يواجه الرجل الذي اختارته أميركا ليوفر قوة محلية لحملة الولايات المتحدة ضد الارهاب وضعا صعبا على المستوى الداخلي، فالرئيس الباكستاني برويز مشرف الذي راهن على مستقبله بتحالفه مع الغرب في اعقاب هجمات الـ 11 من سبتمبر، فقد الكثير من التأييد الداخلي بعد ان فرض مجموعة من التغييرات الجذرية في هذا البلد الاسلامي ارضاء لحلفائه الغربيين.
&وبعد 9 أشهر على انضمامه إلى التحالف الغربي ضد الارهاب وجد مشرف نفسه معزولا في بلاده، بعد ان تزايدت الانتقادات الموجهة إليه، وتعاظمت المشاعر المناوئة للغرب في أوساط المسلحين الاسلاميين وابناء الطبقة الوسطى على حد سواء ويعكس انخفاض اسهم مشرف، التراجع الذي طال شعبيته منذ الخريف الماضي، عندما اكتسب شعبية كبيرة داخليا وفي الغرب كزعيم اسلامي منفتح يسير على خطى اتاتورك، مؤسس تركيا الحديثة واحد الابطال الشخصيين للجنرال
. ولا يوجد أدنى شك حول سيطرة مشرف على الجيش واجهزة الاستخبارات القوية، في الوقت الحالي، كما انه لا توجد أية دلائل على وجود تهديد لسلطته في الوقت الراهن. ولكن اخلاص مشرف في تنفيذ المطالب الاميركية، يزيد من الشائعات التي تقول انه تخلى عن سيادة باكستان للولايات المتحدة الاميركية، والكثيرون يرون سياسة باكستان الجديدة تجاه كشمير الآن كحلقة أخيرة في مسلسل الإهانات التي تلقاها على يد الولايات المتحدة.
&ومع مشاركة عناصر من وكالة المباحث الفيدرالية "إف بي أي" في الغارات التي تشن على مخابئ عناصر القاعدة وحركة طالبان، فقد وصلت مشاعر العداء لاميركا أوجها. ويرى الكثيرون في الشارع الباكستاني ان مشرف اصبح قريبا اكثر من اللازم من الاميركيين لدرجة انه حصل مؤخرا على لقب "بو شرف"، أما الاستفتاء الذي اجراه قبل نحو شهرين حول مسألة استمراره في الحكم فقد شهد عمليات تزوير واسعة لدرجة ان الجنرال اضطر للاعتراف بغضب المواطنين علنا.
&وقد ساهم قراره خلال ربيع هذا العام بمنع عمليات الاختراق التي يقوم بها المسلحون الاسلاميون الى الجزء الهندي من كشمير مع تجنب الحرب مع الهند الى زيادة التهديدات بالانتقام من قبل المسلمين. ويقول عثمان مجيد "31 عاما" وهو رجل اعمال من اسلام اباد، معبرا عن وجهة نظر الكثيرين من ابناء الطبقة الوسطى: "إذا اوقفت اميركا دعمها فإن مشرف لن يستمر ليوم واحد"، ويضيف: "ان مشرف يقوم بكل هذه الأمور غير الدستورية لانه يحظى بمساندة أميركا، ولكن أميركا ليست صديقتنا". ورغم عدم توافر استطلاعات للرأي، يمكن الركون إليها لتقييم أداء مشرف، الا ان العديد من المؤشرات، مثل اسلوب تصويره في الصحافة، والتعليقات التي يدلي بها الزعماء السياسيون والاقتصاديون في البلاد، توحي بأن الثقة الشعبية به قد تراجعت بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة.
&ويمكن ملاحظة التراجع الذي طال شعبية مشرف من خلال متابعة مجلة "ذا هاليرالد" الشهرية النافذة، فعندما اقترح مشرف ابعاد البلاد عن "الاسلام المسلح" ظهرت صورته على غلاف المجلة وهو يرتدي قميصا أبيض، ويلوح بيده بجرأة، تحت عنوان يقول "باكستان مشرف الجديدة" وقد اعطى استطلاع محدود للرأي في ذلك الوقت لمشرف علامات مرتفعة. ولكن بعد شهرين ظهر الرئيس الباكستاني على غلاف المجلة مرة اخرى وجبينه يتصبب عرقا، بعد ان تخفى بقناع للجنرال محمد ضياء الحق الدكتاتور الذي حكم باكستان في الثمانينيات، والذي عرف بوحشيته ومساندته للمسلمين الاسلاميين، وذلك تحت عنوان يقول: "اللعبة التي يمارسها المستبدون".
&وفي خضم هذه الاوضاع، بدأ مشرف بالسعي جاهدا لتثبيت دعائم سلطته فمنذ فترة وجيزة أعلن عزمه على إعادة صياغة الدستور لاعطاء نفسه سلطة حل البرلمان وعزل رئيس الوزراء في أية حكومة مستقبلية منتخبة. ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المتوقع اجراؤها في الخريف المقبل، فإن الكثيرين يعتقدون ان الجنرال يعد الساحة لمواجهة حتمية. وبعد أحداث الـ 11 من سبتمبر عندما خيّر الرئيس جورج بوش، مشرف بين مساعدة الغرب او الوقوف ضده، اختار الرئيس الباكستاني السير في طريق قيادة الجمهورية الاسلامية الى التحول نحو العلمانية والاعتدال.
&وتمثلت خطوته الأولى في الامتناع عن مساندة حركة طالبان الاسلامية المسلحة التي حكمت افغانستان، والتي ساعدت اجهزته الاستخبارية على تأسيسها. وبعد ذلك اتجه مشرف نحو تحجيم الجماعات الاسلامية المسلحة التي ارسلت العديد من المقاتلين الى افغانستان وكشمير والتي كانت تهدد بتحويل باكستان نفسها إلى دولة راديكالية. وفي ذلك الوقت اظهر مشرف مزيجا من الشجاعة والمسؤولية مكّنه من تجاوز العديد من الضغوط الاستثنائية. ولكن يبدو ان فطنة مشرف قد خانته الآن، ولاشك ان شعبه قد لاحظ ذلك مبكرا.