نصرت مردان
يشاع أن فن خيال الظل ظهر لأول مرة في الصين. حيث قام الفنان الصيني شاف وونك بعكس خيال زوجة الامبراطور المتوفية على شاشة مضاءة في القرن 121 ق.م. وفي الموسوعة الصينية للقرن الحادي عشر الميلادي يذكر أن خيال الظل يعتمد على تحريك& أشكال مصنوعة من الجلد . وثمة مصادر تؤكد هذا الفن في الهند في القرن الرابع وانتقل منها في القرن الخامس الميلادي الى جاوة، حيث لا تزال التأثيرات الهندية واضحة عليها هناك حتى يومنا هذا.
حسب رأي جورج جاكوب فان خيال الظل انتقل من الصينين الى المغول ومنهم الى الترك . وكان أتراك اسيا الوسطى يطلقون اسم (قاروجاق ) على هذا النمط من الفن ،وذلك لاعتماده على دمى متحركة بواسطة اليد او بخيوط مربوطة بالدمى خلف ستارة بيضاء مضاءة من الخلف. ولايزال التركمان في العراق يسمون الدمية بـ ( قاورجاغ ).ويؤكد المؤرخ نفسه أن خيال الظل وصل الى كل منطقة وصل اليها الترك عن طريق الهجرات المتلاحقة لهم. ويذكر أيضا أن الأمير الأتابكي التركماني مظفرالدين كوكبوري كان ينظم حفلات خيال الظل في قصره اضافة الى عروض للعامة طوال شهر رمضان في أربيل عاصمة الدولة الأتابكية.
هنالك روايات عديدة حول خيال الظل حيث يذكر الرحالة التركي المعروف (اوليا جلبي 1611- 1682)أن قره كوز (أحد اشخوص الرئيسية في عروض خيال الظل) كان يعمل حدادا وزميله حاجيواد(الشخصية الرئيسية الثانية في تلك العروض )يعمل كبناء. وكانا يعملان معا في بناء أحد الجوامع بمدينة (بورصة) في عهد السلطان اورخان (1324 _ 1362) ويمتازان بالظرف ،ويجريان بينهما حوارا فكاهيا يلفت انتباه بقية العاملين الذين كانوا يتوقفون عن العمل خلال الجو المرح الذي يشيعه قره كوز وحاجيواد ،مما أدى الى تأخر بناء الجامع عن الموعد المقرر . وحينما علم السلطان بالسبب حكم بالموت عليهما ليكونا عبرة للأخرين. لكن السلطان سرعان ماشعر بندم شديد فيما بعد. وبهدف التسرية عن السلطان قام نديمه الشيخ (كوشتري )بصنع دمى من الجلد لقره كوز وحاجيواد، وأخذ يحركهما& خلف ستارة مضاءة من الخلف مقلدا حوارهما الفكه.
أما الرواية الثانية فتؤكد أن قره كوز وحاجيواد عاشا في القرن الرابع عشر ،وأن خيال الظل عرف كفن في مدينة (بورصة) أولا ،وأن الشيخ (كوشتري) المدفون في نفس المدينة هو رائد هذا الفن& حيث يرد اسمه في عروضه .كما يطلق اسمه ( ميدان كوشتري)على المكان التي تدور فيه أحداث المسرحية. ورغم هذه الرواية& فان هناك مؤشرات تدور الى وجود خيال الظل كفن مسرحي الى ماقبل القرن الخامس عشر الذي عاش فيه الشيخ (كوشتري ). ففي قصيدة ( نوبهار) لمسعود أحمد 1350 يرد مايلي:
&الرجل من يعرف خيال ظله
ويتقمص دوره في خيال الظل .
وتذكر القصيدة أن العروض كانت تقدم في المساء في خيمة تنصب لهذا الغرض. مما يدل أن خيال الظل كان معروفا كفن في الأناضول في منصف القرن الرابع عشر أثناء حكم السلاجقة . كما أن الشاعر حمدالله حمدي (1449-1507) تحدث في مثنويته (يوسف وزليخا& عن خيال الظل. ولايمكن التلميح الى شيء لا وجود له .
في القرن السادس عشر اكتسب خيال الظل شهرته في تركيا كنوع من الفن المسلي حيث أصدر شيخ الاسلام أبو السعود أفندي (1490-1574) فتوى أكد فيه أن حضور عروض خيال الظل بهدف الاتعاظ لا يستوجب العقاب. ويذكر المؤرخ العربي ابن الياس (1448-1521) أن السلطان العثماني سليم الأول قد أعجب عند حضوره الى مصر بعروض خيال الظل التي شاهدها في الجيزة ، وبلغ اعجابه بالفنان المصري الى درجة مرافقته له الى القصر العثماني ليقدم عروضه الممتعة لنجله .ومن المعروف أن عروض خيال الظل كانت تقدم في حفل ختان الامراء ،ولايزال نفس التقليد قائما في مختلف المناطق التركية حتى وقتنا الراهن . كما تشيرالعديد من الوثائق ويوميات الرحالة الأجانب الى تقديم عروض خيال الظل في المقاهي أيام شهر رمضان وفي حفلات الميلاد والختان اضافة الى الحفلات المقدمة في القصر والبيوتات .ويذكر الرحالة التركي اوليا جلبي في كتابه (سياحتنامه) أن استانبول لم تكن المسرح الوحيد لهذا الفن بل امتدت العروض الى مختلف المدن العثمانية مثل بورصه وارضروم . وقد ترعرع بعض فنانيه في التكايا أولا ثم مالبث أن امتدد الى احتراف فنانين لهذا الفن من مهن أخرى كما يبدو ذلك من أسمائهم (نافذ أفندي ،حافظ أفندي ،محمود الكاتب ،صالح أفندي الجراح ،حسني أفندي الطربوشي ،درويش أفندي الشكرجي ، محمد أفندي العطار ، درويش أفندي الشكرجي ،سليمان أفندي الحمامي ، مصطفى أفندي الحلاق ..).
&لقد تمكن خيال الظل أن يعيش ويظل محط اهتمام الجمهور حتى الربع الأول من القرن العشرين . لكن ازدهار المسرح وطهور السينما بعد قيام الجمهورية التركية حد من انتشاره. التقنيات الخاصة بعروض خيال الظل& يبلغ طول الدمى في عروض خيال الظل 35 ـ 40 سم . ويتم صنعها من وبر الجمال وجلود الثيران والأبقار
يتم قطعها بسكينة حادة تسمى (نوركان ). وبسبب رقة هذه الجلود فان الضوء ينفذ من خلالها وتنعكس الالوان التي تصبغ بها على الستارة. يتم تحريكها بأعواد مثبتة في ثقوب محفورة على الدمية. يسمى المساعد الذي يعاون الفنان الذي يقوم بعملية تحريك الدمى حسب الأحداث بـ (يارداك ) ومهمته نقر الدف وترديد الأغاني واعطاء الدمى لزميله عندما يحين أوان ظهورها أثناء العرض الذي يجري خلف ستارة بيضاء 1ّ120 يطلق عليها اسم المرآة ( آينا ) باشعال& أربع أو خمس& فتائل موضوعة في اناء مليء بالزيت أو توضع شمعة ضخمة خلف الستارة . وقد تم استبدالها فيما بعد بالمصابيح الغازية والكهربائية .
شخصيات خيال الظل
قره كوز : (قره)& في اللغة التركية يعني أسود ،و(كوز) يعني العين ،وبذلك فالعبارة لغويا تعني ( العين السوداء ). وهو في النصوص رجل أمي . يتحدث باللهجة الشعبية .لايفقه التعابير والألفاظ الأجنبية التي تستخدمها الشخوص الأخرى المتعلمة ( حاجيواد ، جلبي ، المدمن ) .يتظاهر بعدم فهم التعابير الشائعة .يقابل التعابير الأجنبية بتعابير مترادفة ترمز الى معان اخرى لاثارة الضحك . يمتاز بالفضول .يهب عند كل جلبة في الحي ليعرف مصدرها وسببها .يشارك في الحوار في الفترات التي لا ينزك فيها منزله& من نافذة بيته . لا يتوانى من اظهار مايبطنه ويتعرض من جراء ذلك الى مواقف صعبة . لا يفقد مرحه حتى في أصعب المواقف . عاطل عن العمل في أغلب الأوقات . يعمل ذوو السلطة للنيل منه لكنه يتمكن التخلص منهم دائما . يعتبره الرحالة اوليا جلبي في كتابه ( سياحتنامه ) أشهر عياري عصره .
حاجيواد : شخصية على العكس تماما من شخصية زميله قره كوز . متعلم . له المام يسير بالرياضيات والاقتصاد والاحصاء والنحو اضافة الى الأدب . انتهازي . يضع مصلحته الشخصية في المقدمة دائما .&&
لايقاوم النظام السائد ولاينتقده . يتصرف وفق ما تتطلبه المواقف والظروف . في أغلب النصوص هو مختار المحلة . يعرف معظم الشخصيات التي تظهر على المسرح . ويكون وسيلة لانجاحهم أو زواجهم كما في ( الحارس الغبي ،البقالة ،الطباخ ) يشارك قره كوز العاطل راتبه بعد أن يجد عملا له ( الصيدلية ، البقالة )
أو يدير عقارات جلبي بعد اقناعه ( الحديقة ،الحمام ، الحانة ) .
جلبي : في أغلب العروض هو صاحب عقارات . وريث أو عشيق يقتات من أموال عشيقاته ( المهرجون ، الحجاب ، المشعوذ ) أسير لملذاته ( الحارس الغبي ،العين ، نزهة في يالوفا ) يحمل في يده دائما باقة ورد اوقفازا أو عصا أو مظلة . وهو احد أبطال عروض خيال الظل التقليديين .
زننه : يطلق هذا الأسم على كافة النساء .أغلبهن فتانات ، وبعضهن يعانين من الشذوذ الجنسي ( التنهد ، الينبوع ، نزهة في يالوفا ) سهلات الانقياد .
المدمن : يدمن الأفيون .في أوج الحوار ينتابه النعاس .
القزم (به به روحي ): شخصية تقليدية يقوم بأعمال وأفعال لا تتناسب مع قدراته الجسمانية وطوله .&
بكر المجنون : سكير ،شقي . يفتخر بأنه قتل أباه وأمه ،وارتكب تسعمائة وتسع وتسعون جريمة قتل . يظهر في المواقف العصيبة لحل المشاكل.
فصول عروض خيال الظل
يتألف عرض (خيال الظل ) من أربعة فصول تقليدية : المقدمة ، المحاورة ، ، الفصل والختام .
&يرفع الستار بعد عدة ضربات على الدف :
&
المقدمة

يدخل حاجيواد المسرح وهو يردد لحنا شائعا ثم يردد عبارته التقليدية (ياحق !) يتلو بعده نصا يحتوي على نفحات صوفية ويتضمن التأكيد بأن الحياة فانية ،ويجب عدم& الانجرار وراء المظاهر . عند رفع الستار يركع حاجيواد متضرعا الله كي يحمي السلطان . وحينما ينهض يردد مايلي : ليت شعري هل أجد لي رفيقا ظريف الطرف ،حلو الشمائل لا يهم ان كان عربيا أو فارسيا ،يجيد الشعر ويهوى الموسيقى .يقول فأسمع ،أقول ويسمع .يقدم للحضور الكرام مايسري عنهم .. الهي اجعل النجاح نصيبنا هذا المساء .. وينهي عبارته بالجملة التقليدية " اسر عني ياصديقي ..اسر عني يارفيقي ! " وعند هذه العبارة يقفز قره كوز من أعلى المسرح ،ويدخل في عراك مع حاجيواد ينتهي بهزيمته وفراره . وعندما يبقى قره كوز وحيدا على المسرح ،يشكو للجمهور من هرج زميله حاجيواد ومرجه .ثم يقبل حاجيواد من جديد وتبدأ بينهما المحاورة .
المحاورة
&الحوار الذي يدور بين كل من قره كوز وحاجيواد لا علاقة له بموضوع العرض . حيث يكون التركيز على الفكاهة الفظية التي تعتمد اساسا على التورية والجناس والتلاعب اللفظي . وقد تستخدم كوسيلة مجردة للأضحاك قائم على سوء الفهم بين حاجيواد المثقف وقره كوز الأمي بالنسبة اليه .
ـ حيوان ناطق .
ـ حمامجي صادق .
ـ اسألك بالفارسية أيضا ( من ـ يعني أنا ) ،& ( ما معنى& تو ؟)
ـ تفو عليك .
أو تستخدم أحيانا للتعبير عن هدف أو موقف فكري .ويذكر د.فائق مصطفى أحمد في كتابه ( أثر التراث الشعبي في الأدب المسرحي النثري في مصر ) أن الفكاهة في عروض (خيال الظل ) تستند على عنصر البذاءة& والهجو والتلميح الى العلاقات الجنسية ،كما كان شان الملهاة في أول نشأتها في العالم . ويؤكد أن مسرحيات نجيب الريحاني أعتمدت على تبادل السباب والردح لاعتقاده أن هذا الاسلوب هو وسيلة للاضحاك في المسرح وذلك في تاثر واضح منه بعروض (الأراجوز ) .
&يبلغ عدد النصوص الخاصة بالمحاورة في خيال الطل التركي 60 نصا . وكان فنانو هذا النمط من الفن المسرحي يختارون مايناسبهم ثم يلجاؤن الى الارتجال وبامكانهم تطويل هذا القسم من العرض كما يشاؤون اذا كانت موهبتهم تساعدهم على ذلك .حيث كان الفنانون يتبارون لوضع عصارة مواهبهم في الارتجال . فيذكر الرحالة اوليا جلبي عند حديثه عن أحد عروض الفنان كور حسن بأنه استمر من الصباح وحتى المساء لمدة خمس عشرة ساعة كاملة في تقديم قسم المحاورة فقط . ولعل الفنان طاهر أفندي الذي عاش& في عهد السلطان عبدالحميد والذي اشتهر باسم ( خيالجي ـ الخيالي ) يعتبر رائدا في هذا المجال لأنه بلغ من الموهبة والقدرة على الارتجال بحيث أنه لم يكرر ماسبق وأن قدمه ..ولم يرتجل جملة سبق وان ارتجلها في عرض سابق . وتنتهي المحاورة في عروض (خيال الظل ) بفرار قره كوز ، وهو يردد لست مربوطا بحبل ،مادمت قادرا على الرحيل فسأرحل الى حيث الحسناوات كالبدور الطالعة .
&يحدث أحيانا اضافة مناظرة شعرية الى هذا القسم حيث يبدأ حاجيواد ببيت شعري يكمله قره كوز باختلاق بيت مثير للضحك والسخرية . وقد تكرر هذه المبارزة الشعرية لعشر أو خمس عشرة مرة ( كما في نيكار الدامية ،والختان ) . كما يمكن اضافة محاورة فرعية تشترك فيها شخصيات أخرى الى جانب الشخصيتين الرئيسيتين قره كوز وحاجيواد كما في ( الحديقة ، وليلى البورصية ـ نسبة الى مدينة بورصة ـ ) .&&&
الفصل
يتضمن هذا القسم حدثا معينا حيث تأخذ العروض عناوينها من الحدث الرئيسي في قسم الفصل مثل ( الحارس الأبله ، الحمام ، نيكار الدامية ، الكاتب )..وغيرها . ويشترك في هذا الجزء شخصيات متعددة تتحدث التركية بلكنة عربية أو كردية أو البانية أو يهودية أو أرمنية . وشخصيات هذا القسم : جلبي ، بكر المجنون ، زننة .
ورغم الحرص على الحدث الرئيسي الا انه يمكن اجراء تغييرات طفيفة كزيادة عدد تقليد اللهجات أو تقليلها أو تغيير ظهور دورها على المسرح .
كما تأثر المسرح المصري من ماورد في قسم (الفصل ) لخيال الظل التركي والخاص بالتحدث باللغة الأساسية في المسرحية بلكنات كردية وأرمنية ويونانية ويهودية وعربية كوسيلة للاضحاك . حيث يذكر د. فائق مصطفى أحمد في كتابه المهم الآنف الذكر بأن& هذا الجزء من (خيال الظل ) انتقل الى العديد من المسرحيات المصرية حيث تقحم شخصية البربري ،الشاويش الصعيدي ، العجوز التركية المتغطرسة ، الخواجة اليوناني و الخواجة الشامي ، والساحر المغربي وغيرها . من الشخصيات التي كانت لهجاتها الخاصة مصدرا للأضحاك في المسرحية . ويورد الدكتور فائق هذا النموذج للدلالة على هذا الجانب المرح في مسرح خيال الظل السوري ،وهي فصول تشبه الأراجوز المصري :
&قريطم ـ عندكم في الحمام جوه بركة ؟
كركوز ـ شو بركة ؟
قريطم ـ أدبخانه .
كركوزـ شو أدبخانه ؟
قريطم ـ مستراح .
كركوز ـ شو مستراح ؟
قريطم ـ خارج .
كركوزـ شو خارج ؟
كركوز ـ بيت موي (ماء ) .
قريطم ـ شو بيت موي ؟
قريطم ـ ششمه .
كركوزـ (بيحط يده وبيضربه ) من زمان قول ششمه . جايب لها ميت اسم وجاي .. &&&&&
الختام
هذا القسم يلي نهاية الحدث في قسم الفصل . وينتهي العرض بدوره بعد حوار قصير بين قره كوز وحاجيواد . وينهال قره كوز على زميله بالضرب كالعادة& والذي يصرخ& : لقد هدمت المسرح فوق رؤوسنا& آن آوان أن ابلغ الأخرين بذلك . فيتوجه قره كوز الى الجمهور معتذرا : اعذرونا ان شاط بنا اللسان ، مساء غد في عرض (يذكر اسم العرض ) سترون ما سيحل& بحاجيواد !
بعد ذهابه واطفاء الشمعة خلف الستارة ينتهي العرض .
مساحات للأبداع والارتجال والفنتازيا
ان نصوص قره كوز تترك مساحات كبيرة للأبداع والارتجال . يمين المسرح هو المكان الذي يقف فيه دائما قره كوز بينما يمينه هو مكان زميله حاجيواد . أما بالنسبة للقصر والجبل في ( شيرين وفرهاد ، ونيكار الدامية ) فلا وجود لهما& في الديكور بل يحس الجمهور يهما من خلال الحوار . وكذلك الأمر بالنسبة للحديقة والينبوع والأرجوحة . وفي ( شيرين وفرهاد ) يقفز قره كوز من بيته على جبل (الما داغي ) ويسقط من فوقه الى الأسفل مما يدلل على أن الجبل أصغر من بيته . . كما تترك نصوص خيال الظل مساحات واسعة للفنتازيا ، على سبيل المثال وقوف الحمار على قدميه رغم أنه يفقد رأسه (شيرين وفرهاد ) أو يتم ربط أجزاء من جسم الحمار ببعضها كما في (تخميس ) أو أن يلتقط قره كوز جثة حماره ويستعملها كمنظار ( الحديقة ،شيرين وفرهاد ).
وعلى اختلاف& طبيعة المواضيع في عروض خيال الظل فان أسلوبها يبقى كوميديا . فعند قمة التصاعد الدرامي في ( شيرين وفرهاد ) يعلق قره كوز على أكوام الصخور والتراب الموجودة أمام بيته ،وهي من مخلفات نحت فرهاد للجبال كي يظفر& بحبيبته، يعلق قره كوز قائلا :
&ـ تبا لك ياحاجيواد ! لماذا وضعت هذه النفايات أمام بيتي ؟
&مما يمنح للعرض طابعا كوميديا خاصا منذ البداية . كما أن قصص الحب الكلاسيكية ( مجنون ليلى ، شيرين وفرهاد ، طاهر وزهرة ) لاتنتهي النهاية التقليدية المعروفة بفراق العشاق بل بوصالهم . وهذا التقليد مستمر منذ عهد السلطان اورخان وحتى الآن .
يؤكد جاكوب أن العروض في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر امتازت بانتقاد بعض الشخصيات السياسية في تلك الفترة . حيث أن أحد العروض التي تناولت بسالة الجنود الانكشاريين في الحرب ضد روسيا عام 1788 في قسم المحاورة قوبل بالتصفيق من جانب الجمهور ، وهو ما حمل المسؤولين على ايقاف العرض لأن تلك الفترة كانت تشهد انحسار الاهتمام السياسي بالانكشاريين ، وكانت الدعوات قد طهرت& لالغاء تنظيمهم . كما أن هذه العروض انتقدت بسخرية& ثراء محمود باشا المفاجيء نتيجة الارتشاء.& وسخرت من سذاجة محمد باشا الجورجي وزوج ابنته لاز عثمان باشا& في زمن السلطان محمود .وقد تم فرض غرامة مالية على الفنانين وايقاف العرض بتهمة التشهير العلني ببعض الشخصيات العثمانية . وتذكر الكاتبة التركية المعروفة خالدة أديب اديوار ( 1884 ـ 1964 ) في روايتها ( سنه كلي بقال ) وهو اسم زقاق قديم في استانبول ،أن عروض قره كوز كانت في اغلبها انتقادية خلال فترة حكم السلطان عبدالحميد الثاني . وتذكر أنها كانت تشاهد عروض خيال الظل في ليالي رمضان في المقاهي ، وأنها لايمكن أن تنسى موهبة الفنان ( قز توفيق ) " العرض الذي شاهدته في مقهى (طوب صقال ) اتسم بانتقاد وزير الداخلية ومدير الأمن في تلك الفترة " .
طرأت تغييرات عديدة على العروض بعد فترة التنظيمات الاصلاحية . حيث تم اطلاق اسم الفصول على عروض خيال الظل مثل الفصل الأول ،والفصل الثاني& تماما كما كان عليه الأمر في المسرحيات الغربية .لم ينحصر تأثر خيال الطل عند هذا الحد بل تم عرض عدة مسرحيات معروفة لموليير مثل البخيل والطرطوف وغيرهما بدلا من النصوص التقليدية المعروفة. كما قام الفنان كاتب صالح في عهد السلطان عبدالحميد باجراء جملة من التغييرات كاستعمال زجاج مضبب والستارة اضافة الى الديكور . وتم تغيير الجزء الخاص بالرقص الغجري (جنكي) بنوع من الغناء الخاص (كانتو ـ غناء راقص مرح ). واستمرت محاولات التغيير بعد اعلان الجمهورية في 1923 حيث قام فنان الأرتجال ناشد بتمثيل القره كوز بممثلين حقيقين بدلا من الدمى .كما قام بعض المسرحيين بكتابة نصوص حديثة& لخيال الظل الا ان هذه المحاولات باءت بالفشل .
&وقف الفنانون في تركيا طويلا أمام اشكالية الاستفادة من التراث الغني لعروض القره كوز& وخاصة لغته الانتقادية اللاذعة مشيرين أن كتاب المسرح في الغرب كان لهم عصا السبق في ذلك مثل اداموف وبيكيت وجان جينيه ويوجين يونسكو . فمثلا اقام بيكيت مسرحيته ( المغنية الصلعاء ) على عجز الشخصيات عن فهم بعضها البعض ممما يؤدي الى شعورها بالاغتراب وهو يشبه التوتر القائم بين حاجيواد وقره كوز نتيجة لاختلاف المستوى الثقافي بينهما مما يخلق حالة من التوتر الدائم في علاقتهما في قسم المحاورة . كما نقل يونسكو في مسرحيته (الدرس ) روح الحوار الدائر في عرض (المدرسة) لخيال الظل ،وأنشأ عليها مسرحيته .
تحتفظ عروض خيال الظل في تركيا اليوم بتقاليدها من خلال العروض القليلة التي تقدم خلال شهر رمضان من بعض القنوات التلفزيونية أو من خلال بعض الحفلات الخاصة التي تنظمها المؤسسات الثقافية التي تعمل على صيانة هذا الارث الفني العريق .