&
بغض النظر عن التركيبة المتوقعة للمجلس النيابي الجديد، وعن الخلفية المتواضعة لبعض المرشحين، وعن امتناع بعض الشخصيات الوطنية والسياسية التي يشهد لها الجميع بالنزاهة والجدارة، عن خوض هذه المعركة، معركة الانتخابات كما سماها البعض، الا انني اجد ان اكثر من واجه المشكلة والمعضلة الانتخابية الجديدة هو "الناخب" في المقام الأول وخصوصا ذلك الذي يتنافس في دائرته العديد من الشخصيات القوية، والجادة، والمتعادلة نسبيا من حيث الكفاءة العلمية والمقدرة الجدلية والخلفية التشريعية ووجود القومية ومراعاة الله في النفس وفي الآخرين.
فكيف لهذا الناخب ان يرجح كفة مرشح دون الآخر، وكيف له ان يحسم الصراع الداخلي الذي قد ينغص عليه حياته حتى موعد الانتخابات، فهو تارة منسحب نحو "جاره المرشح" والصديق الذي يعرفه منذ سنوات والذي يجتمع معه في كل مكان، في البرادة المجاورة وفي المسجد حيث يصلي لصيقا به، وتارة اخرى يميل رأي هذا الناخب، مع رجل الدين الذي يحدثه كل جمعة في المسجد عن الخير والحق والعدالة والأسس الاسلامية التي يجدر تطبيقها سواسية بين المسلمين، فيما قد ينجرف هذا الناخب مرة أخرى الى قومية ومواقف ذاك الحقوقي الذي يدافع عن حقوق الانسان في كل مناسبة، ويحث على تطبيق العدالة الاجتماعية وحفظ الكرامة الانسانية لكل انسان. وربما تكون الطامة الكبرى لو كانت هناك امرأة جديرة بالترشيح ضمن قائمة المرشحين، لا تفهموني خطأ، فأنا مع انتخاب المرأة، ولكن من المشاهد ان سوء الحظ قد تتبع النساء في هاتين التجربتين الوليدتين، فقد وقف المجتمع ضد المرأة في التجربة الاولى محاولا تفتيت قوتها وهز ثقتها بذاتها على الرغم من تحمس الكثير من النساء الرائدات لخوض هذه التجربة.فيما قد وقفت الظروف هذه المرة في وجه المرأة ايضا، فها هي تعيد التجربة بتحفظ شديد، ولكن في ظروف اكثر وعورة. فمن المشاهد ان الكثير من الداوئر قد تربع عليها اناس قد ضمنوا الكرسي، اما لهشاشة المنافسين وإما لعدم وجود منافسين اصلا.
فيما قد رشحت كل امرأة من النساء المناضلات لنيل الفوز، في دوائر قوية جدا يصعب اختراقها من قبل الجنس الناعم، رغم شهادة الجميع بجدارة تلك الصفوة من النساء. نحن نعلم ان لدينا الكثير والكثير جدا من النساء القادرات على اختراق صفوف الكثير من المرشحين من الرجال لو اتت الظروف اكثر عدلا. ولكن كما سبق ذكره، فالظروف الحالية هي ضد النساء المرشحات فهل تأتي الرياح هذه المرة بما تشتهي السفن؟ نرجو ذلك ونتمنى نحن النساء الفوز الكاسح لسيداتنا الفاضلات ونأمل ان نكون مخطئين في توقعاتنا المسبقة بالتحدي الكبير الذي تواجه هذه الكوكبة الشجاعة من النساء. عودة لمحنة الناخب، فهل ستكون عند هذا الناخب أو الناخبة الثقة بترشيح المرأة ذات الكفاءة، ام سيتم ترشيح الجار والصديق، ام رجل الدين المعروف، أم سيتم الدعم للمرشح "ابن عمه" حفاظا على شمل العائلة وتثبيتا للشعور القبلي، أم سينتخب الوطني المعارض، ام سينتخب اليساري المتشدد، أم سينتخب من لا يملك ايا من كل ذلك، فقط كونه هو المرشح الوحيد، ام قد يمتنع الناخب عن الاختيار لعدم اقتناعه بالجميع، ويتنازل عن حقه الشرعي في الانتخاب، ذلك الحق الذي طالما قد ناضل ليحصل عليه، ام يقاطع مع المقاطعين رغم عدم اقتناعه بمنطقهم؟
أعتقد ان ما يدور في الساحة الانتخابية من تشهير وتشكيك من قبل بعض المرشحين، لمنافسيهم، لهو معضلة جديدة تضاف الى باقي المعضلات بالنسبة إلى الناخب، فما ان يدخل هذا الناخب خيمة احدى المرشحين بغرض الاستماع لبرنامجه الانتخابي، حتى يفاجأ بسيل من السيرة الذاتية لباقي المرشحين مصحوب بسلسلة من الخطايا والذنوب التي ربما اقترفوها فعلا وربما قد لفقت لهؤلاء المرشحين من باب الدعاية المغرضة والحرب الدعائية التي لا يجدر بأي مرشح استخدامها، لأنه ان فعل ذلك فهو اذا منافق لا يجدر تصديقه واعتماد انتخابه لكرسي يجدر به ان يحمل صوت الشعب وينقل مطالبه ويدافع عن حقوقه. ولكن وكما اظن، فإن هذا الجو الملغم بالاحقاد والمليء بالالتباس سيخلق وضعا ضبابيا قد تضيع عنده الحقائق وتنتشر في ظله الشائعات لتزيد الطين بلة، وتزيد الاختيار صعوبة، فاعلم ايها الناخب انك المسئول الأول عمن ستوصله الى الكرسي النيابي، فلا تختر من تظنه اليوم عونا ليكون عليك في الغد فرعون.