديدة ارى انها تجعلني في مجرى النهر الى أي نقطة وصل اليها، او ربما لأني ارى الحياة غير قابلة للتقطيع بالأوقات وانها زمن واحد بمراحل متعددة، وأزمنة متعاقبة.
وبالفعل، دخلنا قصر البركة، وجاءنا العاهل الاردني الشاب بملابس عادية "كاجوال" ليؤكد لنا بالفعل ان الأشكال التي كانت تسبق الأفكار في اعتبارها، ما عادت لازمة لتكون اطاراً، وان من يدرك هذه الحقيقة هي فقط القيادات الشابة في هذه الامة التي اصبحت بحاجة الى التجديد.. التجديد في كل شيء.
لذلك كان من الطبيعي ان انطلق في سؤالي الأول من مكان المراودة، وكان مكانا شديد الالتصاق بالشبابية وبأفكارها.
سألت العاهل الاردني الملك عبدالله: ـ أنت شاب، وجديد، وتحكم.. هل استطعت البداية مع القديم، هل استطعت التعامل مع الجيل الذي خدم في عهد والدك الراحل؟ ــ استطيع أن اقول ان الجيل الجديد من الحكام، وابناء الحكام اصدقائي، في "الويك اند" اذهب الى البحرين مثلاً.
الفرق بين الجيلين هو ان الجيل الجديد أصدقاء، فأنا اتوسط عند الشيخ زايد، رئيس دولة الامارات، من أجل دعم الجيل الجديد.. حكام الجيل الجديد يحتاجون الى دعم أمام شعبهم، ونحن كحكام جدد بدأنا جميعا نتحدث لغة واحدة.
الرئيس السوري بشار الأسد من جيل هؤلاء الحكام الجدد، وأنت ترتاح معه لأنه يعرف ما المطلوب لبلده، وأعانه الله على تحقيق أفكاره المتقدمة.
على كل حال، لو راجعت ما تم تحقيقه عندنا في الثلاث سنوات الماضية، فالحمد لله تستطيع ان تقول ان تحسنا كبيراً قد طرأ. لولا شغل الوالد لما كنا نستطيع التقدم الى الأمام، كل ما في الأمر ان "السيستم" يختلف. خلفية المفاهيم لدى الجيل القديم مازالت الحرب الباردة، أي الاتحاد السوفييتي وأميركا، انا عقليتي وخلفيتي مختلفة.. أنا أتطلع الى الناس، خذ عندك مثلاً فأنا حين أردت تحسين حياة هؤلاء الناس طلبت تزويد المدارس بأجهزة الكمبيوتر، فاعترض الجيل القديم وقالت ليت عبدالله يجلب الطعام والأكل بدل الكمبيوتر، هذه فقط اشارة الى العقلية واختلاف "سيستم" التفكير، الفقير اذا اعطيته امكانات ليحسن اوضاعه فسيتقدم، هو سيستفيد وأنا سأستفيد، انك هنا تعطيه السنارة ليصيد دائما بدلا من أن تعطيه السمكة مرة واحدة.
في الحكومة هناك اناس يفهمون اننا نريد ان نمشي الى الامام، أما الآخرون فلا. من هنا ترى انك تريد وقتاً حتى يعم هذا المفهوم.
ـ جلالة الملك.. كلامك يشير الى ان بعض الوزراء لم يطوروا فكرهم لخدمة الفكرة التي تريد، دعنا نوضح هذا الجانب.
ــ في داخل عمان تجد "هوشة" بين الأب والابن. الابن يعرف ما المطلوب والأب يقول له "شو بدك بها الشغلة" نحن جيل جديد، ومع ذلك هناك شباب مازالوا يفكرون في الوساطات والمحسوبية، أنت بحاجة الى سنة او سنتين لاقصاء هذا التفكير. من جهتي أقول لهم: أنا ضد الفساد و"الواسطة" هل أنتم جاهزون لتفكروا معي؟ تلك هي القضية.
ـ جلالة الملك.. أكثر ما ألاحظه هنا هو طغيان اللعبة السياسية والبعد عن فكر التنمية، ولذلك تجد الاردن مجموعة من الصالونات السياسية. في هذا الجو كيف تستطيع أن تعمل؟ ــ صالونات عمان هذه هي أكبر حاجز لمنع تطوير الاردن، وترى كل واحد فيها يطعن في الثاني. هي صالونات ضد بعضها البعض وليست ضد النظام، ترى كل صاحب صالون يريد ان يصبح رئيساً للوزراء. وكل صاحب صالون اخر يطعن به، ولا يريده ان يصل الى مبتغاه. هذا لا ينفع البلد، فأنت، مثلاً، تأتي لتستثمر في الاردن، فبدلاً من أن يرحب بك جماعة الصالونات تراهم يسألون ولماذا انت قادم للاستثمار.. هؤلاء مافيات، واذا قمت بالرد عليهم فلن تعمل شيئاً.
ـ لكن هل تعيق هذه الصالونات عملك، وهل أنت قادر على تجاوزها؟ ــ لا.. لا.. هذه الصالونات لا تعيق عملي، وكل ما في الأمر هو ان اصحابها لا يعجبهم أن لا يكون لهم دور. أنا انتقيت شخصية من القطاع الخاص ليكون سفيراً لنا في واشنطن.. شاب مؤهل، يتحدث الانجليزية بطلاقة، فجن جنون أصحاب الصالونات وقالوا "ليش يجيب واحد من بره؟"، يعني لماذا لم يقع اختياري على واحد منهم أو من جماعتهم؟! انا اخترت واحداً من عالم الأعمال، وأريده هناك لمهمات سياسية واقتصادية، تعلم في أميركا، وقادر على ان يعقد الاجتماعات واللقاءات لتحقيق مصالح للاردن، فهناك فرص متاحة لي هناك، ولو أمسكت 0.01 من السوق الأميركي لكان ذلك انجازاً. لقد جن جنون أصحاب الصالونات لأن من وقع اختياري عليه ليس منهم، كما قلت، أو من جماعتهم، وتساءلوا لماذا؟ أنت بحاجة الى دم جديد، عندنا شعب مثقف يجب ان نعطيه فرصة.
لذلك لا ارد على الصالونات، وأمضي في قراري.
ـ جلالة الملك.. هل هذه هي مقدمة لتشكيل حكومة جديدة؟ ــ المشكلة في "السيستم" القديم اننا كنا نغير حكومات كل ستة أشهر. واذا اتبعنا الان هذا النهج وأخذنا نغير حكومات كل ستة أشهر كيف سنعمل، وهل بامكاننا ان نعمل؟ أنت كأجنبي ستمتنع عن الاستثمار عندنا حين تجد أمامك حكومة جديدة كل ستة أشهر، سنتان او اكثر، او حتى اربع سنوات، مدة ضرورية لايجاد آلية عمل، من واجبي ان اضعها في الطريق الصحيح. وساعتها اذا اردت ان اغير حكومة أغيرها للأفضل، واذا لم يكن الأمر كذلك فان من الأفضل ان أبقي على من أعرفه أي على رئيس الوزراء لأن حسناته أكثر من سيئاته، أما القول هذا الوزير مش نافع، قول لا يكفي، وأرد عليه، اعطوني البديل.
ـ اذن انت تهدف الى استقرار المنصب الوزاري، عبر أشخاص انت تتفاهم معهم ذهنيا لاجتياز مرحلة التنمية وتحمل أعبائها؟ ــ لا.. المسألة ليست فقط هكذا، وخصوصا فيما يتعلق بتحقيق التنمية. عندما ذهبنا الى الصين وجدت هناك ان المحافظ لا يعمل بالشكل الذي نعهده عندنا، ان له دوره الاقتصادي المتصل بمحافظته. لذلك انا اريد ان اعطي المحافظ هنا صلاحيات اقتصادية على صعيد محافظته.. الحكومة لوحدها لا تكفي للقيام بمهام التنمية.
ـ يقولون هنا ان للملك رأيه في تأخير اجراء الانتخابات العامة في الاردن.. ما الحقيقة فيما يخص هذا الاستحقاق الديمقراطي خصوصا وان الصالونات السياسية بدأت تتحدث عن هدف معين كأن تسفر الانتخابات عن مجيء لون معين من الناس؟ ــ المشكلة ان جماعة الصالونات لا يعرفون الاتجاهات من ذلك، وان عرفوا فسيعارضون ويحتجون وهنا تكون المشكلة أكبر.. دعنا منهم ولنعد الى موضوع الانتخابات، فأنا قلت انه يجب زيادة عدد النواب حتى تزداد الشفافية. في المرحلة الاولى قررنا زيادتهم الى 104 أعضاء ولا ننسى ان الديمقراطية درجات الى ان تكتمل. قلت اريد اجراء انتخابات وان تتم بشفافية لذلك طالبت باستحداث البطاقة الانتخابية الالكترونية لكل ناخب حتى لا تتدخل الحكومة في مجرى العملية وتؤثر على النتائج، والدولة الاردنية لا تخشى المعارضة. لذلك طلبت مهلة ستة أشهر حتى يصبح لكل ناخب بطاقته الالكترونية. الحمد لله انجزنا ما نسبته 85 الى 95 في المئة من هذه المهمة، لأن افراد القوات المسلحة عندنا لا ينتخبون، وبالتالي غير محسوبين على مجهودات العمل.
ـ جلالة الملك.. الاردن كان لعبة التغييرات الحكومية والصالونات والاجهزة والواجهات السياسية.. في عهدك هل تتوقف هذه الرواية وتتوقف معها لعبة الصالونات؟ ــ يجب ان تتوقف. الصالونات التي تعمل بشكل ايجابي لا مانع عندي في وجودها اما التي تحارب بعضها البعض فلا. انتم في الكويت عملتم شيئا ايجابيا، صالونات فيها الجميع، من كان مع الحكومة، ومن كان ضدها، والناس تتنقل هناك من ديوانية الى اخرى، عندكم شبه برلمان، وليتنا نتعلم منكم.
ـ جلالة الملك.. الرئيس الاميركي بوش استقبلك حتى الان خمس مرات، ألا ترى في ذلك بادرة ملفتة للنظر؟ ــ كل رئيس أميركي يخاف من الدخول الى قضية الشرق الاوسط.. قلت للرئيس بوش ستدخل المنطقة ومشكلتها.. الرجل متحمس ومقتنع بالدولة الفلسطينية لكنه يقول لك لا اريد ان أكون مثل الرئيس كلينتون، فعندما ارمي "كرت رئاسي" فيجب ان انجح. المشكلة في السيستم الاميركي. الرئيس بوش عليه ضغوطات.. انه قوي جداً ولا يخاف، لكن الحرب بالنسبة لنا كسياسيين ليست هنا بين اسرائيل وفلسطين، مرات تكون في واشنطن.. الرئيس بوش يرى الوضع الداخلي والخارجي وتأثير اسرائيل في اميركا، لكنه في قلبه يعرف ما هو مطلوب.
ـ دعنا من الرئيس بوش لنسأل عن تفكير الادارة الأميركية تجاه الاردن وملك الاردن؟ ــ الحمد لله.. استطيع أن أقول ان علاقاتنا مع اميركا ومع العالم جيدة. اسأل الحكومة وأسأل الاجهزة عن ذلك، والحمد لله الجميع يقول ذلك.
علاقتنا بالكونغرس مئة بالمئة ونحن هنا لا نتحدث عن الاردن الا بمقدار يسير، اغلب الحديث يتركز على فلسطين والعراق، التقي مع الرئيس بوش 40 دقيقة، 37 منها عن فلسطين واشقائنا العرب، وعند الباب ساعة الخروج نقول لهم يا جماعة عندنا الوضع الاقتصادي ليتكم تساعدونا فيه.
ـ جلالة الملك.. هل استفاد الاردن من علاقتكم الحميمة مع أميركا؟ ــ نعم.. المساعدات ارتفعت من 30 مليون دولار عام 1999 الى 400 مليون دولار حسب ما نتوقع هذا العام.
ـ إعطاء اميركا الاردن امتيازات الدولة الاولى بالرعاية هل استفاد منه القطاع الخاص الاردني؟ ــ طبعا، هناك استثمار في البلد وفي الشمال المرأة بدأت تعمل وأصبحت تتاقضى راتباً يساوي راتب زوجها.. هناك تحسن بالطبع.
ـ جلالة الملك.. اتفاق السلام في المنطقة هل تراه قريبا ام مازال بعيدا؟ ــ اراه قريبا. فنحن كدول عربية واسرائيل والعالم لا نريد 15 سنة اخرى من الصراع، فبعد مبادرة الأمير عبدالله بدأ الشعب الاسرائيلي يعرف أن هناك مجالا لتسوية المشكلات.
من جهتنا فنحن نتكلم مع الجميع ونقول لهم اذا كنتم تريدون اقامة دولة فلسطينية على اربعين في المئة من اراضي الضفة وغزة لا تكونوا قد حللتم المشكلة، اذ بعد سنتين سنرجع الى المشكلات نفسها. هناك وعي في كل الدول على ما هو مطلوب، وبالنسبة للرئيس الأميركي فهو عارف انه يجب ان يتدخل، وما هو المطلوب منه.. لكن أحب ان اطمئنك أننا حين نذهب لرؤية بلير او شيراك او شرويدر، او بوتين او زيانغ زيمين في الصين او كوفي عنان، فاننا اصبحنا نتكلم جميعا لغة واحدة، ولا نريد لأميركا أن تكون بعيدة عن أمر من صميم عملها. وكلما تحدث بوش مع رئيس في العالم قال له هذا الرئيس على طريق فلسطين عليك ان تعمل كذا وكذا.. أولاً، ثانيا، ثالثاً. وقبل ستة أشهر تحدث معي الاوروبيون وقالوا لي: عندما تتكلم انت يا عبدالله مع بوش فانت تحكي باسم الاوروبيين، للمرة الاولى الموقف الاوروبي والعربي واحد.. وكنت أقول للرئيس الأميركي العالم الغربي والغرب هكذا يتكلم.
الحمدلله.. هناك تركيز على القضية.
ـ الدول العربية كلها، بما فيها الكويت ضد شن الهجوم على العراق، لنفرض أن اميركا هجمت، ماذا سيكون الموقف؟ ــ يجب ان تحسب حسابا ان كل العالم أخذ الموقف نفسه بالنسبة لفلسطين، والموقف نفسه بالنسبة للعراق. ليس من السهولة على أميركا، لوحدها أن تضرب العراق.. لا توجد قناعة في أوروبا وروسيا والصين بهذه الضربة.
ـ جلالة الملك.. وماذا عن مستقبل عرفات وسلطته الفلسطينية؟ ــ مستقبل الرئيس عرفات امر يقرره الشعب الفلسطيني فقط ولا يمكن لاحد ان يقرر أمرا نيابة عن الشعب الفلسطيني الذي انتخب قائده وقبل به.. اذا تم القبول بمثل هذا الطرح ان يفكر الاخرون عن الشعوب فهذا امر خطير ومرفوض. حين يقرر الشعب الفلسطيني ماذا يريد وبماذا يفكر يجب ان نحترم رأيه ونسانده. هذا موقفنا في الاردن ندعم ونؤيد قيادة الشعب الفلسطيني المنتخبة ونضع كل امكاناتنا الى جانب الفلسطينيين حتى يقرروا مستقبلهم بأنفسهم ويأخذوا حقوقهم على ارضهم وبناء دولتهم المستقلة التي سندعمها ونساندها دولة عربية شقيقة، كاملة السيادة.
ـ عودة الاوضاع في الضفة الغربية وغزة الى ما كانت عليه قبل اندلاع حرب 1967، هل تعتبر من الاحتمالات الواردة؟ ــ كل جهودي مكرسة في سبيل حشد الدعم السياسي للقضية الفلسطينية، وكانت كل اللقاءات مع قادة دول العالم منصبة على ضرورة مساعدتنا في جلب السلام الى منطقة الشرق الاوسط، وانهاء المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ومنح الامل والمستقبل الآمن للفلسطينيين والاسرائيليين معا.
وفي ضوء المتغيرات الدولية من حولنا كان لابد من البحث عن مخرج للوضع المتأزم الذي بات يهدد المنطقة كلها واستنفد كل طاقاتها ومواردها، واخذ بعد عام ونصف من اندلاع الانتفاضة والتصعيد العسكري الاسرائيلي منحى عدوانياً طال المدنيين والمؤسسات والبنية التحتية في الاراضي الفلسطينية، لذلك كان لابد من التحرك على مختلف الصعد لانقاذ الوضع، وبدأت اتصالاتنا مع الولايات المتحدة واوروبا وروسيا ومع جميع القوى الدولية الفاعلة لتحفيزها من اجل قضية السلام، ومنع تفاقم الوضع وامتداده، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني.
يجب ان نعترف انه من دون مساعدة هذه القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة لا يمكن ان نتمكن من التحرك. ورغم كل ما يجري الا اننا لم نفقد الامل في تحقيق السلام، واعتقد ان الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي سئما حياة القتل والدمار المستمرة وهما مستعدان ان يصغيا الى صوت السلام والى نبذ العنف الذي لم يجلب الا الالم واليأس والاحباط.
وعليه فان طروحاتنا تتمثل باعطاء الفلسطينيين الامل باقامة دولتهم المستقلة القابلة للبقاء والاستمرار الى جانب دولة اسرائيل التي لابد ان نعترف كعرب ضرورة ان تعيش بأمان وضمن حدود آمنة ايضا.
وهذه الخطوط عبر عنها العرب في مبادرة السلام العربية التي طرحها سمو الامير عبدالله بن عبدالعزيز وتبناها العرب في قمة بيروت وهي مبادرة جريئة وشجاعة وضعت الكرة في المرمى الاسرائيلي وعبرت عن رغبة حقيقية لدى العرب في صنع السلام.
ـ عودة الضفة الغربية، وقطاع غزة الى الولايتين الاردنية والمصرية.. ما مدى تأثير ذلك على استئناف المفاوضات السلمية مع إسرائيل؟ ــ كما سبق وان ذكرت، الفلسطينيون هم اصحاب القرار بمن يحكمهم، نحن لا نريد اي دور للاردن في الضفة الغربية، ودورنا يتركز في تقديم الدعم والاسناد للاشقاء الفلسطينيين حتى يتجاوزوا المحنة التي يتعرضون لها وينتهي الاحتلال الاسرائيلي. وكما قدمنا لهم الدعم في مختلف الظروف التي مروا بها سنبقى ندعمهم ونساندهم بكل امكاناتنا. اما الحديث عن دور يستبدل فيه الجندي الاسرائيلي بجندي اردني، فهذا امر لن اسمح به على الاطلاق وشعبي الاردني متضامن معي في هذه المسألة.
ـ جلالة الملك.. دعني اسألك بصراحة هل طغيان الاكثرية الفلسطينية عدديا ينفي وجود مجتمع اردني ويؤكد على وجود تجمع بشري؟ ــ طغيان الاكثرية الفلسطينية ليس صحيحا ولكن دعني اوضح لك ان تميز الاردن وقوته تكمن في تنوع مجتمعه، فالاردنيون من مختلف اصولهم ومنابتهم سواء اكانوا من اصول فلسطينية او عربية اخرى ما دام قبلوا بهذا الوطن وطنا لهم وقدموا واجباتهم وحصلوا على حقوقهم فهم قوة الاردن ومنعته وتقدمه، وان غايتي وهدفي في الحياة هو توفير العيش الكريم لهم والمستقبل لابنائهم وبناتهم.
ـ ما علاقة استرجاع اراضي الضفة الغربية والولاية على القدس بضمان وجود الاردن وبقائه كدولة وضمان انتهاء الاحتلال الاسرائيلي لجميع الاراضي الواقعة غرب النهر؟ ــ كما اسلفت ان استرجاع اراضي الضفة الغربية هو هدف نعمل لأجله مع اشقائنا العرب، اما عن العلاقات بين الاردن والدولة الفلسطينية التي ستقوم على الاراضي الفلسطينية فهي ستكون علاقات اخوة وجوار وسنكون السند الظهير للدولة الفلسطينية المقبلة ندعمها ونؤازرها لتكون امل الفلسطينيين ومستقبلهم بعد ان كافح هذا الشعب وناضل فانه يستحق ان يكون له كيان على الخريطة العالمية. اما الحديث عن خطر يهدد الاردن في حال قيام الدولة الفلسطينية، فهذا هراء وأمر يراد به التشويش على عدالة القضية الفلسطينية.
ـ الهاشمية كعقيدة وانتماء والتزامها بقيادة الاقطار العربية نحو الوحدة القومية والسياسية.. اين اصبح هذا الاندفاع اليوم؟ ــ نحن دعاة وحدة وتضامن ورؤيتنا ان وحدة العرب وتضامنهم كفيلان بحل جميع مشكلاتهم، والوحدة التي ننظر اليها لا تكمن فقط بان تكون الدول العربية مجتمعة بدولة واحدة، فلكل قطر عربي خصوصية يجب احترامها من قبل الجميع.
والاوروبيون بكل تناقضاتهم حققوا الآن وحدة اقتصادية فريدة، فلماذا لا نقتدي نحن العرب بالدول الاوروبية ويكون الاقتصاد عنوان وحدتنا وتكاملنا وتضامننا لان عالم اليوم اصبح يعترف بالتكتلات الاقتصادية.
وفي ظل سياسة العولمة التي طغت على الاقتصاد العالمي لابد ان يكون لدى العرب تكتلهم الاقتصادي الذي يعزز التجارة البينية ويزيل العوائق امام انسياب حركة التجارة بين الأقطار العربية، وبالتالي نحقق لشعوبنا الحياة الكريمة ونعيد للشباب العربي الأمل بالمستقبل الزاهر الذي يحقق طموحاتهم.
وفي هذا السياق لابد من التأكيد على أن تقديم الفكر المستنير والنماذج الناجحة والاهتمام بتنمية الإنسان يساهم في قيادة الدول العربية نحو التقدم والازدهار الذي هو مفتاح الوحدة السياسية والقومية مهما كانت.
ـ الاردن ـ الولايات المتحدة على ماذا يلتقيان ويختلفان بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة؟ ــ نلتقي على امور كثيرة وقد نختلف على بعض القضايا ولكن علاقاتنا بأميركا تظل قوية ومتينة. على الصعيد السياسي يجب ان نعترف بأهمية دور الولايات المتحدة وثقلها السياسي العالمي. واذا اغفلنا هذا الدور فلن نتمكن من تحقيق السلام في منطقتنا لان جزءاً كبيراً من اوراق الحل هو بيد الولايات المتحدة ومنذ كامب ديفيد اتخذت الادارات الأميركية المتعاقبة نهجا قويا يؤكد ان حل القضية الفلسطينية لا يمكن ان يتأتى الا عن طريق الحل السياسي وهذا هو موقف العرب ايضا. ولذلك فان دور الولايات المتحدة في عملية السلام دور حيوي ومركزي لا يمكن لأحد أن يتجاهله او يرفض التعامل معه.
اما على صعيد علاقاتنا بالولايات المتحدة في المجال الاقتصادي فهي قوية وطيدة. فأميركا تقدم مساعدات كبيرة للأردن في المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية، ووفرت اتفاقية التجارة الحرة التي وقعها الاردن مع الولايات المتحدة للاردن مجالاً حيويا امام زيادة التعاون بين البلدين، والاردن يعد رابع دولة توقع هذه الاتفاقية بعد كندا والمكسيك واسرائيل، وفتحت هذه الاتفاقية اكبر سوق عالمي امام الصادرات المنتجة في السوق الاردني. ونأمل خلال السنوات المقبلة ان يشهد الاردن المزيد من الاستثمارات العربية والأجنبية التي تسعى الى الدخول للسوق الأميركي من خلال الاردن.
على صعيد الحرب على الارهاب التي تخوضها الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، نحن أعلنا موقفنا بأننا ضد الارهاب بجميع اشكاله لاننا عانينا من الارهاب وكنا كوطن وشعب احد ضحاياه، وأكدنا على أكثر من صعيد أن الحرب على الارهاب يجب ان لا تختلط فيها الامور وتصبح حربا على الاسلام لان الاسلام بريء من الذين يحاولون التستر خلفه لتحقيق مآربهم. وما جرى في 11 سبتمبر لا يقره الاسلام ولا أي دين آخر فكيف لنا نحن العرب ضحايا الارهاب ان نؤيد هذه الجرائم؟ لدينا مصالح مع الولايات المتحدة نعمل على المحافظة عليها، والولايات المتحدة اضافة الى ما ذكرت تقدم للاردن مساعدات من المتوقع ان تبلغ 400 مليون دولار.
ـ الدعوة الأميركية لإقامة دولة فلسطينية ومستقبل وجود هذه الدولة.. ما مدى جدية الطرح، وهل سترى الفكرة النور؟ ــ الولايات المتحدة وحسب ما أعلن الرئيس بوش ووزير الخارجية الأميركي كولن باول ملتزمة برؤيتها لإقامة دولة فلسطينية تعيش الى جانب دولة اسرائيل. وخلال لقاءاتي بالرئيس بوش والإدارة الأميركية كان تركيزي دائما على انه ما لم يتم معالجة المشكلة السياسية للقضية الفلسطينية على أساس سياسي وليس أمني، وما لم يتم إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الاراضي الفلسطينية وخلال فترة زمنية معقولة تتفق عليها الاطراف المعنية، فان دوامة العنف ستستمر وان إقامة الدولة الفلسطينية هو الكفيل بإنهاء العنف في الأراضي الفلسطينية.
اما الحديث عن دولة فلسطينية دون ان يرافقه حديث عن اطار زمني لها وتعريف لهذه الدولة فهذا امر غير مقبول، وخلال الأيام الماضية اصبح الحديث عن دولة مؤقتة ـ وهو مصطلح جديد في القاموس السياسي ـ ان ما نريده هو دولة ناجزة بكل معنى الكلمة.. دولة تقوم وفقا لقرارات مجلس الأمن 242 و338 و1397.
على أية حال لقد جاء بيان الرئيس بوش منسجماً مع الموقف الاردني حول تعريف الاطار العام للحل وتحديد الجدول الزمني لاعادة اطلاق المفاوضات.
واعتقد ان دعوة الرئيس بوش لاقامة دولة فلسطينية تعد أمراً ايجابياً ونحن نرحب بهذا الموقف ونؤيد قيام دولة فلسطينية تقوم على أساس حدود عام 1967. هذه المبادرة الأميركية تشكل بداية لنهاية الصراع بين العرب والاسرائيليين، وكما ذكرنا نحن في الاردن على استعداد للعمل مع كل الأطراف للتوصل الى السلام في المنطقة والى اقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل.
ونأمل أنه بهذه المبادرة الجديدة يتحقق الهدوء في الأراضي الفلسطينية ويتوقف العنف. وان شاء الله تستجيب اسرائيل لما جاء في بيان الرئيس بوش، لكن اريد ان اقول انه من اللازم اشراك جميع الاطراف وخصوصا سوريا ولبنان في عملية السلام حتى يكون هذا السلام شاملاً.
ـ المؤتمر الدولي المقترح واستبعاد سوريا ولبنان من المشاركة فيه، هل سيكون له نصيب من النجاح؟ ــ حتى الآن لم يتبلور شيء عن المؤتمر الدولي سواء في جدول أعماله أو طبيعة المشاركين فيه. موقفنا في هذه المسألة واضح وهو يجب أن توجه الدعوة لجميع الأطراف المعنية للمشاركة فيه وأن يكون جدول أعماله واضحاً ومحدداً.
لابد من الاعتراف ان هناك احباطاً ويأساً في المنطقة وما لم يعالج المؤتمر المقترح جوهر الصراع ويجد الحلول الناجعة للمشكلات الحالية فسنعود للمربع الاول ونبقى ندور في حلقة مفرغة. على المؤتمر ان يتعامل اضافة للمسائل السياسية مع المسألة الاقتصادية والمعاناة المريرة للشعب الفلسطيني وان يتعامل مع الحاجات الاقتصادية والسياسية للفلسطينيين.
ـ مبادرة السلام العربية.. أين أصبحت؟ ــ اعتقد أن مبادرة السلام العربية لم تمت، فكل الخطط والمبادرات والأفكار المطروحة حاليا تلتقي مع المبادرة العربية وغايتنا في النهاية أن نحقق مسعى واحداً وهو إنهاء الاحتلال الاسرائيلي ووقف مسلسل القتل اليومي، وإعطاء الفلسطينيين الذين بلغت معدلات البطالة في أوساطهم 75 في المئة ويعيش 65 في المئة منهم تحت خط الفقر، الأمل والأمن والاستقرار. فالسبب الذي يدفع للتضحية بأرواحهم هو فقدانهم الأمل بمستقبلهم.
اذا تمكنا من تحديد ماذا نريد من مؤتمر السلام واتفقنا على آلية واضحة لتنفيذ بنود المؤتمر ضمن جدول زمني محدد نكون قد وضعنا الأساس لحل هذا النزاع الذي استنزف طاقات شعوب المنطقة كافة.
ـ ماذا عن مستقبل العلاقة الأردنية العراقية في ضوء المتغيرات الدولية المستجدة، وامكانية توجيه ضربة اميركية للعراق؟ ــ علاقتنا بالعراق جيدة جدا ونأمل ان تتطور الى الأمام بما يخدم مصالح الشعبين ومصالح امتنا العربية بشكل عام. نحن مازلنا نطالب بأن حل الخلافات بين العراق والولايات المتحدة والأمم المحدة يستدعي بدء حوار عملي وجاد وتفاهم يجنب المنطقة المزيد من الكوارث والمآسي التي مازلنا نعاني منها جميعا. ضرب العراق كارثة ليس للعراق وحسب بل للمنطقة كلها.
كل العون والتعاون من دول الخليج
بسؤال العاهل الاردني عن انطباعه بعد زيارته الاخيرة لعدد من دول الخليج قال انها كانت جد مريحة، سواء زيارته لمملكة البحرين، او لدولة الامارات، او لدولة الكويت، لقد وجدت كل العون والتعاون من قادة هذه الدول، الامر الذي يجعلني أنوي زيارة هذه الدول مرة اخرى لتوثيق روابط التعاون، وتعزيز علاقات الاخوة.
واضاف العاهل الاردني ان زيارته للكويت كانت جد ناجحة ومثمرة، وقد التقى خلالها بسمو الامير، وبكبار المسئولين، وبعدد من الفاعليات السياسية والاقتصادية والبرلمانية، وانوي زيارة الكويت مرة اخرى.
وأكد جلالته اننا امام مرحلة جديدة وفرص تعاون كثيرة علينا ان نستغلها. نحن مقبلون على اوضاع جيدة نأمل ان تقود الى قيام سوق عربية مشتركة. (البيان الإماراتية)
وبحراستهم القديمة، يستطيعون اقتراف هذه المخالفة. أما الأزمة الأكبر فهي حين يحاول هذا السياسي اعتراض ماء النهر، هنا لا يتوقف الماء عن الجريان، بل يأخذ في طوفانه المعترضين، وكان بامكانهم ان يفوزوا بالحياة لو قرروا فقط الالتحاق، او الانسحاب الى الهدوء الساكن والسعيد بسكنى الضفاف.
في عالمنا العربي دائما ما يكون الاعتبار للمكابرة، او اللجوء الى ادعاء الخبرة وتراكمها، فتكون الأزمات السياسية التي لا يستفيد الناس منها، خصوصا أنها تكون بعيدة عن الانشغال بتنميتهم، وبوضع الخطط لتحسين حياتهم واسعادهم، ورفع مستويات معيشتهم، ونرى دائما بروز هذه الحالات النافرة عندما تتبدل العهود، وتنتقل رايات الحكم من الايادي المتهالكة، او المتغيبة بالموت الى الايدي الشابة.. ساعتها لا يكون هناك من شغل للحراس القدامى الا تطويق الايدي الشابة، وعرقلة عملها، وتعطيل طموحاتها لبلادها، بادعاء الخبرة، كما سبقت الاشارة، في حين ان هذه الخبرة كانت صالحة في زمان وظروف، بينما الزمان تغير، والظروف تبدلت، وبدأت تطالب وتطلب دولتها ورجالها.
في طريقي الى قصر البركة لمقابلة عاهل الاردن الشاب الملك عبدالله الثاني بن الحسين، كانت هذه الأفكار تراودني، قبل مراودة الاسئلة عن اوضاع البلاد، والمنطقة وما ينتظرها من احداث، شعرت ان العاهل الشاب هو الزمان الاردني الجديد، هو ماء النهر، بينما الزمان القديم من حوله، مازال يصخب بالحراس القدامى، والذين ربما، انعقدت السنتهم من سياسة غير مألوفة عندهم، تجاوزت الجمود الى الادهاش، واستشعروا معها ان قدرتهم على الالتحاق قد استنفدت.
راودني هذا الشعور ربما لأني لا احب كلمة "مخضرم" واني دائما احرص على نقطة بداية جديدة ارى انها تجعلني في مجرى النهر الى أي نقطة وصل اليها، او ربما لأني ارى الحياة غير قابلة للتقطيع بالأوقات وانها زمن واحد بمراحل متعددة، وأزمنة متعاقبة.
وبالفعل، دخلنا قصر البركة، وجاءنا العاهل الاردني الشاب بملابس عادية "كاجوال" ليؤكد لنا بالفعل ان الأشكال التي كانت تسبق الأفكار في اعتبارها، ما عادت لازمة لتكون اطاراً، وان من يدرك هذه الحقيقة هي فقط القيادات الشابة في هذه الامة التي اصبحت بحاجة الى التجديد.. التجديد في كل شيء.
لذلك كان من الطبيعي ان انطلق في سؤالي الأول من مكان المراودة، وكان مكانا شديد الالتصاق بالشبابية وبأفكارها.
سألت العاهل الاردني الملك عبدالله: ـ أنت شاب، وجديد، وتحكم.. هل استطعت البداية مع القديم، هل استطعت التعامل مع الجيل الذي خدم في عهد والدك الراحل؟ ــ استطيع أن اقول ان الجيل الجديد من الحكام، وابناء الحكام اصدقائي، في "الويك اند" اذهب الى البحرين مثلاً.
الفرق بين الجيلين هو ان الجيل الجديد أصدقاء، فأنا اتوسط عند الشيخ زايد، رئيس دولة الامارات، من أجل دعم الجيل الجديد.. حكام الجيل الجديد يحتاجون الى دعم أمام شعبهم، ونحن كحكام جدد بدأنا جميعا نتحدث لغة واحدة.
الرئيس السوري بشار الأسد من جيل هؤلاء الحكام الجدد، وأنت ترتاح معه لأنه يعرف ما المطلوب لبلده، وأعانه الله على تحقيق أفكاره المتقدمة.
على كل حال، لو راجعت ما تم تحقيقه عندنا في الثلاث سنوات الماضية، فالحمد لله تستطيع ان تقول ان تحسنا كبيراً قد طرأ. لولا شغل الوالد لما كنا نستطيع التقدم الى الأمام، كل ما في الأمر ان "السيستم" يختلف. خلفية المفاهيم لدى الجيل القديم مازالت الحرب الباردة، أي الاتحاد السوفييتي وأميركا، انا عقليتي وخلفيتي مختلفة.. أنا أتطلع الى الناس، خذ عندك مثلاً فأنا حين أردت تحسين حياة هؤلاء الناس طلبت تزويد المدارس بأجهزة الكمبيوتر، فاعترض الجيل القديم وقالت ليت عبدالله يجلب الطعام والأكل بدل الكمبيوتر، هذه فقط اشارة الى العقلية واختلاف "سيستم" التفكير، الفقير اذا اعطيته امكانات ليحسن اوضاعه فسيتقدم، هو سيستفيد وأنا سأستفيد، انك هنا تعطيه السنارة ليصيد دائما بدلا من أن تعطيه السمكة مرة واحدة.
في الحكومة هناك اناس يفهمون اننا نريد ان نمشي الى الامام، أما الآخرون فلا. من هنا ترى انك تريد وقتاً حتى يعم هذا المفهوم.
ـ جلالة الملك.. كلامك يشير الى ان بعض الوزراء لم يطوروا فكرهم لخدمة الفكرة التي تريد، دعنا نوضح هذا الجانب.
ــ في داخل عمان تجد "هوشة" بين الأب والابن. الابن يعرف ما المطلوب والأب يقول له "شو بدك بها الشغلة" نحن جيل جديد، ومع ذلك هناك شباب مازالوا يفكرون في الوساطات والمحسوبية، أنت بحاجة الى سنة او سنتين لاقصاء هذا التفكير. من جهتي أقول لهم: أنا ضد الفساد و"الواسطة" هل أنتم جاهزون لتفكروا معي؟ تلك هي القضية.
ـ جلالة الملك.. أكثر ما ألاحظه هنا هو طغيان اللعبة السياسية والبعد عن فكر التنمية، ولذلك تجد الاردن مجموعة من الصالونات السياسية. في هذا الجو كيف تستطيع أن تعمل؟ ــ صالونات عمان هذه هي أكبر حاجز لمنع تطوير الاردن، وترى كل واحد فيها يطعن في الثاني. هي صالونات ضد بعضها البعض وليست ضد النظام، ترى كل صاحب صالون يريد ان يصبح رئيساً للوزراء. وكل صاحب صالون اخر يطعن به، ولا يريده ان يصل الى مبتغاه. هذا لا ينفع البلد، فأنت، مثلاً، تأتي لتستثمر في الاردن، فبدلاً من أن يرحب بك جماعة الصالونات تراهم يسألون ولماذا انت قادم للاستثمار.. هؤلاء مافيات، واذا قمت بالرد عليهم فلن تعمل شيئاً.
ـ لكن هل تعيق هذه الصالونات عملك، وهل أنت قادر على تجاوزها؟ ــ لا.. لا.. هذه الصالونات لا تعيق عملي، وكل ما في الأمر هو ان اصحابها لا يعجبهم أن لا يكون لهم دور. أنا انتقيت شخصية من القطاع الخاص ليكون سفيراً لنا في واشنطن.. شاب مؤهل، يتحدث الانجليزية بطلاقة، فجن جنون أصحاب الصالونات وقالوا "ليش يجيب واحد من بره؟"، يعني لماذا لم يقع اختياري على واحد منهم أو من جماعتهم؟! انا اخترت واحداً من عالم الأعمال، وأريده هناك لمهمات سياسية واقتصادية، تعلم في أميركا، وقادر على ان يعقد الاجتماعات واللقاءات لتحقيق مصالح للاردن، فهناك فرص متاحة لي هناك، ولو أمسكت 0.01 من السوق الأميركي لكان ذلك انجازاً. لقد جن جنون أصحاب الصالونات لأن من وقع اختياري عليه ليس منهم، كما قلت، أو من جماعتهم، وتساءلوا لماذا؟ أنت بحاجة الى دم جديد، عندنا شعب مثقف يجب ان نعطيه فرصة.
لذلك لا ارد على الصالونات، وأمضي في قراري.
ـ جلالة الملك.. هل هذه هي مقدمة لتشكيل حكومة جديدة؟ ــ المشكلة في "السيستم" القديم اننا كنا نغير حكومات كل ستة أشهر. واذا اتبعنا الان هذا النهج وأخذنا نغير حكومات كل ستة أشهر كيف سنعمل، وهل بامكاننا ان نعمل؟ أنت كأجنبي ستمتنع عن الاستثمار عندنا حين تجد أمامك حكومة جديدة كل ستة أشهر، سنتان او اكثر، او حتى اربع سنوات، مدة ضرورية لايجاد آلية عمل، من واجبي ان اضعها في الطريق الصحيح. وساعتها اذا اردت ان اغير حكومة أغيرها للأفضل، واذا لم يكن الأمر كذلك فان من الأفضل ان أبقي على من أعرفه أي على رئيس الوزراء لأن حسناته أكثر من سيئاته، أما القول هذا الوزير مش نافع، قول لا يكفي، وأرد عليه، اعطوني البديل.
ـ اذن انت تهدف الى استقرار المنصب الوزاري، عبر أشخاص انت تتفاهم معهم ذهنيا لاجتياز مرحلة التنمية وتحمل أعبائها؟ ــ لا.. المسألة ليست فقط هكذا، وخصوصا فيما يتعلق بتحقيق التنمية. عندما ذهبنا الى الصين وجدت هناك ان المحافظ لا يعمل بالشكل الذي نعهده عندنا، ان له دوره الاقتصادي المتصل بمحافظته. لذلك انا اريد ان اعطي المحافظ هنا صلاحيات اقتصادية على صعيد محافظته.. الحكومة لوحدها لا تكفي للقيام بمهام التنمية.
ـ يقولون هنا ان للملك رأيه في تأخير اجراء الانتخابات العامة في الاردن.. ما الحقيقة فيما يخص هذا الاستحقاق الديمقراطي خصوصا وان الصالونات السياسية بدأت تتحدث عن هدف معين كأن تسفر الانتخابات عن مجيء لون معين من الناس؟ ــ المشكلة ان جماعة الصالونات لا يعرفون الاتجاهات من ذلك، وان عرفوا فسيعارضون ويحتجون وهنا تكون المشكلة أكبر.. دعنا منهم ولنعد الى موضوع الانتخابات، فأنا قلت انه يجب زيادة عدد النواب حتى تزداد الشفافية. في المرحلة الاولى قررنا زيادتهم الى 104 أعضاء ولا ننسى ان الديمقراطية درجات الى ان تكتمل. قلت اريد اجراء انتخابات وان تتم بشفافية لذلك طالبت باستحداث البطاقة الانتخابية الالكترونية لكل ناخب حتى لا تتدخل الحكومة في مجرى العملية وتؤثر على النتائج، والدولة الاردنية لا تخشى المعارضة. لذلك طلبت مهلة ستة أشهر حتى يصبح لكل ناخب بطاقته الالكترونية. الحمد لله انجزنا ما نسبته 85 الى 95 في المئة من هذه المهمة، لأن افراد القوات المسلحة عندنا لا ينتخبون، وبالتالي غير محسوبين على مجهودات العمل.
ـ جلالة الملك.. الاردن كان لعبة التغييرات الحكومية والصالونات والاجهزة والواجهات السياسية.. في عهدك هل تتوقف هذه الرواية وتتوقف معها لعبة الصالونات؟ ــ يجب ان تتوقف. الصالونات التي تعمل بشكل ايجابي لا مانع عندي في وجودها اما التي تحارب بعضها البعض فلا. انتم في الكويت عملتم شيئا ايجابيا، صالونات فيها الجميع، من كان مع الحكومة، ومن كان ضدها، والناس تتنقل هناك من ديوانية الى اخرى، عندكم شبه برلمان، وليتنا نتعلم منكم.
ـ جلالة الملك.. الرئيس الاميركي بوش استقبلك حتى الان خمس مرات، ألا ترى في ذلك بادرة ملفتة للنظر؟ ــ كل رئيس أميركي يخاف من الدخول الى قضية الشرق الاوسط.. قلت للرئيس بوش ستدخل المنطقة ومشكلتها.. الرجل متحمس ومقتنع بالدولة الفلسطينية لكنه يقول لك لا اريد ان أكون مثل الرئيس كلينتون، فعندما ارمي "كرت رئاسي" فيجب ان انجح. المشكلة في السيستم الاميركي. الرئيس بوش عليه ضغوطات.. انه قوي جداً ولا يخاف، لكن الحرب بالنسبة لنا كسياسيين ليست هنا بين اسرائيل وفلسطين، مرات تكون في واشنطن.. الرئيس بوش يرى الوضع الداخلي والخارجي وتأثير اسرائيل في اميركا، لكنه في قلبه يعرف ما هو مطلوب.
ـ دعنا من الرئيس بوش لنسأل عن تفكير الادارة الأميركية تجاه الاردن وملك الاردن؟ ــ الحمد لله.. استطيع أن أقول ان علاقاتنا مع اميركا ومع العالم جيدة. اسأل الحكومة وأسأل الاجهزة عن ذلك، والحمد لله الجميع يقول ذلك.
علاقتنا بالكونغرس مئة بالمئة ونحن هنا لا نتحدث عن الاردن الا بمقدار يسير، اغلب الحديث يتركز على فلسطين والعراق، التقي مع الرئيس بوش 40 دقيقة، 37 منها عن فلسطين واشقائنا العرب، وعند الباب ساعة الخروج نقول لهم يا جماعة عندنا الوضع الاقتصادي ليتكم تساعدونا فيه.
ـ جلالة الملك.. هل استفاد الاردن من علاقتكم الحميمة مع أميركا؟ ــ نعم.. المساعدات ارتفعت من 30 مليون دولار عام 1999 الى 400 مليون دولار حسب ما نتوقع هذا العام.
ـ إعطاء اميركا الاردن امتيازات الدولة الاولى بالرعاية هل استفاد منه القطاع الخاص الاردني؟ ــ طبعا، هناك استثمار في البلد وفي الشمال المرأة بدأت تعمل وأصبحت تتاقضى راتباً يساوي راتب زوجها.. هناك تحسن بالطبع.
ـ جلالة الملك.. اتفاق السلام في المنطقة هل تراه قريبا ام مازال بعيدا؟ ــ اراه قريبا. فنحن كدول عربية واسرائيل والعالم لا نريد 15 سنة اخرى من الصراع، فبعد مبادرة الأمير عبدالله بدأ الشعب الاسرائيلي يعرف أن هناك مجالا لتسوية المشكلات.
من جهتنا فنحن نتكلم مع الجميع ونقول لهم اذا كنتم تريدون اقامة دولة فلسطينية على اربعين في المئة من اراضي الضفة وغزة لا تكونوا قد حللتم المشكلة، اذ بعد سنتين سنرجع الى المشكلات نفسها. هناك وعي في كل الدول على ما هو مطلوب، وبالنسبة للرئيس الأميركي فهو عارف انه يجب ان يتدخل، وما هو المطلوب منه.. لكن أحب ان اطمئنك أننا حين نذهب لرؤية بلير او شيراك او شرويدر، او بوتين او زيانغ زيمين في الصين او كوفي عنان، فاننا اصبحنا نتكلم جميعا لغة واحدة، ولا نريد لأميركا أن تكون بعيدة عن أمر من صميم عملها. وكلما تحدث بوش مع رئيس في العالم قال له هذا الرئيس على طريق فلسطين عليك ان تعمل كذا وكذا.. أولاً، ثانيا، ثالثاً. وقبل ستة أشهر تحدث معي الاوروبيون وقالوا لي: عندما تتكلم انت يا عبدالله مع بوش فانت تحكي باسم الاوروبيين، للمرة الاولى الموقف الاوروبي والعربي واحد.. وكنت أقول للرئيس الأميركي العالم الغربي والغرب هكذا يتكلم.
الحمدلله.. هناك تركيز على القضية.
ـ الدول العربية كلها، بما فيها الكويت ضد شن الهجوم على العراق، لنفرض أن اميركا هجمت، ماذا سيكون الموقف؟ ــ يجب ان تحسب حسابا ان كل العالم أخذ الموقف نفسه بالنسبة لفلسطين، والموقف نفسه بالنسبة للعراق. ليس من السهولة على أميركا، لوحدها أن تضرب العراق.. لا توجد قناعة في أوروبا وروسيا والصين بهذه الضربة.
ـ جلالة الملك.. وماذا عن مستقبل عرفات وسلطته الفلسطينية؟ ــ مستقبل الرئيس عرفات امر يقرره الشعب الفلسطيني فقط ولا يمكن لاحد ان يقرر أمرا نيابة عن الشعب الفلسطيني الذي انتخب قائده وقبل به.. اذا تم القبول بمثل هذا الطرح ان يفكر الاخرون عن الشعوب فهذا امر خطير ومرفوض. حين يقرر الشعب الفلسطيني ماذا يريد وبماذا يفكر يجب ان نحترم رأيه ونسانده. هذا موقفنا في الاردن ندعم ونؤيد قيادة الشعب الفلسطيني المنتخبة ونضع كل امكاناتنا الى جانب الفلسطينيين حتى يقرروا مستقبلهم بأنفسهم ويأخذوا حقوقهم على ارضهم وبناء دولتهم المستقلة التي سندعمها ونساندها دولة عربية شقيقة، كاملة السيادة.
ـ عودة الاوضاع في الضفة الغربية وغزة الى ما كانت عليه قبل اندلاع حرب 1967، هل تعتبر من الاحتمالات الواردة؟ ــ كل جهودي مكرسة في سبيل حشد الدعم السياسي للقضية الفلسطينية، وكانت كل اللقاءات مع قادة دول العالم منصبة على ضرورة مساعدتنا في جلب السلام الى منطقة الشرق الاوسط، وانهاء المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ومنح الامل والمستقبل الآمن للفلسطينيين والاسرائيليين معا.
وفي ضوء المتغيرات الدولية من حولنا كان لابد من البحث عن مخرج للوضع المتأزم الذي بات يهدد المنطقة كلها واستنفد كل طاقاتها ومواردها، واخذ بعد عام ونصف من اندلاع الانتفاضة والتصعيد العسكري الاسرائيلي منحى عدوانياً طال المدنيين والمؤسسات والبنية التحتية في الاراضي الفلسطينية، لذلك كان لابد من التحرك على مختلف الصعد لانقاذ الوضع، وبدأت اتصالاتنا مع الولايات المتحدة واوروبا وروسيا ومع جميع القوى الدولية الفاعلة لتحفيزها من اجل قضية السلام، ومنع تفاقم الوضع وامتداده، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني.
يجب ان نعترف انه من دون مساعدة هذه القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة لا يمكن ان نتمكن من التحرك. ورغم كل ما يجري الا اننا لم نفقد الامل في تحقيق السلام، واعتقد ان الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي سئما حياة القتل والدمار المستمرة وهما مستعدان ان يصغيا الى صوت السلام والى نبذ العنف الذي لم يجلب الا الالم واليأس والاحباط.
وعليه فان طروحاتنا تتمثل باعطاء الفلسطينيين الامل باقامة دولتهم المستقلة القابلة للبقاء والاستمرار الى جانب دولة اسرائيل التي لابد ان نعترف كعرب ضرورة ان تعيش بأمان وضمن حدود آمنة ايضا.
وهذه الخطوط عبر عنها العرب في مبادرة السلام العربية التي طرحها سمو الامير عبدالله بن عبدالعزيز وتبناها العرب في قمة بيروت وهي مبادرة جريئة وشجاعة وضعت الكرة في المرمى الاسرائيلي وعبرت عن رغبة حقيقية لدى العرب في صنع السلام.
ـ عودة الضفة الغربية، وقطاع غزة الى الولايتين الاردنية والمصرية.. ما مدى تأثير ذلك على استئناف المفاوضات السلمية مع إسرائيل؟ ــ كما سبق وان ذكرت، الفلسطينيون هم اصحاب القرار بمن يحكمهم، نحن لا نريد اي دور للاردن في الضفة الغربية، ودورنا يتركز في تقديم الدعم والاسناد للاشقاء الفلسطينيين حتى يتجاوزوا المحنة التي يتعرضون لها وينتهي الاحتلال الاسرائيلي. وكما قدمنا لهم الدعم في مختلف الظروف التي مروا بها سنبقى ندعمهم ونساندهم بكل امكاناتنا. اما الحديث عن دور يستبدل فيه الجندي الاسرائيلي بجندي اردني، فهذا امر لن اسمح به على الاطلاق وشعبي الاردني متضامن معي في هذه المسألة.
ـ جلالة الملك.. دعني اسألك بصراحة هل طغيان الاكثرية الفلسطينية عدديا ينفي وجود مجتمع اردني ويؤكد على وجود تجمع بشري؟ ــ طغيان الاكثرية الفلسطينية ليس صحيحا ولكن دعني اوضح لك ان تميز الاردن وقوته تكمن في تنوع مجتمعه، فالاردنيون من مختلف اصولهم ومنابتهم سواء اكانوا من اصول فلسطينية او عربية اخرى ما دام قبلوا بهذا الوطن وطنا لهم وقدموا واجباتهم وحصلوا على حقوقهم فهم قوة الاردن ومنعته وتقدمه، وان غايتي وهدفي في الحياة هو توفير العيش الكريم لهم والمستقبل لابنائهم وبناتهم.
ـ ما علاقة استرجاع اراضي الضفة الغربية والولاية على القدس بضمان وجود الاردن وبقائه كدولة وضمان انتهاء الاحتلال الاسرائيلي لجميع الاراضي الواقعة غرب النهر؟ ــ كما اسلفت ان استرجاع اراضي الضفة الغربية هو هدف نعمل لأجله مع اشقائنا العرب، اما عن العلاقات بين الاردن والدولة الفلسطينية التي ستقوم على الاراضي الفلسطينية فهي ستكون علاقات اخوة وجوار وسنكون السند الظهير للدولة الفلسطينية المقبلة ندعمها ونؤازرها لتكون امل الفلسطينيين ومستقبلهم بعد ان كافح هذا الشعب وناضل فانه يستحق ان يكون له كيان على الخريطة العالمية. اما الحديث عن خطر يهدد الاردن في حال قيام الدولة الفلسطينية، فهذا هراء وأمر يراد به التشويش على عدالة القضية الفلسطينية.
ـ الهاشمية كعقيدة وانتماء والتزامها بقيادة الاقطار العربية نحو الوحدة القومية والسياسية.. اين اصبح هذا الاندفاع اليوم؟ ــ نحن دعاة وحدة وتضامن ورؤيتنا ان وحدة العرب وتضامنهم كفيلان بحل جميع مشكلاتهم، والوحدة التي ننظر اليها لا تكمن فقط بان تكون الدول العربية مجتمعة بدولة واحدة، فلكل قطر عربي خصوصية يجب احترامها من قبل الجميع.
والاوروبيون بكل تناقضاتهم حققوا الآن وحدة اقتصادية فريدة، فلماذا لا نقتدي نحن العرب بالدول الاوروبية ويكون الاقتصاد عنوان وحدتنا وتكاملنا وتضامننا لان عالم اليوم اصبح يعترف بالتكتلات الاقتصادية.
وفي ظل سياسة العولمة التي طغت على الاقتصاد العالمي لابد ان يكون لدى العرب تكتلهم الاقتصادي الذي يعزز التجارة البينية ويزيل العوائق امام انسياب حركة التجارة بين الأقطار العربية، وبالتالي نحقق لشعوبنا الحياة الكريمة ونعيد للشباب العربي الأمل بالمستقبل الزاهر الذي يحقق طموحاتهم.
وفي هذا السياق لابد من التأكيد على أن تقديم الفكر المستنير والنماذج الناجحة والاهتمام بتنمية الإنسان يساهم في قيادة الدول العربية نحو التقدم والازدهار الذي هو مفتاح الوحدة السياسية والقومية مهما كانت.
ـ الاردن ـ الولايات المتحدة على ماذا يلتقيان ويختلفان بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة؟ ــ نلتقي على امور كثيرة وقد نختلف على بعض القضايا ولكن علاقاتنا بأميركا تظل قوية ومتينة. على الصعيد السياسي يجب ان نعترف بأهمية دور الولايات المتحدة وثقلها السياسي العالمي. واذا اغفلنا هذا الدور فلن نتمكن من تحقيق السلام في منطقتنا لان جزءاً كبيراً من اوراق الحل هو بيد الولايات المتحدة ومنذ كامب ديفيد اتخذت الادارات الأميركية المتعاقبة نهجا قويا يؤكد ان حل القضية الفلسطينية لا يمكن ان يتأتى الا عن طريق الحل السياسي وهذا هو موقف العرب ايضا. ولذلك فان دور الولايات المتحدة في عملية السلام دور حيوي ومركزي لا يمكن لأحد أن يتجاهله او يرفض التعامل معه.
اما على صعيد علاقاتنا بالولايات المتحدة في المجال الاقتصادي فهي قوية وطيدة. فأميركا تقدم مساعدات كبيرة للأردن في المجالات الاقتصادية والثقافية والعسكرية، ووفرت اتفاقية التجارة الحرة التي وقعها الاردن مع الولايات المتحدة للاردن مجالاً حيويا امام زيادة التعاون بين البلدين، والاردن يعد رابع دولة توقع هذه الاتفاقية بعد كندا والمكسيك واسرائيل، وفتحت هذه الاتفاقية اكبر سوق عالمي امام الصادرات المنتجة في السوق الاردني. ونأمل خلال السنوات المقبلة ان يشهد الاردن المزيد من الاستثمارات العربية والأجنبية التي تسعى الى الدخول للسوق الأميركي من خلال الاردن.
على صعيد الحرب على الارهاب التي تخوضها الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، نحن أعلنا موقفنا بأننا ضد الارهاب بجميع اشكاله لاننا عانينا من الارهاب وكنا كوطن وشعب احد ضحاياه، وأكدنا على أكثر من صعيد أن الحرب على الارهاب يجب ان لا تختلط فيها الامور وتصبح حربا على الاسلام لان الاسلام بريء من الذين يحاولون التستر خلفه لتحقيق مآربهم. وما جرى في 11 سبتمبر لا يقره الاسلام ولا أي دين آخر فكيف لنا نحن العرب ضحايا الارهاب ان نؤيد هذه الجرائم؟ لدينا مصالح مع الولايات المتحدة نعمل على المحافظة عليها، والولايات المتحدة اضافة الى ما ذكرت تقدم للاردن مساعدات من المتوقع ان تبلغ 400 مليون دولار.
ـ الدعوة الأميركية لإقامة دولة فلسطينية ومستقبل وجود هذه الدولة.. ما مدى جدية الطرح، وهل سترى الفكرة النور؟ ــ الولايات المتحدة وحسب ما أعلن الرئيس بوش ووزير الخارجية الأميركي كولن باول ملتزمة برؤيتها لإقامة دولة فلسطينية تعيش الى جانب دولة اسرائيل. وخلال لقاءاتي بالرئيس بوش والإدارة الأميركية كان تركيزي دائما على انه ما لم يتم معالجة المشكلة السياسية للقضية الفلسطينية على أساس سياسي وليس أمني، وما لم يتم إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الاراضي الفلسطينية وخلال فترة زمنية معقولة تتفق عليها الاطراف المعنية، فان دوامة العنف ستستمر وان إقامة الدولة الفلسطينية هو الكفيل بإنهاء العنف في الأراضي الفلسطينية.
اما الحديث عن دولة فلسطينية دون ان يرافقه حديث عن اطار زمني لها وتعريف لهذه الدولة فهذا امر غير مقبول، وخلال الأيام الماضية اصبح الحديث عن دولة مؤقتة ـ وهو مصطلح جديد في القاموس السياسي ـ ان ما نريده هو دولة ناجزة بكل معنى الكلمة.. دولة تقوم وفقا لقرارات مجلس الأمن 242 و338 و1397.
على أية حال لقد جاء بيان الرئيس بوش منسجماً مع الموقف الاردني حول تعريف الاطار العام للحل وتحديد الجدول الزمني لاعادة اطلاق المفاوضات.
واعتقد ان دعوة الرئيس بوش لاقامة دولة فلسطينية تعد أمراً ايجابياً ونحن نرحب بهذا الموقف ونؤيد قيام دولة فلسطينية تقوم على أساس حدود عام 1967. هذه المبادرة الأميركية تشكل بداية لنهاية الصراع بين العرب والاسرائيليين، وكما ذكرنا نحن في الاردن على استعداد للعمل مع كل الأطراف للتوصل الى السلام في المنطقة والى اقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل.
ونأمل أنه بهذه المبادرة الجديدة يتحقق الهدوء في الأراضي الفلسطينية ويتوقف العنف. وان شاء الله تستجيب اسرائيل لما جاء في بيان الرئيس بوش، لكن اريد ان اقول انه من اللازم اشراك جميع الاطراف وخصوصا سوريا ولبنان في عملية السلام حتى يكون هذا السلام شاملاً.
ـ المؤتمر الدولي المقترح واستبعاد سوريا ولبنان من المشاركة فيه، هل سيكون له نصيب من النجاح؟ ــ حتى الآن لم يتبلور شيء عن المؤتمر الدولي سواء في جدول أعماله أو طبيعة المشاركين فيه. موقفنا في هذه المسألة واضح وهو يجب أن توجه الدعوة لجميع الأطراف المعنية للمشاركة فيه وأن يكون جدول أعماله واضحاً ومحدداً.
لابد من الاعتراف ان هناك احباطاً ويأساً في المنطقة وما لم يعالج المؤتمر المقترح جوهر الصراع ويجد الحلول الناجعة للمشكلات الحالية فسنعود للمربع الاول ونبقى ندور في حلقة مفرغة. على المؤتمر ان يتعامل اضافة للمسائل السياسية مع المسألة الاقتصادية والمعاناة المريرة للشعب الفلسطيني وان يتعامل مع الحاجات الاقتصادية والسياسية للفلسطينيين.
ـ مبادرة السلام العربية.. أين أصبحت؟ ــ اعتقد أن مبادرة السلام العربية لم تمت، فكل الخطط والمبادرات والأفكار المطروحة حاليا تلتقي مع المبادرة العربية وغايتنا في النهاية أن نحقق مسعى واحداً وهو إنهاء الاحتلال الاسرائيلي ووقف مسلسل القتل اليومي، وإعطاء الفلسطينيين الذين بلغت معدلات البطالة في أوساطهم 75 في المئة ويعيش 65 في المئة منهم تحت خط الفقر، الأمل والأمن والاستقرار. فالسبب الذي يدفع للتضحية بأرواحهم هو فقدانهم الأمل بمستقبلهم.
اذا تمكنا من تحديد ماذا نريد من مؤتمر السلام واتفقنا على آلية واضحة لتنفيذ بنود المؤتمر ضمن جدول زمني محدد نكون قد وضعنا الأساس لحل هذا النزاع الذي استنزف طاقات شعوب المنطقة كافة.
ـ ماذا عن مستقبل العلاقة الأردنية العراقية في ضوء المتغيرات الدولية المستجدة، وامكانية توجيه ضربة اميركية للعراق؟ ــ علاقتنا بالعراق جيدة جدا ونأمل ان تتطور الى الأمام بما يخدم مصالح الشعبين ومصالح امتنا العربية بشكل عام. نحن مازلنا نطالب بأن حل الخلافات بين العراق والولايات المتحدة والأمم المحدة يستدعي بدء حوار عملي وجاد وتفاهم يجنب المنطقة المزيد من الكوارث والمآسي التي مازلنا نعاني منها جميعا. ضرب العراق كارثة ليس للعراق وحسب بل للمنطقة كلها.
كل العون والتعاون من دول الخليج
بسؤال العاهل الاردني عن انطباعه بعد زيارته الاخيرة لعدد من دول الخليج قال انها كانت جد مريحة، سواء زيارته لمملكة البحرين، او لدولة الامارات، او لدولة الكويت، لقد وجدت كل العون والتعاون من قادة هذه الدول، الامر الذي يجعلني أنوي زيارة هذه الدول مرة اخرى لتوثيق روابط التعاون، وتعزيز علاقات الاخوة.
واضاف العاهل الاردني ان زيارته للكويت كانت جد ناجحة ومثمرة، وقد التقى خلالها بسمو الامير، وبكبار المسئولين، وبعدد من الفاعليات السياسية والاقتصادية والبرلمانية، وانوي زيارة الكويت مرة اخرى.
وأكد جلالته اننا امام مرحلة جديدة وفرص تعاون كثيرة علينا ان نستغلها. نحن مقبلون على اوضاع جيدة نأمل ان تقود الى قيام سوق عربية مشتركة. (البيان الإماراتية)
التعليقات