تشكو زوجات بعض المسؤولين في لبنان من متطلبات الحياة العامة، فيتمنين لو انهن يعشن حياة اي امرأة عادية لا تربطها بالمجتمع تلك النشاطات والاستقبالات، لتمارس الواحدة منهن هواياتها في اوقات الفراغ، ومنهن من ترغب في العودة الى رياضة التنس، واخرى لم تعد تملك الوقت للطهو بعد ان كانت تجيد إعداد انواع من المأكولات العربية والاجنبية. ومنهن من ترى في رياضة المشي على شاطئ البحر فرصة للقاء زوجها النائب في البرلمان حين تسنح الفرصة بذلك. عن اوضاع معيشية كهذه تحيط ابتسام الحموي، عبر لقاءات اجرتها مع عدد من هؤلاء السيدات في بيروت، بالموضوع في هذا التحقيق.
حاولت "الشرق الأوسط" في لقاءات مع عدد من زوجات النواب في البرلمان اللبناني ان تدخل الى يوميات تلك العائلات، التي تقبع في الظل على الرغم من شهرتها. ففي الجانب الآخر من حياة كل مسؤول توجد امرأة ناشطة لم يعد بوسعها ان تكون سيدة منزل لا اكثر ولا اقل، وانما يجب ان تقف الى جانب زوجها ولو على حساب حياتها المنزلية.
* منى فارس: أعدت تشكيل شخصيتي
* تشغل زوجة النائب اللبناني مروان فارس، منصب رئاسة مصلحة استثمار الاماكن الاثرية والتاريخية والمتاحف في وزارة السياحة اللبنانية، وتقول "ابتعدت عن الجمعيات وعلقت نشاطي فيها، نحن ننتمي الى منطقة بعيدة عن بيروت، فزوجي نائب منطقة القاع في البقاع، ما يضطرنا الى التوجه اليها كل آخر الاسبوع لمدة ثلاثة ايام لنكون الى جانب الناس ونستمع الى مشاكلهم ومطالبهم".
وعائلة النائب مروان فارس تتألف من ثلاث فتيات، احداهن متزوجة ولديها ابنة واخرى انهت دراستها الجامعية في لندن، اما الصغيرة فهي في عامها المدرسي الاخير، تقول منى فارس انها تحاول دائماً ان تؤمن اجتماع الاسرة كاملة على طاولة الطعام في المساء "لكن ازمة انشغال افراد العائلة عن بعضهم لا تمسنا فقط نحن بل هي عامة، فقد اضحى العمل يشملهم جميعاً، حتى ان معظم القطاعات تنهي دوامها عند الخامسة من عصر كل يوم، فما بالك بمن يضطر الى اتمام واجباته السياسية الى جانب تلك الاعمال". وتضيف: "الويك اند" هو يوم عمل في قرية زوجي (القاع)، ويمكن ان نجد لأنفسنا فرصة للقاء لفترات طويلة خلال الاعياد. وفي القاع يتكثف العمل نظراً لكونها من المناطق المحرومة انمائياً وخدماتياً، لذلك اجدني مشغولة كل الوقت بين واجباتي كزوجة نائب وبين مهماتي المنزلية، واخيرا ما يأخذ من وقتي نصف النهار بين عملي اليومي في الوزارة، وقد توليت منذ فترة وجيزة مهمة تمثيل لبنان في القمة العالمية للسياحة التي عقدت في كندا، وعينت رئيسة للجنة التحضيرية للسنة العالمية للسياحة البيئية".
ويبدأ نهار منى فارس من ساعات مبكرة في الصباح "اعمل من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر، ضمن الدوام اليومي، اضافة الى النشاطات الاخرى على صعيد المشاركة في الندوات والمؤتمرات التي اجدها ضرورية على اساس تطوير الرؤية".
وتشعر منى فارس ان شخصيتها تغيرت عن ذي قبل "فقد بدأت حياتي باعطاء دروس في اللغة الفرنسية وادابها، لكني انتقلت الى ما يتناسب واختصاصي وشخصيتي ايضاً من خلال العمل السياحي، خصوصاً اني نلت شهادة في اللغة الفرنسية وادابها وطالما شعرت انني اقترب من خلالها من حضارات الشعوب. واقتضى انتقالي الى مجال الادارة في الوزارة، ان اخضع نفسي لدورات تدريبية في هذا الجانب واعدت تشكيل شخصيتي على هذا الاساس".
وتضيف فارس "كنت املك قناعة بالعمل قبل ان اصبح زوجة مسؤول، فالمرأة في نظري تحتاج الى موقع في الحياة الانتاجية والتنموية، وهل توجد في العالم اليوم نساء بعيدات عن العمل بشكل كامل".
وعن انخراطها في الجمعيات كغيرها من زوجات المسؤولين قالت فارس "وقتي مليء بالعمل، ولا اجد فيه متسعاً لدخول جمعية، كما اني لا اريد ذلك وسيلة للاستعراض والظهور. فلدي دور مهني الى جانب الاجتماعيات والتطلع الى تلبية حاجات تربوية ومهنية والمساعدة في اتمام المعاملات وغيرها من الحقوق البديهية لمن انتخبنا في بلدنا، والى جانب ذلك كله فانا عضو في لجنة مهرجانات بعلبك".
* إيمان الخير: ابني عانى ظلما لانشغالنا عنه
* ايمان زوجة النائب صالح الخير تدير معهداً مهنياً عنوانه "مركز التطور المهني" في حين تضطلع بعضوية في جمعية التوعية والعمل الخيري منذ تسع سنوات. وهي ام لولد وحيد (كاظم) يبلغ من العمر 18 سنة وهو في السنة الجامعية الاولى، وقد اصبح عضوا فاعلاً في اتحاد الطلبة في الجامعة منذ البداية، تقول ايمان صالح الخير "افاده كثيراً كونه ابن نائب، لأن الجو الذي نشأ فيه ساعده على الاستقلالية والتمتع بشخصية قوية وذكية، وانا اعتبر ان ابني عانى ظلماً جراء انشغالنا عنه، لكن هذا الظلم اوجد فيه طبيعة قادرة على اخذ قرارات حاسمة وتحمّل مسؤولية منذ صغره، خصوصاً انني كنت اضطر الى تركه في بيروت خلال توجهي ووالده الى منطقة المنية ـ الضنية، في طرابلس. وهي قرية زوجي التي انتخب فيها منذ ثلاثين عاماً، لذلك بعد طول معاناة اشعر اليوم ان ابني لم يعد يحتاج مشورتنا، وعلى الرغم من ذلك نحاول دائماً ان نخصص له ساعة في اليوم للمناقشة والحديث، وهو غالباً ما يأخذ رأيي في شؤونه بطريقة غير مباشرة".
وتتجه ايمان الى المعهد منذ الصباح الباكر بالاضافة الى رئاستها جمعية التوعية. وقد انشأت اخيراً اول حضانة للاطفال في قرية "المنية" (شمال لبنان)، "وهو ما يشعرني بالضغط والارهاق فأنا اخصص وقتاً للحضانة كل نهار سبت، فأشرف بنفسي على سير العمل فيها، الى جانب مساعدة زوجي في الاستقبالات في قريته لمدة ثلاثة ايام. ولا يخفى على احد ان مكتب صالح في منزلنا ببيروت. وعلى الرغم من ذلك اشعر بولع بهذا النمط من الحياة الناشطة، وقد وصلت الى يوم لا اتخيل فيه نفسي بلا عمل وحركة، واذا شعرت يوماً بتعب جسدي ارسل ممثلاً ينوب عني".
اما الوقت الذي تلتقي فيه بزوجها بشكل معتاد تقول ايمان "تنتهزها فرصة احياناً ممارسة رياضة المشي معاً على شاطئ البحر، وقد ساعدنا على ذلك قرب المنزل من البحر. وهو وقت نستطيع تبادل الاحاديث خلاله حول همومنا وما يتعلق بعمل كل منا، لكنها فرصة تذهب اذا ما قرر صالح المشي صباحاً وهو الوقت الذي اتجه فيه الى العمل".
وتذكر ايمان ان العائلة "ارادت في احد الايام التوجه الى منطقة عكار للتنزه لكن الانشغالات منعت من تنفيذ المشروع". وتضيف انها حرمت متعة القراءة "فليس لدي فرصة للراحة، وقد اسرق احياناً نصف ساعة لأقرأ اي شيء قبل ان اخلد للنوم. واحياناً اخرى اتابع مع صالح ما تعرضه شاشات التلفزيون، لكنني اهرب في اوقات اخرى الى غرفتي لاتابع برنامجاً غير سياسي يريح لي اعصابي".
* مارلين حردان: أجهد كي لا أخسر عائلتي
* وتهتم مارلين زوجة نائب حاصبيا ـ مرجعيون في الجنوب اللبناني اسعد حردان، بالعمل الاجتماعي من خلال جمعية "نور للرعاية الصحية والاجتماعية"، الى جانب اهتمامها بمستوصفات خاصة في الجنوب ومشاغل يدوية ومركز تصنيع زراعي "وهو نشاط تربوي انمائي اجتماعي، نسعى من خلاله الى ايجاد فرص عمل من اجل حث اهل الجنوب على الصمود في قراهم المحرومة بعد التحرير".
وتعتبر مارلين اسعد حردان ان عملها الاجتماعي يكمل النشاط السياسي الذي يضطلع به زوجها، "كنت اعمل قبل زواجي لكن ليس بهذا القدر، فمن الطبيعي ان تكون لزوجة المسؤول مهمات اضافية عن اي امرأة عادية لتساعد الناس". وتتجه مارلين الى عملها منذ الساعة التاسعة صباحاً، حيث تخصص عند السابعة باكراً ساعة للاهتمام بطفلتها الصغيرة (6 سنوات) قبل ذهابها الى المدرسة. وهي ام لعائلة تتألف من ثلاث فتيات وولد. وتعتبر "ان العمل السياسي يفرض لا محالة ملء الوقت كاملاً، لكننا من خلال النشاطات الاجتماعية والتربوية ومنها الكشفية نحاول اشراك اولادنا معنا مؤلفين بذلك فريقاً عائلياً ناشطاً ومتكاملاً. وانا اشعر بالسعادة لان اولادي يعيشون هذا النمط من الحياة. واحاول دائماً ان افرغ ساعة من وقتي في فترة بعد الظهر للاهتمام بابنتي. وفي اوقات فراغي القليلة جداً اعود لممارسة عشقي للعب التنس. فقد كنت سابقاً املك وقتاً لركوب الخيل وهو ما استغل اوقات فراغي للاستمتاع به اليوم. واجهد كي لا اخسر عائلتي".
وتقول مارلين "يهمني ان اترك بصمة في الحياة، وقد افسح لي زوجي المجال واسعاً لذلك، ولم امل من حياتي هذه مطلقاً، لانني بطبيعتي احب الصخب والحركة".
* نسيمة الخطيب: نهاري يبدأ وينتهي على الورقة والقلم
* اما نسيمة الخطيب، زوجة النائب اللواء سامي الخطيب، فتعبر عن سعادتها لانها جدة لتسعة احفاد من اربعة اولاد تجمعهم حولها في العطل وتحاول خصَّهم بمشاوير ونزهات مختلفة. وهي اضافة الى ذلك، امرأة ناشطة في العمل الاجتماعي من خلال ترؤسها جمعية "سحابة" وجمعية "انماء البقاع" وجمعية "بيروت التراث". وتجد نسيمة في ذلك سبيلاً يتوافق مع طاقاتها "فقبل ان اكون زوجة رجل مهم، عشقت قصص التاريخ والآثار. وبعد ارتباطي منذ سنوات طويلة شعرت ان المسؤولية فرضت علي مهمات اضافية، لذلك اهتم اليوم بالشؤون البيئية والتعليمية والتربوية والاجتماعية. وقد اتسعت نشاطاتي لتشمل منطقة البقاع الغربي (جب جنين) موطن زوجي".
وتقول نسيمة الخطيب "نهاري يبدأ على الورقة والقلم، فعند الساعة التاسعة صباحاً تبدأ الحركة وتنتهي عند نفس الساعة مساء. وقليلاً ما انتهي من العمل باكراً اذا ما صودف ولم تتكثف المواعيد". اما حياتها كربة منزل تقول "احاول الجمع بين اجتماعياتي وزوجي وعنايتي بأسرتي واحفادي ومنزلي او تخصيص جزء لما ارغب به، ورغم ذلك لا اعطي لذاتي الكثير لأني لا املك الوقت لذلك واحب القراءة والموسيقى واستمع احياناً الى النوع الكلاسيكي منها، سواء باللغة العربية او الاجنبية، واكره جداً الموسيقى الحديثة. ويسعدني لعب الورق الذي لا اجد وقتاً له سوى بالصدفة. وانا من مشاهدات التلفزيون الاوائل، واكثر ما يزعجني هو البرامج السياسية المطولة، لانني اشعر ان الحدث يفقد معناه من خلالها، ويؤدي بالمتفرج الى الملل، واتابع البرامج التراثية والتاريخية، وتستهويني الافلام الاجنبية من نوع "الاكشن".
ونسيمة الخطيب تتمنى قضاء وقتها كأي امرأة عادية "اشتاق الى الحياة العادية، لكنني اعتدت على نمط حياتي. ولم اعد اهتم مثلاً بالطبخ مثلاً زمان حين كنت اجيد اعداد انواع من المأكولات العربية والاجنبية".(الشرق الأوسط اللندنية)